الشعر الجاهلي في الحب والشوق
الشعر الجاهلي في الحب والشوق قد تميز بفصاحة اللغة والتعبير الصادق عن المشاعر، فالحب والشوق ليست مجرد كلمات يتم ترديدها بل اضطراب شديد في مشاعر الإنسان يجعله يعاني بشدة فقد يقتلك نار الشوق أكثر من نار الواقع، فهي قادرة على أن تحرق روحك دون أن تشعر بذلك، لذا من خلال منصة وميض سوف نتعرف على أجمل أبيات الشعر في الحب والشوق بشيء من التفصيل في السطور القادمة.
الشعر الجاهلي في الحب والشوق
قد اشتهر شعراء العصر الجاهلي بقصائدهم عن الحب والشوق، وقد كان هناك عدد من الشعراء الذين اشتهروا بقصائدهم عن الحب والشوق مثل (عنترة بن شداد، امرؤ القيس، زهير بن أبي سلمى، الخنساء) وغيرهم الكثير من الشعراء، حيث كانت القصائد هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنهم أن يعبروا بها عن مشاعرهم.
فلم يكن من السهل على الرجل أن يعبر عن حبه للمحبوبة نظرًا لعادات وتقاليد القبائل، فقد كانوا يتسمون بالقوة والشدة، وهو الأمر الذي دفع الشعراء أن يستخدموا أبيات الشعر كسلاح يمكنهم من خلاله التغزل في المحبوبة والتعبير عن مدى الشوق والعشق، لذا سوف نطرح لكم أبرز قصائد الشعر الجاهلي في الحب والشوق فيما يلي:
1- قصيدة أعلنْتَ في حُبِّ جُملٍ أيَّ إعلانِ
الشاعر هو حاجب بن الحبيب بن المضلل بن قيس بن المضلل بن ثعلبة بن الأسدي، أحد أشهر الشعراء في العصر الجاهلي وتنتمي إليه هذه القصيدة، وقد قيل إن هذه القصيدة والأخرى التي كتبها هي لمنقذ بن طريف، ولكن قد استطاع الخطيب التبريزي أن يثبت إنها تنتمي لأبن المضلل.
هذه القصيدة يشير فيها الشاعر إلى نيران الشوق والحب الذي يحاول أن يكتمها، فقد حاول أن ينسى ولكن لا يمكن للإنسان أن ينسى حبه وشوقه، ثم أخذ يعرض صفات المحبوبة ويتغزل فيها، موضحًا الأماكن التي كانوا يذهبون إليها سويًا وهو ما يطلق عليه البكاء على الأطلال، وكانت هذه مناسبة القصيدة، لذا في سياق حديثنا عن الشعر الجاهلي في الحب والشوق سوف نعرض لكم هذه القصيدة التي تتمثل في:
أَعلَنتُ في حُبِّ جُملٍ أَيَّ إِعلانِ
وَقَد بَدا شَأنُها مِن بَعدِ كِتمانِ
وَقَد سَعى بَينَنا الواشونَ وَاِختَلَفوا
حَتّى تَجَنَّبتُها مِن غَيرِ هِجرانِ
هَل أَبلُغَنها بِمِثلِ الفَحلِ ناجِيَةٍ
عَنسٍ عُذافِرَةٍ بِالرَحلِ مِذعانِ
كَأَنَّها واضِحُ الأَقرابِ حَلَّأَهٌ
عَن ماءٍ ماوانَ رامٍ بَعدَ إِمكان
فَجالَ هافٍ كَسَفّودِ الحَديدِ لَهُ
وَسطَ الأَماعِزِ مِن نَقعٍ جَنابانِ
تَهوي سَنابِكُ رِجلَيهِ مُحَنَّبَةً
في مُكرَهٍ مِن صَفيحِ القُفِّ كَذّانِ
يَنتابُ ماءَ قُطَيّاتٍ فَأَخلَفَهُ
وَكانَ مَورِدُهُ ماءً بِحَورانِ
تَظَلُّ فيهِ بَناتُ الماءِ أَنجِيَةً
كَأَنَّ أَعيُنَها أَشباهُ خيلانِ
فَلَم يَهُلهُ وَلَكِن خاضَ غَمرَتَهُ
يَشفي الغَليلَ بِعَذبٍ غَيرِ مِدّانِ
وَيلُ أُمِّ قَومٍ رَأَينا أَمسِ سادَتَهُم
في حادِثاتٍ أَلَمَّت خَيرَ جيرانِ
يَرعَينَ غِبّاً وَإِن يَقصُرنَ ظاهِرَةً
يَعطِف كِرامٌ عَلى ما أَحدَثَ الجاني
وَالحارِثانِ إِلى غاياتِهِم سَبَقاً
عَفواً كَما أَحرَزَ السَبقَ الجَوادانِ
وَالمُعطِيانِ اِبتِغاءَ الحَمدِ مالَهُما
وَالحَمدُ لا يُشتَرى إِلّا بِأَثمان
اقرأ أيضًا: أجمل أبيات الشعر الجاهلي في الغزل
2- قصيدة أبت ذكر من حب ليلى تعودني
تنتمي القصيدة إلى (زهير بن أبي سلمى) هو أحد أهم الشعراء الذين قدمهم نقاد الشعر العربي على كافة الشعراء الآخرين، فهو ينتمي إلى عائلة من كبار الشعراء مما كان لهذا أثرًا في نشأته، وكان شعر زهير متعدد الأغراض كغيره من الشعراء في هذا العصر.
