سبب نزول سورة العاديات
سبب نزول سورة العاديات له حكمة إلهية بالغة؛ حيث أنزل الله القرآن الكريم لهداية البشر وإرشادهم إلى طريق الخير وسُبل الحكمة؛ وبالتالي لكل سورة من سور ذلك الكتاب المنير هدف ورسالة؛ منها ما نزل لسبب معين في حدث ما ومنها ما نزل للإخبار عن حال الأمم السابقة وقصص الأنبياء، ولكن ما سبب نزول تلك السورة؟ هذا ما سوف نتعرف عليه من خلال منصة وميض.
سبب نزول سورة العاديات
سورة العاديات من السور القرآنية العظيمة التي نزلت لسبب معين في حدث من أحداث حياة النبي الشريف صلى الله عليه وسلم المليئة بالحكمة والعِبر والمواقف الهامة التي لابد لنا أن نتعلم منها في حياتنا؛ حيث نزلت سورة العاديات بسبب سرية أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حي كنانة بقيادة المنذر بن عمرو الأنصاري.
مضى شهرًا ولم يرجع المسلمون من السرية ولم يبعثوا بخبر عنهم ولا أحد بعالم عنهم شيئا حتى قال المنافقون أنهم قُتلوا جميعًا فخشى الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم؛ فأنزل الله سورة العاديات ليُخبر نبيه الكريم والمؤمنين عنهم كي تطمئن قلوبهم.
حيث أخبر سيدنا جبريل النبي صلى الله عليه وسلم إن السرية قامت بالمهمة وأهلها بخير وتلا عليه سورة العاديات ومعناها الخيول؛ حيث قصد بها الله عز وجل الخيول المصاحبة للمؤمنين في السرية وأخبر عن حالهم بالقسم في تلك الآيات من هذه السورة العظيمة؛ ويوجد من الأحاديث الشريفة ما يبين سبب نزول سورة العاديات ولكنها ضعيفة السند.
قال مقاتل: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
سرية إلى حي من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري، فتأخر خبرهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعا، فأخبر الله تعالى عنها، فأنزل الله تعالى
(والعاديات ضبحا ( (يعني: تلك الخيل).
وعن ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
بعث خيلا شهرا لم يأته منها خبر، فنزلت) والعاديات ضبحا)) إلى آخر السورة).
ذلك يكون سبب نزول سورة العاديات الإخبار عن مؤمني السرية وانتصارهم فيها وعن أحوالهم وأحوال خيولهم وشجاعتها الكبيرة في المعركة وحب أصحابها للجهاد في سبيل الله.
اقرأ أيضًا: سورة تضمنت جميع اياتها لفظ الجلالة
سبب تسمية سورة العاديات بهذا الاسم
سُميت سورة العاديات بهذا الاسم نسبة إلى القسم في بداية السورة حيث أقسم الله بالعاديات وهي الخيول؛ وذلك فيه دلالة عن عظمة وقوة تلك المخلوقات التي يقسم الله بها وأهميتها؛ فالخيول قديمًا كانت تُشكل أهمية كبيرة وحب عند العرب.
أقسم الله بالخيول التي يركبها المجاهدين في سبيله وتتصف بالعدو السريع واقتحام صفوف العدو وهذا فيه دلالة على مكانة الجهاد في سبيل الله وأهميته؛ فالإخبار بحال الخيول في المعركة في السورة الكريمة يوضح أهمية التجهيز والإعداد للجهاد جيدًا.
أطلق على السورة “العاديات” بدون الواو في المصاحف التونسية والمشرقية والقيروانية القديمة؛ أما بعض كتب التفسير فأطلقت على السورة “والعاديات” ليكن اسم السورة مثل افتتاحها؛ لأنها بدأت بقول الله تعالى (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا).
أين نزلت سورة العاديات؟
اختلف العلماء على مكان نزول سورة العاديات فمنهم من قال إنها سورة مكية مثل عكرمة والحسن وابن مسعود وجابر بن زيد وعطاء؛ ومنهم من قال إنها مدنية مثل ابن عباس وقتادة؛ ولم يثبت شيء مؤكد عن مكان نزولها.
