حكم عمل المرأة في مكان مختلط
حكم عمل المرأة في مكان مختلط من الأحكام الدينية التي ينبغي أن تكون المسلمة ملمة بها، حتى يتسنى لها الخروج إلى سوق العمل دون أن تخشى أن تقع في حد من حدود الله عز وجل، لذا ومن خلال منصة وميض، سوف نتعرف على حكم عمل المرأة في مكان يختلط داخله الجنسين، كما سنتناول الضوابط التي يجب على المرأة مراعاتها حال التفكير في الخروج للعمل.
حكم عمل المرأة في مكان مختلط
من المتعارف عليه أن المرأة هي نصف المجتمع كما أنها تعمل على تربية النصف الآخر، لذا فهي تشكل المجتمع بأكمله، فهي لها كيان ومن شأنها أن تخطط بأن يكون لها المستقبل العملي الذي تحلم به.
فالمرأة من شأنها أن تتعلم الكثير في الحياة من التعاليم الدراسية والعملية من أجل أن تتكون شخصيتها وعليه تقرر العمل في أي مجال تحب، فالدين الإسلامي لم يحرم المرأة من العمل على الرغم من أنه من اختصاص الرجال، فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل في سورة النساء الآية رقم 34:
“الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا“.
إلا أنه في بعض الأحيان تضطر المرأة إلى الخروج لسوق العمل، سواء من أجل مساعدة نفسها أو أبيها أو زوجها، أو حتى من أجل قضاء وقت الفراغ في أمر مفيد، لكن يجب أن تبحث عن مجال العمل النسائي من باب أولى حتى لا تقع في الفتن.
لكن إن لم تجد فإن حكم عمل المرأة في مكان مختلط جائز على أن يقيد الأمر بالمعايير التي تسمح بذلك من الناحية الدينية، والتي سنتعرف عليها فيما بعد.
اقرأ أيضًا: ماذا يحدث للرجل عندما يسمع صوت حبيبته
شروط عمل المرأة في مكان مختلط
في سياق التعرف على حكم عمل المرأة في مكان مختلط علينا أن نعلم أن الأصل في أمر الإجازة إن تم الالتزام بالقواعد والضوابط الشرعية، وإلا يصبح الأمر محرمًا، لذا ومن خلال ما يلي سوف نتعرف على المعايير والضوابط التي من شأنها أن تخول للمرأة العمل في الأماكن المختلطة، حيث أتى الأمر على النحو التالي:
1- أمن الفتن
على المرأة أن تسأل جيدًا عن المكان الذي سوف تلحق للعمل فيه، وذلك حتى تتجنب الوقوع في الفتن، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية أسامة بن زيد: “ما ترَكْتُ بعدي فتنةً أضَرَّ على الرِّجالِ من النِّساءِ” (صحيح).
فإن كان لا بد لها أن تخرج للعمل في المكان المختلط عليها أن تراعي تلك النقطة، وأيضًا لكي تتجنب الوطوء في مواطن الشبهات، وذلك امتثالًا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح برواية النعمان بن البشير أنه قال:
“سمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: وأَهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ، إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ“.
2- موافقة الزوج على عمل الزوجة
في إطار توضيح حكم عمل المرأة في مكان مختلط نشير إلى أنه على المرأة أن تحصل على موافقة زوجها كي يتسنى لها العمل في المكان المختلط على أن تخبره أن ذلك المكان يوجد به من الرجال عددًا، كما ينبغي عليها أن ترضخ له إن رفض الأمر، فطاعة الزوج في تلك الحالة أولى، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية أبو ظبيان أنه قال:
“أنَّ مُعاذَ بنَ جبَلٍ خرَج في غَزاةٍ بعَثه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيها، ثم رجَع، فرأى رجالًا يسجُدُ بعضُهم لبعضٍ، فذكَر ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو أمَرْتُ أحدًا أن يسجُدَ لأحدٍ، لأمَرْتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها” (صحيح).