نظرًا لتأثره بالمشكلات الاجتماعية والبيئية التي كانت تحيط به، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن شعره قد امتاز بمكارم الاخلاق والدعوة المستمرة إلى الصلاح والسلام، وبالرغم أن هذا الرجل لم يحب من قبل ولم يشغل قلبه حبًا أبدًا إلا أنه كان يكتب قصائد في الحب والشوق.
فقد كان يحب أن يتقمص هذه الحالة عند كتابته الشعر حتى يتمكن من سرد الأبيات بصورة صادقة نابعة من داخله، وبالتالي فإن هذه القصيدة لا يشير إليها الشاعر إلى أحد النساء كما يظن الكثير، كما أن قصائده كانت تتميز بالدقة والنبل فقد كان يلجأ إلى الغزل العفيف الذي يبرز محاسن المرأة وأخلاقها، وسوف نوضح لكم كل هذا في أحد أشهر قصائده حول الشعر الجاهلي في الحب والشوق وهي:
أَبَت ذِكَرٌ مِن حُبِّ لَيلى تَعودُني
عِيادَ أَخي الحُمّى إِذا قُلتُ أَقصَرا
كَأَنَّ بِغُلّانِ الرَسيسِ وَعاقِلٍ
ذُرى النَخلِ تَسمو وَالسَفينَ المُقَيَّرا
أَلَم تَعلَمي أَنّي إِذا وَصلُ خُلَّةٍ
كَذاكِ تَوَلّى كُنتُ بِالصَبرِ أَجدَرا
وَمُستَأسِدٍ يَندى كَأَنَّ ذُبابَهُ
أَخو الخَمرِ هاجَت حُزنَهُ فَتَذَكَّرا
هَبَطتُ بِمَلبونٍ كَأَنَّ جِلالَهُ
نَضَت عَن أَديمٍ لَيلَةَ الطَلِّ أَحمَرا
أَمينِ الشَوى شَحطٍ إِذا القَومُ آنَسوا
مَدى العَينِ شَخصاً كانَ بِالشَخصِ أَبصَرا
كَشاةِ الإِرانِ الأَعفَرِ اِنضَرَجَت لَهُ
كِلابٌ رَآها مِن بَعيدٍ فَأَحضَرا
وَخالي الجَبا أَورَدتُهُ القَومَ فَاِستَقَوا
بِسُفرَتِهِم مِن آجِنِ الماءِ أَصفَرا
رَأَوا لَبَثاً مِنّا عَلَيهِ اِستَقاؤُنا
وَرِيُّ مَطايانا بِهِ أَن تُغَمَّرا
وَخَرقٍ يَعِجُّ العَودُ أَن يَستَبينَهُ
إِذا أَورَدَ المَجهولَةِ القَومُ أَصدَرا
تَرى بِحِفافَيهِ الرَذايا وَمَتنِهِ
قِياماً يُقَطِّعنَ الصَريفَ المُفَتَّرا
تَرَكتُ بِهِ مِن آخِرِ اللَيلِ مَوضِعي
فِراشي وَمُلقايَ النَقيشَ المُشَمَّرا
وَمَثنى نَواجٍ ضُمَّرٍ جَدَلِيَّةٍ
كَجَفنِ اليَمانِي نَيُّها قَد تَحَسَّرا
وَمَرقَبَةٍ عَرفاءَ أَوفَيتُ مَقصِراً
لَأَستَأنِسَ الأَشباحَ فيها وَأَنظُرا
عَلى عَجَلٍ مِنّي غِشاشاً وَقَد دَنا
ذُرى اللَيلِ وَاِحمَرَّ النَهارُ وَأَدبَرا
اقرأ أيضًا: شعر الغربة عن الاهل
3- قصيدة صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
كاتب هذه القصيدة (زهير بن أبي سلمى) وقال كتب هذه القصيدة شوقًا إلى محبوبته سلمى التي كان يشتاق إليها بشدة، فهو لا يمكنه أن يتحمل ألم الفراق، ثم بدأ يصف جمال المحبوبة موضحًا مدى اشتياقه وهيامه بهذه التفاصيل، ثم بدأ يتحدث عن حزنه لفراقها ووصف الأماكن التي كان يتردد إليها كلاهما موضحًا ولعة حبهما المشتعلة، وقد كان الشاعر متردد بين النسيان وعدمه في قوله (صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو) ففي البداية ذكر أنه قد نسيها وبعد ذلك يوضح أن قلبه لم ينساها قط.
