تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي
لقد كانت تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي هي الحد الفاصل في حياتي، وبالرغم من قسوتها وصعوبتها البالغة وما تركته في نفسي من أثر عميق، إلا أنني فخور بها جدًا فلولاها لم أكن إنسانًا جديدًا أدرك معنى كلمة الشباب وقيمة العمر، ونظرًا لمدى أهمية هذه التجربة، سوف أسرد كل تفاصيلها من خلال منصة وميض لكي يتمكن كل شاب من تحقيق أكبر إفادة ممكنة منها.
تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي
إن تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي بدأت حينما كنت في الثالثة والعشرين من العمر، أنا شاب من محافظة اللاذقية في الجمهورية العربية السورية، نشأت في بلدة صغيرة باللاذقية وسط بيئة متدينة ومتحفظة إلى أقصى حد، وكنت شخصًا سويًا إلى وقت غير قصير حتى تبدل كل شيء من بعدها.
ما أن وصلت إلى سن الجامعة قررت أن انتسب إلى إحدى الكليات النظرية في جامعة دمشق، وعلى إثر ذلك القرار تركت مدينتي وكنت أذهب إليها في الإجازات الأسبوعية وربما كل شهر، وذلك لأنني كنت أحاول الموازنة فيما بين الدراسة والعمل بأحد محلات السوبر ماركت الضخمة كمحاسب.
طبعًا كنت ضعيف النفس إلى حد كبير وكنت مثل الطفل الصغير الذي مضى عمره كله في قمقم وما أن وجد له فتحة حتى انطلق منها، وجدت اختلاطًا مباشرًا في المدينة بعيدًا عن بيئة اللاذقية الريفية المتحفظة، ووجدت أشكالًا وأصنافًا مختلفة من الناس وخاصةً الفتيات.
كما وتأثرت جدًا بالسلوكيات المختلفة عما نشأت عليه منذ الصغر، ووجدت أن الشباب في عمري يعملون كل ما يريدونه تحت بند التجربة ولا ضرر من التجربة حتى وإن كانت التجربة محرمة ومقيتة، فالشباب مجنون جدًا وبإمكانه أن يقدم على فعل أي شيء يرضي فضوله ورغباته الجامحة في هذا العمر طبعًا إلا ما رحم ربي.
مع الأسف بدأت أن أنحرف عن الطريق القويم وجربت تعاطي بعض الأنواع الخفيفة من المخدرات مثل الحشيش، ثم جربت تناول بعض المشروبات الكحولية وفي بادئ الأمر كان ضميري يؤنبني بعض الشيء، إلا أنني أسكته بسماحي للمتعة واللذة المحرمة أن تسيطر على كياني فلم أكن أكترث لندائه وتنبيهه.
وصل بي الأمر إلى مشاهدة الأفلام الإباحية وبمرور الوقت أدمنتها بمعنى كلمة الإدمان، فكنت أشاهدها بشكل يومي لساعات دون ملل أو سأم، وخاصةً تلك الأفلام السادية التي تصور الرجل كوحش كاسر أو مصارع في ممارسة الجنس بمنتهى الوحشية والعنف مع شريكته، وكنت أميل لا إراديًا إلا هذا النوع من الأفلام.
اقرأ أيضًا: أفضل علاج للوسواس القهري الشديد
أضرار الفراغ على التفكير الجنسي للشباب
استكمالًا لعرض تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي، أريد توضيح أمر بالغ الأهمية ألا وهو أن الفراغ كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقتلة بالفعل، فلقد طلبت مني أسرتي أن آخذ إجازة من العمل حتى أنتهي من امتحانات الفصل الدراسي الثاني من الجامعة وأن أتفرغ للمذاكرة على أن يتكفلوا بمصاريفي.
بالتالي أصبح لديَّ من وقت الفراغ الكثير لكي أغرق أكثر فيما أصبحت مدمنًا له، وتطور الأمر أكثر إلى أن خيالي قد بات أكثر جموحًا ونفسي أمارة بالسوء على الدوام، ودومًا كنت على أهبة الاستعداد لفعل أي شيء لكي أخوض تجربة مجنونة من الممارسة الجنسية حتى وإن كانت محرمة.
أهملت الدراسة وتركت المذاكرة واعتمدت على الغش لكي أنجح في الامتحان، وهذا أمر طبيعي فشخص مثلي لم يعد في عقله ولا في نفسه متسع كافٍ لكي يفكر في مستقبله ويحسن من وضعه الاجتماعي، فإن الإنسان عندما يتعمد أن يخرس صوت ضميره يأخذ شكل الإنسان من الخارج ولكن بطبيعة حيوانية دنيئة.
