أصعب أبيات الشعر الجاهلي
أصعب أبيات الشعر الجاهلي تكمن فيها عدة روائع مجهولة، حيث كان يمثل الشعر في العصر الجاهلي نوع خاص من الفنون يصف رؤية الإنسان ومشاعره وطبيعة موقفه من الحياة قبل دخول الإسلام، فلا يصف فقط الجانب الديني من هذه الحياة بينما يصف الجوانب العاطفية والاجتماعية والفلسفية، لذا من خلال منصة وميض يمكن التعرف على بضع أبيات شعرية صعبة من الشعر الجاهلي.
أصعب أبيات الشعر الجاهلي
أطلق على الشهر هذا الاسم نسبةً لفترة ما قبل الإسلام لذا يطلق على أي قصيدة كُتبت ونُشرت قبل دخول الإسلام من قصائد الشعر الجاهلي، حيث كان الشعر يعبر عن حياة الإنسان في هذه الفترة والأفكار التي تشغله والصراعات الخاصة بالبقاء والسيطرة وطبيعة العلاقات العاطفية والمشاعر بين الطرفين.
حيث يتم توضيح كافة التفاصيل الخاصة بهذه الحياة في أبيات شعرية مميزة لها أدوات بلاغية لها لون جاهلي، فنجد عدة أبيات يمكن فهمها والأخرى من أصعب أبيات الشعر الجاهلي وذلك لاختلاف مرادفات اللغة العربية في ذلك الوقت وبالتالي يمكن التعرف على عدة قصائد كالتالي:
1- قصيدة أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلم للشاعر زهير بن أبي سلمى
قالها الشاعر ربيعة بن رياح بنت قرة بن الحارث بن مازن الشهير بزهير بن أبي سلمى الذي كان يشتهر بشعره الفصيح المؤثر في نفوس العرب بالإضافة إلى أخلاقه العالية التي كانت سببًا في علو منزلته بين قومه وكونه سيدهم وزاد ذلك من ثروته وماله.
كان زهير ينتقي كلمات شعره بعناية حتى كان قدوة لكل الشعراء وأُطلق على شعره الحوليات نسبًا إلى كلمة الحول أي العام، حيث كان ينظم القصيدة لمدة أربعة أشعر ويعدلها في أربعة أشهر إضافية ويعرضها على المحيطين به في أربعة أشهر أخرى وبالتالي تأخذ القصيدة عام كامل لينتهي منها.
من أشهر أشعاره هي معلقة أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلم التي تعد من أصعب أبيات الشعر الجاهلي حيث جمعت بين الحكماء والفقهاء لما فيها من حكمة بالغة والأخلاق السامية والمعاني المختلفة والأغراض الراقية والأساليب البلاغية العميقة التي لم يسبق لأحد أن استخدمها وتتضمن القصيدة الآتي:
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً
فَلَأيًا عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
أَثافِيَّ سُفعًا في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
وَنُؤيًا كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها
أَلا عِم صَباحًا أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ
تَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ
عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ
وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ
وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ
أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكورًا وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ
فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُ
وَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ
ظَهَرنَ مِنَ السوبانِ ثُمَّ جَزَعنَهُ
عَلى كُلِّ قَينِيٍّ قَشيبٍ مُفَأَّمِ
كَأَنَّ فُتاتَ العِهنِ في كُلِّ مَنزِلٍ
نَزَلنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَم يُحَطَّمِ
فَلَمّا وَرَدنَ الماءَ زُرقًا جِمامُهُ
وَضَعنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما
تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ
رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
يَمينًا لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما
عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبسًا وَذُبيانَ بَعدَما
تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا
بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها
وَمَن يَستَبِح كَنزًا مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
