حكم القراءة من المصحف في الصلاة
حكم القراءة من المصحف في الصلاة عرفه الكثير من المتخصصين من علماء الفقه والشريعة الإسلامية، فالصلاة من أهم العبادات وأحد أركان الدين فهي عبادة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم وتكون بين العبد وربه، لذا من خلال منصة وميض سنوضح حكم القراءة من المصحف في الصلاة وكل ما يتعلق به من تفاصيل عبر هذا المقال.
حكم القراءة من المصحف في الصلاة
تعتبر من أهم القواعد الشرعية أن (الوسائل تأخذ حكم المقاصد)، فالمقصد من الصلاة في الإتيان بالفرض والوسيلة هي القراءة (دون مصحف – النظر في المصحف – التلاوة من المصحف)، لذا تكون القراءة من المصحف في صلاة الفرض والنفل صحيحة وجائزة شرعًا ولا كراهة فيها.
اقرأ أيضًا: حكم الأذان في أذن المولود
آراء الفقهاء في حكم القراءة من المصحف في الصلاة
عندما نود التعرف على حكم النظر في المصحف أثناء الصلاة نتطرق لذكر الآراء التي وردت من قِبل الفقهاء والأدلة الواردة عن كل منهم والرد على بعضها، وللتفصيل نذكر الآراء التالية:
1- مذهب الشافعية، والمفتي به في مذهب الحنابلة
للتعرف على حكم القراءة من المصحف في الصلاة يُذكر رأي الشافعية والحنابلة في قولهم تجوز القراءة من المصحف في الصلاة للإمام والمنفرد لا يفرق في ذلك بين صلاة الفرض أو النفل وبين المصلي الحافظ وغير الحافظ، وهذا هو الرأي المعتمد.
الدليل: ما جاء في صحيح البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم -ووصله ابن أبي شيبة في كتاب المصنف، 2/ 235، والبيهقي في كتاب السنن الكبرى، 2/ 253: “عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها كان يؤمها عبدها ذكوان ويقرأ من المصحف”.
2- مذهب المالكية
يرون أنه يجب أن يقوم آخذ الحكم بالتفريق بين كل من الصلاة المفروضة والصلاة النافلة أو السنة، ويكون حكمهم فيها هو الكراهة (في قراءة المصلي من المصحف وقت إتيانه بأفعال الصلاة) سواء كانت القراءة في الأول أو في الأثناء (الركعات التالية للأولى).
كما يكون الحكم بالكراهة ايضًا في صلاة الراتبة لأنها انشغال عن أفعال الصلاة، كما يجوز فيها أن يقوم المصلي بالقراءة في أولها من غير كراهة لوجود القاعدة الفقهية المؤكدة على ذلك (يغفر في النفل ما لا يغفر في الفرض) كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل، 1/ 345.
الرد عليهم: تكون الكراهة حكمًا واجبًا إذا كان الفعل عبثيًا يخرج المصلي عن آداء صلاته، لأن هذه الفعال تخرج المصلي عن الخشوع في صلاته، وفيما يخص القراءة من المصحف وقت الصلاة ليس من العبث ولكنه عبادة تم ضمها إلى عبادة أخرى ولا حرج فيها.
كل ما كان من هذا الباب فلا بأس أن يأتي به؛ وأصل ذلك: “ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خلع نعليه في الصلاة لَما أُوحي إليه أن فيهما قذرًا، كما رواه الإمام أحمد في مسنده (3/92)، وأبو داود في سننه (650) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه” وهذا جزء من الجواب على حكم القراءة من المصحف في الصلاة.
3- مذهب الأحناف
يرى الإمام أبو حنيفة أن قراءة المصلي من المصحف وقت الصلاة يقوم بإفسادها، وعلى رأيه هذا وافقه الإمام ابن حزم المتبع للمذهب الظاهري، وهذا رأيه في حكم القراءة من المصحف في الصلاة.
الدليل: ما أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، 655، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “نهانا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يؤم الناس في المصحف، ونهانا أن يؤمنا إلا المحتلم”.
الرد عليهم: المنع يكون في حمل المصحف وتقليب أوراقه عملًا كثيرًا مبطلًا للصلاة؛ أما الحمل: “فقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاملا أُمامه بنت أبي العاص، على عاتقه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها”.
الرد عليهم: أن حالة كون المصلي وقت صلاته يقوم بطي أوراق المصحف مباح وقت الصلاة ما ورد في الكثير من الأحاديث النبوية مما يسمح بعمل شيء بسيط وقت الصلاة، ولكون طي الورق من نفس العمل (القراءة) لا يلزم أن يصل الأمر بها إلى وصفه وكأنه عمل يخرج من الخشوع.
