هل يجوز الاعتكاف في البيت
هل يجوز الاعتكاف في البيت؟ وما هي الضوابط التي يجب الالتزام بها أثناء اعتكاف المرء؟ تزايدت مُعدلات طرح هذه الأسئلة بعدما تم الإعلان عن منع الاعتكاف في المساجد خلال شهر رمضان المُعظم في الفترة التي انتشر فيها وباء كورونا، وهو ما دفع الناس للبحث عن وسائل أُخرى، فهل يجوز الاعتكاف في البيت؟ يُجيبكم منصة وميض عن ذلك.
هل يجوز الاعتكاف في البيت؟
الاعتكاف في قواميس اللُغة العربية ومعاجمها هو العكف على أمرٍ ما والقيام به أو مُلازمته دون القيام بأي أمرٍ آخر بجانبه، والمرء إذا اعتكف على عبادة الله طبق المعنى الحرفي لهذا الفعل، عبادة الله والتقرب منه ولا شيء آخر، ويُمكن أن يكون الاعتكاف ساعة، يومًا وليلة، أسابيع، شهور وحتى سنين.
تم استنباط هذا المعنى للاعتكاف من القُرآن الكريم، فمعنى المُلازمة ورد في الكثير من الآيات مثل قول الله جل وعلا {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [سورة الأنبياء: الآية رقم 52].
لكن من الضروري أن يلتزم المرء بالضوابط والقوانين التي يصحبها هذا الاعتكاف، فهُناك شُروطٌ يُعد الخروج عنها إخلالًا بمبدأ الاعتكاف يتسبب في بُطلانه، ولكن قبل التطرق إلى الشروط والمُبطلات علينا الإجابة عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت أم لا؟
اتفق عُلماء الدين الإسلامي وفُقهاء الأمة بالإجماع على عدم جواز الاعتكاف في غير المسجد، فقد قال مُفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام إن سُنة الاعتكاف تسقط بفوات محله، فلا يجوز الاعتكاف في غير مكانه الذي هو المسجد، وما يُمكن القيام به في البيت هو الإكثار من الذكر وقراءة القُرآن الكريم وغيرها من العبادات.
هُناك الكثير من الاعتقادات السائدة حول الاعتكاف، وللأسف الغالبية العُظمى منها غير صحيح ومغلوط، وكون الاعتكاف للرجال أو الذكور فقط دونًا عن النساء يُعد واحدًا من أبرز هذه الاعتقادات الخاطئة والسائدة.
فللنساء المُسلمات حقٌ في الاعتكاف كالرجال أيضًا، والجدير بالذكر أن الإجابة عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت للنساء هي نعم، فعلى الرغم من كون الاعتكاف في المساجد جائزًا لهن إلا أنه في البيت أحب، وفيما يلي نتعرف على شروط الاعتكاف وضوابطه.
اقرأ أيضًا: الحكم الشرعي للعادة السرية لغير المتزوج
الاعتكاف… بين الشروط المُبطلات والموانع
هُناك العديد من الشروط والضوابط التي يجب توافرها في الشخص المُعتكف، وهي من الشروط اللازمة غير الكافية، ما يعني أن تحقق كُل منها يُعد أمرًا ضروريًا، ولكن تحقق أحدها فقط دون الآخر لن يكون كافيًا حتى يُصبح الاعتكاف صحيحًا، وتشتمل هذه الشروط على كُل ما يلي:
1- أن يكون المرء مُسلمًا
بعدما قُمنا بالإجابة بالمنع عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت وجب علينا التطرُق إلى الشروط، والشرط الأهم بلا مُنازع فيما يخص صحة الاعتكاف هو أن يكون المرء على دين الحق، يعبد الله ويوحده، ويشهد أن سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله إلى الإنس والجان، فالاعتكاف لا يصح لكافرٍ أو مُشرك.
2- سلامة العقل ورجاحة التفكير
لا بُد أن يكون قرار الاعتكاف والمكث في المسجد بنية التودد والتقرب من خالق الخلق سُبحانه وتعالى قرارًا صادرًا عن شخصٍ مؤهلٍ بكامل قواه العقلية وقُدراته الإدراكية، فلا يُمكن أن يعتكف مجنون أو من ليس بعاقل.
3- أن يبلغ المُعتكف سن التمييز
يعتقد البعض أن الاعتكاف لا بُد وأن يقوم به الشخص البالغ الراشد، ولكن في واقع الأمر يجوز الاعتكاف للمرء الذي بلغ سن التمييز، والجدير بالذكر أن هذا السن في الدين الإسلامي هو السن الذي يُصبح فيه الطفل قادرًا على الاستغناء عن أبويه في أداء الأمور اليومية الطبيعية كالملبس، المغسل، المأكل وغيرها.
