اقوال ابن القيم عن الاخلاق
كثيرًا ما يتم النظر إلى اقوال ابن القيم عن الاخلاق على كونها من صور المراجع التي يُستند إليها ويُحتذى بها لمن يرغب في التحسين من خُلقه، فيُعرف عن ابن القيم بلاغته اللغوية وتفقهه الديني الكبير، وفي واقع الأمر هُناك عدد كبير من المقولات الواردة على لسانه وفي مؤلفاته، فمن هو ابن القيم؟ وما هي أبرز مقولاته؟ نُعرفكم عبر وميض.
اقوال ابن القيم عن الاخلاق
كثيرًا ما يطرأ على مسامعنا اسم ابن القيم، ولكن القليل منا فقط هُم من يعرفون منه أكثر من اسمه، وفي واقع الأمر يُعتبر هذا الرجل من العُلماء الفُقهاء الذين يُمكن اعتبارهم مرجعًا في أصول الفقه، الدين وأبواب اللُغة، وقبل أن نتطرق في الحديث عن أشهر وأبرز اقوال ابن القيم عن الاخلاق علينا تعريفكم بهذا الرجل الذي خلد التاريخ اسمه.
أبو عبد الله شمس الدين مُحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي، أو كما يُشتهر ويُطلق عليه بكثرة ابن قيم الجوزية هو فقيه جليل ومُحدث كبير اختص بالتعمق في علم التفسير الخاص بقول الله الكريم في كتابه العظيم وقول رسوله صلى الله عليه وسلم الوارد في سُنته النبوية.
وُلِدَّ ابن القيم في السابع من صفر للعام 691 من الهجرة في إزرع، وهي مدينة من المُدن السورية التابعة لمُحافظة درعا التي تبعُد عن العاصمة السورية دمشق بحوالي 70 كيلو متر تقريبًا، وعُرف عنه مُنذ الصغر حُبه الشديد للعلم، فيتم النظر إليه على كونه عالمًا مُسلمًا مُجتهدًا.
على الرغم من كثرة الارتباطات الدينية الخاصة بابن القيم والتي مكنته من أن يكون أحد أبرز أئمة المذهب الحنبلي للإمام أحمد بن مُحمد بن حنبل الذهلي إلا أنه كان مُحبًا للُغة العربية، وألف الكثير من الكُتب الشعرية والمقولات الأدبية، ومن أبرز اقوال ابن القيم عن الاخلاق ما يلي:
- “إذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تُلْحِقْها بمثلها تُلْقِحها، ونسل الخصام مذموم“.
- “العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملًا يثقله ولا ينفعه“.
- “صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر“.
- “أوثق غضبك بسلسة الحِلم فإنه كلب إن أفلت أتلف“.
اقرأ أيضًا: أقوال الإمام علي عن الدنيا
أجمل ما قال ابن القيم عن الأخلاق
بالاطلاع على ما جاء في اقوال ابن القيم عن الاخلاق لا يُمكننا إلا أن نرى حُسن قُدرته البلاغية وبهاء أُسلوبه اللغوي، وهو ما يعكس مدى تمكُنه من اللُغة العربية بكافة أبوابها وآدابها، ما جعله يعمل على تطويعها كيفما شاء ومثلما شاء، ومن أبرز هذه الأقاويل وأحبها للناس كُل من:
1- الدين والأخلاق وجهان لعُملة واحدة
قال الإمام بن القيم “الدّين كله خُلق، فمن فاقَك في الخلق، فاقَك في الدّين“.
في هذا القول من اقوال ابن القيم عن الاخلاق نجد الربط البليغ الذي يتسم بالفهم والفقه بين الدين الإسلامي الحنيف وبين فكرة التخصل بالخصال الحميدة، وفي واقع الأمر هذه هي الرسالة الأولى والأبرز للإسلام بعد التوحيد بالله والإيمان به.
فقد جاء على لسان الصحابي الجليل أبو هُريرة رضي الله عنه وأرضاه في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع بتحديث الإمام الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ” [صحيح المسند].
2- أصول الخطايا وهادمات الأخلاق
ورد في مؤلفات العلامة ابن قيم الجوزية قوله:
“أصول الخطايا كلها ثلاثة: الكبرُ: وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحرص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسدُ: وهو الذي جرَّأ أحد ابني آدم على أخيه، فمن وقي شرَّ هذه الثلاثة فقد وقي الشَّرَّ، فالكفر من الكِبر، والمعاصي من الحرص، والبغي والظلم من الحسد“.