تعد حركات تقليب أوراق المصحف تحدث في أضيق نطاق لبعد الزمان بينهما، لكن وجد بعض العلماء حلًا بديلًا عن ذلك وهو وضعه المصحف على حامل طول المصلي بعد انشغاله بطي الورق أثناء الصلاة وهنا لا يحتاج إلى طي الأوراق.
اقرأ أيضًا: حكم الشرع في إقامة أم الزوج مع الزوجة
4- أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني الأحناف
يرى الصاحبان أن حكم قراءة القرآن من المصحف وقت الصلاة يكون مكروهة في كل الأحوال سواء أكان ذلك عند صلاة الفرض أو صلاة النفل، لكنهم لم يأخذوا برأي شيخهم في كونها تفسد الصلاة واكتفوا بالكراهة فقط لأنها عبارة عن اجتماع عبادتين في وقت واحد، وسبب الكراهة هنا أنها تقليد لفعل أهل الكتاب (حمل الإنجيل وقت قراءة الترانيم).
الرد عليهم: الرد على هذا الرأي أن حصول ما يكون من تقليد أهل الكتاب يكون من الأمور المحظورة على المسلمين حالة كون الفعل عن قصد منهم، وهنا نعود بالحكم على الأصل الشرعي (اعتبار قصد المكلف) للتعرف على تعمد الفعل من عدمه.
الدليل: ما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إِنْ كِدْتُمْ آنِفًا لَتَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ: يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ، فَلَا تَفْعَلُوا، ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا”.
هنا يعد القول “وكاد” دلالة في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه، وهنا لعدم تعمد الصحابة في الاتيان بفعل مشابه بأهل الكتاب خرج هذا الوصف عنهم شرعًا، والمصلي الذي يقرأ من المصحف لا يخطر بباله التشبه بهم فضلا عن قصده أو عن تعمد الإتيان بمثل هذه الأفعال.
5- رأي الإمام ابن نجيم الحنفي
يرى هذا الإمام أن تقليد أهل الكتاب لا يكون مكوهًا في كل الأمور، فنحن نشترك معهم في الكثير من المور الحياتية (الأكل – الشرب)؛ لكن الكراهة تأتي من تقليدهم في شيء مذموم كأكل المحرمات او شرب المنكرات، وهنا يجب تحديد قصد التشبيه المطلوب، كتاب البحر الرائق، 2/ 11.
6- رأي الإمام ابن قُدامة
للرد على حكم التلاوة من المصحف في الصلاة يرى كل من عطاء ويحيى الأنصاري وهم من الفقهاء المصنفون من السلف الصالح الحكم بجواز القراءة من المصحف في الصلاة سواء اكان ذلك للإمام أو المصلي منفردًا لا يختلف في ذلك بين صلاة فرض أو صلاة نفل وبين المصلي حافظ والمصلي غير الحافظ للقرآن الكريم، كتاب المغني، 1/ 336.
7- رأي الإمام الغزالي
يرى الإمام الغزالي أنه من الواجب على قارئ القرآن أثناء الصلاة أن يقوم بعمل بختم المصحف قراءته داخل الصلاة سبع مرات، كما يرى أن المصلي الذي ينظر في المصحف وقت الصلاة يكون فعله هذا من بابا العبادة، كتاب إحياء علوم الدين، 1/ 229.
8- رأي الإمام الزهريُّ
كان رأيه عندما سئل عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: “كان خيارنا يقرؤون في المصاحف” كتاب المدونة الكبرى، 1/ 288 – 289 وكتاب المغني لابن قدامة (1/335).
على ما تقدم يجب العلم ان قراءة القرآن من العبادة يندرج تحتها النظر في المصحف بدون صوت، وهنا عند الجمع بين عبادتين (الصلاة – قراءة القرآن) لا يأتى منه المنع من الفعل بل يعطي زيادة في الأجر لكون المصلي أتي بزيادة في عمل العبادة.
اقرأ أيضًا: حكم من حلف بِالطلاقِ ولم ينفذ
9- رأي دار الإفتاء المصرية
يعد رأي دار الإفتاء هو الرأي المأخوذ به من قبل المسلمين لكونهم المنوطين بسرد الرأي وحكمه فهم يذكرون في حكم الترتيل من المصحف في الصلاة سواءً أكان ذلك في صلاة الفرض أو النفل جائز شرعًا ولا كراهة فيه.
كما ينبغي العلم على أنه ما دامت المسألة الفقهية خلافية فالأمر فيها واسع وبه آراء كثيرة؛ لما وجد من قاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) ولا يجوز أن تكون حالة فتنة ونزاع بين المسلمين.
الصلاة من العبادات الأساسية عند المسلم، كما أن قراءة القرآن من العبادات الهامة أيضًا، لذا يكون الجمع بين العبادتين دون التفريط في أصول وثوابت كل منهما يزيد من حالة الإيمان والتقرب من المسلم تجاه ربه.