وجب القول إن هذا السن اختلفت فيه أقاويل وآراء العُلماء بشكلٍ كبير، فهذا السن هو العُمر الذي يُدرك المرء فيه ويبدأ في التمييز، وهو بكل تأكيد يختلف من شخصٍ لآخر، ولكن قدره أبا حنيفة النُعمان بكونه سبعة أعوام بالنسبة للذكر، وتسعة للأُنثى.
اقرأ أيضًا: متى تكون ليلة القدر
4- أن يكون المُعتكف طاهرًا غير دنِسٍ ولا نجِس
من أهم الشروط التي يجب أن يُطبقها المُعتكف وأبرز ما نص عليه فُقهاء الدين الإسلامي هو الطهارة، فطهارة المرأة من دم الحيض والنفاس من الشروط الواجبة واللازمة حتى يكون الاعتكاف صحيحًا، فلا اعتكاف للسيدات بغير طهارة من هذه الدماء.
أما فيما يخص الجنابة فهي شرط البقاء في المسجد من الأساس في المقام الأول، فلا دخول إلى المسجد لمن على جنبه، فما بالك بالاعتكاف داخل المسجد، والجدير بالذكر أن المُعتكف إذا احتلم كان الغُسل عليه واجبًا، وبعدها يعمل على تكملة اعتكافه بشكلٍ سليم.
5- الاعتكاف في بيوت الله
كما ذكرنا أعلاه في الإجابة عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت أم لا أن العُلماء اتفقوا بالإجماع على عدم صحة اعتكاف الرجل في غير المسجد، ووصلوا إلى هذا الرأي من قول الله تبارك وتعالى {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة: الآية رقم 187]، كما لم يرد عن سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في غير المسجد.
الجدير بالذكر أن أحب المساجد للاعتكاف هي المساجد الثلاثة، فأولها المسجد النبوي، وثانيها المسجد الأقصى، أما ثالثها فهي المساجد التي يُصلى فيها الجماعة، ضرورة الاعتكاف في مساجد الجماعة كان رأي الحنفية والحنبلية، أما أهل المالكية والشافعية أقروا بكون الاعتكاف صحيحًا في أي مسجد، مع كون الأولوية لمساجد الجماعة.
6- صدق النية في الاعتكاف
ينبغي على المُعتكف أن ينوي الاعتكاف فور دخوله المسجد، فالنية هي أصل العبادات، ولا تصح أي عبادة بدونها بدون صدقها، ولكن رأى أهل المذهب الحنفي أن العزم للقيام بالعبادة والبدء بها نية، وهُم على عكس الشافعية الذين رأوا أن استحضار النية لازمًا.
كما حث العُلماء على نذر الاعتكاف في المسجد، وذلك في سبيل نيل أجر الاعتكاف المفروض وليس المندوب والمنذور، كما جاء على لسان العُلماء والفقهاء أن المرء إذا دخل المسجد عليه النذر بالاعتكاف طوال فترة بقائه فيه.
اقرأ أيضًا: هل يجوز للحائض الجلوس على سجادة الصلاة
7- مُدة البقاء في المسجد
بعد أن أجبنا عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت وجب علينا القول إن وجود مُدة مُعية يُعتبر من أهم الشروط التي أجمع عليها الفُقهاء لكافة المذاهب، لكن هذا الاتفاق اعتلاه اختلاف في تحديد الحد الأدنى من مُدة الاعتكاف، وهذه المُدة عند الحنفية يجوز أن تكون قصيرة.
لكن بالنسبة للمالكية فأقروا بضرورة بقاء المُعتكف في المسجد يوم وليلة، وذلك لاعتبارهم أن الصوم من الشروط الواجبة لصحة الاعتكاف، وجرت العادة أن يقوم أتباع هذا المذهب بالاعتكاف عشرة أيام على الأقل، وبالنسبة للحنابلة كان ما يُهم في مُدة الاعتكاف هو انطباق صفة اللبث في المسجد عليهم حتى ولو ساعة واحدة.
أما الشافعية فمُدة الاعتكاف لديهم يجب أن تكون أطول من زمن الطمأنينة في الركوع، فحينها ينطبق على المُعتكف لقب المُقيم، ولكن هُناك العديد من موانع الاعتكاف ومُبطلاته، يُعد أبرزها:
- السُكر وتناول المشروبات الكحولية الروحية.
- انقطاع نية الاعتكاف.
- مُمارسة العلاقة الزوجية الحميمة والجماع.
- ارتداد المُعتكف عن دين الله.
- الإغماء والجنون.
وُصِفَ الاعتكاف بكونه قطع المرء للعلائق عن كُل الخلائق والمواظبة على خدمة الخالق، ومن غير الطبيعي أن تقوم بقطع العلاقات والحديث مع أهل بيتك وأنت فيهم، فالأثر النفسي لهذا الأمر سيكون قمةً في السوء، وهو سبب الإجابة بالنفي عن سؤال هل يجوز الاعتكاف في البيت.