الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل
يُعتبر الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل من الأمور المُبهمة بالنسبة لشريحة كبيرة من المُسلمين، وفي واقع الأمر يُعتبر ذلك منطقيًا بشكلٍ نسبي، فالأقاويل تتضارب والكلام يكثُر حول الفرق بين الشعائر الدينية ككل، لذا ولحسم الجدل قررنا عبر منصة وميض توضيح الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل، فهل هُناك فرق؟
الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل
كُلًا من قيام الليل وأداء صلاة الوتر يُعتبران من صور الصلوات غير المفروضة التي تم استمدادها من السُنة النبوية الشريفة، وهي من ضمن السُنن المؤكدة والتي لا شك فيها، ولكن ما التعريف الخاص بكل شعيرة منها؟ نبدأ بالحديث عن قيام الليل.
يُعرف أهل الفقه والشريعة الإسلامية قيام الليل بكونه عملية يتم فيها قضاء فترة مُعينة من الليل قد تصل إلى مُعظمه وأغلبه في التعبد لله تبارك وتعالى، وعلى عكس المُعتقد الشائع بكون قيام الليل كناية عن الصلاة فقط فلا يرمز هذا التعبير إلى الصلاة دونًا عن غيرها من العبادات.
فالصلاة في الليل قيام لليل، كما أن قراءة القُرآن وتلاوته، ذكر الله، الدُعاء إلى الله بكل إيمان، تضرع وتوكل يُعتبر من صور قيام الليل، ولكن أشهر صورة للجمع بين كافة هذه العبادات تقريبًا هي الصلاة، ويُطلق على قيام الليل دأب الصالحين وتجارة المؤمنين من المُسلمين.
فمكانة قوام الليل عند بارئهم مُختلفة عند سائر عباده، وقد قال في وصفهم الله تبارك وتعالى عمن سواه في كتابه الحكيم القُرآن الكريم:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: الآيات 16-17].
فلك أن تتخيل أن مكانة من يقومون بهذا الفعل العظيم عند الله جلَّ وعلا ترتفع وتسمو، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن القائمون على عبادة الله في الأسحار يصلون إلى مرحلةٍ يُصبح فيها نومهم مُزعجًا ومُرهقًا وينقصه دائمًا شيء، وهو فضل الله عليهم، فبسبب تقربهم منه في المقام الأول قربهم إليه وهداهم الرشد.
أما صلاة الوتر فهي من صور الصلوات النوافل التي تُصلى في الليل، ومعنى وتر في قواميس اللُغة العربية هو العدد الفردي، إذن فهي الصلاة التي يتم فيها ختم ما يُصلى في الليل من ركعاتٍ مثنى مثنى، ما يعني أنه لا فرق بين صلاة الوتر وقيام الليل من الأساس.
اقرأ أيضًا: هل يجوز صلاة قيام الليل بعد الوتر
الوتر جُزء لا يتجزأ من قيام الليل
الإجابة بعدم وجود اختلاف عن سؤال ما هو الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل تعود في المقام الأول إلى العديد من الإثباتات والمراجع، فالوتر هي الركعة التي يتم فيها ختم الصلاة التي تُصلى بعد العشاء والتي تُعرف بقيام الليل.
الجدير بالذكر هُنا وما وجب قوله كون كُل الصلوات التي يتم تأديتها ما بعد الفجر يُطلق عليها قيام لليل، فهذا المُصطلح يُعتبر عام وشائع ويجمع في طيّاته العديد من صلوات النوافل غير المفروضة، وصلاة الوتر بالتحديد تُعتبر من صور السُنن المؤكدة عند الجمهور، أما بالنسبة لمُتعبي المذهب الحنفي فهي صلاة واجبة.
السبب في تسمية صلاة الوتر بهذا الاسم يرجع إلى كونها تُصلى وترًا أي بعدد فردي، ووجب التنويه إلى كون ركعات هذه الصلاة أقلها ركعة واحدة، وأكثرها إحدى عشر ركعة في المذهب الشافعي وثلاث عشر ركعة كما ورد في حديث أم المؤمنين أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن أدنى الكمال حسب قول العديد من الفقهاء ثلاث ركعات، وعند الحنابلة يُستحب قراءة سورة الأعلى في الركعة الأولى، الكافرون في الثانية والإخلاص في الثالثة بعد سورة الفاتحة بكل تأكيد.
