شعر المتنبي في مدح الرجال
شعر المتنبي في مدح الرجال يريد البعض الاطلاع عليه والتعرف على المناسبة التي تم إلقاء بها هذه القصائد، فقد اشتهر المتنبي بقصائده في أشعار المدح العديدة وقد استطاع الوصول إلى العديد من المقامات المرموقة بسبب مدحه لكبار الدول، لذا من خلال منصة وميض سوف نتعرف على شعر المتنبي في مدح الرجال بشيء من التفصيل في السطور القادمة.
شعر المتنبي في مدح الرجال
قدم المتنبي العديد من القصائد حول مدح الرجال منها ما كان حول مدح رجال الدولة والبعض حول مدح الأصدقاء والعديد من القصائد الأخرى حول المدح في معناه العام، ويعد المتنبي من أكثر الشعراء مدحًا للرجال، فهم من يتحملوا الكثير في سبيل إسعاد المحيطين بهم، لذلك تكون هذه القصائد نوع من الشكر لهم على الدور البارز الذين يقومون به.
المتنبي اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي أبو الطيب المتنبي ويطلق عليه لقب المتنبي وأبو الطيب، قد نشأ في الشام وانتقل إلى البادية وقد قام بتأليف العديد من القصائد في صباه، وله العديد من الدواوين والقصائد الشعرية، وفي السطور القادمة سوف نتعرف على بعض من شعر المتنبي في مدح الرجال.
1- قصيدة عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
هذه القصيدة قد ألفها المتنبي لمدح سيف الدولة، يحدد لنا أن لكل شخص في الدنيا قدرة محددة ولكل قدرة تتحدد همته وعزيمته، لذلك فإن أصحاب العزائم الكبيرة يحصلون على ما يتناسب مع قدرتهم، بعد ذلك بدأ يمدح سيف الدولة وهو الأمر الأساسي الذي يقوم عليه القصيدة.
حيث إن سيف الدولة يحاول أن يطلب من رجال الجيش أن يتحلوا بالهمة والعزيمة القوية والكبيرة والكرم والشجاعة، وقد أوضح المتنبي أن العزيمة التي يتحلى بها سيف الدولة أكبر من تلك العزيمة التي يتحلى بها الجيش، لذلك يشبه في الأبيات الشعرية بأنه أقوى من الأسود، وقد جاءت تلك الأبيات على النحو التالي:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ
وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ
وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ
وَذَلِكَ مالا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ
يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمراً سِلاحُهُ
نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ
وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها
وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ
سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ
فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا
وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بِها مِثلُ الجُنونِ فَأَصبَحَت
وَمِن جُثَثِ القَتلى عَلَيها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها
عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ
تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ
وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ
إِذا كانَ ما تَنويهِ فِعلاً مُضارِعاً
مَضى قَبلَ أَن تُلقى عَلَيهِ الجَوازِمُ
وَكَيفَ تُرَجّي الرومُ وَالروسُ هَدمَها
وَذا الطَعنُ آساسٌ لَها وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَموها وَالمَنايا حَواكِمٌ
فَما ماتَ مَظلومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أَتوكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُم
سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ
إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البيضُ مِنهُمُ
ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ
خَميسٌ بِشَرقِ الأَرضِ وَالغَربِ زَحفُهُ
وَفي أُذُنِ الجَوزاءِ مِنهُ زَمازِمُ
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسنٍ وَأُمَّةٍ
فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التَراجِمُ
فَلِلَّهِ وَقتٌ ذَوَّبَ الغِشَّ نارُهُ
فَلَم يَبقَ إِلّا صارِمٌ أَو ضُبارِمُ
تَقَطَّعَ مالا يَقطَعُ الدِرعَ وَالقَنا
وَفَرَّ مِنَ الأَبطالِ مَن لا يُصادِمُ
وَقَفتَ وَما في المَوتِ شَكٌّ لِواقِفٍ
كَأَنَّكَ في جَفنِ الرَدى وَهوَ نائِمُ
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً
وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى
إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
ضَمَمتَ جَناحَيهِم عَلى القَلبِ ضَمَّةً
تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ
بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ
وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ
حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها
وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما
مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ
موضحًا في نهاية القصيدة أن القلعة تتميز بارتفاع شديد إلا أن هذا الأمر لم يمنع سيف الدولة أو جيشه، فأوضح أن السيوف كانت تتطاير فوق هذه الأسوار العالية التي تحيط بالقلعة، وبالتالي مات العديد من الأشخاص في هذه القلعة، ويقصد بالقلعة في القصيدة هي أحد القلاع التي حصل عليها الروم بغير حق.
