الادب في العصر الجاهلي
الادب في العصر الجاهلي من أقدم الأنواع والأساس الذي نتج عنه مختلف الأنواع الشعرية والنثرية انتشرت بعد ذلك، نظرًا إلى التحولات البيئية والاجتماعية التي ساهمت في تطوير الشخصية، وقد طرأت العديد من التغييرات والتطورات على الأدب في هذه الفترة، لذا من خلال منصة وميض سوف نتعرف على أصول الادب خلال العصر الجاهلي بشيء من التفصيل في السطور القادمة.
الادب في العصر الجاهلي
يقصد به النتاج العاطفي الذي عبر عنه الشعراء وأدباء الجاهلية في العصور ما قبل الإسلام، فقد كان الشعراء يلجئون إلى استخدام الألفاظ التي تثير إعجاب القارئ سواء في الشعر أو النثر، وقد كان هناك تفاوت في الادب في العصر الجاهلي.
فقد كان يكثر في القبائل التي تقع في الشمال والجنوب ويقل عند القبائل الأخرى، في هذه الفترة زاد عدد الشعراء بشكل كبير وهو الأمر الذي تسبب في تنوع سمات الادب خلال العصر الجاهلي.
اقرأ أيضًا: شعر الغربة عن الاهل
خصائص الادب في العصر الجاهلي
ينقسم الأدب إلى شعر ونثر ولكلٍ منهما خصائص مميزة، وفي إطار حديثنا عن الادب في العصر الجاهلي سوف نعرض لكم هذه الخصائص في السطور القادمة:
أولًا: الشعر في العصر الجاهلي
يتميز الشعر في العصر الجاهلي بالكثير من الخصائص الموضوعية والمعنوية، وفي صدد حديثنا عن الادب في العصر الجاهلي سوف نذكر لكم هذه الخصائص التي تتمثل في:
- بدء القصيدة بالمقدمة الطويلة، حيث يقوم الشاعر بالوقوف على الديار وترديد أبيات الشعر والتغني بها.
- الحرص على استخدام عنصر الحكمة بصورة مناسبة في القصيدة، لأنها تعكس خبراته وتجاربه خلال حياته.
- يوصف الشعر في الجاهلية بالاستطراد وذلك سبب كثرة موضوعاته، حيث تلاحظ أن القصيدة لا ترتكز على موضوع محدد بل الكثير من المواضيع ويتم ربط المواضيع من خلال الوزن والقافية.
- الشعور بالجمال ومحاولة توصيله للقارئ وذلك من خلال وصف جمال المرأة وربطه بجمال الطبيعة.
- يتميز بتصوير الواقع بصورة طبيعية دون مبالغة حتى يتم توصيل الصورة بشكل دقيق.
- قام الكثير من الشعراء بالاشتراك في المعاني وذلك للتعبير عن الواقع الحسي الذي يعيش فيه كلاهما.
- كانت القصائد تتميز بكرة التشبيه.
- تحقيق التوازن بين الموسيقى الصاخبة والهادئة على مستوى القصيدة من خلال نوع الأبيات.
- استخدام المعاني والتراكيب التي يصعب فهمها، فقد كان الشعر في الجاهلية يحتاج إلى قاموس بمفرده لتفسيره.
- حرصوا على تصوير كافة عناصر الطبيعة وانعكاس شكل الحياة فيها.
- استخدام المحسنات سواء معنوية أو لفظية، بالإضافة إلى توظيف الاستعارة في القصيدة.
- كان الشعراء بارعون في تحقيق التوازن بين أوزان القصيدة مما دفعهم إلى استخدام الكثير من المحسنات اللفظية والمعنوية.
- كذلك يعتمد الشاعر في القصيدة على وحدة البيت وليس وحدة القصيدة.
- قد تصف القصائد الحوادث والأشياء بصورة صادقة دون الحاجة إلى المبالغة.