ثم انتقل بعد ذلك إلى القافلة التي تمر على الأماكن التي كانت تمر عليها محبوبته، موضحًا كافة التفاصيل سواء (النخل، والذكر المحجر، وجزع الحسا) وغيرها، يذكر بعد ذلك سرعة القوم الذين يرغبون في مساعدة المستغيثين وشبه هذه السرعة بسرعة الطيران، فقال لقد أسرعوا لكي يلبوا دعاء الاستغاثة راكبين خيولهم وهنا يقصد الحروب التي تقام في القبائل.
فقد بدأ في بداية القصدية بالحديث عن المحبوبة ثم أنهى القصيدة بأنه لا يستغرب مجد هؤلاء الجيوش الجامحة، ودورهم الفعال في حماية القبائل، فقد كانت هذه القصيدة تضم (الجمال والحب والخير والحق) فهو يدعوا في نهاية القصيدة إلى السلام.
هذا الأمر جعله من شعراء السلام المقدمين الذين قد أعجب بشعره النقاد على مر العصور، وكانت هذه إحدى قصائد الشعر الجاهلي في الحب والشوق وتتمثل في:
صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَقَد كادَ لا يَسلو
وَأَقفَرَ مِن سَلمى التَعانيقُ فَالثِقلُ
وَقَد كُنتُ مِن سَلمى سِنينَ ثَمانِياً
عَلى صيرِ أَمرٍ ما يَمُرُّ وَما يَحلو
وَكُنتُ إِذا ما جِئتُ يَوماً لِحاجَةٍ
مَضَت وَأَجَمَّت حاجَةُ الغَدِ ما تَخلو
وَكُلُّ مُحِبٍّ أَحدَثَ النَأيُ عِندَهُ
سَلُوَّ فُؤادٍ غَيرَ حُبِّكِ ما يَسلو
تَأَوَّبَني ذِكرُ الأَحِبَّةِ بَعدَما
هَجَعتُ وَدوني قُلَّةُ الحَزنِ فَالرَملُ
فَأَقسَمتُ جَهداً بِالمَنازِلِ مِن مِنىً
وَما سُحِقَت فيهِ المَقادِمُ وَالقَملُ
لَأَرتَحِلَن بِالفَجرِ ثُمَّ لَأَدأَبَن
إِلى اللَيلِ إِلّا أَن يُعَرِّجَني طِفلُ
إِلى مَعشَرٍ لَم يورِثِ اللُؤمَ جَدُّهُم
أَصاغِرَهُم وَكُلُّ فَحلٍ لَهُ نَجلُ
تَرَبَّص فَإِن تُقوِ المَرَوراةُ مِنهُمُ
وَداراتُها لا تُقوِ مِنهُم إِذاً نَخلُ
فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّ مُحَجِّراً
وَجِزعَ الحِسا مِنهُم إِذاً قَلَّما يَخلو
بِلادٌ بِها نادَمتُهُم وَأَلِفتُهُم
فَإِن تُقوِيا مِنهُم فَإِنَّهُما بَسلُ
إِذا فَزِعوا طاروا إِلى مُستَغيثِهِم
طِوالَ الرِماحِ لا ضِعافٌ وَلا عُزلُ
بِخَيلٍ عَلَيها جِنَّةٌ عَبقَرِيَّةٌ
جَديرونَ يَوماً أَن يَنالوا فَيَستَعلوا
وَإِن يُقتَلوا فَيُشتَفي بِدِمائِهِم
وكانوا قَديماً مِن مَناياهُمُ القَتلُ
عَلَيها أُسودٌ ضارِياتٌ لَبوسُهُم
سَوابِغُ بيضٌ لا تُخَرِّقُها النَبلُ
إِذا لَقِحَت حَربٌ عَوانٌ مُضِرَّةٌ
ضَروسٌ تُهِرُّ الناسَ أَنيابُها عُصلُ
قُضاعِيَّةٌ أَو أُختُها مُضَرِيَّةٌ
يُحَرَّقُ في حافاتِها الحَطَبُ الجَزلُ
تَجِدهُم عَلى ما خَيَّلَت هُم إِزائَها
وَإِن أَفسَدَ المالَ الجَماعاتُ وَالأَزلُ
يَحُشّونَها بِالمَشرَفِيَّةِ وَالقَنا
