قصة عمر بن الخطاب والاطفال الجياع
قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع كثيرًا ما نسمع عنها من بعيد لكن دون الخوض في تفاصيل هذه الواقعة، فسيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان من أكثر الصحابة والخلفاء تقوى لله تبارك وتعالى، وأكثرهم إنجازات في الدولة الإسلامية، وفيما يلي نتعرف على تفاصيل أكثر حوله من خلال منصة وميض.
قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع
كان رضي الله عنه حريصًا كل الحرص على الرعية وتفقد أحوالهم، فكان لا ينام من اليوم إلا القليل وهو جالس، وعندما سُأل عن ذلك أجاب أنه لا ينام الليل حتى لا يضيع عبادته لله، ولا ينام النهار حتى لا يضيع أحوال الرعية، وفي يوم من الأيام مساءًا خرج ومعه الصحابي الجليل سيدنا عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه-
بينما كانوا يمرون على مكان بعيد من المدينة، فإذا بهم يسمعون بكاء وصراخ أطفال، فاقترب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ووجد أطفال يبكون جوعًا، بينما أمهم تضع قدرًا من الماء يغلي على النار، سألها سيدنا عمر عن سبب ذلك فقالت إنها تحاول إلهاء الأطفال عن الجوع الذي اشتد عليهم حتى يناموا.
عندما سألها الفاروق عمر بن الخطاب عمن تشتكيه في ذلك الأمر، فقالت إنها تشكو عمر بن الخطاب إلى الله، وهي لا تعرف أن الذي أمامها هو عمر بن الخطاب نفسه، سألها وما شأن عمر بذلك فأجابت: أيولى أمرنا ويغفل عنا؟
انطلق أمير المؤمنين ومعه سيدنا عبد الرحمن بن عوف إلى مخازن بيت مال المسلمين، وأمر سيدنا عبد الرحمن أن يحضر السمن والدقيق والعسل وقال له أحمل علي، فسأله سيدنا عبد الرحمن بن عوف أأحمل عنك أم عليك، فأجاب الفاروق أحمل علي، فكرر سيدنا عبد الرحمن السؤال مرتين فكان جواب سيدنا عمر أن أحمل علي أأنت تحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟
أنطلق الصحابيان الجليلان إلى منزل السيدة التي تربي الأطفال الجياع، وجلس سيدنا عمر بن الخطاب وطهى للأطفال الطعام بيديه وترك الأم تطعمهم، وأخبرها أن تأتي في اليوم التالي ليكلم عمر بشأنها وهي ما زالت لا تعلم أن من فعل كل ذلك هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقالت له إنك أحق بالخلافة من عمر.
يقول سيدنا عبد الرحمن بن عوف أنهما جلسا خلف صخرة يراقبان الأم وهي تطعم الأطفال، فقال له يا أمير المؤمنين لنرحل من هنا لقد أتعبنا البرد، فأجاب رضوان الله عليه أنه لن يبرح المكان حتى يرى الأطفال يضحكون مثلما كانوا يبكون من الجوع.
اقرأ أيضًا: مقولات عمر بن الخطاب عن الصمت
من هو عمر بن الخطاب؟
كثيرًا منا يسمع عن عمر بن الخطاب دون تفاصيل مثلما يسمع عن قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع، وسيدنا عمر بن الخطاب من الصحابة الذين كان لهم شأن كبير وقدر مرتفع عند النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فنسبه أنه بن نفيل بن العزى القرشي العدوي، فهو ينتمي إلى قريش، وُلد بعد عام الفيل بثلاثة عشر عام، ويُوصف جسمانيًا بأن له قامة طويلة ومنكبين عريضين وساعدين قويين، وبشرته بيضاء مخمرية
كان دخوله إلى الإسلام بعد دعاء الرسول الكريم، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الرسول قال:
“اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة” [حديث صحيح – صحيح بن حبان].
وقتها كان الإسلام مضطهدًا والكفار أقوياء أشداء على المُسلمين، وكان الفاروق رضي الله عنه هو أول من جهر بالإسلام في مكة، ووقف أمام الكفار وهددهم أن من سيقترب منه أو ممن أسلموا فسيقتله، وعن عبد الله بن مسعود أن نبي الله قال:
“ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر” [صحيح ابن حبان – حديث صحيح].
كما أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من أكثر صحابة رسول الله علمًا وفقهًا، فوافقه الله تعالى في كتابه الكريم في عديد من المواقف منها أسرى بدر، واتخاذ مقام إبراهيم مصلى، والامتناع عن الصلاة على المنافقين، وكان يُرى أنه امتلك تسعة أعشار العلم وفقًا لرأي الصحابة.
تولى خلافة المسلمين بعد وفاة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في العام الثالث عشر من هجرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وفي عهده سقطت دولتي الفُرس والروم، وكان شديد الورع والتقوى لله تعالى، فكان إذا تعثرت دابة في سيرها في أي طريق يخشى أن يحاسبه الله عليها.
