مفهوم الثقافة في علم الاجتماع
مفهوم الثقافة في علم الاجتماع هو ما لا يعرفه سوى أفراد الطبقة الارستقراطية، حيث تتردد على مسامعنا جميعًا كلمة ثقافة وكلمة علم الاجتماع، لكننا لا ندرك ما هما بالتحديد وما العلاقة بينهما، فهذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في بحثنا عن مفهوم الثقافة في علم الاجتماع من خلال منصة وميض.
مفهوم الثقافة في علم الاجتماع
إن العلماء المهتمين بعلمي الأنثروبولوجيا والاجتماع يهتمون كثيرًا بتوضيح مفهوم واضح ودقيق للثقافة في كلا العلمين.
فهناك تعريف يعتبر الأكثر شمولًا ووضوحًا وهو أن الثقافة هي كمركب كبير يتضمن كل فروع المعرفة الإنسانية كالقوانين والعقيدة والأخلاق وكل ما يحصل عليه الفرد ويتلقاه من ثقافة البلد الذي يحيا على أرضه.
لذلك فثقافة المجتمعات هي كل ما بها من الجانب الفكري والمادي والاجتماعي، فالأمر لا يقتصر على ما لدينا من أعمال أدبية وفنية لا يدركها ويدرك قيمتها أو ما بها من معانٍ سوى جماعة بعينها من المجتمع.
اقرأ أيضًا: ما هو علم النفس وما هي أهدافه واختصاصاته؟
مفهوم الثقافة
في سياق حديثنا عن مفهوم الثقافة في علم الاجتماع لابد وأن نتطرق إلى معرفة مفهوم الثقافة ذاتها، حيث يقتصر مفهوم الثقافة في علم الاجتماع وغيره من العلوم مع الأسف في كثير من مجتمعات العالم على الشق الفني والأدبي، وما يرتبط بهما من أعمال يبتكرها العقل البشري، وبعض الأفكار المتحضرة والراقية التي يدلي بها الإنسان ويناقشها ويدافع عنها ويحاول تنفيذها على أرض الواقع.
لكن تلك ليست الحقيقة فعلم الاجتماع يتضمن مجموعة واسعة من المجالات التي تشكل مفهوم الثقافة في أي مكان بالعالم.
في عصر سابق يعرف بعصر التنوير تم تعريف الثقافة بأنها كل ما حصل عليه الإنسان وأدركه كأحد أعضاء مجتمعه من آداب وفنون وقوانين وعادات وتقاليد وغيرها.
كذلك الثقافة هي أمر يتم اكتسابه من المجتمع وما يحتوي عليه من نظم وعادات وغيرها وليس بالأمر المتوارث من الوالدين أو العائلة.
ما هو علم الاجتماع؟
لمعرفة مفهوم الثقافة في علم الاجتماع لابد وأن نعرف ما هو علم الاجتماع، حيث إن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس حياة البشر الاجتماعية وتعاملات الناس وعادات وثقافات وتقاليد الشعوب ومدى تأثير ذلك على العالم المحيط بهم.
يتشعب علم الاجتماع إلى مجموعة من الفروع والتخصصات التي يتم دراستها بشكل أكاديمي، فهي تختص بالتحدث حول المجتمعات وعملها وتقدمها وحول المؤثرات التي شأنها تغيير المجتمع من جهة الاقتصاد والثقافة وغيرها سواء بالسلب أو بالإيجاب
مما يحدث تأثيرًا على الأساليب التي تعمل بها الشركات والمنظمات، وتأثير ذلك على سياسات البلاد وقراراتها.
نشأة علم الاجتماع
بدأ علم الاجتماع بالظهور منذ فترة ليست بالبعيدة، وبالتحديد في بدايات القرن ال 19 حيث ظهرت التكنولوجيا الحديثة بما لها من فوائد في ربط البلاد ببعضها البعض وتوسيع دائرة المعارف الإنسانية والوصول إلى المعلومات بضغطة زر، لكن كان لها كذلك سلبيات لا يمكن إنكارها، فكان لا بد من ظهور علم الاجتماع لتداركها.
أهم تلك السلبيات هي العزلة التي تسببت بها التكنولوجيا الحديثة، فكل شخص أصبح يهتم بجهاز حديث أو أكثر ويهمل علاقاته الاجتماعية والأسرية وحتى الاهتمام بتكوين صداقات حقيقية على أرض الواقع، حيث بدأت تقل بشكل واضح واستبدلها الإنسان بمواقع التواصل الإلكترونية والصداقات مجهولة الهوية.