في الحديث عن الوتر جاء في السُنة النبوية الشريفة برواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وأرضاهما في صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إنَّ اللهَ زادكم صلاةً فحافِظوا عليها، وهي الوِترُ” [صحيح المسند]
وفي روايات أُخرى زاد على الحديث قول:
“جعلَها لكُم فيما بين صلاةِ العشاءِ إلى أن يَطلُعَ الفجرُ“
هذا يُعد دليلًا واضحًا عن انعدام الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل، فصلاة الوتر جُزء من قيام الليل، وقيام الليل يشمل كافة الصلوات الزوجية منها والفردية في الفترة من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر.
قيام الليل في القُرآن والسُنة
في إطار توضيح الفرق بين صلاة الوتر وقيام الله قد وصل عُلماء الدين واللُغة العربية إلى فوارق لغوية، فكون السبب في إطلاق اسم قيام الليل على الصلوات التي يتم أداؤها في آناء الليل يرجع إلى عدة افتراضات وضعها أهل العلم.
منهم من راح إلى كون هذا المُصطلح يُعبر عن قيام الناس من النوم في الليل لعبادة الله، ومنهم من عبر عن هذه الأفعال بكونها تُعبر عن قيام نفوس المُصلين والعابدين بين يدي الله خالقنا وبارئنا.
ففي قيام الليل يشكو العباد إلى رب العباد والبلاد أحوالهم، ويسألون أن يمُن عليهم من فضله وكرمه، فلا توفيق إلا بمُناجاة الله، ولا استجابة للدُعاء إلا بالثناء عليه، لذا يُعد ميل القلوب والأبدان إلى التعلق بهذا الفعل من أبرز وأجمل صور التقرب إلى الله وأبهى وسائل طلب الحاجات.
كما جاء ذكر قيام الله في كتاب الله الحكيم في مواضع عِدة، وتناول قول الله العزيز هذه العبادة العظيمة من نواحٍ عِدة، ومن أبرز هذه الآيات وأكثرها تأثيرًا على قلوب المؤمنين الخاشعين والمُتعلقين بهذه الأعمال ما يلي:
1- آيات سورة الذُاريات
جاء في الآيتين 17-18 من هذه السورة وصفٌ من الله تبارك وتعالى لعباده من مُقيمي الليل والمُتعبدين فيه، وقد قال عظيم العطايا ومانح الهبات في كتابه الحكيم في نص هذه الآيات:
{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون}
فسر محمد بن أحمد بن أبي بكر القُرطبي أن قول الله تبارك وتعالى الوارد أعلاه يُعبر عن مدى تعلق قلوب قوام الله بهذه الطاعات، فقليل الهجوع هو من لا ينام الليل، والنوم لفتراتٍ قليلة من اليوم في الليل تُعرف باسم التهجاع.
لذا يُمكننا أن نفهم أن الأولوية لدى من ذكرهم ذو الجلال والسُلطان في كتابه العزيز للصلاة والذكر عن النوم، ففي الوقت الذي ينام فيه عباد الله جميعًا تقوم هذه الفئة من مضاجعها لتستغفر الله في أسحار الليل.
مكانة هؤلاء الناس عند الله كبيرة بسبب كونهم يؤرقون راحة نومهم ويقومون في الليل الذي يُعتبر باردًا وساكنًا والذي خلقه الله في المقام الأول للنوم، وذلك فقط في سبيل نيل رضى الله ورضوانه، فلا يبتغي من يقومون بهذه الأفعال إلا التقرب والتودد من الله تبارك اسمه وتعالى جده، وهو سيُحقق لهم بفضله وكرمه كُل ما يتمنون.
اقرأ أيضًا: الفرق بين صلاة التهجد وقيام الليل
2- الآية التاسعة من صورة الزمر
في هذه الآية الكريمة تحدث الله سُبحانه وتعالى عن الفرق بين المُسلم المؤمن وبين من يتمتع من الكُفار بليله، ولا يُخصص جُزءًا منه في الثناء على الله وشكر فضله ونعمه، وقد جاء في نص الآية:
{أمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
يقول الله جلَّ علاه وتبارك عمن سواه في هذه الآية الكريمة أن مكانة العبد الذي يداوم على طاعة الله وذكره آناء الليل وأطراف النهار ساجدًا له وشاكرًا إياه يخاف عذاب الله ويرتجي من الله الرحمة، والسؤال هُنا موجه لرسول الله صلى الله عليهم وسلم، ولكن عالم الغيب والشهادة بكل تأكيد يعلم الإجابة.
