هل يعذب الميت بسبب الدين
هل يعذب الميت بسبب الدين؟ وما هو حكم عدم سداد الدين لعدم المقدرة؟ فإن الدَّين من الأمور التي تقيّد نفس المؤمن طيلة حياته، ويظلّ يسعى حتى يتم ردّ الحقوق إلى أهلها كما علمنا نبينا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لذا سنتطرق من خلال منصة وميض إلى الإجابة عن هل يعذب الميت بسبب الدين.
هل يعذب الميت بسبب الدين
قد قال تعالى في كتابه الكريم بخصوص الدَّين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا) [سورة البقرة: الآية 282].
أي أن الله ـ عز وجل ـ يوضح في كتابه الكريم ضرورة حفظ الحقوق، وأنه إذا اقترض شخص من آخر مبلغ من المال عليه أن يكتبه، وهو ما يخجل منه بعض الناس تلك الأيام، على الرغم من أنه شرع الله لكي يتم حفظ الحقوق، فهو الحافظ والغني.
على هذا فقد أجمع فقهاء الدين على أن الأولى فور وفاة الشخص أن يتم سداد الدين عنه، حتى لا يُعذّب بسبب عدم قضاء ذلك الدين كما أشار النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سيرته النبوية إلى أن الميت يحسابه الله تعالى في حالة كان عليه دين ومات، خاصةً إن كان قادر على ذلك، وبهذا تكون إجابة سؤال هل يعذب الميت بسبب الدين هي نعم.
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “نفسُ المؤمنِ مُعلّقةُ بدينهِ حتى يُقْضى“ [حديث صحيح المجموع]، كما أن هناك أحاديث نبوية أخرى سوف نتطرق إلى عرضها بخصوص ضرورة سداد الدين عن المتوفي.
اقرأ أيضًا: تفسير بكاء الميت في المنام لابن سيرين
أدلة عذاب المتوفي بسبب الدَّين
تعد السنة النبوية هي الميثاق الذي يسير عليه المسلمون، فمن أخذ بها لا يمكنه الشقاء في تلك الدنيا ولا أن تصيبه أية مشاكل أو أذى من النفس أو الناس، كما أن سيرته النبوية ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فيها العديد من الأجوبة للأسئلة التي قد تطرأ على بال المسلم المختلفة، من ضمنها سؤال هل يعذب الميت بسبب الدين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلمـ قال:
“أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يُؤْتَى بالرَّجُلِ المَيِّتِ عليه الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِن قَضَاءٍ؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى عليه، وإلَّا، قالَ: صَلُّوا علَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه الفُتُوحَ، قالَ: أَنَا أَوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أَنْفُسِهِمْ، فمَن تُوُفِّيَ وَعليه دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَن تَرَكَ مَالًا فَهو لِوَرَثَتِهِ.“ [حديث صحيح مسلم].
يوضح الحديث الشريف أن الإسلام قد حفظ حقوق الناس وحرص على أن يؤتى كل ذي حقٍ حقه، فقد رفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصلِ على شخص لم يترك من يسد عنه الدين، وهو ما يوضح أهمية أن يتم قضاء الدين عن المتوفي فور دفنه أو قبل دخوله إلى القبر.
بينما عندما أتاه الله عز وجل المال، قد سدّ الدين عن المتوفي، وقال إنه أولى بالمسلمين يسد عنهم الدين ويكون شفيعًا لهم في الدنيا والآخرة، ففي الحديث استنباط لضرورة سداد الدين.
بالإضافة لضرورة عدم التأخر في أن يتم رد الحقوق إلى أصحابها، وتحذير لما قد يلقاه الشخص من عذاب بعد الموت، وهو ما ظهر في إشفاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المسلمين.
حكم الشرع في عدم سداد الدين
بعد التعرف إلى إجابة سؤال هل يعذب الميت بسبب الدين، نتطرق إلى عرض حكم الشرع في الموت دون سداد الدين، وهو ما قد يتعجب منه القارئ، حيث إن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا إلا من مات وعليه دين لم يقوم بسداده، أو ترك من يسدده عنه.