فنون الشعر في العصر الجاهلي
كما وضحنا أن القصيدة تتميز بكثرة الأغراض وكذلك الفنون، لذا في صدد حديثنا عن الادب في العصر الجاهلي سوف نطرح لكم أنواع هذه الفنون التي تتمثل في:
- الحكمة: كان السبب في انتشار الحكمة هو طبيعة الحياة التي تحيط بالشعراء والظروف السياسية والاجتماعية، وبشكل عام تنتشر الحكمة في أوقات الحروب لعرض العبر والتجارب المستفادة.
- الغزل: أشهر الفنون التي غلبت على الشعر الجاهلي، يقوم الشاعر بالتعبير عن مدى تعلُقَهُ بهذه المرأة ووصف مفاتنها الحسية والجسدية، بالإضافة إلى التعبير عن انكساراته وأحزانه بسبب ابتعادها عنه.
كان ينقسم إلى غزل فاحش وهو الوصف الدقيق لمفاتن المرأة مع استخدام الألفاظ المبالغ فيها، والغزل العذري وفيه يتغنى الشاعر بمشاعره وجمالها دون ذكر مفاتنها.
- المدح: فيها يمدح الشاعر الصفات الحميدة مثل الشجاعة والعدل والمروءة والكرم، وهذا النوع من الأشعار يكون له غرضين الأول لكسب المال من خلال تأليف قصائد المدح للأمراء والملوك وغيرهما من الأغنياء، والآخر نابع من القلب فيحاول الشاعر أن يعبر عن حبه لهذا الشخص من خلال ذكر صفاته الحميدة.
- الرثاء: يشترك كثيرًا مع المدح ولكن الاختلاف أن المدح يصف أخلاق الشخص الحي بينما الرثاء أخلاق الشخص الميت، ويحاول فيها الشاعر التعبير عن مشاعر الحزن والألم الذي يعاني منها وعادةً يكون صادق.
- الوصف: هذا النوع من الشعر قدمه الشعراء الذين قاموا بزيارة الأماكن المختلفة التي تسيطر عليها الجبال والحيوانات والأماكن الطبيعية، ويعد من أشهر الأنواع في العصر الجاهلي.
- الهجاء: قد ظهر خلال فترة الحروب أو النزاعات بين القبائل، لكنه لم يعتمد على السب أو الشتائم ولكن للتقليل من مكانة الشخص وتجريده من الصفات الجيدة التي يتحلى بها، حيث يقوم الشاعر بالسخرية والتعبير بصورة غير مباشرة عن مشاعر الحقد أو الكرة.
- الفخر: يقترب بشكل كبير من المدح ولكنه يهتم بأمور مختلفة مثل الفخر بالقبيلة أو النسب والانتصارات والبطولات وغيرها من الموضوعات.
- يعد من أشهر الشعراء في العصر الجاهلي: (أمرؤ القيس – زهير بن أبي سلمى – الأعشي – النابغة الذبياني).
اقرأ أيضًا: أجمل أبيات الشعر الجاهلي في الغزل
ثانيًا: النثر في العصر الجاهلي
يختلف النثر عن الشعر من حيث خصائص وبناء القصيدة، وفي إطار حديثنا عن الادب في العصر الجاهلي سوف نطرح لكم خصائص النثر فيما يلي:
- وضوع المعاني وأصالتها لأنه يستمد اللغة من القيم والفضائل الاجتماعية السائدة في المجتمع.
- كثرة استخدام الأمثال والحكم التي تعكس خبرات وتجارب الشاعر، فقد كانت معظم الخطب مصاغة بأسلوب يسهل فهمه وهو أمر يعبر عن سهولة طبيعية الحياة في هذه الفترة.
- استخدام الجمل الصغيرة التي تتسم بجمال الصياغة والبعد عن التكلف.
- يحدث انسجام بين طريقة الأسلوب النثري والأسلوب والطريقة البدوية التي تبتعد كل البعد عن التصنع.
- قلة استخدامك الصور الفنية، والسبب يرجع إلى أن الشاعر كان يلجأ إلى أسلوب التقرير في عرض أفكاره وبشكل عام تكون التشبيهات المستخدمة تم اقتباسها من البيئة المحيطة بالشاعر والظروف التي يعاصرها.