كذلك إن لم تكن المرأة متزوجة، فعليها أن تخبر أبيها أو وليها عن طبيعة العمل، وعن أن هناك ممن هم من الجنس الآخر يعملون معها، حتى لا تصيب حدًا من حدود الله كونها متواجدة في مكان به رجال دون علم ذويها، فديننا الإسلامي حثنا على الصدق مهما كانت العقبات.
اقرأ أيضًا: حكم سفر المرأة بدون محرم
3- أن يكون العمل مباحًا وحلالًا
توضيحًا لحكم عمل المرأة في مكان مختلط نذكر أنه من الضروري أن تعلم المرأة أنه لا حجة لها أمام الله -عز وجل- إن خرجت إلى العمل في أي من المجالات المحرمة، كالترويج للخمور أو المتاجرة بالجسد، أو العمل في مراكز التجميل التي تعمل على تغيير خلقة الله عز وجل.
حيث تقوم المرأة بنمص الحواجب وعمل الوشم الدائم، وكل ذلك من الأعمال التي نهى رسول الله عنها، وذلك استنادًا لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، في رواية عبد الله بن مسعود، حيث قال:
“لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ قالَ: فَبَلَغَ ذلكَ امْرَأَةً مِن بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ القُرْآنَ، فأتَتْهُ فَقالَتْ: ما حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ لَعَنْتَ الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ…
…فَقالَ عبدُ اللهِ: وَما لي لا أَلْعَنُ مَن لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ وَهو في كِتَابِ اللهِ فَقالتِ المَرْأَةُ: لقَدْ قَرَأْتُ ما بيْنَ لَوْحَيِ المُصْحَفِ فَما وَجَدْتُهُ فَقالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لقَدْ وَجَدْتِيهِ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عنْه فَانْتَهُوا} فَقالتِ المَرْأَةُ: فإنِّي أَرَى شيئًا مِن هذا علَى امْرَأَتِكَ الآنَ…
…قالَ: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قالَ: فَدَخَلَتْ علَى امْرَأَةِ عبدِ اللهِ فَلَمْ تَرَ شيئًا، فَجَاءَتْ إلَيْهِ فَقالَتْ: ما رَأَيْتُ شيئًا، فَقالَ: أَما لو كانَ ذلكَ لَمْ نُجَامِعْهَا. غيرَ أنَّ في حَديثِ سُفْيَانَ الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وفي حَديثِ مُفَضَّلٍ الوَاشِمَاتِ وَالْمَوْشُومَاتِ” (صحيح).
لذا عليها أن تعمل في المجالات المتعددة التي أحلها الله -عز وجل- كالطب أو التعليم أو الهندسة، فتلك المجالات من شأنها أن ترفع من قيمة المرأة في العمل وتعلي من قدرها، كما أنها تؤجر على ذلك العمل إن أخلصت النية لله عز وجل.
4- مراعاة الزي الإسلامي الشرعي
في سياق التعرف على حكم عمل المرأة في مكان مختلط علينا أن نعرف أنه على المرأة أن تراعي أن تكون ملابسها في العمل مطابقة لمواصفات الزي الشرعي، فلا ترتدي الملابس الكاشفة أو الملفتة أو التي تصف جسدها، مع العلم أن الأمر لا يقتصر على الخروج للعمل فقط.
فمن الضروري أن يكون الزي الإسلامي هو منهج المرأة، وذلك امتثالًا لقول الله تعالى، كما يجب عليها ألا تضع العطور التي من شأنها أن تعمل على إثارة الرجل، مما يتسبب في حملها للذنب على الرغم من أنها قد لا تكون متعمدة حدوث ذلك.
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية أبي موسى الأشعري: “أيُّما امرأةٍ استعطرتْ ثُمَّ خَرَجَتْ، فمرَّتْ علَى قومٍ ليجِدُوا ريَحها فهِيَ زانيةٌ، وكُلُّ عينٍ زانيةٌ“. (صحيح).