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال بخصوص مغفرة الدين: “الْقَتْلُ في سَبيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شيءٍ، إلَّا الدَّيْنَ.” [حديث صحيح مسلم].
في الحديث توضيح صريح لإجابة سؤال هل يعذب الميت بسبب الدين، فالقتل والجهاد في سبيل الله ـ عز وجل ـ الذي يجعل الشخص شهيد، لا يكفر عنه ذنب عدم سداد الدين! وهو ما يوضح حكم الشرع في أمر الدين وضرورة سداد ما على الميت من حقوق للناس فور وفاته.
فيتم سداد الدين من خلال الإرث الخاص بالمتوفي، أو من المال الخاص لأبنائه وأفراد عائلته، وإن لم يتمكنوا ـ شرط أن تكون عدم المقدرة حقيقيةـ فيسقط من عليهم الإثم فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [سورة البقرة: الآية 286].
اقرأ أيضًا: الرقية الشرعية للعين والحسد والسحر والرزق مكتوبة
هل يجب تنفيذ وصية الميت بسداد الدين؟
من الأمور الطبيعية التي يفعلها الأبناء أو أفراد العائلة حبًا في المتوفي هي أن يتم تنفيذ وصيته، إلا أن عدم تنفيذ وصية المتوفي بسداد الدين ليست من الأمور الواجبة على الشخص، لكنها مستحبة لتخفيف العذاب عنه، فعن مالك بن ربيعة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول قد أوصى بأن من أشكال البر بعد وفاة أحد الوالدين هي أن يتم تنفيذ وصيتهما وسداد الدين عنهما.
رأي دار الإفتاء في دين الميت
قد أشادت دار الإفتاء بأن دين الميت في حالة كان معذورًا وليس لديه المال الكافي، فلا يوجد إثم عليه، ومن المستحب أن يتم قضاؤه عنه إن أتاحت الظروف، بينما في حالة كان الميت مؤخرًا لقضاء دينه بإرادته وعن عمد رغم حصوله على المال، ففي تلك الحالة يكون آثم، ويجب أن يتم سداد الدين عنه لتخفيف العذاب.
كما قد أوضح فقهاء دار الإفتاء شرح حديث نفس كل مؤمن معلقة، بأن التعليق المذكور في الحديث الشريف المقصود به هو أن يتم تعليقه كعقاب، والأمر الثاني والذي ذهب إليه أغلب الفقهاء هو أن يتم الأخذ من حسنات المتوفي مكان الديون المأخوذة من الناس ولم يتم سدادها.
اقرأ أيضًا: تفسير حلم النوم بجانب الميت وأراء مفسري الأحلام حول تأويل تلك الرؤية
قضاء دين الميت من مال الزكاة
استرسالًا في عرض إجابة سؤال هل يعذب الميت بسبب الدين، نتطرق إلى عرض نقطة هامة قد أوضحها فقهاء دار الإفتاء، ألا وهي إمكانية سداد دين المتوفي من مال الزكاة، حيث اتفق أئمة المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي على أنه لا يجوز سداد دين المتوفي من مال الزكاة.
حيث إن مال الزكاة لا يملكه الميت وقد قال الإمام الحصكفي رحمه الله “يشترط أن يكون الصرف تمليكًا لا إباحة كمار مر، لا يصرف إلى بناء نحو مسجد ولا إلى كفن ميت وقضاء دينه”.
بينما قد أجاز متبعي المذهب المالكي جواز سداد الدين بدفع مال الزكاة، وذلك استشهادًا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: “ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” [سورة التوبة: الآية 60].
يحرص دين الإسلام على حفظ حقوق الناس الشرعية والآدمية والمادية، وهو ما يجعل من سداد الدين عن المتوفي أمر واجب لتخفيف العذاب عنه بإذن الله.