- يعكس النثر مدى العصبية القبلية الذي كان يتمتع بها الأشخاص في العصر الجاهلي وكان يظهر ذلك من خلال الفخر بالقبيلة والنسب وكذلك في النصائح والخطب.
- صدق العاطفة التي يعبر فيها الشاعر عن مشاعره، فهو لا يشوب تلك المشاعر بأي من المشاعر الكاذبة، ويتميز بعد التكليف في المشاعر.
- جمال الصياغة وصفاء التعبير.
- قد أختلف طول النثر فقد كانت تتنوع ما بين النثر الطويل والقصير، في الأنواع الخاصة بالحكم والأمثال كانت تتميز بالقصر بينما الوصايا والقصص كانت طويلة إلى حدٍ ما.
قلة استخدام النثر في العصر الجاهلي
قد لاحظ العديد من الشعراء والأدباء قلة استخدام النثر في العصر الجاهلي، وهذا الأمر يلجأ إلى عدة أسباب تتمثل في:
- قلة الاعتماد على التدوين واللجوء إلى الحفظ والترديد والرواية.
- كانت القبيلة في الماضي تهتم بالشعراء النابغين وليس الناثرين وذلك بهدف رفع منزلة القبيلة والفخر بها من خلال القصائد الشعرية.
- عدم توافر الأدوات الشعرية والنثرية وصعوبة استخدامها.
- كان يسهل على الشعراء حفظ الأبيات الشعرية أكثر من النثرية نظرًا للإيقاع الموسيقي التي تتميز به هذه الأبيات.
أنواع الفنون النثرية في العصر الجاهلي
بالرغم من شيوع الشعر بصورة أكبر خلال العصر الجاهلي، إلا أن هناك الكثير من أنواع الفنون النثرية التي انتشرت خلال هذه الفترة، وفي إطار حديثنا عن الادب في العصر الجاهلي سنعرض لكم هذه الفنون بمختلف أنواعها فيما يلي:
1- فن الأمثال
يقصد به القول المنتشر على ألسنة عامة الناس، ويكون المثل له مضرب ومورد ويتميز بقصره، دائمًا ما يتم ربط المثل بأحد الأشخاص المشهورين في هذه الفترة بأخلاقهم ومواقفهم الشجاعة، ويمكن أن يتم اقتباس أو يستمد من القصص الواقعية.
بالرغم من انتشار الأمثال في العصر الجاهلي إلا أنه لم يحدد له أعلام محددين في تلك الفترة، وكانت الأمثال تتميز بعدد من الخصائص التي تتمثل في:
- كانت تعتمد على عنصري التوازن والسجع، مما حقق لها موسيقى مميزة وسهلة خاصة بها مما جعل من السهل حفظها خلال هذه الفترة، ثم قام الناس يتناقلها على الألسنة.
- الاعتماد على التصوير فقد استخدموا التشبيه والاستعارة والكناية ومختلف أنواع التصوير، وهو الأمر الذي جعلها تتميز بالدقة في الصياغة والجمال في التعبير.
- كان الناثر يركز على عنصر الإيجاز والتكثيف حول الموضوع، مما دفع اللغويين على الحذف والتأويل في المعنى والإعراب.
2- فن الحكمة
تتميز بقصر الكلمات وإصابة المعنى ويقصد بالحكمة بالقول الموجز الذي يتميز بجمال الصياغة والتعبير، كما أنها تحتوي على تجربة إنسانة مما جعلها تنتشر بشكل كبير على ألسنة الناس، والحكم كانت تتضمن مساعدة الناس على التعلم من الخبرات والإرشاد على الصواب، وقد كانت تتميز بالعديد من الخصائص التي تتمثل في:
- حسن التشبيه.
- جمال الصياغة والتعبير.
- إصابة المعنى.
- الرقي والجودة في الكتابة.
- تقتبس من الشعر.
- من أشهر الحكماء في العصر الجاهلي هم: (لقمان الحكيم، لبيد بن ربيعة، عامر بن الظرب).