5- عدم الاختلاط والخضوع بالقول
ينبغي على المرأة إن أرادت أن يبارك الله لها في عملها، أن تراعي ألا تقوم بالمغالاة في الحديث مع الرجال، كما عليها ألا ترقق في صوتها أثناء التحدث مع أي منهم، حتى لا تستميل قلبه دون أن تشعر.
فقد قال الله تعالى في محكم الآيات: “يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚإِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا” سورة الأحزاب الآية رقم 32.
على أن ذلك لا يجعل للمرأة احترامًا في عملها من قبل الآخرين، فإن كانت محافظة على ذاتها فعليها أن تضع حدودًا حاجزة بينها وبين الأجانب من الرجال.
6- أن يكون العمل لحاجة ما
في سياق التعرف على كل ما يخص حكم عمل المرأة في مكان مختلط، على المرأة أن تعرف أن مكوثها في المنزل أولى من عملها، إن كان لديها من يعولها ويتحمل النفقات، سواء الأب أو الزوج.
أما في حالة عدم حصولها على القدر الكافي من تلك الأموال، مما يخول لها الحياة الكريمة، فمن شأنها أن تخرج للعمل، وهذا ليس جورًا على حق من حقوقها، ولكن الدين الإسلامي من شأنه أن يسعى لأن تكون المرأة معززة بعد أن كانت مهانة في العصور السابقة.
ربما لا يكون العمل لحاجة مادية، ذلك لأن الطاقة الإيجابية أحيانًا ما تحتاج إلى مجال مهني، يكون كيانًا بذاته للمرأة دونما ضياع لوقتها هباءً.
لذا لا يشترط أن تكون هناك حاجة مادية لدى الفتاة حتى تعمل، فربما ينتج الأمر عن محض طموحها في التطور والتقدم، وهذا لا يخل بالتزامها بشروط وضوابط حكم عمل المرأة في مكان مختلط مع الرجال.
اقرأ أيضًا: الحكم الشرعي للجماع بعد الولادة القيصرية
7- ألا يكون العمل على حساب الأولاد أو الزوج
إن رأت المرأة أن العمل بشكل عام، سواء في مكان نسائي أو مختلط، من شأنه أن يجور على حق الأولاد، فلا تقدم لهم الرعاية الكافية أو تعمل على خدمتهم كما يجب أن تكون، فإن الأولى بها في تلك الحالة الإقلاع عن العمل.
كما أنها يجب أن تراعي ألا يكون العمل سببًا في ابتعادها عن الزوج، بألا ترعى منزله، أو تعد له الطعام، أو تمتنع عن إشباعه من الناحية الحميمية كونها منهكة طوال اليوم.
كذلك عليها أن تطيع زوجها في حالة رفضه أمر عملها، فهو أولى بها وبيتها أيضًا، فتلك المكانة هي التي أمرها الله أن تحافظ عليها كأولوية عن العمل، حيث إن رعاية المنزل والاهتمام بشأن الزوج والأولاد أجدر وأولى.
حيث إنها في تلك الحالة توقع بنفسها في إثم مبين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية عبد الله بن عمر أنه قال:
“أنَّ امرأةً قالَت: يا رسولَ اللهِ ما حَقُّ الزَّوجِ علَى زوجَتِه؟ قالَ: لا تمنعْهُ نَفسَها، وإن كانَت علَى ظهرِ قَتَبٍ ولا تَصومُ إلَّا بإذنِهِ، ولا تخرجُ من بيتِه إلَّا بإذنِه، فإن فعَلتْ لعَنتَها الملائكةُ حتَّى تموتَ، أو تُراجِعَ، قالتْ: يا نبيَّ اللهِ، وإنْ كانَ لها ظالمًا؟ قالَ: وإنْ كانَ لها ظالمًا” (صحيح).
ديننا الإسلامي دين يسر لا عسر، إلا أنه يرى أن المرأة كائن من شأنه أن يكرم، وهذا ما تجلى لنا في حكم عمل المرأة في مكان مختلط.