حكم رفع اليدين في الدعاء
حكم رفع اليدين في الدعاء له أدلة كثيرة، حيث إن الله تعالى قد جعل لنا في رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أسوة حسنة، فالأخذ بالأحاديث النبوية الصحيحة والحسنة، هي التي تُحصّن من فتن الدنيا والدين.
الدعاء لله عز وجل له آداب يجب على المسلم الإلمام بها لكي يُتقبل منه، لذا سوف نتطرق إلى عرض حكم رفع اليدين في الدعاء من خلال موقع وميض.
حكم رفع اليدين في الدعاء
الدعاء هو العبادة الأعظم التي قد يحصل على فضلها المسلم، فالتضرع يزيد من تقرّب العبد لله تعالى، فالله تعالى يحب إلحاح العبد وأن يتم الطلب منه والعلم أنه وحده سبحانه وتعالى قادر على تنفيذ ما يريده العبد في الدنيا أو الآخرة، وذلك ما يتطلب من العبد معرفة أحكام الدعاء في الشرع وكيفية قبوله.
فقد أوضح فقهاء الدين حكم رفع اليدين في الدعاء، بأنه من الأمور الجائزة والمسموحة، فعن الرسول عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: “إن الله حيي يستحي من عبده إذا مدَّ يديه إليه أن يردهما صفراً” [حديث صحيح الترمذي].
ذلك خير دليل على أن الله تعالى يتقبل من العبد الدعاء إذا رفع يديه، وأن الدعاء يزداد برفع اليدين، فهناك حديث آخر من السيرة النبوية يدل على أن رفع اليدين عند الدعاء من الأمور الجائزة والمستحبة أثناء التضرع إلى الله تعالى.
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال“ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ”. [حديث صحيح مسلم].
فالسنة النبوية هي الميثاق الذي يسير عليه العبد المسلم، كما أن هناك بعض الأقوال للأئمة والفقهاء التي تخص مواضع رفع اليدين عند الدعاء، فهناك بعض المواضع التي لا يحتاج فيها العبد المسلم لرفع يديه، ويجب عليه علمها، وسنتطرق إلى عرضها في الفقرات التالية.
اقرأ أيضًا: كيفية صلاة الوتر ثلاث ركعات
مواضع رفع اليدين أثناء الدعاء
بعد معرفة حكم رفع اليدين في الدعاء، نتطرق إلى عرض بعض النقاط الهامة عن ذلك الأمر في الشرع، حيث قد أشاد العلماء أن هناك بعض المواضع التي يحتاج فيها العبد لرفع يديه أثناء الدعاء، والتي تتمثل في النقاط التالية:
- دعاء الاستسقاء: حيث قد خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام لصلاة ركعتين استسقاء يوم الجمعة ورفع يديه يدعو الله تعالى.
- دعاء الحاجة.
- الدعاء العارض.
- دعاء خطبة الجمعة.
- الدعاء بعد الصلاة.
بينما قد ذُكر عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن هناك مواضع لم يقوم فيها برفع يديه، ولا يأثم المسلم بعدم اتباعها لكننا نحتذي برسول الله عليه الصلاة والسلام، وتتمثل تلك المواضع في السطور التالية:
- لم يكن يرفع رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يديه في الدعاء ما بين السجدتين.
- لم يرفع نبينا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ يديه في الدعاء بعد الفرائض الخمس.
رأي الفقهاء في رفع اليدين في الدعاء
قد وضع العديد من الفقهاء آرائهم بخصوص حكم رفع اليدين في الدعاء، لذا سوف نتطرق إلى عرض تلك الآراء فيما يلي:
1ـ رأي الإمام الهيتمي في رفع اليدين في الدعاء
من ضمن الآراء التي أشاد بها الهيتمى هي حكم رفع اليدين أثناء الدعاء، وأشار بأنه من السنة النبوية عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والذي يكون في الصلاة، خاصةً صلاة الاستسقاء، ومن شيم المسلم هي اتباع سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
2ـ رأي الرحيباني في حكم رفع اليدين في الدعاء
قد أشاد الرحيباني بأن من السنة والمشروع رفع اليدين أثناء الدعاء في الصلاة، سواء بين الأذان والإقامة أو عند الانتهاء من الصلاة، كما أوضح أن رفع اليدين في صلاة الخطبة تكون مشروعة في صلاة الاستسقاء فقط.
