شعر عنترة بن شداد في الغزل
شعر عنترة بن شداد في الغزل رائد الغزل اعتمده الشعراء في الجاهلية لوصف مشاعر الحب والعشق وعدم القدرة على تحمل الفراق وتذكر المحبوبة في أي وقت وأي مكان، حيث كان يصف الشعراء في الغزل مفاتن المحبوبة وجمال عيونها ووجهها الذي يشبه البدر وتأثيره في مشاعرها، لذا من خلال منصة وميض يمكن التعرف على بعض القصائد الخاصة بشعر عنترة بن شداد في الغزل.
شعر عنترة بن شداد في الغزل
تأثر شعر عنترة بن شداد في الغزل بحبه لعبلة أبنه التي كان يحبها بشدة وكان أبيها يرفض أن يزوجها لعبد أسود اللون حتى بعد اعتراف أبيه بنسبه ومنحه حريته وتخليصه من العبودية، رغم إصرار عنترة بن شداد على الزواج من عبلة قد قرر أبيها أن يعجزه بالمهر الغالي الذي لا يمكن أن يقوم بإحضاره أسياد القبائل.
حيث كان المهر هو ألف ناقة من ناقات النعمان وهو نوع غير متواجد إلا قليلًا وبالرغم من ذلك قد استطاع عنترة بن شداد الحصول على المائة ناقة وقام بتقديمها إلى والد عبلة، لكن والدها أخذ في المماطلة والضغط على عنترة عن طريق زيادة قيمة المهر ويحاول عنترة ليحضر له ما يطلب.
حتى سأم والدها وطلب من أفراد القبيلة أن من يرغب في الزواج من ابنته عبلة فيقوم بإحضار رأس عنترة كمهر لها واختلف المؤرخون في نهاية قصة حب عنترة لعبلة فيقول جزء من المؤرخين أنه استطاع الزواج من عبلة والبعض الآخر روى أنها قد تزوجت شخص من أسياد قبيلتها لكن من المتفق عليه أن كل شعر عنترة بن شداد في الغزل كان بسبب غرامه بها ومن هذه القصائد الآتي:
1- قصيدة يا عبلَ إنّ هواكِ قد جاز المدى
قام عنترة بإلقاء هذه القصيدة عندما قامت مروة بنت شداد زوجة الحجاج بن مالك بجعوة أهلها وقبيلتها إلى زواج أخت الحجاج بن مالك، حيث كان تقدم إليها رجل من بني غطفان ووافق الحجاج بن مالك على أن يكون ذلك الرجل زوج لأخته لأنه كان من سادة قبيلته، وحدد يوم الزفاف وطلب من مروة أن تدعو كل أقاربها وأهلها وقبيلتها لكي يرون من ناسب الحجاج بن مالك.
حيث كانوا يذهبون إلى العرس في مسيرة كبيرة كانوا العبيد يمشون فيها على الأرض إلا عنتر كان يركب خيله، وكان النساء متواجدين في الهوادج الخاصة بهم وتظهر وجوههم مثل البدور وكان ينظر إلى عبلة ويناشدها قائلًا:
زارَ الخَيالُ خَيالُ عَبلَةَ في الكَرى
لِمُتيَّمم نَشوانَ مَحلولِ العُرى
فَنَهَـضتُ أَشكو ما لَقيتُ لِبُعدِها ف
تنَفَّست مسكًا يُخالِطُ عَنبرا
فَضَمَمتُها كَيما أُقَـبِّل ثَغرَها
وَالدَمعُ مِن جَفنَيَّ قَد بَلَّ الثَرى
وَكَشفتُ بُرقُعَها فَأَشرَقَ وَجهُها
حَتى أَعادَ اللَيلَ صبحًا مُسفِرا
عرَبِيَّة يَهتَزُّ لينُ قَوامِها
فَيَـخالُهُ العُشّاقُ رُمحًا أَسمَرا
مَحجوبَةٌ بِصَوارِمٍ وَذَوابِلٍ
سُمرٍ وَدونَ خبائِها أُسدُ الشرى
يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى
وَأَنا المُعَنّى فيكِ مِن دونِ الوَرى
يـا عَـبـلَ حُـبُّك في عِظامي مَع دَمي
لَما جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى
وَلَقَد عَلِقـتُ بِذَيلِ مَن فَخَرَت بِهِ
عَبسٌ وَسَيفُ أَبيهِ أَفنى حِميَرا
يا شَأسُ جِرني مِن غَرامٍ قاتِلٍ
أَبَـدًا أَزيدُ بِهِ غَرامًا مُسعَرا
يا شَأسُ لَولا أَنَّ سُلطانَ الهَوى
ماضي العَزيمَةِ ما تَمَلَّكَ عَنتَرا.
