شعر النقائض بين جرير والفرزدق

ما هو شعر النقائض بين جرير والفرزدق؟ وما خصائص ذلك الشعر؟ إن الشعر بحر واسع جدًا ومليء بالإبداعات الراسخة منذ زمن بعيد والقابلة للتجدد والإبداع حتى الآن، ولعل من أبرزها هو ما ترسخ منذ قرون بعيدة هو شعر أو فن النقائض الشعرية، الذي سوف نعرض أهم وأبرز وأجمل نماذجه من خلال منصة وميض.

شعر النقائض بين جرير والفرزدق

إن شعر النقائض هو واحد من الفنون الأدبية التي ظهرت في الحقبة الجاهلية، وبمرور الوقت تطور ذلك الأدب حتى أصبح فنًا قائمًا في حد ذاته وبالتحديد خلال حكم الدولة الأموية، ولقد شهد هذا الأدب أوج عظمته خلال العصر الأموي على يد ثلاثة من الشعراء وهو الأخطل والفرزدق وجرير.

أما النقائض نفسها في عبارة عن شكل جديد من أشكال الأدب ومناظراته، ويرجع الفضل إلى النقائض في حفظ أنساب العرب وحكاياتهم وكل ما يخص العادات والتقاليد والصفات، وحتى الأشكال في العصر الأموي.

لقد كان جرير والفرزدق هم أبرز شعراء النقائض ولقد حظي هذا الفن الأدبي منهما بالاهتمام والبحث المكثف والاجتهاد، وبما أن النقائض تحمل هجاء الشعراء لبعضهم البعض فإن الفرزدق وجرير قد هجيا بعضهما، ومن بين الأمثلة الحوارية على الهجاء فيما بينهما:

يقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائــــــــمهُ أعزُ وأطولُ

بيتاً زُرارة محتبٍ بفنائِـــــــه ومجاشع وأبو الفوارس نهشلُ

لا يحتبي بفناء بيتك مثلهـــــم أبداً إذا عد الفعـــالُ الأفضـــلُ
فيجيبه جرير:
أخزى الذي سمك السماء مجاشعاً وبنى بناءك في الحضيض الأسفَلٍ

بيتـــــاً يحمحم قينكـــــم بفنائـــــهِ دنســاً مقاعــده خبيــــث المدخَـــلٍ

قُتل الزبير وأنت عاقـدُ حبوةٍ تبـاً لحـبـوتـك التـي لـم تحــلـلِ

وافاكَ غدرُكَ بالزبير على منى ومجر جعثـنـكم بذات الحرملِ

بات الفرزدق يستجيـر لنـفـسه وعجان جعثن كالطريقِ ِالمُعمِلِ
ويقول الفرزدق:
حُـلـُلُ المُلوكُ لباسُنا في أهلنا والسابغاتِ إلى الوغى نتسربل
فيجيبه جرير:
لا تذكروا حلـلَ الملوكِ فإنكم بعد الزبيرِ كحائض ٍ لم تغـْسِـلِ
ويقول الفرزدق:
أحلامنا تزن الجبال رزانة ً وتخـــالُـنــا جنـــًا إذا مانجهــلُ

أنا لنضرب رأس كل قبيلةٍ وأبـوك خـلف أتــانـه يــتـقمــلُ
فيجيبه جرير:
أبلغ بني وقبانَ أن حلومَهُم خَفـتْ فلا يزنـونَ حبَـةَ خردَلِ
اقرأ أيضًا: شعر حزين قصير عن الدنيا

أمثلة على شعر النقائض بين جرير والفرزدق

إن شعر النقائض بين جرير والفرزدق كان عبارة عن معركة وجدال شعري كبير، نشب فيما بني اثنين من أشهر شعراء بني أمية وكان كل منهم ينتمي إلى قبيلة بني تميم، الأول هو جرير بن عطية اليربوعي التميمي، أما الشاعر الثاني فهو همام بن غالب الدارمي التميمي والذي يعرف باسم الفرزدق.