تماديت جدًا في ممارسة العادة السرية حتى سئمت منها وقررت دفع مبلغ باهظ جدًا لكي أقضي ليلة مع إحداهن في مكان مشبوه، لكي أطبق كل ما شاهدته من تلك الأفلام المقززة البشعة، وبالفعل قمت بالأمر ولكنني كنت مغيبًا حينها وبقدر ما شعرت باللذة بقدر ما تذكرت ولكن متأخرًا أن ما قمت به بتلك الطريقة لا يليق بآدمي.
من بعدها أصبح ضميري يؤنبني مرة أخرى من حين لآخر فعمدت إلى الشرب أكثر لكي أسكته وأواصل ما أنا فيه، وكررت تلك الممارسات أكثر من مرة بعدها حتى وقت كنت فيه أشعر بحالة نفسية سيئة، وكأن كل ما فعلته من ذنوب وكبائر قد خيم على قلبي كسحابة سوداء منعت أشعة النور أن تصل إليه وتتخلله.
هنا أدركت أنني مريض بتلك الآثام ولست مجرد شاب شهواني جامح التفكير في الجنس العنيف ومدمنًا له ولا أفضل غيره، وفجأة أخذت في البكاء بشدة لساعات متواصلة دون أن أتوقف للحظة واحدة وكأن نفسي قررت أن تتطهر نفسها من دون أن أوافق أو أرغب أنا في ذلك.
الكشف النفسي عن الوسواس القهري الجنسي
لا تزال تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي مستمرة وقائمة حتى طال وقت المقاومة ولكنني لم أكن قادرًا على أن أعالج نفسي بنفسي، فقررت أن أذهب إلى طبيب نفسي وشرحت له بالتفصيل كل ما مررت به وكل ما فعلته منذ طفولتي ونشأتي المحافظة، وحتى الحالة المزرية التي وصلت إليها الآن عن سبق إصرار وترصد.
أخبرني الطبيب بعد الجلسة الثانية أنني مريض بداء نفسي يطلق عليه وسواس الجنس أو الوسواس القهري الجنسي، الذي يصيب الإنسان نتيجة عدم ترسخ الدين والعلم فيه بشكل صحيح، ونتيجة لضعف النفس وميلها لكل ما تفرضه عليها الفطرة دون مقاومة وباستسلام تام.
عرفني الطبيب أيضًا أن العلاج السلوكي والمعرفي وبعص الأدوية من شأنها أن تخفف من تلك الحالة وتعالجها، إلا أن العلاج الصحيح والشفاء النهائي يجب أن أكون أنا السبب فيه، بمعنى أن أقاوم وأن أعالج نفسي لأنقذها من المصير الأسود الذي ألقيت بها إليه، وبالفعل بدأت أن أكون أكثر جدية واستقامة وانتظمت على العلاج والجلسات النفسية.
كما وعرفت أن تلك الحالة لا تصيب فئة كبيرة من الشباب، فإن الوسواس القهري مرض نفسي صحيح، ولكنه متعدد الأشكال وله أكثر من نوع ويعد جنون الجنس أو السادية فيه واحدًا من تلك الأنواع، ومن الجيد ومن حسن الحظ أنني ذهبت إلى الطبيب في وقت مبكر لكيلا تتفاقم الحالة ويصبح علاجها أمرًا بالغ في الصعوبة.
حاول الطبيب أن يقنعني بحقيقة أن تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي ليست بأمر خارق للطبيعة وليست نهاية الكون، فكل إنسان يميل للخطأ ولكن كل إنسان يميل إليه بشكل مختلف والأخطاء متنوعة ومتباينة، ولكل نوع لذته الخاصة وأصحاب الميل إليه.
كان كل ذلك من باب الدعم الإيجابي وتأكيد فكرة أن كل بن آدم خطاءً بطبيعة الحال، ولكن دوري يبدأ من أن أعالج نفسي وأنقذها من الضياع، ويجب أن يبدأ العلاج والتغيير من اللحظة الأولى التي أخرج فيها من باب العيادة النفسية، لكي أخلق لحياتي حياة جديدة وأخلق من نفسي إنسانًا ونفسًا جديد.
