ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره
ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره؟ وما حكم من نذر نذرًا ومات قبل أن يوفيه؟ فالنذر هو أن يلزم المرء نفسه بفعل شيء لله -جل وعلا- إذا وفقه في سبب معين، مثل إذا قال أحدهم إن جاءني طفل سأصلي لله عشر ركعات، فهذا يعد نذرًا، ومن خلال منصة وميض سنتعرف أكثر على ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره.
ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره
النذر كما قلنا هو أن تلزم نفسك بأمر ليس واجبًا عليك فعله، كما قال الله -تعالى- في سورة مريم في الآية السادسة والعشرون:
(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا).
ذكر الشيخ عويضة عثمان أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن الله -جل وعلا- مدح في القرآن الكريم الذين يوفون نذورهم في قوله:
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) (الإنسان: 7)
، وأكد الشيخ من خلال الآية أن الوفاء بالنذر واجب على كل مسلم.
النذر هو تعهد لله -جل وعلا- ويجب الصدق فيه كما قال الله -جل وعلا-
(مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً) (الأحزاب: 23).
قال الشيخ بن عثيمين في حكم من نذر نذرًا ولم يوفي بنذره أن له عقوبة عظيمة من الله -عز وجل- وأكد دليله بقول الله -تعالى-
(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) “سورة التوبة”.
هذه أصعب عقوبة من أي عقوبة مادية لأن محلها القلب، وهو أن يطبع الله النفاق في قلب العبد (فأعقبهم نفاقًا في قلوبهم) فإن هذه عقوبة عظيمة، فواجب على من نذر نذرًا لله -جل وعلا- أن يوفيه سواء كان صلاة أو صوم أو صدقة، حتى لا يصبح من الذين أخلفوا الله ما وعدوه، فيطبع الله على قلبه، فيكون عليه غضب ونفاق.
على أن هناك تفاصيل شتى في هذا الأمر يسعنا أن نقوم بتوضيحها لكم في الفقرات القادمة بشيء من التفصيل استنادًا إلى الذكر الحكيم والسنة النبوية الشريفة.
اقرأ أيضًا: حكم الشرع في الزوجة التي تخون زوجها عن طريق الإنترنت
أولًا: حكم من نذر ولم يستطع الوفاء بنذره
في إطار موضوع ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره، سنتحدث عن حكم من نذر نذرًا ولم يقدر على الوفاء به، فبعض الأشخاص ينذر لله -جل وعلا- نذرًا ولكنه لا يقدر على أدائه، في هذه الحالة سنقسم النذر إلى قسمين، نذر مكروه، ونذر طاعة.
أما إن نذر العبد نذرًا وهو لا يقدر على فعله، مثل أن يقول سأتصدق بخمسة آلاف جنيه وهو لا يملك هذا المال ويعلم أنه لا يمكن أن يحصل عليه، فواجب عليه كفارة يمينٍ.
أما إن كان يعلم أنه سوف يجني المال في المستقبل وليس في الوقت الحالي، مثلًا يقول سوف أتصدق بخمسة آلاف جنيه ولكن ليس الآن، فسوف يعد هذا دينًا في ذمته ووجب عليه أداءه حينما يتيسر له، أما إن كان لا يقدر على جمع المال ومستحيل عليه، فعليه أن يكفر عن يمينه.
1- نذر الطاعة
أما عن نذر الطاعة فهو أن ينذر العبد أن ينذر العبد بالصوم أو بالصلاة لله -جل وعلا- فإن كان ذلك فعليه أن يوفي بنذره.. فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ) حديث صحيح، روته عائشة أم المؤمنين، مصدره صحيح البخاري.
2- نذر المكروه أو المعصية
أما من نذر نذرًا مكروهًا وهو طاعة لله غير لازمة، مثل أن يقول سأصوم سنة كاملة أو سأصلي كل يوم مائة ركعة، فهذا مكروه وينبغي عليه كفارة يمين وليس أن يوفي بالنذر.
من نذر نذرًا به معصية لله -جل وعلا- مثل أن يقول سأسرق أو سأزور، أو أن ينذر بقطع صلة الرحم، أو ألا يدخل بيته، فهذه كلها معصية لله -جل وعلا- ومحرم النذر بها وبأشباهها.
اقرأ أيضًا: حكم نزول ماء من المهبل عند البنات
كفارة النذر
كفارة النذر تكون هي كفارة اليمين، أن يقوم الشخص بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، على أن إخراج هذه القيمة بشكل نقود يوزعها على الفقراء والمساكين، أو تحرير رقبة ولكن أصبح الآن هذا غير موجود في عصرنا الحالي، لذلك إن لم يستطع الشخص إطعام عشرة مساكين فعليه أن يصوم ثلاثة أيام.
هذا ما قاله الله -جل وعلا- في كتابه:
(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) (المائدة: 89).
ثانيًا: حكم من نذر نذرًا ومات قبل أن يوفيه
يتساءل الناس كثيرًا ما هو حكم من مات قبل أن يوفي نذره، وسوف نوضح الإجابة على هذا السؤال بالتفصيل في إطار موضوعنا ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره.
من نذر أن يصوم لله -جل وعلا- عددًا معينًا من الأيام، ولكن أصابه المرض، فعليه أن ينتظر حتى يتم الله شفاءه فيصوم تلك الأيام، أما إن مات في مرضه وهو لم يوف بنذره، فلا شيء عليه ولكن وجب أن يصوم عنه أولياءه مثل أخوه أو والده أو أبناءه، أو عمه، إن كانوا يعرفون نذره.
