مراقبة الله في السر والعلن
مراقبة الله في السر والعلن هي السراج الهادي الذي يُنير الطريق لمن كان مسئولًا سواء في تعامل الإنسان مع الناس أو في خلوته وهي تدل على قوة إيمان العبد، فعندما يتيقن بأن الله يراه في كل مكان وزمان يبتعد عن جميع الفتن والمعاصي التي تؤدي لخسارته في الدنيا والآخرة، وكل هذا يعود على الإنسان بالتقوى وجني ثمار ذلك العبادة العظيمة، كل هذا وأكثر سوف نقدمه من خلال منصة وميض.
مراقبة الله في السر والعلن
يقصد بمراقبة الله -عز وجل- أن يكون الإنسان على يقين من أن الله مطلع على كل ما يظهره ويخفيه فهو العليم الخبير الذي يعلم جميع الأفعال التي يرتكبها الإنسان سواء كانت أعمال صالحة أو طالحة، وهو أيضًا خبير بكل ما يدور بداخل الإنسان، فالله هو السميع البصير الذي يسمع كل صوت يدور داخل الإنسان وتوسوس به نفسه ويبصر كل ما يفعله الإنسان في حياته.
ذلك يتضح في قول الله تعالى: “يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ“، فمعية الإنسان وشعوره بمراقبه الله من أهم ما يقرر مصير الإنسان سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة.
كلما ذكر المؤمن اسم ربه الرقيب كلما زادت خشيته منه وزاد حيائه مما هو عليه والتقصير في حق الله عز وجل، وغاب عنه الرجوع إلى الله وطلب عفوه، حتى يستحضر في ذهنه أسماء الله الحسنى كالكريم، الغفور، الرحيم، التواب، فكل اسم من هذه الأسماء له وقع خاص على قلب العبد المؤمن.
فالرقيب: هو الذي لا يغفل عن شيء في مُلكه ولا يعجزه إحصاء أنفاس خلقه، وهو المطلع على كل شيء والشاهد في السر والعلن، فمراقبة الله في السر والعلن من الأفعال المحمودة التي من شأنها أن تصف المؤمن بدرجة عالية من الإيمان والنصح، فكلما زاد إيمان العبد كلما زادت مراقبته لله والعمل على اِتباع أوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى:
“وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ“، وقال: “يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُور”، ففسر ذلك ابن كثير فقال: يخبر الله تعالى عبادُه عن علمه بكل شيء صغيرها وكبيرها ليحذر الناس علمه فيهم فيستشعرون مراقبة الله فيستحوا من الله ويتقوه.
استشعار العبد المؤمن مراقبة الله في السر والعلن من خلال تدبره لبعض الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية بأن الله رقيب عليه وعلى أفعاله، وهو العالم بجميع أحواله فيصبح الإنسان محاطًا بشعور المراقبة، سواء عند تأدية العبادة أو الإخلاص في عمل يقوم به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، وقال أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: “اتق الله حيثما كنت” والمقصود من اتقاء الله في السر والعلانية هي مراقبة الله في سرك وفي خلوتك، كما تراقبه في العلانية في التعامل مع الناس، وترجع الأسباب المعنية لمراقبة الله عز وجل فيما يلي:
- مصاحبة الصالحين والبعد عن أصحاب السوء فخير صاحب هو من يعين صاحبه على ذكر الله وتذكيره بمراقبة الله له، فإذا نسى أو تغلبت عليه المعاصي يذكره بالنصيحة.
- مجاهدة العبد لنفسه على ترك المعاصي لأن النفس أمارة بالسوء، وهو ما يحمل العبد مشقة كبيرة، ولكن الفوز برضا الله عز وجل ودخول الجنة هو أعظم جزاء ويستحق المشقة والتعب.
