الفرق بين الاسراف والتبذير
ما الفرق بين الاسراف والتبذير؟ وما حكمهما في الدين؟ فهناك الكثير من الأمور التي يقوم بها الناس في الحياة وتم تداولها بالشريعة الإسلامية لمعرفة حكمها بين النهي والجواز، فالشريعة هي منهج العباد في الدنيا للحصول على الثواب الكبير بالآخرة، لذا نعرض الفرق بين تلك الصفات عبر منصة وميض.
الفرق بين الاسراف والتبذير
الدين الإسلامي لم يترك صفة دنيوية إلا وذكر الحكم من القيام بها، ومن أبرزها التبذير والإسراف، فكلاهما يعني صرف المال الكثير، ولكن بشكل جوهري يوجد لهما معنى مختلف، ويكون لكل منها الحكم الخاص به.
فالإسراف يعني إنفاق المال الزائد عن الحاجة والمعقول في الحلال، أما التبذير فيعني المغالاة بتجاوز الحد والإنفاق الواسع على المحرمات والشهوات والمعاصي، فهو الإنفاق على كل ما هو حرام أو حلال ولكن بسفه شديد.
لذا فإن الفرق بين الاسراف والتبذير يُظهر لنا أن التبذير أخص من الإسراف؛ بسبب استخدامه بإنفاق المال بالمعاصي أو السرف بغير حق، كما أن الاسراف يكون أعم من ذلك بسبب تجاوزه الحد بالحلال.
فالإمام الماوردي –رحمة الله عليه- قد فرق بين الاسراف والتبذير، بذكره بأن الأول هو الجهل بمقادير الحقوق، أم الثاني يعني الجهل في مواضع الحقوق، وكلال الأمرين مذموم، ولكن التبذير يكون أعظم بالذم؛ بسبب خطأ المسرف بالزيادة، أما المبذر فيكون خاطئًا بالجهل، ومن يكون جاهلًا بمواضع الحقوق يكون مثل الذي جهل بفعل فتخطاه.
اقرأ أيضًا: الزوج البخيل على زوجته فقط
معنى التبذير والإسراف في اللغة والاصطلاح
في صدد تناولنا الفرق بين الاسراف والتبذير، نعرض ذلك الفرق بين المعنى باللغة والاصطلاح عبر الفقرات الآتية:
1- معنى التبذير
في اللغة يكون معنى التبذير هو التفريق، والمصدر هو بذَر تبذيرًا، والأصل هو إلقاء البذر ثم طرحه، وتم الاستعارة بأنه كل من يضيع أمواله، فبذر المال يعني إنفاقه وإفساده بالسرف، وكل ما يفسد ويفرق يعني بذره.
فالمبذَر أو المباذر يعني المسرف بالإنفاق، والأصل في تلك المادة نثر وتفريق الشيء.
أما بالاصطلاح فقال الشافعي عن التبذير أنه إنفاقًا للمال في غير حقه، كما قيل إنه تفريق الأموال في شكل مسرف، كذلك أنه صرف الشيء بما لا يجب.
2- معنى الإسراف
في اللغة فإنه يعني مجاوزة القصد، ومصدر الكلمة من أسرف إسرافًا، والسرف من أسمائه، حيث يتم القول بأن الشخص أسرف بماله أي عجل دون قصد، وأصل تلك المادة دال على تجاوز الحد والإغفال للأمور.
أما في الاصطلاح فإن الإسراف يعني صرف المال في شيء زائد عن الحاجة، فقد قال الراغب الأصفهاني بأنه تخطى الحد في كل ما يقوم به الإنسان، وأشهر ما في ذلك الانفاق، أما عبد القاهر الجرجاني فقال إنه إنفاق الكثير من الأموال في الأهداف الخسيسة، وقد قيل بأنه تجاوز الحد بالإنفاق.
كذلك أكل الإنسان غير المحل له، أو يكون حلالًا له فوق الاعتدال وزائدًا عن الحاجة، كما قيل إن الاسراف يعني تخطي الحد بالكميات أي الجهل بمقادير الحقوق.
حكم التبذير والاسراف
من خلال تناولنا الفرق بين الاسراف والتبذير، نذكر أن كلا الأمرين محرمًا، وتم النهي عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد قال الله عز وجل: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [سورة الإسراء: الآيات 26-27].
كذلك ما ورد في قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأعراف: الآية 31]، كما قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-:” كلوا، واشرَبوا، وتصدَّقوا، والبَسوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخِيلةٍ” رواه عبد الله بن عمرو.
اقرأ أيضًا: علاج بخل الزوج بالقران
أشكال الإسراف
بالإضافة إلى ما تم ذكره عن الفرق بين الاسراف والتبذير، فإن الاسراف يعين الحد الزائد بالإنفاق في غير المحرمات، ولكن على الرغم من ذلك هو محرمًا، ويظهر في مجتمعاتنا بشكل منتشر في الأشكال التي نذكرها بالنقاط الآتية:
- الإسراف بالبيوت: المشهور في ذلك استهلاك الكمية الكبيرة من المياه خلال الوضوء أو الاستحمام، فنبينا الكريم –صلى الله عليه وسلم- كان يستخدم فقط أربعة أمداد من المياه للاغتسال، كما يظهر السرف بالكهرباء عبر ترك المصابيح مضاءة ليلًا ونهارًا دون فائدة.