3ـ رأي الألباني في حكم رفع اليدين في الدعاء
قد خالف الألباني رأي الفقهاء في حكم رفع اليدين عند الدعاء، وأشاد بذلك بأنه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يذكر أحدًا عنه أنه قد قام برفع يديه أثناء الدعاء، وأن ذلك الأمر يعد من البدع.
اقرأ أيضًا: الدعاء للميت من الكتاب والسنة
آداب الدعاء
بعد معرفة حكم رفع اليدين في الدعاء، فهناك بعض النقاط التي أمرنا بها نبينا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ والله تعالى بخصوص الدعاء في الإسلام، والتي تتمثل في بعض الآداب الواجب مراعاتها أثناء الدعاء، ألا وهي:
1ـ الوضوء واستقبال القبلة قبل الدعاء
أولى الأمور التي تجعل الدعاء مستجاب للمسلم هي أن يقوم الشخص ليتوضأ فيحسن الوضوء، ومن ثم يستقبل القبلة ويبدأ في الدعاء والتضرع لله عز وجل، وذلك اقتداءً بالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولا يأثم أو لا يقبل الدعاء بسبب ذلك الأمر، إنما هو مستحب.
2-بدء الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه
أحد آداب الدعاء التي تساهم في أن يتم قبول الدعاء واستجابته من الله تعالى، حيث علّمنا الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في سنته النبوية بأن من الأسباب التي تجعل الدعاء مقبولًا ومن تأدب العبد مع ربه غير رفع اليدين هي أن يبدأه بالحمد والثناء لله تعالى على أفضاله.
حيث إنه يبدأ بالألفاظ التي تليق بالله تعالى، فعن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال:
“سمعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدْعُو في صلاتِهِ فلمْ يُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَجِلَ هذا ثُمَّ دعاهُ فقال لهُ أوْ لغيرِهِ إذا صلَّى أحدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ ثُمَّ لَيُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثُمَّ لَيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ” [حديث صحيح النسائي].
3ـ الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في الدعاء
واحدة من آداب الدعاء والتضرع لله عز وجل بعد الحمد والثناء لله، هي أن يقوم المسلم بالصلاة على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأحسن صلاة أو التي يحفظها بنية صادقة، حيث إنها من الأمور التي تجعل الدعاء مستجاب كرفع اليدين.
كما أن العبد ينال بها أجر عظيم من الله تعالى، حيث إنه ينال فضل التضرع إلى الله تعالى ويزداد مقامًا عنده، بالإضافة إلى أخذ أجر الصلاة على النبي، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً؛ صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، وحطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ” [حديث صحيح الترغيب].
4ـ رفع اليدين أثناء الدعاء
إكمالًا لموضوعنا حكم رفع اليدين أثناء الدعاء، نجد أنها أحد آداب الدعاء، حيث إنها توحي بتذلل العبد إلى ربه عز وجل، والتذلل هنا لا يعني الحقارة ولا تأتي من الذل، لكنها تعني الخضوع والانقياد، وهو من آداب الدعاء.
التي تدل على أن العبد يعلم أن كل شيء بيد الله تعالى، وهو وحده مالك الدنيا بما فيه وقادر على أن ينفذ مطلبه الدنيوي أو الخاص بالآخرة، وهو ما قال الله تعالى عنه حسن الظن، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “قال اللهُ تعالى: أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ” [حديث حسن].