لكن كانت مقبرة لهم واستطاع المسلمون الحصول عليها بالغصب مرة أخرى، موضحًا أن ما تم استرداده لا يتم أخذه مرة أخرى ولكن الأمر مختلف مع سيف الدولة، فالأيام تساعده على استعادة ما أخذ منه دون وجه حق، وهو أهم ما يميز سيف الدولة وهي الشجاعة في استرداد الحقوق، كانت هذه الأبيات تعد من أبرز شعر المتنبي في مدح الرجال.
بعد ذلك تفرع هذا النوع وانتقل إلى شعراء الشارع والشعر العامي، ولكن بالرغم من التطورات العديدة التي طرأت على هذا النوع إلا أنه مازال له بصمة كبيرة في تاريخ الأدب العربي..مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم).
اقرأ أيضًا: شعر المتنبي في الحكمة ومميزات شعره وأهم خصائصه
2- قصيدة كفى بك داءً
استكمالًا لحديثنا عن شعر المتنبي في مدح الرجال، سوف نتحدث عن مناسبة هذه القصيدة التي تعد من أشهر شعر المتنبي في مدح الرجال، فكان يمدح بها كافور الأخشيدي، لأنه قضى مع هذا الرجل مدة طويلة في البلاط الملكي، وبعد هذه المدة قام كافور بالانتقال إلى دمشق، وعندما وصل إلى دمشق قام بمراسلة المتنبي وطلب منه أن يسافر إلى مصر وبالفعل غادر المتنبي إلى مصر.
عند وصوله وجد أن كافور قام إخلاء منزل له وكان يحتوي على العديد من الهدايا والدراهم، لذلك ألف المتنبي هذه القصيدة في مدحه، وقد جاءت أبياتها على النحو التالي:
كَفي بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا
وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى
صَديقاً فَأَعيا أَو عَدُوّاً مُداجِيا
إِذا كُنتَ تَرضى أَن تَعيشَ بِذِلَّةٍ
فَلا تَستَعِدَّنَّ الحُسامَ اليَمانِيا
وَلا تَستَطيلَنَّ الرِماحَ لِغارَةٍ
وَلا تَستَجيدَنَّ العِتاقَ المَذاكِيا
فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى
وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا
حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى
وَقَد كانَ غَدّاراً فَكُن أَنتَ وافِيا
وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ
فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا
فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها
إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا
إِذا الجودُ لَم يُرزَق خَلاصاً مِنَ الأَذى
فَلا الحَمدُ مَكسوباً وَلا المالُ باقِيا
وَلِلنَفسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى
أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخِيا
أَقِلَّ اِشتِياقاً أَيُّها القَلبُ رُبَّما
رَأَيتُكَ تُصفي الوُدَّ مَن لَيسَ جازِيا
خُلِقتُ أَلوفاً لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا
لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا
وَلَكِنَّ بِالفُسطاطِ بَحراً أَزَرتُهُ
حَياتي وَنُصحي وَالهَوى وَالقَوافِيا
وَجُرداً مَدَدنا بَينَ آذانِها القَنا
فَبِتنَ خِفافاً يَتَّبِعنَ العَوالِيا
تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا
نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا
وَتَنظُرُ مِن سودٍ صَوادِقَ في الدُجى
يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَ
وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعاً
يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا
تُجاذِبُ فُرسانَ الصَباحِ أَعِنَّةً
كَأَنَّ عَلى الأَعناقِ مِنها أَفاعِيا
بِعَزمٍ يَسيرُ الجِسمُ في السَرجِ راكِباً
بِهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجِسمِ ماشِيا
قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ
وَمَن قَصَدَ البَحرَ اِستَقَلُّ السَواقِيا
فَجاءَت بِنا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ
وَخَلَّت بَياضاً خَلفَها وَمَآقِيا
نَجوزَ عَلَيها المُحسِنينَ إِلى الَّذي
نَرى عِندَهُم إِحسانَهُ وَالأَيادِيا
فَتىً ما سَرَينا في ظُهورِ جُدودِنا
إِلى عَصرِهِ إِلّا نُرَجّي التَلاقِيا
تَرَفَّعَ عَن عَونِ المَكارِمِ قَدرُهُ
فَما يَفعَلُ الفَعلاتِ إِلّا عَذارِيا
يُبيدُ عَداواتِ البُغاةِ بِلُطفِهِ
فَإِن لَم تَبِد مِنهُم أَبادَ الأَعادِيا
أَبا المِسكِ ذا الوَجهُ الَّذي كُنتُ تائِقاً
إِلَيهِ وَذا الوَقتُ الَّذي كُنتُ راجِيا
لَقيتُ المَرَورى وَالشَناخيبَ دونَهُ
وَجُبتُ هَجيراً يَترُكُ الماءَ صادِيا
أَبا كُلِّ طيبٍ لا أَبا المِسكِ وَحدَهُ
وَكُلَّ سَحابٍ لا أَخَصُّ الغَوادِيا
يَدِلُّ بِمَعنىً واحِدٍ كُلَّ فاخِرٍ
وَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ المَعانِيا
إِذا كَسَبَ الناسُ المَعالِيَ بِالنَدى
فَإِنَّكَ تُعطي في نَداكَ المَعالِيا
وَغَيرُ كَثيرٍ أَن يَزورَكَ راجِلٌ
فَيَرجِعَ مَلكاً لِلعِراقَينِ والِيا
إن المدح من أهم الأبواب التي توجد في الشعر والأدب العربي، ومدح الرجال له العديد من الأنواع منها (مدح سيف الدولة- مدح صديق- مدح حاكم- مدح حبيب- مدح رجال الوطن)، على أن شعر مدح الرجال بدأ في الانتشار منذ زمن بعيد أي منذ العصر الجاهلي، حيث كانت القبائل تمتدح بعضها أو يقومون بمدح الحروب التي خاضوها، وتغير وضع هذا اللون من الشعر فيما بعد كما ظهر في شعر المتنبي في مدح الرجال.
اقرأ أيضًا: أبيات شعر للمتنبي عن عزة النفس
3- قصيدة في الخد أن عزم الخليط رحيلا
كذلك في صدد عرضنا شعر المتنبي في مدح الرجال سوف نذكر مناسبة هذه القصيدة، فقد قال أبو الطيب هذه القصيدة في مدح بدر بن عمار وهو أحد أمراء كل من صيدا وصور ومرجعيون، وهذا الأمير كان يعيش أولًا في طرابلس لذلك قام المتنبي بمدحه وذكره في هذا الشعر بعدما كان يتجول في كل من لبنان وحمص.
عندما كان في حمص بالأخص في منطقة الفراديس تعرف على بدر بن عمار، وهذه القصيدة تعد من القصائد التي لم تحقق أي نوع من النفع له، عندما حكم سيف الدولة مدينة حلب، وكانت تربط بينهم علاقة صداقة قوية، فكانت القصيدة في بداية علاقته مع بدر ويقال إنه ألقاها لكي تكون وسيلة للتقرب من بدر بن عمار.
لكي يتقرب من بن الرائق وهذا الأمر كله كان مجرد وسيلة لكي يستطيع الوصول إلى قصر الخلافة الذي يوجد في بغداد، ولكنه لم يحصل على ما يريد إلا بعض الأشياء القليلة التي عادت إليه من كل هذه المحاولات، لذلك تعد من أجمل شعر المتنبي في مدح الرجال وسيوف الدولة، وجاءت أبياتها كما يلي:
في الخَدِّ أَن عَزَمَ الخَليطُ رَحيلاً
مَطَرٌ تَزيدُ بِهِ الخُدُودُ مُحولا
يا نَظرَةً نَفَتِ الرُقادَ وَغادَرَت
في حَدِّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلولا
كانَت مِنَ الكَحلاءِ سُؤلي إِنَّما
أَجَلي تَمَثَّلَ في فُؤادي سولا
أَجِدُ الجَفاءَ عَلى سِواكِ مُروءَةً
وَالصَبرَ إِلّا في نَواكِ جَميلا
وَأَرى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً
وَأَرى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَملولا
تَشكو رَوادِفَكِ المَطِيَّةَ فَوقَها
شَكوى الَّتي وَجَدَت هَواكَ دَخيلا
وَيُعيرُني جَذبُ الزِمامِ لِقَلبِها
فَمَها إِلَيكِ كَطالِبٍ تَقبيلا