- الإسراف بالمراكب: يظهر ذلك بكثرة حوادث السيارات وازدحام الشوارع بها، مع الأسعار المرتفعة لاستخدام السيارات بالمناسبات.
- الاسراف بالأسواق: أدى إلى ارتفاع الأسعار وانتشار الربا بين التجار والزبائن، كذلك أهمل المراقبين مراقبة الأسواق مما نتج عنه كثرة السرقات.
- الإسراف بالمدارس: يعني تعدي الطلاب الحد المسموح بالغياب دون داعٍ، وبالتالي زيادة الشكاوى من الإدارات التعليمية إلى أولياء الأمور.
- الإسراف بحفلات الزفاف: أي ارتداء العروس الملابس بالقيمة العالية، وزيادة الحد بالإنفاق، مما يضطر البعض أخذ الديون التي لا يمكنهم تسديدها.
- الإسراف بالشوارع: يتواجد بشكل سد الطرق العامة من أجل حفلات الزفاف أو اللعب أو المحاضرات دون أخذ الإذن من البلدية او التنسيق مع العمدة، مما ينتج عنه أذية المرين والجيران.
- الاسراف بشهر رمضان الكريم: يعني الاكثار من الشراب والطعام مما يؤدي إلى العجز عن صلاة التراويح، والسهر طوال الليل في الحديث دون تأدية صلاة التهجد.
- الإسراف بالتقنيات الحديثة: حيث تضيع الوقت بالاستماع إلى الإذاعة ومشاهدة التلفاز والمحادثات على منصات التواصل الاجتماعي إلى نسيان تأدية الصلاة وذكر الله تعالى وتأدية الواجبات نحو الأسرة.
- الإسراف بالكلام: يتم ذلك خلال زيارة المرضى بالمشافي، حيث رفع الصوت في القيل والقال دون مراعاة آداب الزيارة.
- الإسراف بأيام العزاء: فبعد الموت تذبح أسرة المتوفي المواشي، وبالتالي مكوث الأقارب والجيران مع الأهل لأسبوع أو شهر، وبجانب أن ذلك الأمر من مظاهر الاسراف المرفوضة، فإن الوقت يضيع بالحديث الغير مفيد عن الناس أو الميت نفسه.
- الإسراف بشراء الملابس: أي شراء غير المحتاج له وتركه بالخزانات لفترة طويلة، إلى حد نسيان ما تم شراؤه والزيادة عليه.
- الإسراف بالطعام: أي شراء الكميات الزائدة منه عن احتياجات الأسرة، وبالأخير تعرضه للعفن وإلقاؤه بسلة المهملات، ويظهر ذلك بشكل خاص بشهر رمضان الكريم والمناسبات الاجتماعية، حيث شراء الكميات الكبيرة من الطعام بقصد المباهاة أمام الآخرين، ولكن ينتج عن ذلك هدر المال مع غضب الله عز وجل.
أسباب الإسراف والتبذير
استكمالًا للحديث عن الفرق بين الاسراف والتبذير، فإن هنالك بعض العوامل التي تدفع الناس إلى اتباع تلك السلوكيات، ونذكرها في النقاط الآتية:
- حب السمعة والرياء.
- النقص بالتربية الايمانية، فالإنسان إن كان يخاف من الله تعالى بالفعل؛ لابتعد عن تأدية الكثير من المحرمات.
- الرغبة العارمة بتقليد الآخرين.
- تواجد الانحراف ببيئة المسرف.
- القلب القاسي.
- مرافقة المسرفين.
اقرأ أيضًا: ما حكم الزوج الذي لا ينفق على زوجته العاملة
ضرر الإسراف والتبذير على المجتمعات
بالإضافة إلى ما تم ذكره عن الفرق بين الاسراف والتبذير، فإن أضرارهم متعددة على المجتمع، ونذكرها في النقاط الآتية:
- لجوء الفرد على الطرق الغير مشروعة مثل: السرقة لتلبية الطلبات؛ بسبب صرف المال الزائد عن الذي يتم كسبه، وبالتالي الاضطرار لاستخدام الطرق الخاطئة المثيرة لغضب الله تعالى لنيل المراد.
- يكون الإنسان من أصدقاء الشيطان ومن أعداء الله تعالى، فيقول عز وجل في كتابه العزيز: (…إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [سورة الأعراف الآية 31]، فالشيطان يستدرج الإنسان بارتكاب كل ما يغضب الله تعالى لنيل مبتغاه من الطلبات المادية، كالشراب والطعام.
- منع الإنسان من الشعور بالآخرين، وبالتالي تجنب مساعدة الغير.
- جعل الإنسان غير قادر على تحمل مسؤوليات الحياة، ففي الإسراف عجز عن التحكم بالمال والسيطرة على الصرف.
- يكون العبد عرضةً لدخول نار الآخرة؛ لأن المال من هبات ونعم الله تعالى على البشر، والله تعالى سيحاسبنا على كل النعم التي منحنا إياها، سواء في الصحة أو المال أو غيرهم.
إن الفرق بين الاسراف والتبذير ليس كبيرًا، فأبرزه أن التبذير يكون الصرف الزائد بالمحرمات، أما الإسراف فيكون في الحلال، لذا على الإنسان الاقتصاد كي لا يُسأل يوم القيامة عن كيفية استغلاله لنعم الله تعالى عليه.