شعر عن عزة النفس والشموخ

لأي شعر عن عزة النفس والشموخ مكانة ووقع خاص في نفس العربي، فهذا الغرض أو اللون من الشعر يعد من أقدم وأهم الأغراض في الشعر العربي وتوجد له العديد من الأمثلة والنماذج التي تعد كل منها بمثابة تحفة فنية مكتملة الأركان، وسوف نعرض من خلال منصة وميض أفضل هذه النماذج وأحسنها.

شعر عن عزة النفس والشموخ

يعد الفخر بالنفس وبالأمجاد والقبيلة والأصل النسب والتاريخ والأرض واحدًا من أقدم أغراض الشعر العربي على الإطلاق، وتزخر المكتبة العربية بمئات الآلاف بل بملايين الأبيات الشعرية والقصائد الرائعة التي تتناول هذا الغرض من الشعر، وهناك العديد من النماذج على شعر عن عزة النفس والشموخ للعديد من الشعراء مثل:

1- أبو الطيب المتنبي

أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي المعروف باسم أبو الطيب المتنبي، الذي يعد أشهر شعراء العصر العباسي على الإطلاق، ولقد تناول المتنبي في أشعاره كافة ألوان وأغراض الشعر تقريبًا وكانت كل قصيدة له ذات طابع مختلف ومميز عن الأخرى، ومن أهم الأغراض التي تخصص فيها المتنبي شعر عن عزة النفس والشموخ.
“وَفي الجسْمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بشَيْبِهِ    وَلَوْ أنّ مَا في الوَجْهِ منهُ حِرَابُ

لهَا ظُفُرٌ إنْ كَلّ ظُفْرٌ أُعِدُّهُ    وَنَابٌ إذا لم يَبْقَ في الفَمِ نَابُ

يُغَيِّرُ مني الدّهرُ ما شَاءَ غَيرَهَا    وَأبْلُغُ أقصَى العُمرِ وَهيَ كَعابُ

وَإنّي لنَجْمٌ تَهْتَدي صُحبَتي بِهِ    إذا حالَ مِنْ دونِ النّجومِ سَحَابُ

غَنيٌّ عَنِ الأوْطانِ لا يَستَخِفُّني    إلى بَلَدٍ سَافَرْتُ عنهُ إيَابُ

وَأصْدَى فلا أُبْدي إلى الماءِ حاجَة    وَللشّمسِ فوقَ اليَعمَلاتِ لُعابُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي    وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا    وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ    حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني    وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِدا    حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي    أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ

فُؤادٌ ما تُسَلّيهِ المُدامُ    وعُمْرٌ مثلُ ما تَهَبُ اللِّئامُ

ودَهْرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ     وإنْ كانتْ لهمْ جُثَثٌ ضِخامُ

وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم     ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
اقرأ أيضًا: شعر عربي فصيح عن عزة النفس

2- أبو الحسن الجرجاني

هو علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي القاضي الجرجاني المعروف باسم أبو الحسن الجرجاني أو القاضي الجرجاني، وهو واحد من أشهر شعراء العصر العباسي أيضًا لمع نجمع خلال القرن الرابع الهجري، وكان على صلة وطيدة بالصاحب بن عباد وزير بني بويه، فقلده الأخير قضاء جرجان ثم قضاء الري ثم رئاسة القضاء.
“يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما    رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما

أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم    ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِما

ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا     بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما

وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً     من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما

إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى    ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا

أُنزِّهها عن بَعضِ ما لا يشينُها     مخافةَ أقوال العدا فيم أو لما

فأصبحُ عن عيبِ اللئيمِ مسلَّما     وقد رحتُ في نفسِ الكريمِ مُعَظَّما

وإني إذا ما فاتني الأمرُ لم أبت         أقلِّبُ فكري إثره مُتَنَدِّما

ولكنه إن جاء عَفواً قبلتُه         وإن مَالَ لم أُتبعهُ هَلاً وليتَما

وأقبضُ خَطوي عن حُظوظٍ كثيرةٍ    إذا لم أَنلها وأفرض العرضِ مُكرما

وأكرمُ نفسي أن أُضاحكَ عابساً            وأن أَتلقَّى بالمديح مُذمَّما

3- أحمد شوقي

كتب أمير الشعراء أحمد شوقي شعر عن عزة النفس والشموخ كثيرًا، وكان ولا يزال شوقي هو أعظم شعراء العصر الحديث، فلقد جمع بين الثقافة العربية التي ينتمي إليها وبين الثقافة الأوروبية التي خالطها، ولقد نظم شوقي العديد من القصائد التي تتناول هذا الغرض الشعري.
“كانَ اِبنُ داوُدٍ يُقَر       رِبُ في مَجالِسِهِ حَمامَه