ما هي أشكال الثقافة في علم الاجتماع؟
تتعدد أنماط وأشكال مفهوم الثقافة في علم الاجتماع وسوف نتحدث عن تلك الأشكال، ونتناول ما تعنيه فيما يلي:
- الثقافة من الناحية المادية: والثقافة المادية هي تلك الثقافة التي تختص وتهتم بكافة الأمور التي يقوم الفرد بإنتاجها داخل المجتمع، كالمواد الغذائية وأدوات المائدة والطعام وكل أشكال وأنواع الملابس ووسائل التكنولوجيا والمنتجات والمواد الطبيعية.
- الثقافة من الناحية المعنوية: وهي الثقافة التي تتناول جميع العادات والتقاليد والأفكار والممارسات التي تختص بأفراد المجتمع الواحد، كذلك ديانته وأساطيره الشعبية المتوارثة أو التي تختص بمجموعة من المجتمعات الموجودة بالقرب من بعضها.
- الثقافة العامة: هي الثقافة التي يتسم بها المجتمع الواحد.
- الثقافة الفرعية: والثقافة الفرعية هي تلك الثقافة التي تختص بأن هناك طبقات وجماعات مختلفة داخل المجتمع الواحد مثل وجود الطبقة الشعبية والطبقة الارستقراطية والثقافة في الحضر والثقافة في الريف.
تلك الأنماط الأربعة ندرك عن طريقها ثقافة المجتمع بيسر وسهولة.
خصائص الثقافة في علم الاجتماع
هناك بعض السمات التي يتصف بها مفهوم الثقافة في علم الاجتماع تبعًا لآراء العلماء سنتناولها فيما يلي:
- تتسم الثقافة بالاستقلالية: أي استقلالية الثقافة عمن يحملونها من أشخاص أي أن من المستحيل أن تختفي ثقافة شعب ما ولم نعرف عنها أي شيء حتى لو مات جميع هؤلاء الأشخاص أو حتى اختفوا، ويرجع ذلك إلى الآثار الثقافية التي تركوها لنا عبر السنوات
- تتسم الثقافة بالاستمرارية: حيث إن الثقافة تظل باقية عبر الأجيال المختلفة ولا تتوقف عند حد معين.
- تتسم الثقافة بسمة الانتقائية: حيث إن الأجيال الحديثة والتي تلقت شكل أرقى من التعليم ومعلومات أكثر وتربت على التفكير وانفتاح العقل والتكنولوجيا الحديثة لن تتردد أبدًا في انتقاء ما يتناسب معها من الثقافات وأن تستبعد ما لا يتفق معها من ثقافات متخلفة أو مقيدة للرأي أو غير منطقية.
- خير مثال على هذا الأمر ما قامت به المجتمعات الحديثة من رفض أي شكل من أشكال التفرقة بين البشر كعبد وسيد فالعبودية تم رفضها، كما هو الحال للرق حتى اندثروا في أغلب بلدان العالم.
- تتشعب الثقافة من عدة مكونات وفروع ولا يمكن أن نعتبر أحد تلك الفروع هو عبارة عن علم قائم بذاته، لكن هو فقط جزء من علم لا يمكنه الاستقلال عنه.
ما هو علم الاجتماع الثقافي؟
مفهوم الثقافة في علم الاجتماع تحول إلى علم مستقل بذاته يعرف بعلم الاجتماع الثقافي.
حيث إن علم الاجتماع الثقافي هو علم الاجتماع الذي يختص فقط بتناول الثقافة، وكل ما يختص بها، والثقافة لا يوجد لها تعريف ثابت بل يقوم كل علم يقوم بتعريفها تبعًا للجانب الذي ينظر إليها من خلاله وحسب اهتمامات ذلك العلم.
من الجدير بالذكر أن هناك ما يتعدى ال 160 تعريف للثقافة على مر العصور وحتى وقتنا الحالي، لكن أشهر تلك التعريفات هو ذلك التعريف الذي قاله إدوارد تايلور حيث جعل الثقافة تقترن بكلمة حضارة.
بحيث قال مفهوم الثقافة بالمعنى الاثنوجرافي الكامل أنها هي العلم الذي يتضمن كل العادات والتقاليد والقوانين والأعراف التي يكتسبها الفرد كأحد أعضاء المجتمع الذي يعيش فيه، وكان ذلك في كتابه المعروف باسم الثقافة البدائية.
أما العالم غي روشيه فقد عرف الثقافة على أنها عبارة عن مجموعة من المكونات التي تتصل بتفكير الفرد وشعوره وأفعاله والتي تشكلت في نقاط واضحة يتشارك بها مجموعة من الناس في المجتمع وتعلموها واكتسبوها وصاغوها في شكل واضح.
بداية قيام علم الاجتماع الثقافي
بعدما عرفنا مفهوم الثقافة في علم الاجتماع دعونا نعرف بعض الأمور حول بداية ظهور ذلك العلم الذي يسمى بعلم الاجتماع الثقافي.
