ما هو عام الحزن

ما هو عام الحزن؟ ولماذا سمي بذلك؟ فبعد أن نزل الإسلام على الرسول – صلى الله عليه وسلم – مر بعدد من المحن والشدائد التي كانت بمثابة اختبارًا لإيمانه وصبره، ولكن صلى الله عليه وسلم كان أقوى الخلق، والآن سنتعرف إلى عام الحزن عبر منصة وميض.

ما هو عام الحزن

بعد المرور بفترة من الحصار والأحداث الاقتصادية التي تم اتخاذها من قبل المشركين ضد المسلمين، وبعد أن تم نقض صحيفة حصار بني هاشم، انطلقت شعب من المسلمين مستأنفين النشاط الدعوي بعد انقطاع الإسلام في مكة المكرمة لفترة تقارب العشر سنوات تضمنت الكثير من الأحداث، بدأ المسلمون تنفس الصعداء.

لكن لم تكتمل تلك الفترة من الراحة وإذ مرور الرسول –صلى الله عليه وسلم بأكثر الأحداث شدة على حياته سمي على إثرها تلك الفترة بعام الحزن، أما عن إجابة سؤال ما هو عام الحزن؟ فهو العام الثامن من البعثة الذي توفي به عم الرسول أبو طالب، وزوجته السيدة خديجة بنت خويلد، ومن أكثر الأمور التي زادت هم النبي في وفاة عمه أنه توفى على كفر، جاءت تلك الوفاة بعد انقضاء صحيفة المقاطعة وهمة المسلمين باستئناف الحياة ودعوة الآخرين للإسلام.

سمي ذلك العام بذلك الاسم لأن بعد وفاة أقرب الناس إليه حدثت مجموعة من الصراعات التي نتج عنه غلق أغلب أبواب دعوة الإسلام، وذلك بسبب أنها كانت مشمولة برعاية عمه أبي طالب من الأعداء من المشركين والحرية بتوجيه تعاليم الإسلام والجهر بالدعوة دون التعرض لأي مضايقات من الكفار، ومن بعد موته فرحوا هؤلاء الكفار بموته بسبب خلو النبي الكريم من أي حماية.

كذلك كان الحزن من عدم إيمان الناس وانقطاع انتشار الدعوة، ولكن الله تعالى لم يرغب بحزن الرسول الكريم فقد أنزل قوله تعالى:
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [سورة الأنعام: الآيات 34-33].
اقرأ أيضًا: عدد زوجات الرسول صحيح البخاري

وفاة السيدة خديجة –رضي الله عنها-

من خلال معرفتنا ما هو عام الحزن، وأنه عام وفاة السيدة خديجة بنت خويلد، والذي كان بالعاشر من رمضان بالعام الثالث قبيل الهجرة، ودفنت بجبل الحجون الذي يقابل مسجد العقبة وعرف بأنه مقبرة لأهل مكة المكرمة.

كانت السيدة خديجة بعمر الخامسة والستين عند وفاتها، ولكنها لم تكن فقط مجرد زوجة أو أم أولاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- إنما كانت الصادقة المحقة فكانت بمثابة المستشار الأمين ذو الرأي الصائب الحكيم، والتي عاشت معه ما يقارب من خمس وثلاثين عامًا، وتعتبر تلك الفترة الأطول التي عاشها النبي الكريم مع أحد زوجاته.

تظهر رجاحة عقلها عند نشوب خلافات بينها وبين النبي الكريم سواء قبل أو بعد البعثة، فلم تتطرق كتب السيرة إلى أي هجر أو غضب بدر منها، كذلك لم يتم الوقوف على طلبها أي أمر لنفسها، فهي كانت مؤازرة له في أوقاته الحرجة، وتساعده في توصيل رسالته للعالم، كذلك التهوين بالصراع مع كفار مكة والمواساة بالنفس والمال، والجهاد معه بالحق مثلما يجاهد الرجال وأكثر.

لم تكن خديجة بنت خويلد مجرد امرأة صالحة، فهي كانت من المعدودات الصالحات بكامل تاريخ البشرية، فقد قال عنها النبي بأنها من أفضل نساء أهل الجنة، فقد كان مقدرًا لصبرها على الابتلاء، خاصة بآخر عشر سنوات والتي تضمنت النبوة، فهنا تم المرور بمجموعة من الظروف الصعبة على أي زوجة.

فكانت بتلك الفترة تعيش الخوف على زوجها الرسول الكريم، بالإضافة إلى اعتصار قلبها على ما يمر به من سخرية واستهزاء من سفهاء المشركين، فقد كانت تسمعهم داعين أنه مجنونًا كذابًا، ولكن هي كانت أعلم الناس بأنه أعقل البشر وأصدقهم.

كذلك باتت خائفة لليالي بسبب الاستماع عن الراغبين بقتل زوجها الكريم، كما أنه يعود لها منثور عليه التراب أو مشجوج الرأس، كذلك شهدت وفاة أبنائها من الذكور عبد الله والقاسم، مع استماعها لشتم أبيهما عليه الصلاة والسلام من الكفار، فقد كان يقلب بالأبتر.