وَفِتيانِ صِدقٍ لا ضِعافٌ وَلا نُكلُ
تَهامونَ نَجدِيّونَ كَيداً وَنُجعَةً
لِكُلِّ أُناسٍ مِن وَقائِعِهِم سَجلُ
هُمُ ضَرَبوا عَن فَرجِها بِكَتيبَةٍ
كَبَيضاءِ حَرسٍ في طَوائِفِها الرَجلُ
مَتى يَشتَجِر قَومٌ تَقُل سَرَواتُهُم
هُمُ بَينَنا فَهُم رِضاً وَهُمُ عَدلُ
هُمُ جَدَّدوا أَحكامَ كُلِّ مُضِلَّةٍ
مِنَ العُقمِ لا يُلفى لِأَمثالِها فَصلُ
بِعَزمَةِ مَأمورٍ مُطيعٍ وَآمِرٍ
مُطاعٍ فَلا يُلفى لِحَزمِهِمُ مِثلُ
وَلَستُ بِلاقٍ بِالحِجازِ مُجاوِراً
وَلا سَفَراً إِلّا لَهُ مِنهُمُ حَبلُ
بِلادٌ بِها عَزّوا مَعَدّاً وَغَيرَها
مَشارِبُها عَذبٌ وَأَعلامُها ثَملُ
هُمُ خَيرُ حَيٍّ مِن مَعَدٍّ عَلِمتُهُم
لَهُم نائِلٌ في قَومِهِم وَلَهُم فَضلُ
فَرِحتُ بِما خُبِّرتُ عَن سَيِّدَيكُمُ
وَكانا اِمرَأَينِ كُلُّ أَمرِهِما يَعلو
رَأى اللَهُ بِالإِحسانِ ما فَعَلا بِكُم
فَأَبلاهُما خَيرَ البَلاءِ الَّذي يَبلو
تَدارَكتُما الأَحلافَ قَد ثُلَّ عَرشُها
وَذُبيانَ قَد زَلَّت بِأَقدامِها النَعلُ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
سَبيلُكُما فيهِ وَإِن أَحزَنوا سَهلُ
إِذا السَنَةُ الشَهباءُ بِالناسِ أَجحَفَت
وَنالَ كِرامَ المالِ في الجَحرَةِ الأَكلُ
رَأَيتُ ذَوي الحاجاتِ حَولَ بُيوتِهِم
قَطيناً بِها حَتّى إِذا نَبَتَ البَقلُ
هُنالِكَ إِن يُستَخبَلوا المالَ يُخبِلوا
وَإِن يُسأَلوا يُعطوا وَإِن يَيسِروا يُغلوا
وَفيهِم مَقاماتٌ حِسانٌ وُجوهُهُم
وَأَندِيَةٌ يَنتابُها القَولُ وَالفِعلُ
عَلى مُكثِريهِم رِزقُ مَن يَعتَريهِمُ
وَعِندَ المُقِلّينَ السَماحَةُ وَالبَذلُ
وَإِن جِئتَهُم أَلفَيتَ حَولَ بُيوتِهِم
مَجالِسَ قَد يُشفى بِأَحلامِها الجَهلُ
وَإِن قامَ فيهِم حامِلٌ قالَ قاعِدٌ
رَشَدتَ فَلا غُرمٌ عَلَيكَ وَلا خَذلُ
سَعى بَعدَهُم قَومٌ لِكَي يُدرِكوهُمُ
فَلَم يَفعَلوا وَلَم يُليموا وَلَم يَألوا
فَما يَكُ مِن خَيرٍ أَتَوهُ فَإِنَّم
تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِم قَبلُ
وَهَل يُنبِتُ الخَطِّيَّ إِلّا وَشيجُهُ
وَتُغرَسُ إِلّا في مَنابِتِها النَخلُ
اقرأ أيضًا: شعر الإمام علي عن الصبر
4- قصيدة أتاني طيف عبلة في المنام (عنترة بن شداد)
استكمالًا لحديثنا عن الشعر الجاهلي في الحب والشوق، فإن هذه القصيدة أحد القصائد التي كتبها عنترة في محبوبته عبلة، حيث بدأ القصيدة بافتخاره بطفولته وشجاعته وفروسيته، وشرح سواده وكيف أنه يفتخر بنفسه، ثم بدأ يتغزل في محبوبته وأخذ يوضح متى بدأ ينبض قلبه لها، ويذكر كم المعاناة التي يعيش فيها من أجل الفوز بحبها.