اقرأ أيضًا: أجمل قصائد الحب والغزل
2- قصيدة ولقد ذكرتك والرماح نواهل
تلك القصيدة من شعر عنترة بن شداد في الغزل التي وصف فيها عنتر بن شداد مدى حبه لعبلة وتذكره لها في كل الأوقات حتى في وقت الحرب والرماح والسيوف في كل مكان، يتذكرها حتى وهو محاط بالخطر والدماء حتى في لحظة رؤيته للأعداء وهم يتقدمون ويبدؤون بالهجوم كان لا يرى إلا وجه محبوبته ويقول عنتر بن شداد في هذه القصيدة الآتي:
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبي
فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِي
قَالتْ: رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِـرَّةً
والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمي
وكـأَنَّمَا التَفَتَتْ بِجِيدِ جَدَايـةٍ
رَشَـاءٍ مِنَ الغِـزْلانِ حُرٍ أَرْثَـمِ
لعَمْرًا غَيْرَ شاكِرِ نِعْمَتِي
والكُفْرُ مَخْبَثَـةٌ لِنَفْسِ المنْعِمِ
ولقَدْ حَفِظْتُ وَصَاةَ عَمِّي بِالضُّحَى
إِذْ تَقْلِصُ الشَّفَتَانِ عَنْ وَضَحِ الفَمِ
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنّها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
أثني علي بما علمتِ فإنني
سمح مخالقتي إذا لم اظلمي
فإذا ظلمت فإنّ ظلمي باسلٌ
مر مذاقته كطعم العلقم
3- قصيدة عجبت عبيلة
هي من شعر عنترة بن شداد في الغزل الذي يصف فيه حبه لعبلة وإعجاب عبلة به حيث يصف نفسه في الأبيات في مقدمة القصيدة أنه يتعجب من إعجاب عبلة الصغيرة له وهو له هيئة بسيطة لا تشبه أسياد القبائل ولونه باهت مثل نصل السيف بالإضافة إلى هيئته التي تشير إلى الفقر الشديد.
يواصل وصف نفسه بأن له شعر متفرق غير مهندم لم يقوم بتصفيفه من عام كامل ويلبس ملابس بالية قديمة بينما هو لا يكتسي إلى الحديد وهي دروع الحرب ليدافع عن نفسه من أي غائر على القبيلة، أيضًا يقوم عنترة بن شداد في الأبيان بالدفاع عن نفسه وهو فارس باسل مستعصي على عدوه ويعمل على حماية قبيلته.
يرجع مرة أخرى من رؤية عبلة له ويؤكد أنها تستعجب من صدأ الحديد الذي يترك أثر على جسمه بسبب الدوام على ارتداء ملابس الحرب، لكنه يؤكد لها أن هذه الصفات هي صفات الرجال الفرسان، بينما بعد كل ما قام به عنترة من تبرير لعبلة التي كانت تتعجب من هيئته.
ضحكت عبلة كثيرًا استهزاءً به وقالت إنها لا ترى فيه أي مميزات ولا تهتم لكل ما يبرر لها وتعجب عنترة من ذلك لأنها لا ترى الرجولة والقوة فيه ويستكمل وصفه لنفسه بأنه شخص شريف يسعى إلى المجد ويتميز بالكرم.