- حسن التدبر في القرآن الكريم وفهم معانيه، فعند تدبر العبد المؤمن لآيات الله يزداد إيمانه بأن الله معه وأقرب إليه من حبل الوريد، واستشعار العبد بهذا القرب الشديد بينه وبين ربه يدفعه إلى أنه لا يغفل عن أن الله سبحانه وتعالى الرقيب أنه يعلم الجهر وما يخفى.
اقرأ أيضًا: كيف يحقق الإنسان تقوى الله
ما هو فضل عبادة الله في السر؟
عبادة السر من أجمل الطاعات، حيث إنها مبنية على حسن المراقبة لله والإخلاص التام في العمل، وعدم النظر إلى المخلوقين، ولهذه قد أثنى الله على صدقة السر وبين عظيم فضلها فقال: “إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ“.
ذُكر أيضًا في الحديث عن السبعة التي يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله: “رجـل تصدق بصـدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنـفق يميـنه“، لذلك كان السلف الصالح يفضلون أن يكون للرجل عمل صالح يخفيه عن الناس كما يفضل أيضًا إخفاء النوافل من صوم ودعاء وتلاوة قرآن فقال الزبير بن العوام في هذا الشأن: “اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ“.
على النقيض من ذلك من أخفى الكفر في السر لمخادعه الله عز وجل ولم يراقبه فقد توعده الله بالعذاب يوم القيامة، ولقد ذم الله المنافقين والكفار في هذا الشأن فقال تعالى: “يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ“، ويرجع قيامهم بهذا إلى سوء ظنهم بالله عز وجل، واعتقادهم الخاطئ بأن الله لا يطلع على أسرارهم وأحوالهم.
اقرأ أيضًا: كلمات عن لذة القرب من الله
ثمرات مراقبة وتقوى الله عز وجل
مراقبة الله عز وجل تكسب العبد المؤمن رضا الله في الدنيا بتسهيل جميع أموره، وفي الآخرة بالفوز بالجنة والنجاة من عذاب النار، وذلك كما يلي:
- استشعار المؤمن مراقبة الله في السر والعلن تجعل العبد المؤمن لا يتبع نفسه في إرضاء غرائزه بالطريقة التي حرمها الله عز وجل.
- تجعل المؤمن يغض بصره كما أمره الله خوفًا من أن يسقط عليه غضب الله بالنظر للمحرمات.
- مراقبة الله تبعده عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن وتجعله أمينًا.
- من بين ثمرات مراقبة الله في السر والعلن الالتزام بالعبادة وتأديتها على أكمل وجه.
- يعوض الله العبد التي كل ما تركه في سبيل ارضائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منه”.
- تقوى الله في السر والعلن تحفظ للمؤمن أهله وماله والعمل الصالح بعد الموت، قال الله تعالى: “وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّـهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”.
- تقوى الله تكسب المؤمن هيبة ومكانة بين الناس، يقول يحيى بن معاذ: “من أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى”.
- المتقين لله في السر والعلن يرزقهم الله البصيرة التي من خلالها يكونوا قادرين على التفرقة بين الحق والباطل، قال الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَتَّقُوا اللَّـهَ يَجعَل لَكُم فُرقانًا وَيُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِر لَكُم وَاللَّـهُ ذُوا لفَضلِ العَظيمِ”.
- تقوى الإنسان سبب لقبول أعماله عند الله، فيقول الله عز وجل: “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”.
- المتقين ينالون مكانة عالية يوم القيامة، يقول الله عز وجل: “زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”.
- المتقين لا يخافون من كيد وضرر الأعداء، قال الله تعالى: “وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ”.
- الإحساس بمراقبة الله في السر والعلن تُحيي القلب الميت وتوقظ الضمير وتحرك دواعي الخير عند الإنسان.
اقرأ أيضًا: اجمل ماقيل عن التوكل على الله
في الآونة الأخيرة انتشرت العديد من الثقافات مُتأثرين بها الشباب، الأمر الذي يُسبب العديد من الأخطار لارتكابهم المعاصي وقلة ثقتهم في قدرة الله تعالى.