فقد شبه الشوق بالنار الملتهبة التي تحرق كل شيء يحيط بها، ثم روى أنه قد رأى عبلة في منامه قد قبلته وذهبت فأشعلت نار الشوق بداخله، وبدأ يوضح كم أنه يغار عليها، بعد ذلك يقوم بالرد على هؤلاء الذين ينصحونه بأن ينسى حب عبلة، فيرد عليهم قائلًا كيف أنساك يا ابنة مالك وكان العهد بيننا منذ الصغر.
يشرح معاناته في عدم قدرته على القرب لأن حولها أسود من النار، ولا يمكنه أن يبتعد فنار الشوق تحرقه، أخذ يمدح بعد ذلك في قومها ويقوم بوصفهم بأنهم يشبهون الأسود في قوتهم، وهذا الوصف صادق، فإن من أخلاقيات الشعار ألا يمدح أو يذم إلا بصدق.
أخذ بعد ذلك يمدح حبها ويحذرها بألا تصدق كل ما يقال عنه، وأكمل حديثه قائلًا ثم ارتقي لأعلى المراكز وسوف يفتخرون به ليس لأنه شاعر أو لمنصبه أو لعمله بل لأنه فارس شجاع قوي لا يخشى أحدًا، وأنهى قصيدته قائلًا إنه لا يستطيع ان ينسى حبها حتى لو كان هذا الحب سبب في كسر عظامه، وسوف نعرض لكم أبرز أبيات القصيدة التي تتمثل في:
أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ
فَقَبَّلَني ثَلاثاً في اللَثامِ
وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيباً
أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي
وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي
أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
أَيا اِبنَةَ مالِكٍ كَيفَ التَسَلّي
وَعَهدُ هَواكِ مِن عَهدِ الفِطامِ
وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَوماً
وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ
وَحَقِّ هَواكِ لا داوَيتُ قَلبي
بِغَيرِ الصَبرِ يا بِنتَ الكِرامِ
إِلى أَن أَرتَقي دَرَجَ المَعالي
بِطَعنِ الرُمحِ أَو ضَربِ الحُسامِ
أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتِ عَنهُ
رَعَيتُ جِمالَ قَومي مِن فِطامي
أَروحُ مِنَ الصَباحِ إِلى مَغيبٍ
وَأَرقُدُ بَينَ أَطنابِ الخِيامِ
أَذِلُّ لِعَبلَةٍ مِن فَرطِ وَجدي
وَأَجعَلُها مِنَ الدُنيا اِهتِمامي
وَأَمتَثِلُ الأَوامِرَ مِن أَبيها
وَقَد مَلَكَ الهَوى مِنّي زِمامي
رَضيتُ بِحُبِّها طَوعاً وَكَرهاً
فَهَل أَحظى بِها قَبلَ الحِمامِ
وَإِن عابَت سَوادي فَهوَ فَخري
لِأَنّي فارِسٌ مِن نَسلِ حامِ
وَلي قَلبٌ أَشَدُّ مِنَ الرَواسي
وَذِكري مِثلُ عَرفِ المِسكِ نامي
وَمِن عَجَبي أَصيدُ الأُسدَ قَهراً
وَأَفتَرِسُ الضَواري كَالهَوامِ
وَتَقنُصُني ظِبا السَعدِي وَتَسطو
عَلَيَّ مَها الشَرَبَّةِ وَالخُزامِ
لَعَمرُ أَبيكَ لا أَسلو هَواها
وَلَو طَحَنَت مَحَبَّتُها عِظامي
عَلَيكِ أَيا عُبَيلَةُ كُلَّ يَومٍ
سَلامٌ في سَلامٍ في سَلامِ
هذه بعض القصائد والمقتطفات التي ذكرها الشعراء في قصائدهم عن الشعر الجاهلي في الحب والشوق، بالإضافة أن هذه القصائد تعكس مدى صدق مشاعر هؤلاء الشعراء ومدى فصاحتهم.