نصرة المظلوم وفضيحة الظالم
نصرة المظلوم وفضيحة الظالم هي حقيقة مؤكدة، فالمظلوم لا يهدأ والظالم لا يهنأ، والعدل من صفات الله تعالى العلا، كما أن دعوات من ظُلم تصل إلى عنان السماء ليس بينها وبين الله حاجزًا أو حجاب، فتكون مستجابة ليتحقق عدل الله في عباده، مهما طال أمد الاستجابة، ومن خلال منصة وميض سنوافيكم كيف يُمكن أن ينتصر المظلوم على الظالم.
نصرة المظلوم وفضيحة الظالم
إن الظلم بيّن، فهو تعدي على الحق بالباطل، كما أنه سلبًا ونهبًا لحقوق الضعفاء، على أن أقسى درجات الظلم هو ظلم النفس والعياذ بالله، قال الله تعالى في سورة القمر: “فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ (11)”، فلا حول ولا قوة لمظلوم إلا بالله تعالى، هو من ينصره ولو بعد حين، ولا يرد دعائه أبدًا.
كما نستند إلى الحديث القُدسيّ: “إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا” (صحيح مسلم).
على أن هناك دلائل أخرى كثيرة من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة على أن الله لا يرضى بالظلم بين عباده، ومن ظلم سيأخذ جزاءه، ومن ظُلم سينصره الله بإذنه، كما أنه من الحكمة البالغة أن عاقبة الظالم جراء ظلمه تنجلي في زيادته في الظلم، فلا جزاء واقع عليه في الدنيا ولا بلاء يُطهره من ذنبه.. بل يمهله الله ولا يُهمله، حتى يزيد من جبروته وقسوته إلى أن تحين عقوبة الخالق.
إن الظلم ما هو إلا ظلمات يوم القيامة، فالظالم لا يكون لديه من الحسنات ما تخول له المغفرة عند الله، بل يُسحب إلى النار سحبًا، لتكون نصرة المظلوم وفضيحة الظالم في يوم القيامة وهو يوم الحساب العظيم.. أليس هناك عاقبة أشد من أن الله سبحانه وتعالى لا يهدي الظالم إلى الخير، ولا يبعث في قلبه النور ليهتدي طالما كان متعنتًا في ظلمه وجبروته، فلا يستجيب الله له دعاء، ولا يرفع عنه بلاء.
اقرأ أيضًا: دعاء المظلوم في جوف الليل
دعاء المظلوم على الظالم
يا من ظُلمت في أمر من أمور الدنيا، ردد الدعاء في جوف الليل سينصرك الله بقدرته على من ظلمك.. فالظالم لا يهنأ ولا يشعر ببركة في صحته وماله، ولا يستشعر راحة البال أبدًا.. ومن الأدعية التي يُمكن أن يرددها المظلوم على ظالمه:
- “ربي إني مظلوم فانتصر.. ربي إني مظلوم فانتصر.. ربي إني مظلوم فانتصر”.
- “يا ربّ أغلقت الأبواب إلّا بابك، وانقطعت الأسباب إلا إليك، ولا حول ولا قوة إلّا بك”.
- “يا ربّ اللهمّ إنّي ومن ظلمني من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيّتنا، وتطّلع على نيّاتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره”.
- “اللهم لا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصّننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا”.
- “اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم بك، وتوكّل المقهور عليك”.
- “اللهمّ إنّي أستغيث بك بعدما خذلني كلّ مغيث من البشر، وأستصرخك إذ قعد عنّي كلّ نصير من عبادك”.
- “اللهم أطرق بابك بعدما أغلقت الأبواب المرجوّة، اللهمّ إنّك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديرًا”.
- “يا ربّ إنّي أحبّ العفو لأنك تحبّ العفو، فإن كان في قضائك النافذ وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي، وينتقل عن عظيم ما ظلمني به، فأوقع ذلك في قلبه السّاعة الساعة وتب عليه واعفُ عنه يا كريم”.
- “يا ربّ إن كان في علمك به غير ذلك، من مقام على ظلمي، فأسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، وأفجئه في غفلته، مفاجأة مليك منتصر”
- “اللهمّ أرغم أنفه، وعجّل حتفه، ولا تجعل له قوّة إلاّ قصمتها، ولا كلمة مجتمعة إلا فرّقتها، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها، ولا ركناً إلاّ وهنته، ولا سبباً إلاّ قطعته”.