فَأَصبَحَ يَجري فيهُمُ مِن تِلادِكُم
مَغانِمُ شَتّى مِن إِفالِ المُزَنَّمِ
تُعَفّى الكُلومُ بِالمِئينَ فَأَصبَحَت
يُنَجِّمُها مَن لَيسَ فيها بِمُجرِمِ
يُنَجِّمُها قَومٌ لِقَومٍ غَرامَةً
وَلَم يُهَريقوا بَينَهُم مِلءَ مِحجَمِ
فَمِن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةً
وَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ
فَلا تَكتُمُنَّ الله ما في نُفوسِكُم
لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ الله يَعلَمِ
يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر
لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
اقرأ أيضًا: أجمل ما قيل عن اللغة العربية شعرًا
2- قصيدة لله نافلة الأجل الأفضل للشاعر لبيد بن ربيعة
هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة الملقب بلبيد بن ربيعة وكان من أشهر فرسان قبيلة مضر وكان لقبه ملاعب الأسنة وكان أبيه ملقب بربيعة الممترين نظرًا للأعمال الخيرية التي كان يقوم بها لمساعدة الفقراء وقد تميز في معلقته المكونة من تسعة وثمانين بيت من أقوى وأصعب أبيات الشعر الجاهلي، حيث تتميز بالأسلوب القوي المتين والعبارات المتناسقة والألفاظ المميزة ومن أبياته قصيدة لله نافلة الأجل الأفضل وهي كالتالي:
لِلَّهِ نافِلَةُ الأَجَلِّ الأَفضَلِ
وَلَهُ العُلى وَأَثيثُ كُلِّ مُؤَثَّلِ
لا يَستَطيعُ الناسُ مَحوَ كِتابِهِ
أَنّى وَلَيسَ قَضائُهُ بِمُبَدَّلِ
سَوّى فَأَغلَقَ دونَ غُرَّةِ عَرشِهِ
سَبعًا طِباقًا فَوقَ فَرعِ المَنقَلِ
وَالأَرضَ تَحتَهُمُ مِهادًا راسِيًا
ثَبَتَت خَوالِقُها بِصُمِّ الجَندَلِ
وَالماءُ وَالنيرانُ مِن آياتِهِ
فيهِنَّ مَوعِظَةٌ لِمَن لَم يَجهَلِ
بَل كُلُّ سَعيِكَ باطِلٌ إِلّا التُقى
فَإِذا اِنقَضى شَيءٌ كَأَن لَم يُفعَلِ
لَو كانَ شَيءٌ خالِدًا لَتَواءَلَت
عَصماءُ مُؤلِفَةٌ ضَواحِيَ مَأسَلِ
بِظُلوفِها وَرَقُ البَشامِ وَدونَها
صَعبٌ تَزِلُّ سَراتُهُ بِالأَجدَلِ
أَو ذو زَوائِدَ لا يُطافُ بِأَرضِهِ
يَغشى المُهَجهَجَ كَالذَنوبِ المُرسَلِ
في نابِهِ عِوَجٌ يُجاوِزُ شِدقَهُ
وَيُخالِفُ الأَعلى وَراءَ الأَسفَلِ
فَأَصابَهُ رَيبُ الزَمانِ فَأَصبَحَت
أَنيابُهُ مِثلَ الزِجاجِ النُصَّلِ
وَلَقَد رَأى صُبحٌ سَوادَ خَليلِهِ
مِن بَينِ قائِمِ سَيفِهِ وَالمِحمَلِ
صَبَّحنَ صُبحًا حينَ حُقَّ حِذارُهُ
فَأَصابَ صُبحًا قائِفٌ لَم يَغفَلِ
فَاِلتَفَّ صَفقُهُما وَصُبحٌ تَحتَهُ
بَينَ التُرابِ وَبَينَ حِنوِ الكَلكَلِ
وَلَقَد جَرى لُبَدٌ فَأَدرَكَ جَريَهُ
رَيبُ الزَمانِ وَكانَ غَيرَ مُثَقَّلِ
لَمّا رَأى لُبَدُ النُسورِ تَطايَرَت
رَفَعَ القَوادِمَ كَالفَقيرِ الأَعزَلِ
مِن تَحتِهِ لُقمانُ يَرجو نَهضَهُ
وَلَقَد رَأى لُقمانُ أَن لا يَأتَلي
غَلَبَ اللَيالي خَلفَ آلِ مُحَرِّقٍ
وَكَما فَعَلنَ بِتُبَّعٍ وَبِهِرقَلِ
وَغَلَبنَ أَبرَهَةَ الَّذي أَلفَينَهُ
قَد كانَ خَلَّدَ فَوقَ غُرفَةِ مَوكِلِ
وَالحارِثُ الحَرّابُ خَلّى عاقِلًا
دارًا أَقامَ بِها وَلَم يَتَنَقَّلِ
تَجري خَزائِنُهُ عَلى مَن نابَهُ
مَجرى الفُراتِ عَلى فِراضِ الجَدوَلِ
حَتّى تَحَمَّلَ أَهلُهُ وَقَطينُهُ
وَأَقامَ سَيِّدُهُم وَلَم يَتَحَمَّلِ
وَالشاعِرونَ الناطِقونَ أَراهُمُ
سَلَكوا سَبيلَ مُرَقِّشٍ وَمُهَلهِلِ
اقرأ أيضًا: اجمل ما قيل عن الصبر
3- قصيدة قتيل بوادي الحب للشاعر امرؤ القيس
هو من أشهر شعراء الجاهلية وأبرزهم في التاريخ وهو أول من كتب المعلقات لذا هو صاحب أشهر معلقة في التاريخ، لكن حياته كانت كلها طيش وسكر ولهو فكان يغير على أحياء العرب ويغايرها وظل كذلك حتى قُتل والده على يد شخص من قبيلة بني أسد وذلك ما غير مسار حياته.
حيث عزم على أخذ ثأر والده وذلك ما ذكره في أبيات أشعاره وذكر رحلات صيده وتاريخ حياته وقبيلته ورثاءه لوالده وذلك من خلال المعاني المبتكرة الذي اشتهر بها والصور الواضحة والتشبيهات الصريحة وكان الشعراء يصفون شعره بأنه كان شديد التمكن وكان يهجو من يذمه ويمدح من ينصره.