اقرأ أيضًا: عبد الله بن عمر بن الخطاب
اهتمام عمر بن الخطاب بالرعية
قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع ليست المظهر الوحيد الذي يبين اهتمامه رضوان الله عليه بالرعية، فقد ترك لنا أروع الأمثلة في الحكم في ظل تقوى الله وخشيته، فقد رُوي عنه قوله: “إني والله لأكون كالسراج، يحرق نفسه ويضيء الناس” وفيما يلي نتعرف على بعض من مظاهر اهتمامه بالرعية:
1 – خطبة عمر بن الخطاب بعد توليه الخلافة
بعد توليه الخلافة ألقى خطبة في الناس يخبرهم فيها أنه على قدر من المسؤولية، وأنه لن يتوانى عن معاقبة المخالف، والإحسان للمُحسن، فيقول في خطبته:
“أيّها الناس قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم، وأقواكم عليكم، وأشدّكم استطلاعاً بما ينوب من مهم أموركم، ما توليت ذلك منكم”
كما أنه أضاف في خطبته وقال: “إنّ الله ابتلاكم بي، وابتلاني بكم، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحدٌ دوني، ولا يتغيّب عني فآلوا عن الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكّلنّ بهم”
2 – تفقد أحوال الرعية بمختلف الطرق
كان رضي الله عنه يحافظ على تفقد أحوال الرعية، فكان يحرص على متابعة كل الفئات من الفقير إلى الغني، ذو الشأن العالي والمتواضع، كما أنه كان يتفقد جميع البلاد التي هي تابعة للإسلام، ويلبي احتياجاتهم مهما كان البلد بعيدًا، وفي ذات مرة أرسل إلى والي العراق يطلب منه أن يُرسل له رجلين محل ثقة ليسألهم عن أحوال العراق.
أُرسل إليه عدى بن حاتم ولبيد بن ربيعة عليهم رضوان الله تعالى، وقال رضي الله عنه:
“لئن سلَّمني الله، لأدعنّ أرامل العراق لا يحتجنَ إلى رجلٍ بعدي”.
3 – علاج عمر بن الخطاب للدواب بنفسه
كان من خشيته لله تعالى يخاف أن يسأله الله عن الدواب التي تعثو في الأرض إن مرضت أو أصابها ضرر، فكان يدخل يده بنفسه في البعير ليعالجها، وكان يجلس بعد الفجر حتى ظهور الشمس ليخطط لأحوال الرعية ثم يدخل إلى بيته، ناهيك عن قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع.
عدل عمر بن الخطاب
مظاهر عدل سيدنا عمر بن الخطاب كثيرة وعديدة، فقد اشتهر بكونه أكثر الناس عدلًا وأكثرهم قدرة على التفريق بين الحق والباطل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إنَّ اللهَ جعَلَ الحقَّ على لسانِ عُمَرَ وقَلبِه” [حديث صحيح – الترمذي وأحمد]، وفيما يلي نتعرف على بعض من مظاهر عدل سيدنا عمر بن الخطاب بخلاف قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع:
1 – الفتى المصري وبن عمرو بن العاص
كان فتى مصري يتسابق مع بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فسبقه الفتى مما جعل بن عمرو بن العاص يضربه بالسوط وهو ينعت نفسه بأنه ابن الأكرمين، فما كان من الفتى المصري إلا أن ذهب لعمر بن الخطاب يشكو له ما حدث، فطلب سيدنا عمر في إحضار عمرو بن العاص وابنه.
عندما حضرا أمر أمير الفاروق الفتى المصري أن يضرب بن عمرو بن العاص، فضربه الفتى ضربًا مؤلمًا بالسوط، ثم أمره أن يضع السوط على رأس عمرو بن العاص، فرفض الفتى المصري وقال أن الخلاف كان مع ابنه، فقال سيدنا عمر لعمرو متى استعبدتم الناس وهم خُلقوا أحرارًا؟ فقال عمرو: أنه لم يكن يعرف بما حدث.
اقرأ أيضًا: متى أسلم عمر بن الخطاب
2 – قصة ملك الغساسنة
كان أحد ملوك الغساسنة يدعى جبلة بن الأيهم قد دخل في الإسلام، وأرسل إلى سيدنا عمر يستأذنه أن يدخل إلى المدينة، ففرح به سيدنا عمر واستقبله أيما استقبال، فطلب الملك أن يطوف بالبيت وبينما وهو يطوف داس رجل من بني فزارة بغير عمد على إزار الرجل فخلعه، فغضب الملك ولكم الرجل لكمة حطمت أنفه.
شكا الرجل إلى سيدنا عمر ما حدث، فاستدعى الملك وواجهه بذلك فاعترف وأقر الملك بما فعل، فأخبره سيدنا عمر أن يرضي الرجل أو يقتص منه، فتعجب الملك واندهش وقال كيف ذلك وأنا ملك وهو أقل مني، فقال رضي الله عنه أن الإسلام يساوي بين الجميع، طلب الرجل مهلة من سيدنا عمر فأعطاه إياها، ففر هاربًا من المدينة وارتد.
إن قصة عمر بن الخطاب والأطفال الجياع تعطي حكمة وعبرة للبشرية أجمعين، فالله سوف يسألنا عن كل فقير لا يجد ما يأكله بينما نحن غارقون في النعم التي لا حصر لها.