كانت هذه الملحمة الشعرية تدور ضمن إطار الهجاء بين كلا الشاعرين وتفاخر كل منهما على الآخر، ومن أمثلة ما قاله الشاعرين لبعضهما البعض في النقائض:

يقول جرير:
أَلا حَيِّ الدِيارَ بِسَعدَ إِنّي

أُحِبُّ لِحُبِّ فاطِمَةَ الدِيارا

أَرادَ الظاعِنونَ لِيُحزِنوني

فَهاجوا صَدعَ قَلبي فَاِستَطارا

لَقَد فاضَت دُموعُكَ يَومَ قَوٍّ

لَبينٍ كانَ حاجَتُهُ اِدِّكارا

أَبيتُ اللَيلَ أَرقُبُ كُلَّ نَجمٍ

تعَرَّضَ حَيثُ أَنجَدَ ثُمَّ غارا

يَحِنُّ فُؤادُهُ وَالعَينُ تَلقى

منَ العَبَراتِ جَولاً وَاِنحِدارا

إِذا ما حَلَّ أَهلُكِ يا سُلَيمى

بِدارَةِ صُلصُلٍ شَحَطوا المَزارا

جَرَّ المُخزِياتِ عَلى كُلَيبٍ جَريرٌ ثُمَّ ما مَنَعَ الذِمارا

وَكانَ لَهُم كَبَكرِ ثَمودَ لَمّا

رَغا ظُهراً فَدَمَّرَهُم دَمارا

عَوى فَأَثارَ أَغلَبَ ضَيغَمِيّاً

فَوَيلَ اِبنِ المَراغَةِ ما اِستَثارا

مِنَ اللائي يَظَلُّ الأَلفُ مِنهُ

مُنيخاً مِن مَخافَتِهِ نَهارا

تَظَلُّ المُخدِراتُ لَهُ سُجوداً

حَمى الطُرقَ المَقانِبَ وَالتِجارا

كَأَنَّ بِساعِدَيهِ سَوادَ وَرسٍ

إِذا هُوَ فَوقَ أَيدي القَومِ سارا
يقول الفرزدق:
“يا اِبنَ المَراغَةِ وَالهِجاءُ إِذا اِلتَقَت

أَعناقُهُ وَتَماحَكَ الخَصمانِ

ما ضَرَّ تَغلِبَ وائِلٍ أَهَجَوتَها

أَم بُلتَ حَيثُ تَناطَحَ البَحرانِ

يا اِبنَ المَراغَةِ إِنَّ تَغلِبَ وائِلٍ

رَفَعوا عِناني فَوقَ كُلِّ عِنانِ

كانَ الهُذَيلُ يَقودُ كُلَّ طِمِرَّةٍ

دَهماءَ مُقرَبَةٍ وَكُلَّ حِصانِ

يَصهِلنَ بِالنَظَرِ البَعيدِ كَأَنَّما

إِرنانُها بِبَواثِنِ الأَشطانِ

إِنَّكَ لاقٍ بِالمُحَصَّبِ مِن مِنىً

فَخاراً فَخَبِّرني بِمَن أَنتَ فاخِرُ

أَبِالقَيسِ قَيسٍ أَم بِخِندِفَ تَعتَزي

إِذا زَأَرَت مِنها القُرومُ الهَوادِرُ

عَلَيكُم بِتَربيقِ البِهامِ فَإِنَّكُم

بِأَحسابِكُم لَن تَستَطيعوا رِهانِيا

بِأَيِّ أَبٍ يا اِبنَ المَراغَةِ تَبتَغي

رِهاني إِلى غاياتِ عَمّي وَخالِيا

هَلِمَّ أَباً كَاِبنَي عِقالٍ تَعُدُّهُ

وَواديهِما يا اِبنَ المَراغَةِ وادِيا

تَجِد فَرعَهُ عِندَ السَماءِ وَدارِمٌ

مِنَ المَجدِ مِنهُ أَترَعَت لي الجَوابِيا

بَنى لي بِهِ الشَيخانِ مِن آلِ دارِمٍ

بِناءً يُرى عِندَ المَجَرَّةِ عالِيا
اقرأ أيضًا: شعر مدح النساء الجميلات

عوامل نشأة وظهور شعر النقائض

إن ظهور شعر النقائض بين جرير والفرزدق لم يكن من لا شيء، بل كانت توجد بعض العوامل التي أدت إلى ظهور هذا اللون الأدبي والفن الجديد من الشعر، ومن بين تلك العوامل:

