الجبل الذي رست عليه سفينة نوح
يُعد السعي في معرفة الجبل الذي رست عليه سفينة نوح من أكثر الأمور التي تشغل بال كُل المُطلعين على قصة الطوفان الكبير لنبي الله نوح عليه السلام، وفي واقع الأمر تُعتبر هذه القصة إحدى أكثر قصص العالم تشويقًا وإثارةً للفضول، وفيها من الأحداث ما يجعلها أكثر القصص تميُزًا في عين البعض، وسنتناولها بالتفصيل عبر منصة وميض.
الجبل الذي رست عليه سفينة نوح
يُعد نبي الله نوح واحدًا من أكثر الأنبياء تأثيرًا في البشرية بأكملها حتى يومنا هذا، وكثيرًا ما يتم اعتباره النبي الأبرز بعد آدم عليه السلام أبو البشر أجمعين، ويرجع السبب وراء ذلك إلى الفترة التي جاء فيها نوح.
فقد كانت فترةً عُرف فيها البغي والفساد، ونظرًا لكثرة الفاسدين وشِدة فُحش ما يقومون به لم يكُن أمام نبي الله نوح إلا أخذ من اتبعوه وصدقوا به على متن سفينةٍ أوحى الله له بصُنعها، وهو ما يُعد أكثر الأحداث في حياة نبي الله نوح عليه السلام شُهرةً على الإطلاق.
أمر الله سيدنا نوح بأخذ كافة من آمنوا به بالإضافة إلى زوجٍ من كافة الدواب المُتواجدة على سطح الأرض حتى لا تفنى وتنقرض فيما بعد، وقد قام عليه السلام بذلك بالفعل، وأبحر باستخدام سفينته التي بناها وترك من ورائه من لم يؤمن به من شعبه ومن بينهم ابنه وزوجته.
تُعتبر هذه القصة معروفة إلى حدٍ كبير، ولكن كثيرًا ما يتم السعي وراء البحث عن علاماتها ودلالاتها، والحديث هُنا عن البُرهان الأعظم لهذه القصة ألا وهي السفينة بكُل تأكيد، قد كثُرت الأقاويل في هذا الصدد.
لكن أغلب الظن كون الجبل الذي رست عليه سفينة نوح هو جبل الجودي، وهذا الجبل يتواجد في الأراضي التُركية وبالتحديد في منطقة شرناق، ويرجع اعتبار هذا الجبل المكان الذي استقر فيه الفُلك العظيم لنبي الله نوح عليه السلام لأقوالٍ كثيرة أبرزها ما جاء في كتاب الله الحكيم وقوله العظيم الذي ورد فيه:
{وقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة هود: الآية رقم 44]
ناهيك عما تم تناقله من أقوالٍ على لسان السلف الصالح وغيرها من المصادر في الديانتين المسيحية والإسلامية الحنيفة.
اقرأ أيضًا: أسئلة دينية إسلامية للمسابقات مع خيارات
الفترة بين آدم ونوح عليهما السلام
يُقال إنه بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قُرون تقريبًا، وبعد وفاة نبي الله آدم ومن بعده شيث عليهما السلام لم يؤتَّ نبيٌ إلا إدريس، وبعد أن توفى الله إدريس انقطعت الأنبياء، مما تسبب تدريجيًا بكثرة الأعمال السيئة في الأرض وشيوع فكرة الفساد والقيام بالفواحش من الذنوب.
لذا بدأ الخيرون من الناس على إثر ذلك باتباع من يُعرفون بالتقوى من صُحبة إدريس عليه السلام، فكانوا يستشيروهم في كُل أمور حياتهم ويتطلعون إلى الحديث معهم عن كافة المشاكل التي يُعانون منها ويُواجهونها.
لكن بوفاة آخر هؤلاء الرجال لم يبق على الأرض من يُمكن أن يُساهم في قيادة الناس وتوجيههم نحو الخير والصواب من الفعل، ما تسبب في ابتعاد الكثيرين عن سبيل الله تبارك وتعالى، وهُنا بدأ الشيطان في الدخول إلى أنفس الرجال والنساء.
فعلى الرغم من كون أصحاب إدريس أتقياء إلا أن حُب شعبهم لهم وشعورهم بالوحدة من بعدهم دون قائدٍ يُمكن اللجوء إليه مثل ثغرةً كانت من أكثر الثغرات التي استطاع الشيطان الدُخول إلى الناس منها، فأمرهم وحثهم على تنصيب التماثيل لهم، وهو ما كان يبدو أمرًا منطقيًا لتخليد ذكرى الأتقياء منهم.