ثم يحاول مرة أخرى أن يترجاها ألا تبعد عنه وتعيد النظر إليه مرة أخرى لكي ترى مميزاته وتتأمل في النظر إليه من الداخل ولا تعتمد على المظهر الخارجي ويؤكد لها أن هناك العديد من النساء في الحياة التي يمكن أن تعجب به وتتمناه وذلك بسبب كثرة الخصال الجيدة الخاصة به وتأتي الأبيات الخاصة بالقصيدة في التالي:
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ
عاري الأَشاجِعِ شاحِبٍ كَالمُنصُلِ
شَعثِ المَفارِقِ مُنهَجٍ سِربالُهُ
لَم يَدَّهِن حَولاً وَلَم يَتَرَجَّلِ
لا يَكتَسي إِلّا الحَديدَ إِذا اِكتَسى
وَكَذاكَ كُلُّ مُغاوِرٍ مُستَبسِلِ
قَد طالَما لَبِسَ الحَديدَ فَإِنَّم
صَدَأُ الحَديدِ بِجِلدِهِ لَم يُغسَلِ
فَتَضاحَكَت عَجَباً وَقالَت يا فَتى
لا خَيرَ فيكَ كَأَنَّها لَم تَحفِلِ
فَعَجِبتُ مِنها حينَ زَلَّت عَينُه
عَن ماجِدٍ طَلقِ اليَدَينِ شَمَردَلِ
لا تَصرِميني يا عُبَيلَ وَراجِعي
فِيَّ البَصيرَةَ نَظرَةَ المُتَأَمِّلِ
فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي
وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي
وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ
مِن وُدِّها وَأَنا رَخِيَّ المِطوَلِ
يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُه
بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي
فيها لَوامِعُ لَو شَهِدتِ زُهائَه
لَسَلَوتِ بَعدَ تَخَضُّبٍ وَتَكَحُّلِ
إِمّا تَرَيني قَد نَحَلتُ وَمَن يَكُن
غَرَضاً لِأَطرافِ الأَسِنَّةِ يَنحَلِ
فَلَرُبَّ أَبلَجَ مِثلِ بَعلِكِ بادِنٍ
ضَخمٍ عَلى ظَهرِ الجَوادِ مُهَيَّلِ
غادَرتُهُ مُتَعَفِّراً أَوصالُهُ
وَالقَومُ بَينَ مُجَرَّحٍ وَمُجَدَّلِ
فيهُم أَخو ثِقَةٍ يُضارِبُ نازِل
بِالمَشرَفِيِّ وَفارِسٌ لَم يَنزِلِ
وَرِماحُنا تَكِفُ النَجيعَ صُدورُه
وَسُيوفُنا تَخلي الرِقابَ فَتَختَلي
وَالهامُ تَندُرُ بِالصَعيدِ كَأَنَّم
تُلقي السُيوفُ بِها رُؤوسَ الحَنظَلِ
وَلَقَد لَقيتُ المَوتَ يَومَ لَقيتُهُ مُتَسَربِلًا
وَالسَيفُ لَم يَتَسَربَلِ فَرَأَيتُنا ما بَينَنا مِن حاجِزٍ
إِلّا المِجَنَّ وَنَصلُ أَبيَضَ مِفصَلِ
ذَكَرٍ أَشُقُّ بِهِ الجَماجِمَ في الوَغى
وَأَقولُ لا تُقطَع يَمينُ الصَيقَلِ
وَلَرُبَّ مُشعِلَةٍ وَزَعتُ رِعالَه
بِمُقَلَّصٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ
سَلِسِ المُعَذَّرِ لاحِقٍ أَقرابُهُ
مُتَقَلِّبٍ عَبَثاً بِفَأسِ المِسحَلِ
نَهدِ القَطاةِ كَأَنَّها مِن صَخرَةٍ
مَلساءَ يَغشاها المَسيلُ بِمَحفَلِ
وَكَأَنَّ هادِيَهُ إِذا اِستَقبَلتَهُ
جِذعٌ أُذِلَّ وَكانَ غَيرَ مُذَلَّلِ
وَكَأَنَّ مَخرَجَ رَوحِهِ في وَجهِهِ
سَرَبانِ كانا مَولِجَينِ لِجَيأَلِ