3- فن الخطابة
قد قيل أن الخطابة كانت وسيلة للتحريض على القتال، حيث يقصد بها
إلقاء الكلام مسجوعًا على المستمعين والحرص على إقناعهم بالفكرة، كما كانت تستخدم في الحروب للإرشاد إلى الطريق الصحيح ومنع حدوث الانحراف، وقد انتشرت في الحروب والأسواق والاجتماعات والمجالس.
كانت تشتمل على الأقوال والأمثال الصائبة، وأهم ما يميز الحكمة هي جود الإلقاء مع مراعاة عنصر السجع، وكان (ضمرة بن ضمرة – رو بن الأهتم المنقري – قيس بن عاصم) أحد أشهر الخطباء في هذه الفترة.
4- فن القصص
قد انتشرت واكتسبت شهرة كبيرة خلال هذه الفترة، فقد كانت تختلف عن بين المضامين والأساطير والأسمار والحكايات، وكانت تحمل في طياتها الكثير من الحكايات التي كانت تمر بها القبيلة خلال الحروب والوقائع، هو الأمر الذي جعل القصص تنقسم إلى عدة أنواع تتمثل في:
- القصة المثلية: وهي الأنواع التي تقتصر على الحكم والأمثال الدارجة في هذه الفترة وهذا النوع يتميز بالتركيز على صميم التجربة والحديث على مختلف جوانب الموضوع وكان من أشهر البارزين في فن القصص هو لقمان الحكيم.
- القصة الخيالية: هي قصص تعتمد على خيال الشخص، فقد كانوا يعتمدون على شخصيات الشياطين والعنقاء وغيرها من الشخصيات الغير حقيقة وغير مرئية، ولكن كان الترابط بين أحداث هذا النوع ضعيف ومن أشهر هذه القصص هي (التنين حارس الكنوز في اليمن).
- قصص اللصوص: هي قصص مضحكة إلى حدٍ ما تتناول الموضوعات عن اللصوص وقاطعي الطرق، وهو الأمر الذي جعل الناس يقبلون إلى هذا النوع من القصص نظرًا إلى حس الفكاهة التي تتمتع به.
- القصص التعليمية: هي الأنواع التي تحكي عن التراث الديني للقبيلة وتعد قصة (وادي منى) من أشهر القصص.
اقرأ أيضًا: شعر بدوي عن الرجولة
5- فن الوصايا
يقصد بها المواعظ والنصائح التي يقدمها الإنسان لغيره لكي يرشدهم إلى طريق الصواب، وتقدم للفرد عدد من الأوامر والنواهي وتختلف الوصايا من حيث النوع فقد تكون نثرية أو شعرية، وهي تتشابه مع فن الخطبة ولكنها تكون مقدمة إلى أشخاص مقربين بشكل أكبر مثل الابن أو الزوجة بينما الخطب تكون للجمهور.
6- سجع الكهان
أحد أنواع النثر التي تتميز بتشابه نهاية كل جملة مما يوفر مقطع موسيقي يجذب المستمع، وسميت بهذا الاسم لأنه كان يكثر استخدامها عن الكهان الذين يدعون معرفتهم بالغيب والأمور المستقبلية، فقد انتشرت فكرة أن كل كاهن مسخر له جن يخبره كافة الأخبار عن كل شخص.
مما يجعله عالم للغيب وهو الأمر الذي رفع من مكانة هؤلاء الكهنة وجعل لهم مكانة مقدسة في هذا الوقت، فقد كان الكثير من الأشخاص يلجئون لهم للحصول على النصائح ومن أبرز هؤلاء الكهنة: (عوف الأسدي – فاطمة الخثعمية – سطيح الذئبي).
اقرأ أيضًا: شعر عتاب صديق غالي قوي
7- فن الرسالة
يعد آخر فنون النثر وأقلهم انتشارًا، فقد كانت تعتمد على التدوين مما كثر استخدامها في الناحية السياسية والتجارية، واختلفت الرسائل فبعضها كان ذات طابع سياسي وآخر تجاري وغيرها من الأنواع.
الادب في العصر الجاهلي له العديد من الأنواع والأغراض التي أظهرت مدى فصاحة العرب ومدى بلاغتهم في اللغة وتمكنهم، وقد عرضت مدى قوة اللغة العربية في هذه الفترة.