ماذا يحدث في القبر
ماذا يحدث في القبر؟ وهل عذاب القبر أمر حتمي؟ أغلب الناس حينما يسمعون كلمة القبر أول ما يقفز إلى أذهنتهم العذاب والأهوال فقط، إلا أن فئة قليلة جدًا من المسلمين يعرفون بالتفاصيل المقدر أو الطبيعي أن تحدث لكل متوفى بعد موته في القبر، وسوف نتطرق إلى عرض هذه التفاصيل من خلال منصة وميض، موضحين العوامل المؤثرة في جعل القبر عذابًا أو نعيمًا لصاحبه.
ماذا يحدث في القبر
لا يمكن تحديد ماذا يحدث في القبر للميت بالضبط، وذلك لأن ما يواجهه كل متوفى في قبره متوقف على طبيعة عمله في الدنيا وما كسبته يداه، ولكن النعيم والشقاء بعض الشيء في القبر حق على كل إنسان، ولكن النعيم يكون أكثر أو الشقاء بناءً على عمل المرء في الدنيا، وحياة القبر بوجه عام هي ما تسمى بالبرزخ الذي يبقى فيه الإنسان منذ موته وحتى موعد البعث والحساب.
(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [سورة المؤمنون، الآيات 99: 101]
إلا أن هناك بعض الثوابت التي يمر بها كل ميت في القبر مهما كان وأيًا كان عمله في الدنيا وأيًا كانت منزلته في الدنيا أو في الآخرة، ويمكننا التعرف إلى هذه الثوابت أو المراحل التي يمر بها الميت في قبره من خلال التالي:
1- ضمة القبر
أول ما يمكن الإجابة به عن سؤال ماذا يحدث في القبر وضمة القبر هي اقتراب جانبه من بعضهما البعض بينما يكون الميت بينهما، ووفقًا لما أورده النسفي أن ضمة القبر سمة من سمات الأرض لأن الإنسان أصله وأصل أبيه وأمه آدم وحواء منها، فتضمهم وكأنها أمهم وكلما كان العبد في حياته طائعًا لربه كانت ضمة الأرض له لينة، وإذا كان عاصيًا له كانت الضمة قاسية.
جدير بالذكر أن ضمة القبر للميت واحدة من صفاته ولا تصنف عذابًا للمتوفى ولقد أشير إليها في العديد من البراهين الشرعية، كما وتحدث هذه الضمة عقب وضع الميت في القبر مباشرة ولا ينجو منها أي إنسان حتى وإن كان تقيًا نقيًا طيلة حياته وقد أحسن الله ختامه عند موته، وأشار النبي أنه لو كان إنسان يفلت من ضمة القبر لفلت منها سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز لاستشهاده عرش الرحمن.
“عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو نجا أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ ، لنجا سعدُ بنُ معاذٍ ، ولقدْ ضُمَّ ضمةً ، ثُمَّ رُوخِيَ عنه” رواه عبد الله بن عباس، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح الجامع، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
اقرأ أيضًا: من فاتته صلاة الجنازة هل يصلي على القبر
2- فتنة القبر وسؤال الملكين
فتنة القبر هي سؤال الملكين منكر ونكير للميت ثلاثة أسئلة وهي من ربك وما هو دينك ومن هو نبيك ولكن يعفى من هذه الفتنة الشهداء، والبرهان على ذلك هو ما رواه أحد الصحابة الكرام عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:
“يا رسولَ اللَّهِ ! ما بالُ المؤمنينَ يُفتَنونَ في قبورِهِم إلَّا الشَّهيدَ ؟ ! قالَ : كفَى ببارقةِ السُّيوفِ علَى رأسِهِ فتنةً”
جدير بالذكر أيضًا أن فتنة القبر وسؤال الملكين للميت أمر لا يقتصر على المسلمين فقط، بل هو يسأل لكل إنسان أيًا كانت ديانته وملته في الدنيا، كما أن السؤال يكون بإعادة الروح إلى الجسد مرة ثانية ولكن بطريقة تختلف عن الطريقة المألوفة لإعادة الروح مرة أخرى.
3- نعيم القبر
نعيم القبر يكون مترتبًا على إجابة الميت عن أسئلة الملكين منكر ونكير، والتنعم بعدها في القبر يكون بالروح وبالجسد والقبر بوجه عام هو أول منزل من منازل الأخرة، ومن ينجو من عذابه ويتنعم بنعيمه ينجو من عذاب الآخرة وينعم بجناتها.
اقرأ أيضًا: هل يكشف وجه الميت في القبر
4- عذاب القبر
حينما لا يجب الميت عن أسئلة الملكين في القبر يكون عذاب القبر وأهواله من نصيبه حتى تقوم الساعة، ولا يجيب المتوفى عن سؤالهم إلا لنفاقه أو عدم إيمانه بالله سبحانه وتعالى أو لكونه كان منافقًا في حياته، حينها يقع عليه العذاب روحًا وجسدًا حتى تقوم الساعة.
أحداث يتعرض لها الميت في القبر رواها النبي
استكمالًا للحديث حول ماذا يحدث في القبر للشخص المتوفى تجدر الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر في حديث مطول بعض الشيء، الأحداث التي يمر بها كل ميت في قبره وركز على ذكر التفاصيل الخاصة بمرحلة سؤال الملكين منكر ونكير للميت، ولقد روى هذا الحديث الشريف البراء بن عازب رضي الله عنه حيث قال:
“خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ: استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ هاهنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ: ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ زادَ في حديثِ جريرٍ فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ: فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها قالَ: ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا قالَ: فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا قالَ: ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ”
رواه البراء بن عازب، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود، حكم الحديث: صحيح الإسناد، التخريج: أخرجه أبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد.
اقرأ أيضًا: كيفية وضع الميت في القبر بالصور
هل الميت في القبر يشعر بالأحياء
في إطار معرفة ماذا يحدث في القبر يجب أن نشير إلى أمر مهم للغاية وهو ما إن كان الميت يشعر وهو في قبره بالأحياء من حوله أم لا، وفي الحقيقة ترددت العديد من الأقاويل حول هذا الأمر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسمه بواحد من أحاديثه الشريفة، والتي أكدت على أن الميت بالفعل يشعر بمن حوله إذا جاء لزيارته أحد يحس به ويسمعه أيضًا.
“عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحَابُهُ حتَّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ، فأقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَيَرَاهُما جَمِيعًا، وأَمَّا الكَافِرُ – أوِ المُنَافِقُ – فيَقولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ”
رواه أنس بن مالك، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد، التخريج: أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم.
معرفتنا ماذا يحدث في القبر تدفعنا جميعًا إلى تكثيف الدعاء لله تعالى في حياتنا أن ينجينا من عذاب القبر وأن يثبتنا عند السؤال ويهون علينا ضمة القبر.