لكن من المؤكد كون الخطة الخاصة بالشيطان لم يكُن الهدف الرئيسي منها فكرة التخليد والتعبير عن الحُب، فقد كان يُفكر في كيفيةٍ يُخرج فيها الأتقياء عن طريق الهُدى والصواب، وقد حصد نتاج ما قام بزرعه من بذورٍ فاسدة.
ذلك عندما بدأ هؤلاء الرجال ببناء هذه التماثيل ونحتها، ومن ثُم أوحى لهم الشيطان الرجيم بكون عبادة الأصنام يُعد تقربًا من الله وتعبيرًا عن مدى حُبهم لهذه الفئة من الخيرين أصحاب إدريس عليه السلام، وبذلك ترسخت فكرة عبادة الأصنام، وبقي الحال على ما هو عليه لعقودٍ طويلة من الزمن.
اقرأ أيضًا: ترتيب الأنبياء من آدم إلى محمد
بعث الله لنبيه نوح عليه السلام
في كافة النصوص التي وردت في الديانات الإبراهيمية والسماوية مثل اليهودية، المسيحية بالإضافة إلى الدين الإسلامي وما جاء فيه من نصوصٍ قُرآنية وأقوالٍ من السُنة النبوية الشريفة يتم النظر إلى نوح عليه السلام بكونه النبي الذي كان صالحًا في عالمٍ ضجَّ بالخطيئة والكُفر.
كما يتم اعتباره السراج الذي أنار عتمه الدرب لنسل آدم عليه السلام من الصالحين، فمن المعروف كون نسل آدم الأول انقسم إلى أتباع شيث وقابيل، وقد كانوا يبعدون عن بعضهم البعض، فالخيرون منهم يسكنون الجبال والطُغاة كانوا يقطنون السُهول ويعيشون فيها، وقد حرَّم الله على إثر ذلك اختلاط الشعبين ببعضهما البعض، وهذا ما حدث بالفعل إلا أن تُوفى شيث.
بعد وفاة شيث عليه السلام بدأ الاختلاط بين الأخيار والأشرار، وهو ما تسبب بمرور الوقت في فوضى عارمة جعلت الفساد يطغى وينتشر في كافة أرجاء البلاد، وهو ما تزايد حتى الوصول إلى عهد سيدنا إدريس الذي كان هدايةً للناس وارتفع مرةً أخرى بعد وفاته.
يُمكن اختصار واختزال كُل ما تم ذكره بكون نبي الله نوح قد أتى في وقتٍ قد استوحش فيه القيام بالفواحش واستفحل إلى درجةٍ كبيرة كثيرًا ما يتم الإشارة إليها بكونها غير مسبوقة، ومن الجدير هُنا كون كافة البشرية تقريبًا كانت تؤمن بوجودٍ خالقٍ واحد، ولكن كثرة الشُبهات وشيوع الفتن والذنوب أدى إلى اختلال الصفوف والانحراف التام عن الصراط المُستقيم.
كان من الضروري أن يبعث الله بنوحٍ عليه السلام، ووفقًا لما جاء في كافة المصادر يُعد نبي الله نوح رجل عُرف بكونه صبورًا وهادئًا.
فلم يكُن الطوفان العظيم وما تم التطرق إليه من الحديث عن الجبل الذي رست عليه سفينة نوح إلا بعد فتراتٍ طويلة من الدعوة، ودعوة نوحٍ كانت دعوة قوية في الواقع، إذ كان مُتحدثًا بليغًا بشكلٍ استثنائي، ولك هُنا أن تتخيل مدى دُخول الفتنة إلى قُلوب من لم يتبعوه.
دعوة نوح لقومه لم تؤتِّ بثمارها
كون نبي الله نوح عليه السلام نبيًا يجعل فكرة قيامه بإنباء الناس بضرورة عبادة الله لتفادي العذاب والعقاب من أبرز مهامه، وهو ما قام به نوح الصبور كما لم يقُم به غيره من الأنبياء، وفكرة إرسال الله للأنبياء في المقام الأول لا تُعبر إلا عن رحمته الواسعة وشديد لُطفه.
كما أن ذلك يُعد من صور تحقيق ما وعد الله نبيه وأول عباده من البشر سيدنا آدم عليه السلام به، ولكن وعلى الرغم من كثرة تحذيره للضالين من قومه إلا أن أكثر قوله ودعوته كانت أشبه بالحديث مع الأصماء ممن لا يسمعون إلا ما يرغبون في سماعه.