فلا يستوي أهل اليمين وأهل اليسار، ولا يتشابه سُكان الجنة والقاطنين في النار، ولا يتذكر ذكر ربه ويعرف الفرق ويسلك المنهج الصحيح بين السبيلين إلا ذوي العقول السلمية والفطرة الإسلامية القويمة، وبسبب توصلنا إلى كون الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل مُنعدم، فإن هذه الآية تسري على الوتر أيضًا.
3- الآية التاسعة والسبعين من سورة الإسراء
هذه الآية الكريمة شهدت ذكر الله لفضل قيام الليل بالإضافة إلى أمرِهِ تبارك وتعالى النبي العدنان خير الأنام عليه الصلاة والسلام بالتمسك بتأدية هذه الفريضة، وقد جاء في نص هذه الآية قول العزيز الجبار:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}.
فجاء على لسان أهل العلم أن التهجد في الليل يعني القيام بعد النوم في سبيل التعبد لله تبارك وتعالى والثناء عليه وعلى نعمه، والجدير بالذكر أن قول {نافلة لك} لا يعني أن هذه العبادة مُخصصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده.
فقد غفر الله بالفعل ما تقدم وما تأخر من ذنب بشير الأُمة ونذيرها، المقام المحمود الذي نص عليه ذو الجلال والإكرام في كتابه الحكيم هو شفاعة النبي العدنان لأُمته، وهي مُكافأة الله الأبهى لرسوله ونبيه العدنان لأُمتي الإنس والجان.
قيام الليل في الدُرر السُنية
غالبًا ما رأيت في إطار بحثك عن إجابة سؤال ما هو الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل بعض الأحاديث النبوية، فقد جاء في السُنة النبوية الشريفة العديد من النصوص التي وضحت فضل قيام الليل.
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُقيم الليل ويتعبد منه كثيرًا على الرغم من غفر الله لذنبه، ولكنه كان يُحاول شُكر الله على عظيم عطائه، وهو ما حث أُمته من بعده على القيام به، ومن أبرز ما جاء في هذه الدُرر النبوية عن قيام الليل الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح الجامع، وقد جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“أتاني جبريل، فقال: يا محمدُ عِشْ ما شئتَ فإنك ميِّتٌ، واعملْ ما شئتَ فإنك مجزيٌّ به، وأَحبِبْ مَن شئت فإنك مُفارقُه، واعلمْ أنَّ شرَفَ المؤمنِ قيامُ الليلِ، وعِزُّه استغناؤه عن الناسِ” [صحيح المسند].
سيدنا جبريل هو الوحي الأمين وناقل رسائل الله تبارك وتعالى لعبده مُحمد بن عبد الله، ورسولنا صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، إذن فوصف قيام الليل بشرف المؤمن مُستمد في المقام الأول من قول الله تبارك وتعالى، وقد جاء في الذكر الحكيم بعض الآيات التي تُعبر عن ذلك.
اقرأ أيضًا: هل يجوز صلاة قيام الليل قبل الساعة ١٢
قول أبو الحسين في الوتر
حدثنا الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في الحديث الذي جاء في سُنن الترمذي قائلًا:
“الوِتْرُ ليس بِحَتْمٍ كصلاتِكم المكتوبةِ ولكنْ سَنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقالَ إنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، فأَوْتِرُوا يا أهلَ القُرآنِ“، وهذا يُعبر عن كون صلاة الوتر من الصلوات المُحببة على الرغم من فرضها، وهو أمر لا يُشكل الفرق بين صلاة الوتر وقيام الليل، فقيام الليل من أحب الأعمال إلى الله.
مُحاولة التقرب من الله تبارك وتعالى ابتغاء رضوانه بقيام الليل من أكثر الأمور التي تُدخل الإيمان في قلب المرء المُسلم، والتعبيرات الجميلة عن لذة هذه العبادة لا تعُد ولا تُحصى، ومن أبرزها قول أبو قيس بن الأسلت الذي جاء فيه: “قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع“.