وَكَأَنَّ مَتنَيهِ إِذا جَرَّدتَهُ
وَنَزَعتَ عَنهُ الجُلَّ مَتنا إِيِّلِ
وَلَهُ حَوافِرُ موثَقٌ تَركيبُه
صُمُّ النُسورِ كَأَنَّها مِن جَندَلِ
وَلَهُ عَسيبٌ ذو سَبيبٍ سابِغٍ
مِثلِ الرِداءِ عَلى الغَنِيِّ المُفضِلِ
سَلِسُ العِنانِ إِلى القِتالِ فَعَينُهُ
قَبلاءُ شاخِصَةٌ كَعَينِ الأَحوَلِ
وَكَأَنَّ مِشيَتَهُ إِذا نَهنَهتُهُ
بِالنَكلِ مِشيَةُ شارِبٍ مُستَعجِلِ
فَعَلَيهِ أَقتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّم
فيها وَأَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
اقرأ أيضًا: شعر بدوي عن الشوق
4- قصيدة أشاقكَ مِنْ عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ
تلك القصيدة من قصائد شعر عنترة بن شداد في الغزل ويتغزل في ابتسامة عبلة ويقول أنه يلمح هذه الابتسامة الساحرة على شفتيها ويوضح مدى تأثيرها عليه لأن قلبها يحبه ويشعر بنار حبه وهو يعرف ذلك وتتمثل أبيات القصيدة في الآتي:
أشاقكَ مِنْ عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ
فقلبكَ فيه لاعجٌ يتوهجُ
فقَدْتَ التي بانَتْ فبتَّ مُعذَّبا
وتلكَ احتواها عنكَ للبينِ هودجُ
كأَنَّ فُؤَادي يوْمَ قُمتُ مُوَدِّعًا
عُبَيْلَة مني هاربٌ يَتَمعَّجُ
خَليلَيَّ ما أَنساكُمَا بَلْ فِدَاكُمَا
أبي وَأَبُوها أَيْنَ أَيْنَ المعَرَّجُ
ألمَّا بماء الدُّحرضين فكلما
دِيارَ الَّتي في حُبِّها بتُّ أَلهَجُ
دِيارٌ لذَت الخِدْرِ عَبْلةَ أصبحتْ
بها الأربعُ الهوجُ العواصِف ترهجُ
ألا هلْ ترى إن شطَّ عني مزارها
وازعجها عن أهلها الآنَ مزعجُ
فهل تبلغني دارها شدنيةٌ
هملعةٌ بينَ القفارِ تهملجُ
تُريكَ إذا وَلَّتْ سَنامًا وكاهِلًا
وإنْ أَقْبَلَتْ صَدْرًا لها يترَجْرجُ
عُبيلة ُ هذا دُرُّ نظْمٍ نظمْتُهُ
وأنتِ لهُ سلكٌ وحسنٌ ومنهجُ
وَقَدْ سِرْتُ يا بنْتَ الكِرام مُبادِرًا
وتحتيَ مهريٌ من الإبل أهوجُ
بأَرْضٍ ترَدَّى الماءُ في هَضَباتِها
فأَصْبَحَ فِيهَا نَبْتُها يَتَوَهَّجُ
وأَوْرَقَ فيها الآسُ والضَّالُ والغضا
ونبقٌ ونسرينٌ ووردٌ وعوسجُ
لئِنْ أَضْحتِ الأَطْلالُ مِنها خَواليًا
كأَنْ لَمْ يَكُنْ فيها من العيش مِبْهجُ
فيا طالما مازحتُ فيها عبيلةً
ومازحني فيها الغزالُ المغنجُ
أغنُّ مليحُ الدلَّ أحورُ أَكحلٌ
أزجُّ نقيٌ الخدَّ أبلجُ أدعجُ
لهُ حاجِبٌ كالنُّونِ فوْقَ جُفُونِهِ
وَثَغْرٌ كزَهرِ الأُقْحُوَانِ مُفَلَّجُ
وردْفٌ له ثِقْلٌ وَقدٌّ مُهَفْهَفُ
وخدٌّ به وَرْدٌ وساقٌ خَدَلَّجُ
وبطنٌ كطيِّ السابريةِ لينٌ
أقبّ لطيفٌ ضامرُ الكشح أنعجُ
لهوتُ بها والليلُ أرخى سدولهُ
إلى أَنْ بَدا ضَوْءُ الصَّباح المُبلَّجُ
أراعي نجومَ الليلُ وهي كأنها
قواريرُ فيها زئبق يترجرجُ
وتحتي منها ساعدٌ فيه دملجٌ