حيث شهد أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه من أحسن الشعراء وأسبقهم، لذا تعد قصائده من أصعب أبيات الشعر الجاهلي مثل الأبيات التالية:
قتيل بوادي الحب من غير قاتلٍ
ولا ميت يُعزي هناك ولا زُملْ
فتلك التي هام الفؤاد بِحُبها
مُهفهَفَةً بيضاء درية القُبّلْ
ولي ولها في الناس قوْل وسُمعة
ولها في كل ناحية مثلْ
كأن على أسنانها بعد هجعة
سَفرجل أو تُفاح في القند والعسلْ
رداحٌ صموت الحِجل تَمشى تبخترًا
وصراخةُ الحجلين يَصرُخن في زجلْ
غُموض غَضوض الحِجل لو أنها
مشت به عند باب السبسبيين لا نفصلْ
فَهِي هِي وهِي ثم هِي هِي وهِي وهِي
مُنى لي من الدُّنيا من النّاس بالجُملْ
ألا لا ألا إلا لآ لاء لابثٍ
ولا لا ألا إلا لآ لاء من رَحلْ
فَكمْ كَمْ وكَمْ كَمْ ثم كَمْ كَمْ وكَمْ
وكَم قَطعت الفيافي والمهمامة لم أملْ
وكافٌ وكفكافٌ وكفى بكفها
وكاف كفوف الودق من كَفّها انهملْ
فلَو لَو ولَو لو ثُمّ لَو لَو ولَو
ولَو دنا بدار سلمى كُنت أول من وصلْ
وعَنْ عَنْ وعَنْ عَنْ ثم عَنْ عَنْ وعَنْ
وعن أسائل عنها كل من سارَ وارتحلْ
وَفي وَفِي فِي ثُمّ فِي فِي وَفِي وَفِي
وفي جَنتي سَلمى أُقبّلُ لم أملْ
وسَل سَل وسَل سَل ثُمّ سَل سَل وسَل وسَل
وسَل دار سلمى والرًّبوع فَكمْ أسلْ
وشَنصل وشَنصل ثم شَنصل عَشَنصل
على حاجبي سلمى يزين مع المُقّلْ
حِجازية العينين مَكية الحَشا
عِراقية الأطراف رُومية الكَفلْ
تُهامية الأبدان عَبسيةُ اللُّمى
خُزاعية الأسنان دُريّة القبلْ
وقلت لها أي القبائِل تُنسبي
لعلي بين النّاس في الشعرِ كي أسَلْ
فقالت أنا كِندية عَربية فقلتُ لها
حاشا وَكلّا وهلْ وبلْ
فلما تَلاقينا وجدتُ بَنانها مُخضّبة
تَحكى الشواعل بالشُّعلْ
ولاعبتها الشطرنج خيلى ترادفت
ورَخى عليها دار بالشاه بالعَجَلْ
فقالت وما هذا شَطارة لاعب
ولكن قَتْل الشاه بالفيلِ هو الأَجلْ
فناصبتها منصوب بالفيل عاجلًا
من اثنين في تسع بسرع فلم أملْ
وقد كان لعبي كل دست بقلة
أقبّلُ ثغرًا كالهلال إذا أفلْ
فَقَبّلتُها تِسعًا وتِسعين قُبلة
وواحدة أيضًا وكُنت على عَجلْ
وعَانَقتُها حتى تَقَطع عقدها
وحتى فُصوص الطوق من جِيدها انْفصلْ
كَأن فُصوص الطوق لَمّا تَناثَرت
ضِياءُ مصابيح تَطايرن عن شَعلْ
وآخر قولي مثل ما قُلتُ أَولًا
لمن طلل بين الجُديّة والجَبلْ
اقرأ أيضًا: أشعار عن الحب من طرف واحد
نبذة عن الشعر الجاهلي
نشأ الشعر الجاهلي في أرض الحجاز والمناطق المحيطة بها حيث كانت الصحراء بكل ما فيها من خصائص هي المدرسة الشعرية الخاصة بشعراء الجاهلية وذلك ما أدى إلى تطور كتابتهم وإبداعهم في عدة قصائد لذا لا يوجد شاعر من الشعراء الجاهلي كتب قصيدة واحدة فمنهم من كتب عدة معلقات تم تداولهم حتى بعد وفاته.
لذلك كان الشعر الجاهلي له طابع بدوي يعكس الحياة البدوية التي كانوا يعيشوها من حيث المعالم الجغرافية المحيطة بهم والحيوانات والنباتات التي تنمو في البادية، حيث وصف الشعر الجاهلي عدة صور بسيطة وحقيقة من حياتهم في الجاهلية.
بينما كان شعراء الجاهلية يتصفون بالإيجاز ولا يعتمدون على التأمل وصفاء الذهن والإطالة وذلك يناسب طبيعة حياتهم السريعة التي كانت أحداثها كلها موجزة.
تأتي صعوبة أبيات الشعر الجاهلي من صعوبة الحياة التي كانوا يعيشونها حيث كانت تلك المرادفات الصعبة هي اللغة الدارجة بينهم.