يُعبر ذلك عن كثرة تأثُرهم بما أوحى لهم الشيطان به، فلك أن تتخيل أن السبب الرئيسي لعبادتهم للأصنام كما ذكرنا كان في سبيل تخليد الصالحين من أصحاب إدريس عليه السلام.
كما قد قام نوح عليه السلام بالفعل بإخبار قومه عن خداع الشيطان لهُم، وأخذ يُحذرهم ليلًا ونهارًا مُعلنًا رسالته على الملأ وداعيًا لهُم بالحُسنى والكلمة الطيبة، كما قد تحدث بشكلٍ مُنفرد مع من اتسم فيهم الخير، ولكن لم يؤمن به إلا القليل.
بناء نوح عليه السلام للفُلك
ببلوغ سيدنا نوح عليه السلام سن الـ 600 عام تقريبًا أمره الله ذو الجلال والإكرام ببناء السفينة أو ما يُعرف في القُرآن الكريم وقول الله الحكيم باسم الفُلك، وهو ما يُمكن النظر إلى بقاياه على الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام.
بدأ بناء نوح للسفينة عندما شعر بالسأم والضيق من دعوة الضالين، وقال له الله تبارك وتعالى حينها إنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن، وحزن نوح على إثر ذلك كثيرًا، وطلب من الله ألا يُبقي على الأرض من يكفُر به حتى لا يُضلون من اهتدى.
فقال الله تبارك وتعالى له على إثر ذلك: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [سورة هود: الآية رقم 37].
من الجدير بالذكر كون نبي الله قد قام ببناء سفينته في المدينة بعيدًا كُل البُعد عن البحر، وهو ما تسبب في رؤية الناس له على أنه مجنون، وقد قالوا له من باب التهكم هل ستقوم بجر هذه السفينة وسحبها حتى اليم؟ وغيرها من صور السُخرية.
إلا أنه استمر في عملية البناء بتوجيه من الملائكة، ويشهد الجبل الذي رست عليه سفينة نوحٍ في يومنا هذا عن هذه القصة بكُل ما فيها من أحداثٍ تُشير إلى صدق نوح وهلاك ممن لم يتبعوه من قومه.
اقرأ أيضًا: أسئلة دينية ومعلومات مفيدة
الطوفان العظيم وبداية مرحلة جديدة في حياة البشرية
وجب التنويه إلى كون العلامة التي على نوح عليه السلام البدء عندها في ركوب السفينة هو ومن آمن معه من قومه كانت فوران التنور أو الموقد الذي في منزله، وقد بدأ ينضح بالماء بالفعل، فركب على ظهر السفينة هو ومن معه من قومه بالإضافة إلى زوجٍ من الحيوانات، الطيور وحتى الحشرات.
رأى قوم نوحٍ من الذين لم يؤمنوا في هذه الأفعال ما يُعبر عن الجنون والخبل، ولكن أمر الله نافذٌ وبات، فبعد فترةٍ ليست بطويلة بدأت الأمطار تنصب من السماء الساخطة صبًا، وارتفع منسوب مياه الأرض على إثر ذلك بشكلٍ كبير، فلم يبق صدعٌ واحدٌ في الأرض إلا وخرج منه الماء إلى أن غزت المُحيطات الأرض التي لطالما عُرف عنها كونها قاحلة جافة.
على الرغم من عِلم نوحٍ عليه السلام بما سيحل بالكُفار وأنه لن ينجوا منهم أحد إلا أن ابنه وزوجته كانوا معهم، فحزن على ذلك حُزنًا كبيرًا وقد دار بينهما حوارٌ قبل ذلك قال فيه حسبما ورد في القُرآن الكريم وقول الله العظيم:
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} [سورة هود: الآية رقم 42].
لكنه أبى وغرق مع من لم يؤمنوا بنبوة نوح عليه السلام، وبعد انتهاء الطوفان وحمل المياه للفُلك العظيم من موضع قوم نوحٍ والذي يُقال إنه كان في العراق نظرًا لكونها شهدت أقدم حضارات العالم استقر الفُلك في جبل الجودي، وهو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام في تُركيا.
من الجدير بالذكر أن هُناك نظريات مُتضاربة فيما يخص الحديث عن موقع الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام، ولكن الغالبية العُظمى منها باطلة عدا جبل الجودي، مع العلم أنه كان مزارًا في زمن العباسيين لتواجد أجزاء حُطام السفينة على سفحه.