مُضِيءٌ وَفَوْقي آخرٌ فيه دُمْلجُ
وإخوانُ صدق صادقينَ صحبتهمْ
على غارة من مثلها الخيلُ تسرجُ
تَطوفُ عَلَيْهمْ خَنْدَرِيسٌ مُدَامَةٌ
تَرَى حَبَبًا مِنْ فَوْقِها حينَ تُمزَجُ
ألا إنَّها نِعْمَ الدَّواءُ لشاربٍ
أَلا فاسْقِنِيها قَبْلما أَنْتَ تَخْرُج
فنضحيْ سكارى والمدامُ مصفَّفٌ
يدار علينا والطعامُ المطبهجُ
وما راعني يومَ الطعانِ دهاقهُ
إلى مثلٍ منْ بالزعفرانِ نضرِّجُ
فأقبلَ منقضَّا عليَّ بحلقهِ
يقرِّبُ أحيانًا وحينًا يهملجُ
فلمَّا دنا مِني قَطَعْتُ وَتِينَهُ
بحدِّ حسامٍ صارمٍ يتفلجُ
كأنَّ دماءَ الفرسِ حين تحادرتْ
خلوقُ العذارى أو خباءُ مدبجُ
فويلٌ لكسرى إنْ حللتُ بأرضهِ
وويلٌ لجيشِ الفرسِ حين أعجعجُ
وأحملُ فيهمْ حملةً عنتريةً
أرُدُّ بها الأَبطالَ في القَفْر تُنبُجُ
وأصدمُ كبش القوم ثمَّ أذيقهُ
مرارَةَ كأْسِ الموتِ صبْرًا يُمَجَّجُ
وآخُذُ ثأرَ النّدْبِ سيِّدِ قومِهِ
وأضرُمها في الحربِ نارًا تؤجَّجُ
وإني لحمالٌ لكلِّ ملمةٍ
تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ كلّ ذلةٍ
وأَفرَحُ بالضَّيفِ المُقيمِ وأَبهجُ
وأحمي حمى قومي على طول مدَّتي
إلى أنْ يروني في اللفائفِ أدرجُ
فدُونَكُمُ يا آلَ عَبسٍ قصيدةً
يلوحُ لها ضوْءٌ منَ الصُّبْح أبلَجُ
ألا إنها خيرُ القصائدِ كلها
يُفصَّل منها كلُّ ثوبٍ وينسجُ
5- قصيدة هل غادر الشعراء من متردم
في ظل التعرف على شعر عنترة بن شداد في الغزل يمكن التأكد أن قصيدة هل غادر الشعراء من متردم من البيوت الشعرية التي كان يستنكر فيها عنترة تصرف الشعراء وتغزلهم في كل شيء محيط بهم وأنهم لم يتركوا له شيء يذكره في شعره ويبدأ في خطاب قبيلته أنها دار محبوبته عبلة ويسألها عن أهلها ويتمنى أن تكون داره سالمة في وجود حبيبته.
ثم قام بتشبيه ناقته بأنها قصر كبير يعزله عن لقاء حبيبته والسبب أن ناقته هي من تأخذه إلى مسافات بعيدة عن حبيبته، ويشكو مدى ألمه من الفراق ويبكي على أيامه التي كان يتواجد إلى جانبها فيها ويشبه تواجد عبلة بين أهلها بتواجدها بين أعدائه لأنهم يصعبون عليه أن يطلبها.
يؤكد عنترة أنه مغرم بعبلة من دون قصد منه لكنها نظر إليها نظرة جعلته يقع في حبها ويرغب في حبها له وفي أن يشعر بأنها تحبه وترغب به مثلما يشعر، ويقول عنتر أن مهما كلفه الوصول إليها من هجوم أو حروب فهو قادر على ذلك حتى يحصل عليها، وأنه يحبها ولا يرغب في أي شيء من الدنيا سواها ولا يجب أن تعرف إلا ذلك.
فكيف يذهب لزيارتها وهو بعيد عنها مسافة كبيرة، مسافرة أجبر نفسه عليها ليفارقها بسبب أهلها لكنه لم يقدر، ووصف أن لعبلة عدد من النوق والإبل السوداء وأكد على لون الإبل الأسود لأنه نوع نادر وذلك يدل على غناها وعظمتها، ويبدأ في مغازلة ثغرها ورغبته في تقبيلها وقت الغروب.