حَدَقُ الحِسانِ مِنَ الغَواني هِجنَ لي
يَومَ الفِراقِ صَبابَةً وَغَليلا
حَدَقٌ يُذِمُّ مِنَ القَواتِلِ غَيرَها
بَدرُ بنُ عَمّارِ بنِ إِسماعيل
الفارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بِمِثلِها
وَالتارِكُ المَلِكَ العَزيزَ ذَليلا
مَحِكٌ إِذا مَطَلَ الغَريمُ بِدَينِهِ
جَعَلَ الحُسامَ بِما أَرادَ كَفيلا
نَطِقٌ إِذا حَطَّ الكَلامُ لِثامَهُ
أَعطى بِمَنطِقِهِ القُلوبَ عُقولا
أَعدى الزَمانَ سَخاؤُهُ فَسَخا بِهِ
وَلَقَد يَكونُ بِهِ الزَمانُ بَخيلا
وَكَأَنَّ بَرقاً في مُتونِ غَمامَةٍ
هِندِيُّهُ في كَفِّهِ مَسلولا
وَمَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِباً
لَو كُنَّ سَيلاً ما وَجَدنَ مَسيلا
رَقَّت مَضارِبُهُ فَهُنَّ كَأَنَّما
يُبدينَ مِن عِشقِ الرِقابِ نُحولا
أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ
لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا
وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ
نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا
وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً
وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا
مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ
في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا
ما قوبِلَت عَيناهُ إِلّا ظُنَّتا
تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا
في وَحدَةِ الرُهبانِ إِلّا أَنَّهُ
لا يَعرِفُ التَحريمَ وَالتَحليلا
يَطَءُ الثَرى مُتَرَفِّقاً مِن تيهِهِ
فَكَأَنَّهُ آسٍ يَجُسُّ عَليلا
وَيَرُدُّ عُفرَتَهُ إِلى يافوخِهِ
حَتّى تَصيرَ لِرَأسِهِ إِكليلا
وَتَظُنُّهُ مِمّا يُزَمجِرُ نَفسُهُ
عَنها لِشِدَّةِ غَيظِهِ مَشغولا
قَصَرَت مَخافَتُهُ الخُطى فَكَأَنَّما
رَكِبَ الكَمِيُّ جَوادَهُ مَشكولا
أَلقى فَريسَتَهُ وَبَربَرَ دونَها
وَقَرُبتَ قُرباً خالَهُ تَطفيلا
فَتَشابَهُ الخُلُقانِ في إِقدامِهِ
وَتَخالَفا في بَذلِكَ المَأكولا
فَلَقَد عُرِفتَ وَما عُرِفتَ حَقيقَةً
وَلَقَد جُهِلتَ وَما جُهِلتَ خُمولا
نَطَقَت بِسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنِّياً
وَبِما تُجَشِّمُها الجِيادُ صَهيلا
ما كُلُّ مَن طَلَبَ المَعالِيَ نافِذاً
فيها وَلا كُلُّ الرِجالِ فُحولا
عندما ظهر الإسلام اختفت الحروب والمنازعات بشكل كبير، وهنا بدأ الشعراء في مدح الإسلام، وكان من أبرز الشعراء في هذه الفترة هو حسان بن ثابت الذي كان يؤلف الشعر في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومع بداية ظهور المتنبي وغيره من الشعراء أخذوا يمدحون في بلاط السلاطين.
هكذا أخذوا بعدها يعملون على مدح الحكام، وكان المتنبي من أكثر الشعراء التي تبالغ في المدح وكان هناك تنافس كبير بين الشعراء في هذا الأمر، وعندما حدثت العديد من الأزمات ووقعت العديد من الدول ظهر مدح الأمجاد أي يتغنى الشاعر بالأمجاد السابقة التي قام بها.
بعد ذلك تفرع هذا النوع وانتقل إلى شعراء الشارع والشعر العامي، ولكن بالرغم من التطورات العديدة التي طرأت على هذا النوع إلا أنه مازال له بصمة كبيرة في تاريخ الأدب العربي.
اقرأ أيضًا: شعر عن حب الوطن للمتنبي
شعر المتنبي في مدح الرجال يعد من أشهر أنواع شعر المدح وكان المتنبي من رواد شعر المدح في عصره، فقد كان يتغنون بهذا الشعر في العصور التالية له، بل وتم تعليمه للأطفال والكبار حتى ظل هذا النوع من الشعر له مكانته المرموقة.