- “يا رب إنّي لأعلم يا رب أنّ لك يومًا تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، وأتيقّن أنّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، ولا يخرج عن قبضتك أحد، ولا تخاف فوت فائت، ولكن ضعفي يبلغ بي على أناتك وانتظار حلمك، فقدرتك يا ربّي فوق كلّ قدرة، وسلطانك غالب على كلّ سلطان، ومعاد كلّ أحد إليك وإن أمهلته، ورجوع كلّ ظالم إليك وإن أنظرته”.
على أن ينتقي المظلوم مواطن استجابة الدعاء، فكما أن دعائه ليس بينه وبين الله حجاب إلا أنه يُمكن أن يتفقد أوقات الصلوات وهو ساجد إلى الله فيكون أقرب إليه، علاوةً على الدعاء في الثلث الأخير من الليل، كما يُمكن الدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء عند الصيام، وفي وقت الفجر، على أن يكون العبد لحوحًا في دعائه، يصحبه يقينًا بالغًا بقدرة الله على الاستجابة.
اقرأ أيضًا: دعاء بعد صلاة الفجر لقضاء الحوائج
علامات نصرة المظلوم على الظالم
لا يغرنك من ظلم في سابق العهد وكان متكبرًا جبارًا، ينشر الفساد في الأرض ويبخس الحقوق، فالله بيده مقاليد الأمور وهو الأعلم بها والقادر على تغييرها بين عشية وضحاها.. وهناك الكثير من القصص السالفة التي بيّنت نصرة المظلوم وفضيحة الظالم في نهاية المطاف.
فلكل مظلوم نال من ويلات الظلم ما أشعره بالضيق والألم عليه أن يتيقن أن فرج الله قادم، ويعلم ما يلي:
- أن آثار استجابة دعواه على الظالم تتجلى في أن تنقلب حياة الظالم رأسًا على عقب، فيكون تعيسًا مهمومًا لا يجد ملاذًا أو مفرًا.
- يقرب الله تعالى المظلوم إليه، ويشمله في رحمته ورعايته، ويرفع درجاته على قدر ما تعرض إلى الظلم والأسى.
- إن الله ينصر المظلوم ويفضح الظالم في الوقت المناسب، لحكمة منه، بأن يرى المظلوم عاقبة الظالم أمام عينيه، وليشعر الظالم بفداحة ما اقترف.
- الظالم مهما نال من متاع الدنيا فهو أتعس الناس، فلا يجعله الله هانئًا بمعيشته وهو السبب في ظلم عبد، فيكون غير راضيًا مهما تيسرت في يده سبل السعادة.
- إن قسوة الظالم وتجبّر قلبه واستكباره علامة من علامات قرب نصرة المظلوم.
- شدة البلاء الذي يبتليه الله للمظلوم ترفعه عند الله درجات علا، حتى يظن البعض أن الله لن يرد له حقه، ويدب اليأس في قلوبهم.. إلا أن شديد الإيمان يتيقن من أن نصر الله قريب.
اقرأ أيضًا: ثلاث كلمات يستجاب بها الدعاء
دموع المظلوم عند الله
ربما يجد المظلوم نفسه ضعيف الحيلة، انتزعت قوته ولا يجد ما يفعله أمام من ظلمه وتجبّر عليه بسطوته، لذا يجب أن يكون على يقين بنصرة المظلوم وفضيحة الظالم، فالله لا يرد للمظلوم دعاءً ناجاه به.
فقط على المظلوم أن يشكو أمره وحزنه إلى الله، وهو الواحد الجبار المتكبر، ويفوض أمره لله تعالى ويتوكل عليه.. ويكون على يقين بأن نصر الله قادم لا محالة حتى وإن طال أمد الاستجابة، إن دموع المظلوم ليست هيّنة عند الله أبدًا، فهي إن كانت في أعينه دموعًا إلا أنها صواعق سيجد أن الله يبعثها على الظالم ليرى العباد نصرة المظلوم وفضيحة الظالم.
فقد قال الله تعالى في سورة إبراهيم: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)”، وفي سورة الفيل: “أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)”.
قد حذر الله الظالمين من دعاء المظلوم، فمن تدمع عيناه إثر ظلم بيّن يجازي الله من ظلمه أشد الجزاء، فالظلم من أشد ما يقهر، لذا أمر الله عباده أن يتخذونه ملاذًا من الظالمين ويستعينون به سبحانه وتعالى ويتوكلون عليه.. فهو حسبهم ونعم الوكيل.
حذر الله من الظلم، فالظالم في قلبه مرض لا يستشعر الرحمة ولا يشمله الله برحمته الواسعة، وهو ما يجلب القهر والتكبر والبلاء لصاحبه.