كما يصف أن نكهتها طيبة مثل المسك من شدة جمالها أو مثل رياح طيبة تأتي في موسم الصيف على الزرع ويظل المطر ينزل عليها ويستر لأيام وذلك يدل على الخير ويؤكد أن ذلك المطر زادها شبابًا وجمال حيث لا يوجد في هذا الزرع لا حشرات ولا ذباب فلا يتواجد إلا الأصوات العذبة فقط.
يقول أن عبلة تذهب وتأتي وهو ينتظرها فوق حصانه وهي تتدلدل وتتنعم وهو يعاني ويقاسي من الحروب والغارات، كما يؤكد أن عبلة تستمر في التدلدل طول الليل وهو أصبح مثل آلة الحروب وتشمل أبيات القصيدة الآتي:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحًا دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها
فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا
بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ
أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت
عَسِرًا عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ
عُلِّقتُها عَرَضًا وَأَقتُلُ قَومَها
زَعمًا لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ
مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها
بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما
زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها
وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً
سودًا كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ
عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ
وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ
سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ
أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها
غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ
فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحًّا وَتَسكابًا فَكُلَّ عَشِيَّةٍ
يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ
غَرِدًا كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجًا يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ
قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ
وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى
نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ
تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً
بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ
تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَتْ
حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ
يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ
حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ
كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ
شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت
زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ
اقرأ أيضًا: أبلغ بيت شعر في الغزل
عنترة بن شداد
ولد عنتر بن شداد في الجزيرة العربية وكانت أمه أميرة حبشية سوداء اللون اسمها زبيبة وتم أسرها على يد قبيلة شداد الذي أعجب بها بشدة وأنجب منها عنترة، لكن كان عنتر عبد لأن في الجاهلية كانت القبائل الكبيرة لا تعترف بأولاء الإماء إلا إن قاموا بعمل بطولي أو إلقاء شعري أو أي عمل مميز.
كان عنترة مختلف في شكله عن باقي أقرانه وفقًا لنسب أمه الحبشية فورث منها الشعر المجعد واللون الأسود والجسد الضخم، لكنه عاش الكثير من المعاناة في طفولته بسبب عدم اعتراف أبيه بنسبه فكان يعيش حياة العبودية بالرغم من وجود نفوذ أبيه لأنه سيد القبيلة، بينما كان أبيه يعاقبه بقسوة بسبب كلام زوجته عن عنترة.
حتى في يوم جاءت زوجة أبيه واتهمته بأنه راودها عن نفسها وعذبه أبيه عذاب شديد لم تتحمله زوجة أبيه حتى تراجعت وقالت إنه لم يقم بشيء حتى يكف عن تعذيبه فقط، لكنه ظل يعيش حياة قاسية حتى تعرضت قبيلة عبس وهي قبيلة أبيه لغارة من قبيلة أخرى.
فأخذت القبيلة الأخرى إبل قبيلة عبس فدافع عن قبيلته باستماته بالرغم من أن أهل القبيلة لم يعطوه حقه في الغنائم، وقرر بعد ذلك عدم الاشتراك في الحروب وأن يعيش حياة العبودية ولا يكون إلا عبد، حتى جاءت غارة كبيرة على قبيلته وناداه أبيه للاشتراك لكنه أبى الانضمام وصرح أنه عبد لا يحق له إلا رعي الأنغام والخدمة حتى قال وعده أبيه بالحرية إن قام بالانضمام للجيش المدافع عن القبيلة.
حصل عنترة بن شداد على حريته من خلال ذلك لكنه لم يتمكن من الزواج من عبلة بسهولة لأن عمه وهو والد عبلة قد صعب عليه الأمر كثيرًا وكان يطلب مهر لا يتمكن أحد من سادة القبائل من إحضاره ورغم ذلك لا يتأكد المؤرخين من زواج عنتر من محبوبته عبلة.
كان عنترة بن شداد رائد في الغزل الصريح الذي يقوم بوصف المرأة ومفاتنها ووصف مزيد من التفاصيل ويشرح مدى تأثير ذلك عليه، وكان ذلك بكل براعة.