حيث يقر جميع العلماء بالاتفاق على أن علم الاجتماع الثقافي، وبدء دراسة ما يخص الثقافة من وجهة نظر علم الاجتماع جاء بعد نشأة علم الاجتماع نفسه بفترة ليست بالقليلة.
حيث ظهر بتسعينات القرن التاسع عشر بعد أن غزت التكنولوجيا الحديثة والتغيرات الكبيرة في ثقافات البلدان في العالم أجمع.
يرجع الفضل في إنشاء علم الاجتماع الثقافي إلى العالم ألفريد فيبر، وقد أهتم ذلك العالم كثيرًا بشأن إيضاح الفرق بين مفهوم الثقافة ومفهوم الحضارة.
الذي وقع كثير من العلماء على الخلط بينهما باعتبارهما نفس الشيء حيث يخبرنا أن الحضارة تتضمن المعرفة الوضعية ووسائل التكنولوجيا والعلم، وتشتمل على علوم ومعلومات ذات قيمة بإمكاننا نقلها بين الأجيال وبعضها، وتتميز بالدقة العالية والانضباط في معاييرها.
لكن الثقافة في رأيه هي التي تختص بدراسة قيم الفرد الروحية، وما بها من عادات وفنون وتقاليد واساطير متوارثة وأفكار، ولا يمكن تقييم كل تلك الأمور، حيث إنها تختلف من مكان لآخر وبين الشعوب وبعضها وبين زمن وآخر.
اقرأ أيضًا: بحث عن علم البيئة وأبرز فروعها
مكونات الثقافة
ما زلنا نتناول كل ما يتعلق بمفهوم الثقافة في علم الاجتماع، حيث تختلف الثقافة بالطبع بين مجتمع وآخر، وبين البلدان والديانات والطبقات، ولكن بالرغم من ذلك فإن هناك مكونات أساسية لا تخلو منها أي ثقافة رغم وجود تلك الاختلافات، وتتمثل تلك المكونات في النقاط التالية:
1- الرموز
يقصد بالرموز أي أمر يختص بشعب معين مثل تلك الأمور التي نلاحظها في كلام بعض الشعوب، والتي لا يستطيع فهما أي شخص لا يعيش بنفس المكان أو يتواجد في ذات الجماعة، وربما تشير إلى قصص وأساطير، وربما أحداث حقيقية في تاريخ بلادهم أو جماعتهم.
2- القواعد
هي تلك التقاليد والأعراف التي تضعها الشعوب، فالتقاليد هي عبارة عن بعض النظم التي تحدد بعض الأمور التي تحدث في الروتين اليومي العادي أو في المناسبات، أما الأعراف فهي تشتمل بشكل متسع تلك القواعد الأخلاقية التي يقرر على الشعب الالتزام بها.
3- الديانة
حيث تقوم الديانة بتحديد بعض المعايير والقيم التي يليق بالفرد في المجتمع الالتزام بها، وكذلك الأشياء والأمور التي تكون مكروهة ولا يفضل القيام بها.
4- اللغة
هي عبارة عن بعض الرموز التي يتم عن طريقها التواصل بين الأفراد داخل المجتمعات أو الجماعات، ولا بد من تشارك كامل المجتمع في معرفة اللغة الواحدة لتسهيل التعاملات بينهم مع إمكانية تواجد بعض اللغات الإضافية في الجماعة الواحدة.
5- الآداب والفنون
يقصد بها تلك الأعمال الراقية التي جسدت خيال وأفكار العقل البشري في هيئة أعمال فنية، ومؤلفات أدبية، واستعراضات راقصة، وقصص وأعمال موسيقية.
6- النظام الاقتصادي
يقصد بالنظام الاقتصادي المنتجات التي يتم إنتاجها، والطريقة المتبعة للقيام بذلك، والجهات التي يتم إنتاجها لهم وكيفية استعمال كل فرد لما لديه من موارد ومواد وإمكانيات في تحقيق ما يحتاج إليه من أمور حياتية أساسية ومن وسائل ترفيه.
يطلق على ذلك عدة ألفاظ كالاقتصاد التخطيطي والسوقي والمختلط والتقليدي.
7- التأسيسات المادية
يقصد بها الكيانات التي يتم تأسيسها مثل المباني وأشكال المعمار، والأعمال التي تنتج عن الفن والمنفذة على أرض الواقع.
8- نظام الحكم
يدور ذلك حول نظم الحكم المتبعة في البلاد من القائمين عليها، وكيفية تنظيم الحقوق والواجبات بين الأفراد ووضع القوانين والأسس الواجب الالتزام بها وطريقة الاستجابة لمتطلبات الشعب وحمايته، ومنها نظم مثل النظام الديكتاتوري والنظام الديموقراطي والنظام الملكي والجمهوري وغيرها.