الدليل على ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ) حديث صحيح، روته عائشة أم المؤمنين، مصدره صحيح البخاري، فإن لم يقدروا على الصيام فوجب عليهم أن يتصدقوا عن كل يوم صيام بإطعام مسكين.
أما إن كان الرجل قد نذر نذرًا أن يتصدق بقدر محدد من المال، ولكن وافته المنية قبل أن يوفي نذره، فلا شيء عليه، ولكن يخرج هذا المال من التركة إن كان له تركة.
فمثلًا إن كان قد نذر أن يتصدق بألفي درهم للفقراء والمساكين، ومات وهو لم يقدر على الوفاء بنذره، وكان لديه تركة فيخرج منه نصيبه من التركة من هذا المال ويوفى عنه نذره.
ثالثًا: حكم الوفاء بالنذر على مرتين
ورد سؤال في مجمع البحوث الإسلامية من أحد الأشخاص يقول هل يجوز أن أوفى بالنذر على مرتين بسبب عدم مقدرتي على الوفاء به على مرة واحدة؟ وفي إطار موضوعنا ما حكم من نذر ولم يوفي بنذره، سنتعرف على حكم الوفاء بالنذر على مرتين.
أكدت لجنة الفتوى في مجمع البحوث الإسلامية أنه لا يجب على الناذر أن يقوم بالوفاء بنذره مقسطًا على مرتين أو ثلاث مرات، لأن الواجب عليه أن يوفيه كاملًا متى استطاع له، والدليل على ذلك قول الله -جل وعلا- في سور الإنسان الآية السابعة: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا).
استشهدت اللجنة أيضًا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ) حديث صحيح، روته عائشة أم المؤمنين، مصدره صحيح البخاري.
لذلك يجب أن توفي الواجبات والنذور على قدر الاستطاعة كما قال الله تعالى:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16)
، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعْتُم وإن نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه) حديث صحيح، رواه أبو هريرة.
رابعًا: حكم من نذر لله شيئًا ونسيه
بعض الناس ينذرون لله نذرًا ولكنهم ينسوا ما قالو في هذا النذر، ونسوا ما وعدوا الله بفعله، فيتساءل الكثير من الناس عن هذا، وفي إطار موضوعنا عما حكم من نذر ولم يوفي بنذره، سوف نقدم لكم حكم من نذر لله شيئًا ونسيه، وفقًا لري الشيخ بن عثيمين.
إذا نذر العبد نذرًا لله ولكنه نسي ما نذر به، فإنه لا يلزم بشيء حتى يتذكره فإن يأس من أن يتذكر ذلك الأمر ولم يتبين له، فعليه أن يكفر عن النذر بكفارة اليمين، وهي أن يطعم عشرة مساكين، أو كسوتهم، وإن لم يكن لديه القدرة على ذلك، فيقوم بصيام ثلاثة أيام متتابعة.
اقرأ أيضًا: حكم سماع الأغاني في رمضان
خامسًا: نذر التخيير بين الوفاء أو كفارة اليمين
يوجد نوع من أنواع النذر هو أن يخير العبد في أن يوفيه أو يكفر عنه بكفارة اليمين، هذا ما توجب علينا الإشارة إليه في حديثنا عما حكم من نذر ولم يوفي بنذره، سنتعرف على النذور التي فيها التخيير بين الوفاء وكفارة اليمين.
1- نذر الغضب أو اللجاج
هو كل نذر يخرج مخرج اليمين ليشجع الشخص على أن يفعل الشيء الذي يريد، أو أن يكون -كما قال الشيخ بن عثيمين- أن يجرى النذر مجرى اليمين بأن يكون المقصود به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ويكون في لحظة الغضب.
في تلك الحالة لا يجب أن يوفي بنذره بل يخرج كفارة اليمين فقط، مثل أن يقول الرجل إن لم أكلم شخص معين فسوف فإن لله عليَ نذر أن أصوم شهرين متتابعين ولم يكلم الرجل ذلك الشخص، فيكون في تلك الحالة غير واجب عليه أن يصوم الشهرين ولكن إن أراد فليصم.
يمكن أن يكفر عن ذلك النذر الذي نذره بكفارة اليمين عن طريق إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وإن لم يقدر على ذلك فيصوم لله ثلاثة أيام متتابعة.
2- نذر المنع
قد يقصد بنذر الرجل المنع وهذا النذر يجري مجرى حلف اليمين ومثال على نذر المنع إن قال الرجل: إن كلمت فلانًا فعليّ نذر لله أن أقوم بصيام شهرين كاملين.
فقام بتكليمه يكون الشخص في تلك الحالة غير واجب عليه أن يصوم الشهرين ولكن إن أراد فليصم الشهرين، ويمكنه أن يقوم بإخراج كفارة اليمين، وذلك لأن هذا النذر يجري مجرى اليمين.
اقرأ أيضًا: حكم الاحتفال بالمولد النبوي ابن عثيمين وحكم التهنئة به
3- نذر المباح
إن كان نذر العبد في أمر مباح فيمكنه أن يوفيه أو أن يخرج كفارة اليمين مثل هذا أن يقول الشخص: إني نذرت لله نذرًا أن أخرج للصلاة في المسجد بهذا الثوب أو بثوب معين يحدده، ثم يخرج إلى المسجد فيصلي بثوب آخر غير الذي نذر به.
في تلك الحالة يمكن أن يخرج كفارة اليمين لأن هذا النذر يقصد به اليمين، والله أعلم بالأمر، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى) حديث صحيح، رواه عمر بن الخطاب، مصدره صحيح البخاري.
النذر إيجابيًا إن كان فيه من القربة إلى الله -تعالى- وسلبي إن لم يقدر العبد على وفائه، فعليه أن يحدد لنفسه بقدر استطاعته، وكما قال الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.