خَدَمَتهُ عُمراً مِثلَما      قَد ساءَ صِدقاً وَاِستِقامَه

فَمَضَت إِلى عُمّالِهِ          يَوماً تُبَلِّغُهُم سَلامَه

وَالكُتبُ تَحتَ جَناحِها     كُتِبَت لَها فيها الكَرامَه

فَأَرادَتِ الحَمقاءُ تَع        رِفُ مِن رَسائِلِهِ مَرامَه

عَمَدَت لِأَوَّلِها وَكانَ             إِلى خَليفَتِهِ برامَه

فَرَأَتهُ يَأمُرُ فيهِ عامِلَهُ            بِتاجٍ لِلحَمامَه

وَيَقولُ وَفّوها الرِعايَة      َ في الرَحيلِ وَفي الإِقامَه

وَيُشيرُ في الثاني بِأَن      تُعطى رِياضاً في تِهامَه

وَأَتَت لِثالِثِها وَلَم          تَستَحي أَن فضَّت خِتامَه

فَرَأَتهُ يَأمُرُ أَن تَكونَ          لَها عَلى الطَيرِ الزَعامَه

فَبَكَت لِذاكَ تَنَدُّماً           هَيهاتَ لا تُجدي النَدامَه

وَأَتَت نَبِيَّ اللَهِ وَهيَ          تَقولُ يا رَبِّ السَلامَه

قالَت فَقَدتُ الكُتبَ يا       مَولايَ في أَرضِ اليَمامَه

لِتَسَرُّعي لَمّا أَتاني             البازُ يَدفَعُني أَمامَه

فَأَجابَ بَل جِئتِ الَّذي         كادَت تَقومُ لَهُ القِيامَه

لَكِن كَفاكِ عُقوبَةً           مَن خانَ خانَتهُ الكَرامَه”
اقرأ أيضًا: مقدمة عامة حول شعر عمر بن أبي ربيعة

4- نزار قباني

نزار توفيق قباني شاعر المرأة في العصر الحديث، يعد نزار قباني هو الراعي الرسمي لقضايا المرأة خلال القرن الماضي ولطالما أثار الجدل بقصائده التي تحدث فيها بلسان وعاطفة المرأة، وكان نزار لا ينكر أبدًا عزة وكرامة المرأة في الحب حينما تثق بنفسها وتثق بمن تحب، ولقد مثل نزار شعر عن عزة النفس والشموخ لدى المرأة في قصيدة اغضب.
“اغضب كما تشاء..

واجرح أحاسيسي كما تشاء

حطم أواني الزهر والمرايا

هدد بحب امرأةٍ سوايا..

فكل ما تفعله سواء..

كل ما تقوله سواء..

فأنت كالأطفال يا حبيبي

نحبهم.. مهما لنا أساؤوا..

اغضب!

فأنت رائعٌ حقاً متى تثور

اغضب!

فلولا الموج ما تكونت بحور..

كن عاصفاً.. كن ممطراً..

فإن قلبي دائماً غفور

اغضب!

فلن أجيب بالتحدي

فأنت طفلٌ عابثٌ..

يملؤه الغرور..

وكيف من صغارها..

تنتقم الطيور؟

اذهب..

إذا يوماً مللت مني..

واتهم الأقدار واتهمني..

أما أنا فإني..

سأكتفي بدمعي وحزني..

فالصمت كبرياء

والحزن كبرياء

اذهب..

إذا أتعبك البقاء..

فالأرض فيها العطر والنساء..

والأعين الخضراء والسوداء

وعندما تريد أن تراني

وعندما تحتاج كالطفل إلى حناني..

فعد إلى قلبي متى تشاء..

فأنت في حياتي الهواء..

وأنت.. عندي الأرض والسماء..

اغضب كما تشاء

واذهب كما تشاء

واذهب.. متى تشاء

لا بد أن تعود ذات يومٍ

وقد عرفت ما هو الوفاء”
اقرأ أيضًا: أبيات شعر للمتنبي عن عزة النفس

الفخر وعزة النفس في الشعر العربي

في إطار عرض قصائد شعر عن عزة النفس والشموخ يجدر بنا الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية، ألا وهو أن الفخر والشموخ والعزة تندرج كلها تحت غرض واحد من الشعر وهو الفخر الذي عرف منذ عهد اليونان والرومان وحتى من قبل الميلاد، ولقد كان هذا الغرض الشعري متعارفًا عليه في حضارة مصر الفرعونية وحضارة بابل.

إلا أنه في الشعر العربي كان يعرف منذ العصر الجاهلي وكان من أهم أغراض الشعر على الإطلاق، لكونه كان يمثل العصبية القبلية التي تتضح لمتتبعي تاريخ الحقبة الجاهلية، وكان الفخر والشموخ آنذاك يتمثل في نظم الشعراء أبياتًا تتحدث عن أمجاد القبيلة وحروبها مع القبائل الأخرى، والفخر بالنسب والأصل وغيرها من الأمور التي كانت تميز المجتمع الجاهلي.

فخر الشاعر بنفسه وبالقبيلة كان ينقسم إلى نوعين الأول هو الفخر الشخصي أما النوع الثاني فهو شعر الفخر القبلي، وهناك العديد من الأمثلة على شعر عن عزة النفس والشموخ الذي يزخر به التاريخ الجاهلي.

توجد أمثلة على الفخر الشخصي في الشعر الجاهلي مثل معلقة طرفة بن العبد ومعلقة عنترة بن شداد، وهناك أمثلة أخرى ونماذج كثيرة على شعر الفخر القبلي مثل معلقة الشاعر الحارث بن حلزة والشاعر عمرو بن كلثوم.

لا يخلو الشعر الجاهلي من الفخر والاعتزاز بالنفس والشموخ والكبرياء، وكان الافتخار عند الجاهلية مبني على التغني بالشجاعة والانتصارات والبطولات والشهامة وكثرة الغارات وامتلاك الإبل والسلاح، هذا إلى جانب ما كانوا يغنمونه من غنائم في الحروب والافتخار بالأنساب والأجداد.

يدل كل شعر عن عزة النفس والشموخ على ما كان يتمتع به العربي من فصاحة وجزالة في الألفاظ، وقدرة وبراعة فائقة على نظم أبيات من الشعر لا تزال من روعتها حية حتى الآن وتدرس في الجامعات والمجالس الأدبية.

شاركنا أفكارك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.