9- المنظمات الاجتماعية
هي التي تهتم بكيفية الأشراف على نظم الإنتاج والعلاقات بين الأفراد وبين المجتمع وغيره من المجتمعات، وسبل التعليم والاهتمام بالفنون.
10- تنظيم المعاملات الاجتماعية
يحدث ذلك بتجميع مجموعات تتشارك نفس الأهداف تحت لواء هدف واحد كالمال أو التعليم أو الأسرة أو الوظائف وغيرها بهدف القدرة على الاستماع لهم بسهولة، وتلبية طلباتهم التي تكون متشابهة فيما تدور حوله.
11- التقاليد والعادات
أي ما تلتزم به كل جماعة من أمور وقواعد خاصة تحدد ما هو صواب، وما هو خاطئ وتوارثتها الشعوب عبر الأجيال في بلد معين أو لحاملي نفس اللغة أو المنتمين لنفس الجماعة.
آراء العلماء حول مفهوم الثقافة في علم الاجتماع
سنتناول بعض الآراء التي أدلى بها العلماء حول مفهوم الثقافة في علم الاجتماع وهم:
1- كارل ماركس
في حديثنا عن مفهوم الثقافة في علم الاجتماع لا بد أن نتحدث عن كارل ماركس، فهو من أشهر علماء الاجتماع الذي تحدث عن الثقافة من خلال ذلك العلم.
تحدث حول قيام الثقافة بإيجاد مبررات لعدم المساواة بين النوعيات المختلفة من البشر في المجتمع الواحد، حيث يرى كارل أن الطبقات البرجوازية الحاكمة في أغلب الأحيان تستخدم الثقافة لخدمة مصالحها، وما تحتاج له دون النظر إلى البروليتارية.
حيث قال عبارته التي اشتهر بها، والتي تقول بأن المعتقد الديني هو عبارة عن أفيون أي نوع من الإدمان للشعوب.
يعتبر التاريخ ماركس من متبعي النظام المادي الثقافي، حيث رأى أن المادة ينتج عنها الثقافة الأفضل، وهو ما يراه هيجل بشكل عكسي بحيث يرى أن الثقافة الراقية هي من تقوم بإنتاج المادة.
2- إميل دوركايم
اهتم إميل بالعلاقة بين الثقافة والمجتمع، وقسم تلك العلاقات في عدة نقاط نذكرها فيما يلي:
- العلاقة المنطقية: هي التي ترتبط بالقوى المختلفة التي تؤثر على الأفراد كقوة الدين وفكرة وجود الله.
- العلاقة الوظيفية: تهتم بزيادة عدد الأفراد المهتمين بأشياء مشتركة مثل الأساطير والتقاليد الشعبية، فكلما ازدادوا كلما ازدادت قوة المجتمع نفسه.
- العلاقة التاريخية: فبدراسة تاريخ الشعوب نستنتج أن المجتمع نفسه هو من يسبب ظهور الثقافات داخله، مثل الثقافة الخاصة بالتصنيف.
3- ماكس فيبر
إن فيبر هو الشخص الذي قام باختراع فكرة الطبقات والأوضاع الاجتماعية المختلفة، وحدد اختلافاتها حسب بعض الأمور مثل الجنس والأصل واللون والديانة واللغة ومجال العمل.
بذلك أصبح لدينا نظام ثقافي مستقل بداخل النظام الثقافي للمجتمع الواحد حيث تشترك الطبقة الواحدة في بعض القواعد، والنظم الخاصة في شتى مجالات الحياة، كذلك يتحدث فيبر عن الرموز وكيف أنها تمثل بعض الجوانب الروحانية التي نجدها متجلية في بعض الأحداث.
قال كذلك أن الأفراد داخل المجتمعات المختلفة تتحدد أفعالهم تبعًا للجانب الذي يهتمون به جدًا، كالخوف من الاحتراق داخل الجحيم وبناء على ذلك يتصرفون، وقد سمى فيبر تلك التقسيمات المجتمعية بالثقافة الفرعية.
اقرأ أيضًا: أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التعليم
4- جورج سيميل
يتحدث سيميل عن الإمكانية المتاحة لدينا في تهذيب وتعليم وتثقيف الناس وجعلهم يلتزمون بالقوانين من خلال عرض نماذج التاريخ المختلفة، ونهاية كل منها حسب ما قاموا بعمله خيرًا كانت أم شرًا.
إن الثقافة هي أمر هام جدًا ومن خلاله يتحدد تعاملات الناس داخل المجتمع الواحد مع بعضهم البعض ومع غيرهم من المجتمعات ومع العالم المحيط، فيجب أن نهتم كثيرًا بالتحقق من الثقافات التي نتبعها وكونها على صواب أم خطأ.