رأى الرسول –صلى الله عليه وسلم- كل ذلك وكان من الصعب عليه نسيانه، فهي كذلك قصت أيامها الأخيرة في ثلاث سنوات من الحصار الكامل بالشعب مع النبي الكريم وأهله، فكانت هنا ترتفع أصوات الأطفال من الجوع ولكنها غير مالكة لشيء، وفي تلك الفترة تناست أيام الثراء والغنى ومنحت كل مالها للنبي الكريم لرعاية أهله والدين الإسلامي، ويوم وفاتها لم يرث عنها النبي أي مال؛ بسبب انفاقه الكامل في سبيل الله تعالى.

طوال حياة تلك السيدة مع الرسول الكريم لم يتزوج عليها إكرامًا لها، كذلك لم ينساها قط فقد كان دائم الثناء عليها، فهي كانت خير مثال للزوجة الوافية الصالحة التي صدقت زوجها عند نزول الوحي عليه.

اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن مدائن صالح

وفاة أبي طالب بن عبد المطلب

استكمالًا لحديثنا عما هو عام الحزن، فقد كان أبو طالب عم النبي الكريم من سادة قريش، وكان حاميه وكافله بداية من رعايته عند وفاة عبد المطلب جد الرسول الكريم وقتها كان بعمر الثمان سنوات إلى حمايته من بطش الكفار.

أحب أبو طالب الرسول –صلى الله عليه وسلم- بشدة لدرجة أن ذلك الحب زاد عن حبه لأبنائه، فحين نزول النبوة عليه وبدأ بالجهر بالدعوة فلم يتخل عنه أبدًا بل بقي بخط الدفاع الأول، فقد كان واقفًا بوجه كل من يفكر بمعاداته أو رغب بأذيته، مقارنة بعمه أبي لهب الذي كان من أول المعادين له والوقوف في وجه الدعوة.

من أبرز مواقف نصرته للرسول الكريم حين علم برغبة قريش بقتله، وهنا جمع كافة أبناء بني عبد المطلب بشعبه وأدخلوا به النبي –صلى الله عليه وسلم- لحمياته من قريش، فتمت محاصرتهم جميعًا حمايةً ودفاعًا عن ابنهم.

على الرغم من المكانة العالية للرسول الكريم في قلب عمه، والدفاع عنه من المشركين، ولكنه لم يسلم ولم ينطق قط بكلمة التوحيد، على الرغم من محاولات النبي الكريم بترديدها، ولكنه أبى الدخول إلى غير ملة والده عبد المطلب.

حزن الرسول الكريم بشدة بسبب وفاته دون أن يسلم، وهنا أنزل الله تعالى عليه قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [سورة القصص: الآية 56]، ولكن دفاعه عن ابن أخيه خفف من عذابه.

اشتد المرض على أبي طالب ولم يبقَ كثيرًا إلى أن وافته المنية، وتم ذلك بالعام العاشر من بعد البعثة في شهر رجب، بعد الخروج من الحصار بستة أشهر، وتذهب بعض الأقاويل بوفاته بشهر رمضان قبل السيدة خديجة –رضي الله عنها- بثلاثة أيام.

اقرأ أيضًا: قبر الرسول في المدينة المنورة

الدروس المستفادة من عام الحزن

في صدد تناولنا ما هو عام الحزن، فلقد وفق النبي الكريم في تجاوز تلك المحنة بسبب الإيمان العميق الذي أكرمه به الله عز وجل، إلى جانب الاتصال الوثيق به، والاستعانة الدائمة به والتوكل عليه والتعلق الدائم بفضله.

لذلك حال اشتداد أذى قريش له بذلك العام وتم التصدي لدعوته وضاقت عليه مكة لم ييأس وخرج إلى الطائف آملًا بمن يقبل بالدعوة وينصرها، ولكن جاءت الرياح بما لم تشته السفن لم يجد –صلى الله عليه وسلم- من ينصر دعوته ويقبلها، حيث ردوا عليه الدعوة وأساءوا استقباله.

بعد فترة أكرمه الله تعالى بتحقيق المرجو من إيمانه إلى جانب الكرم برحلة الإسراء والمعراج التي كانت غرضها الأول تسلية النبي الكريم، فقد كرمه الله تعالى وجعله ينظر إلى أخوته من الأنبياء الذين قد عانوا بدعوتهم قبله، كذلك أراه النار والجنة لإظهار ثواب من يطيع ويؤمن، وعقاب من يعصي ويكفر.

من كرم الله تعالى على الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد عام الحزن هو فرض الصلاة التي تعتبر بمثابة عون العبد بتحقيق كافة أمنياته وطموحاته، ومن كل تلك الأمور نستفيد الآتي:

  • عدم تعلق القلب بالأسباب.
  • حسن عاقبة الثبات والصبر.
  • لا لوم بالحزن الذي يقطع العبد.
  • دور المرأة كبير ببناء الأمة الإسلامية، فالزوجات لهم دور كبير في كونهم صالحات معينات لأزواجهن على مواجهة المصاعب.
  • الله عز وجل لطيف بالعباد، فقد أكرم الرسول الكريم برحلة الإسراء والمعراج مواساةً له من أذى قريش.
  • على المسلم الإدراك بأن الخير يوجد بما يظن بأنه شر له.
  • المسلم دائم السعي بإيجاد طرق النجاح، وعدم الاكتفاء باختيار واحد.

إن عام الحزن هو العام الذي توفي فيه أبو طالب والسيدة خديجة –رضي الله عنها-، وحزن الرسول كثيرًا على وفاتهما لأنهم كانوا الأقرب إليه وساندوه كثيرًا بدعوته.

شاركنا أفكارك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.