أركان العلاج الصحيحة من الوسواس القهري الجنسي
عدت إلى العمل وإلى الجامعة مرة أخرى لكي أحسن من حياتي ولكن الأفكار المظلمة تلك كانت تطاردني دومًا، ولكنها هدأت وبدأت وكأنها تهرب مني وتتلاشاني تمامًا حينما قررت أن ألجأ إلى الله، وأخيرًا تذكرته وعدت إليه، وما أن دخلت إلى المسجد حتى أجهشت في البكاء أثناء الصلاة حتى ارتاحت نفسي وهدأت قليلًا.
أخبرت إمام المسجد بكل ما أمر به وبكل ما فعلته في حياتي وما ضيعته على نفسي ووصلت بها إليه، وكم أنني أشعر بتأنيب الضمير والألم والحسرة لأنني فرطت في ديني وفي نفسي وأغضبت الله وطمعي في رحمته وغفرانه أراه من باب الوقاحة.
هدء الشيخ من روعي وتلا بعض الآيات التي تبين مدى عظمة الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده، وأنه يغفر ذنوب العبد مهما تعاظمت وأنا في النهاية لا أقارن بشخص قتل مائة نفس وغفر الله لي، وأوصاني بكثرة الاستغفار والالتزام في الصلاة والحرص على قراءة الورد اليومي من القرآن الكريم.
ساعدني الالتزام الديني في تقبل العلاج النفسي والاستجابة له بسرعة، كما أن الطبيب قد أخبرني أن هذا المرض النفسي كان لا يزال في بدايته عندي، وأنني لم أتركه لكي يتنامى ويتفشى ويكون أكثر سيطرة، فأنا كنت في هذه الفترة السيئة من الحياة لمدة ثلاثة أشهر فقط والحمد لله أنها لم تكن أطول من ذلك ولو بيوم واحد.
إلى جانب ذلك كله كنت ألتزم بممارسة الرياضة في كل يوم لكي أخلص الجسم من مؤثرات السموم التي كنت أتناولها، وكنت أنظم مواعيد وخط سير يومي ما بين دراسة وعمل وأداء فروض دينية وتمارين المقاومة النفسية لكيلا أتيح أو أفسح مجالًا لتلك الحالة أن تسيطر عليَّ مجددًا.
لكل شاب مر يومًا بتجربة مشابهة إلى تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي، لا يجب أن تلجأ إلى طبيب لكي يساعدك في التعافي من ذلك المرض ولا عيب في أن يكون الإنسان مريضًا نفسيًا، بل إن العيب يكمن في كون الإنسان ساكتًا عما يفعله ومستمرًا به بالرغم من معرفته بأنه أمر محرم وخاطئ.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع علاج القلق
ما هو الوسواس القهري الجنسي
قبل بدء تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي لم أكن أعرف أن هناك مرضًا نفسيًا بهذا الاسم أو الوصف، وكنت معلوماتي عن مرض الوسواس القهري أنه خاص بالنظافة في كل شيء أو ربما في التفكير ولا يتخطى الأمر ذلك الحد، إلا أن تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي أثبتت لي سطحية معرفتي وجهلي بالأمور.
عندما ذهبت إلى الطبيب النفسي شرح لي كل ما يخص هذا المرض، وعرفه لي على أنه حالة تسيطر فيها الأفكار والشهوة الجنسية على قلب وعقل الإنسان بشدة وضراوة، ولكن لا يشترط أن تكون تلك الأفكار الجنسية سادية وعنيفة، بل يمكن أن تكون من ذلك النوع الهادئ أو الرومانسي أو التقليدي أو العبودي المازوشي.
حينها لا يفكر عقل الإنسان إلا بتلك الأفكار ويتخيلها ويحاول جاهدًا من أجل تحويل خياله لواقع ملموس في الحقيقة، كما وأن تلك الأفكار تسيطر على ضمير الإنسان وتجعله يوافق وبسهولة بالغة على ممارسة تلك العلاقات بالرغم من معرفة مدى إثمها وعواقبها.
بالرغم من ندم الشخص عليها بعد ارتكابها إلا أنه يضعف من جديد ويقع تحت سيطرتها وتأثيرها مرارًا وتكرارًا، وإما أن يصارعها لكي يقضي عليها تمامًا، وإما أن تقتله هي في النهاية.
أسباب الوسواس الجنسي القهري
من خلال تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي أخبرني الطبيب أن الإصابة بمثل هذا النوع من الاضطرابات النفسية يرجع لمجموعة من الأسباب، ومن بينها:
- خلل المواد الكيميائية المسؤولة عن تحسين الحالة المزاجية في الجسم، ومن بينها مادة النوربينفرين وهرمون السيروتونين والدوبامين.