1- العوامل الاقتصادية

يقصد بالعوامل الاقتصادية الطريقة المعيشية وتكاليف الحياة اليومية، ووسائل البحث عن مصدر رزق.

2- العوامل الشخصية

كان كل واحد من الشعراء يسعى من أجل إبراز قدرته وإتقانه لفن الشعر عن طريق التجديد والإبداع وحسن التصوير.

3- تطور الحياة الفكرية

لقد ساهم التطور الفكري والثقافي في تطور أسلوب الجدل والحوار بين الأطراف، ولقد انتشرت آنذاك المناظرات السياسية في العديد من المجالات مثل العقيدة والتشريع والفقه وغيرها.

4- العصبية القبلية

لا تزال العصبية القبلية متأصلة في نفوس العرب منذ حقبة التاريخ الجاهلي، في العديد من النواحي مثل التفاخر بالأسماء والأنساب ومدح القبيلة وزعيمها، وتناول الرفعة والبسالة في الحروب التي تضرم.

5- العوامل الاجتماعية

أدى الانفتاح الاجتماعي آنذاك إلى اندماج كلا المجتمعين مع بعضهما البعض أي المجتمع القبلي والمجتمع الحضري، ونتيجة ذلك انتشر الغناء وشاعت الموسيقى والترف والمجون.

اقرأ أيضًا: شعر عن غدر الصديق

سمات شعر النقائض

إن شعر النقائض بين جرير والفرزدق أو شعر النقائض بوجه عام كان يتميز بمجموعة من الخصائص والسمات، التي اتسم به دونًا عن سائر ألوان الأدب الأخرى، ومن بين تلك الخصائص:

  • تنوع وإتلاف الأغراض الشعرية في القصيدة الواحدة، فيما بين غزل ورثاء أو مدح وهجاء، وفي ذلك تأثرًا بالعادات والتقاليد العربية في القصائد الشعرية.
  • التأثر الملحوظ بالمناظرة التي تعتمد على الجدل بين أطراف الحوار بالشعر.
  • زيادة المعاني والألفاظ الجاهلية في النقائض الخاصة بالعصر الأموي.
  • التكرار الملحوظ في معاني وألفاظ الفخر والهجاء.
  • الإطالة في القصيدة لكي تكون أكثر استيعابًا للمعاني.
  • وفرة المعاني والألفاظ.
  • الاختلاف بين الفرزدق وجرير والأخطل، فنجد أن منهم من عمد إلى الحديث بصيغة الجمع الغائب ومنهم من تحدث بالخطاب المباشر.
  • الاعتماد على أسلوب السخرية في النقد.
  • اتفاق القصائد في البحر والروي والقافية.
  • التأثر بالدين الإسلامي.
  • تصوير الحياة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي آنذاك.
  • كثرة استخدام أدوات التوكيد لتدعيم الألفاظ في القصيدة.
  • القصر وأحيانًا التطويل مع التقسيم إلى مقطوعات.
  • الاعتماد في كثير من الأحيان الألفاظ الخارجة في الهجاء والقذف، لذا كثيرًا ما يلاحظ وجود الألفاظ النابية في القصائد.

إن شعر النقائض بين جرير والفرزدق يعد من أجمل ما ورد في تاريخ الشعر العربي، ولعل أهم ما يميزه هو وفرة المعاني اللغوية والألفاظ القوية حتى قيل لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة العربية.

شاركنا أفكارك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.