سورة العاديات تقع في الجزء 30 من المصحف الشريف وعدد آياتها 11 أية ونزلت بعد سورة العصر ولم يُذكر فيها اسم الجلالة؛ وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق
(لما نزلت السورة خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم الغداة وقرأ فيها والعاديات، فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها، فقال رسول الله: نعم! إن عليا ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرائيل في هذه الليلة، فقدم على عليه السَّلام بعد أيام بالغنائم والأسارى)
اقرأ أيضًا: تجربتي مع سورة العاديات
لمحات تفسيرية من سورة العاديات
سورة العاديات من السور التي لها آثار نافعة على نفس الإنسان وتأثير قوي على قلبه؛ وإذا فهم تفسيرها سينهم منها خيرًا كثيرًا وينتبه لما أشار الله تعالى فيها إلى طبيعة الإنسان وصفاته؛ فتنقسم السورة إلى جزأين أساسيين: الجزء الأول هو القسم (بالخيول في المعركة وحالها) والجزء الثاني (طبيعة النفس البشرية) وهو المقسم عليه؛ فمعنى الآيات الكريمة في تفسير السعدي كالتالي:
- وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا: أقسم الله تعالى بالخيل وهي العاديات لكونها مخلوقات قوية وعظيمة مليئة بآيات الله الباهرة ونعمه الظاهرة؛ والضبح هو صوت الأنفاس العالي الخارج من الصدر؛ فتلك حال الخيول التي تعدو سريعًا بالمؤمنين في أرض المعركة فيعلو صوت أنفاسها من العدو الشديد.
- فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا:أي أن من صلابة وقوة حوافر الخيول النار تقدح؛ فالموريات هي الحوافر؛ ومن شدتها توقد النار.
- فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا: المغيرات أي المتجهون نحو الأعداء صباحًا؛ وهذا لإن غالبًا ما تتم الغارة صباحًا.
- فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا: النقع هو الغبار؛ وأثرن به الأعداء وهذا يعني تحريك الغبار وانتشاره بسبب هجوم المجاهدين في سبيل الله بخيولهم على الأعداء.
- فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا: أي أن الخيول الباسلة توسطت جموع الأعداء؛ وهذا دلالة على ضعفهم وتفرقهم وقوة المؤمنين وإقدامهم في توسط صفوف الأعداء.
- إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ: هذا هو المقسم عليه؛ طبيعة النفس البشرية وجبلتها أنها كنودة أي جاحدة بالنعم؛ تُعدد النقم وتحسبها وتنسى أن تذكر النعم المحيطة بها؛ كذلك لا يؤدي الإنسان حق ربه كاملًا تمنعه نفسه بالكسل عن أداء الواجبات المالية والبدنية؛ إلا من هداه الله وأخرجه من هذا الوصف بشكر النعم وأداء الواجبات.
- وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ: يوجد تفسيران لتلك الآية: الأول معناه أن الإنسان نفسه يعلم حقيقة كونه كنودًا ويشهد بذلك على نفسه لأنه أمر واضح؛ والتفسير الثاني أن الضمير يعود على الله سبحانه وتعالى وأنه شهيد على الإنسان وهذا فيه تحذير وتخويف للإنسان أن الله يراه ويشهد عليه فيجب الحذر.
- وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ: معنى تلك الآية الكريمة أن الإنسان شديد الحب للخير والخير هنا هو المال الكثير وهذا ما يجعله كنود حيث لا يحب أن يخرج من هذا المال شيئًا حتى لا يقل.
- أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ: سؤال يعني الاستنكار لحال الإنسان؛ فكيف له ألا يعلم مآل الحياة الدنيا وما تنتهي إليه؛ حيث يُخرج الله الأموات من قبورهم لحشرهم وحسابهم.
- وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ: أي ظهر وبان ما استتر في الصدور فصار السر علانية وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.
- إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ: أي أن الله عز وجل خبير ومطلع بأعمال البشر الظاهرة والباطنة ومجازيهم عليها والله يعلم هذا كل وقت وحين ولكن خص بالذكر ذلك اليوم (يوم القيامة) لأنه وقت الجزاء عن الأعمال والحساب.
اقرأ أيضًا: اخر ايتين من سورة الحشر
الدروس المستفادة من سورة العاديات
بعد معرفة تفسير سورة العاديات تبين من معاني الآيات أن لها فوائد عديدة وأثر واضح؛ ومن الدروس المستفادة منها حب الله للمؤمنين المجاهدين ونصره لهم وتكريمه لهم بذكر حال خيولهم في الآيات الكريمة والقسم بها؛ وبعث سيدنا جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسورة العظيمة خصيصًا للإخبار عن نصرهم ورجوعهم بخير حال وتكذيب المنافقون وهذا هو سبب نزول سورة العاديات.
أيضًا مما يجب التنبه له في ضوء تفسير الآيات الكريمة ضرورة جهاد الإنسان لنفسه كي لا يبقى كنودًا ولابد له أن يعتبر بنهاية الحياة الدنيا ويعمل كل صالح ويبذل أقصى جهده للفوز بالآخرة.
إن سورة العاديات لها فضل عظيم وحكمة كبيرة ندعو الله أن يُنير بها قلوبنا وأبصارنا ويجعلنا من المجاهدين لأنفسنا الصالحين بأعمالنا.