- تغير طارئ على الدوائر العصبية في المخ وخاصةً تلك المراكز المسؤولة عن التعزيز، مما ينتج عنه التغير التام في المسارات الموجودة بالدماغ وهذا هو ما يحدث عند إدمان الشخص للمخدرات.
- التأثر ببعض المشاكل الصحية التي تصيب الدماغ ومن بينها الصرع أو الخوف المرضي.
- استخدام الأدوية التي تحفز إنتاج الدوبامين في الجسم مثل أدوية علاج مرض باركنسون.
أعراض الوسواس الجنسي
نبهتني تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي إلى أمر بالغ الأهمية، ألا وهو عندما نجد شخصًا يغالي في الحديث عن الجنس أو مهووسًا بالأفعال الجنسية، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه مريض بذلك الداء النفسي الخطير ولا يشترط أن يكون منحلًا من الأساس، ومن الأعراض التي تؤكد إصابة الإنسان بهذا المرض النفسي:
- كثرة التفكير في الجنس وبشكل مبالغ فيه.
- العمد إلى ممارسة النشاط الجنسي بكثرة.
- إهمال النظافة والعناية الشخصية.
- التخلي عن الاهتمامات والمسؤوليات الشخصية والحياتية.
- فشل محاولات الإقلاع عن ممارسة السلوك الجنسي لفترة قد تزيد عن ستة أشهر.
- الإقدام على ممارسة الأفعال الجنسية بالرغم من معرفة أنها حرامًا وخطيرة.
- تلبية الدعوى إلى ممارسة الجنس بشكل لا إرادي وعدم القدرة على الفرض حتى في حالة عدم الشعور بالاستمتاع فإن الشخص لا يتمكن من الرفض.
- الدخول في نوبات من الاكتئاب والحزن أو الخجل وعدم القدرة على مواجهة المجتمع.
- كثرة التفكير في الانتحار.
- عدم القدرة في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية أو الشخصية والعاطفية.
علاج الوسواس الجنسي
من خلال تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي أيقنت أنه يوجد أكثر نوع من العلاج، ويمكن اتباع جزء محدد من كل نوع لمعالجة حالات الوسواس الجنسي، وتلك الأنواع تتلخص في:
1- العلاج الذاتي
يكمن العلاج الذاتي أو الشخصي في اتباع المريض للنصائح الآتية:
- مساندة النفس ومقاومته لمنع تدهور الحالة.
- تفهم الحالة النفسية وطبيعة المرض لخلق إمكانية في التعامل معه.
- التعرف إلى طبيعة هذا النوع من الاضطرابات النفسية وفهم كل ما يخصه.
- التأكد من إمكانية وجود علاج إضافي.
2- العلاج بالأدوية
هناك بعض الأدوية والعقاقير الطبية التي تساهم بنسبة كبيرة في ضبط الخلل الحاصل في الجسم نتيجة لهذا الاضطراب، ومن بين أنواع هذه الأدوية:
- الأدوية المضادة للاكتئاب.
- الأدوية المستخدمة لعلاج الاضطراب ثنائي القطب.
- أدوية تحسين المزاج.
- الأدوية التي تشتمل على مادة النالتريكسرون، لكونها تعمل على تحجيم عمل الجزء المسؤول عن الاستمتاع في المخ، من الاستمتاع بالأشياء المضرة والخطيرة مثل إدمان المخدرات وإدمان الجنس.
- الأدوية المثبطة لهرمون الإندروجين للحد من المثيرات الجنسية.
اقرأ أيضًا: هل أفكار الوسواس القهري حقيقية
3- العلاج النفسي
يتمثل العلاج النفسي من هذا المرض في العلاج السلوكي المعرفي الذي يعمل على توعية الشخص لخطورة تلك المفاهيم الخاطئة المغلوطة، وتعليمه كيفية إحلال المفاهيم الصحيحة محلها.
كما يساعد الشخص المريض في قبول الأفكار الصحيحة لكي يختار بنفسه الأفعال التي تتناسب مع الدين والمجتمع، كما ويتضمن العلاج ديناميكيات العلاج النفسي التي تعمل على زيادة توعية المريض وتنبيهه إلى الأفكار الغير واعية لكي يتمكن من إدراكها والتحكم بنفسه لتفاديها.
علمتني تجربتي مع الوسواس القهري الجنسي أن الإنسان قادر على أن يخلق المرض النفسي لنفسه ثم يدعي الإصابة به من اللا شيء، وعرفت أنه بالفعل كل نفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.