5ـ التوبة والاعتراف بالذنب
من آداب الدعاء التي تجعله مقبول لدى الله بإذن الله هي أن يعترف العبد بذنبه وأنه ارتكب الكثير من الأخطاء التي يعفو عنها الغفور الواسع الرحمة، حيث إنها من خلق الأنبياء عليهم السلام كذلك.
6ـ الإلحاح في الدعاء
أحد آداب الدعاء التي يحبها الله تعالى هي أن يكون العبد لحوح في طلبه منه، فلا يمل الله تعالى حتى يمل العبد كما قال في كتابه الكريم، لذا فالمواظبة على الدعاء وطلبه مرارًا وتكرارًا من الله تعالى بحسن ظن أنه سوف يستجاب من ضمن الأمور التي تجعل الدعاء مستجاب.
كما أنها توحي بصدق الرائي، وغايته في الطلب من الله وحده، فالطلب من غير الله مذلة، فالناس لا تُغير لكنها تُعيّر، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [سورة البقرة: الآية 186].
7ـ عدم الاستعجال لإجابة الدعاء
أحد آداب الدعاء التي تخص حكم رفع اليدين في الدعاء، هي ألا يتعجل العبد ربه لإجابة الدعاء، فيتحول إلى عبد قنوط يائس في الله والعياذ بالله، فعليه أن يكون متيقن بأن الله تعالى سوف يحقق له الخير في القريب، حتى وإن لم يرضيه.
فكثيرًا ما يغلق الله عز وجل الأبواب ليفتح أبوابًا أخرى واسعة للعبد، ويعلم حينها حكمة الله تعالى في تأخير إجابة دعوته، فادعُ الله تعالى وتيقن بقرب الإجابة، بالإضافة إلى أنها من أسباب إجابة الدعاء التي أخبرنا بها نبينا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.” [حديث صحيح البخاري].
8ـ لا يحتاج الدعاء إلى التكلف
من ضمن الأمور التي يجب على المسلم علمها، هي أن الله تعالى قريب لجميع العباد، ويتقبل الدعاء بأية لغة أو لهجة، فهو العظيم مالك الكون بأكمله، ويمكنه أن يعلم ما في قلب العبد دون حاجة إلى نطقه بالشفاه.
لذا لا يجب عند الدعاء البحث عن الألفاظ المنمقة أو المرتبة والتي تعطي السجع عند الحديث مع الله تعالى، حيث إنها من الأمور التي نصحنا نبينا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كذلك تجنبها.
فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “انْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ؛ فإنِّي عَهِدْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحَابَهُ لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ. يَعْنِي لا يَفْعَلُونَ إلَّا ذلكَ الِاجْتِنَابَ” [حديث صحيح البخاري].
اقرأ أيضًا: ما هي شروط الصلاة وأركانها
9ـ آداب الدعاء الأخرى مع رفع اليدين
من ضمن آداب الدعاء الأخرى التي يجب أن ينتبه لها المسلم أثناء رفعه يديه في الدعاء، هي أن يكون الدعاء صادق من قلبه، ونياته حاضرة، فلا يرفع يديه بدعاء غير نابع من قلبه أو غير متيقن في إجابته، وعليه العلم أن حضور القلب يجعل دعائه مستجابًا.
بالإضافة إلى أن الصوت أثناء رفع اليدين من الواجب أن يكون خافتًا، فلا يكون عاليًا بشدة كما نرى ما يفعله البعض عند رفع اليدين بالدعاء، ولا أن يكون خافتًا، بحيث يمكن للإنسان أن يسمع صوت نفسه، فهو من أعظم الإيمان والتأدب مع الله تعالى.
فقال عز وجل في كتابه الكريم: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) [سورة الأعراف: الآية 205] فاخلص في دعائك وتضرع إلى الله تعالى بأدب ليستجيب لك.
إن حكم رفع اليدين في الدعاء بالإسلام جائز، وهو من أحد آداب الدعاء التي تجعل العبد متأدبًا مع الله تعالى وتجعل من الدعاء مستجاب بإذن الله.