بالنسبة لفئة كبيرة من مُحبي الجوزية يتم النظر إلى هذا القول بكونه أجمل وأبرز اقوال ابن القيم عن الاخلاق، ففيه لخص كُل الخصال المذمومة التي ينتج عنها فيما بعد الخطايا.
من باب التمسُك بالأخلاق والخصال الحميدة حتى لا يهوى المرء وتزل قدمه في جحيم الدُنيا وهول الآخرة عليه بالابتعاد عما تم ذكره من أساسٍ لكُل الخطايا، وهي التي تُعرف بأُمهات الذنوب.
اقرأ أيضًا: قصة الصدق منجاة للأطفال
3- الكف عن الفضول نعم الأخلاق
تطرق ابن القيم إلى الحديث عن المداخل التي يُمكن للشيطان إغواء بني آدم والدخول إليهم من خلالها، مع العلم أنه رأى فضول المرء السبب الرئيسي في هلاكه وتغلب الشيطان عليه، وقد قال في ذلك:
“العين رائد القلب، فيبعث رائده لينظر، فإذا أخبره بحسن المنظور إليه تحرك اشتياقاً إليه وطلباً له، وكثيراً ما يتعب نفسه، ومن أرسله، فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته، وأكثر المعاصي إنما تتولد من فضول الكلام وفضول النظر وهما أوسع مداخل الشيطان”
هذا القول يُعد من اقوال ابن القيم عن الاخلاق التي على المرء اجتنابها، وحديثُنا هُنا عن الفضول، مع العلم أن ابن قيم الجوزية رحمه الله قسم الفضول إلى ستة أقسام واعتبرها من مداخل الشيطان للمرء وهي فضول الطعام، الكلام، مُخالطة الناس، الاستماع، المنام بالإضافة إلى النظر، وقال إن في تركها انشراح للصدر.
4- خالط من يشحذ أخلاقك ويُقومها
عبَّر ابن القيم عن صورة من أشد صور الفضول ضررًا وأثرًا على المرء على المدى القريب والبعيد، وهو ما يؤثر عليه سلبًا على كافة الأصعدة، وحديثُنا هُنا عن مُجالسة أصدقاء السوء ومُخالطة من لا يستحق المُخالطة، وقد قال في ذلك:
“وأما فضول (مخالطة الناس): فهو كون الإنسان لا يبالي بمن جالس وصاحب، فيجالس المؤمنين والمنافقين، والمطيعين والعاصين، والطيبين والخبيثين، بل ربما جالس الكافرين والمرتدين وخالطهم، قال ابن القيم: وفضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حرارة“.
في واقع الأمر يُعد هذا القول من اقوال ابن القيم عن الاخلاق السائدة والمُنتشرة إلى حدٍ كبير في يومنا هذا، فيرى البعض أنه من باب التسامح والتفاهُم مع الجميع وعدم خلق عداوات لا بُدَّ من مُجالسة من يُشابهك ومن يختلف عنك.
هذا يُعد من المبادئ المغلوطة إلى حدٍ كبير، فالجلوس مع العاصي سيُعلمك العصيان، ومُجالسة الخبيث ستجعلك خبيثًا في يومٍ من الأيام شئت أم أبيت، ووصف ابن القيم لها بالداء العُضال والجالب لكل الشرور كان في محله، فكم من صديق سوءٍ كان السبب في فساد عيش خليله وهلاكه.
اقرأ أيضًا: حوار بين شخصين عن الحياء
5- الحياء هو معيار سلامة القلب
رأى ابن قيم الجوزية كون شعور المرء بالحياء من أكثر الأخلاق والخصال الحميدة التي عليه التشبُث والتمسُك بها، وقد قسم الحياء إلى عِدة أقسامٍ وأنواع أبرزها الحياء من النفس، وقد قال في ذلك ما يتم اعتباره في يومنا هذا أبرز اقوال ابن القيم عن الاخلاق، وهو ما جاء على النحو التالي:
“على حسب حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحي كان الحياء أتم؛
أما حياء المرء من نفسه فهو ضياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، حتى كأن له نفسين يستحي بإحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحي من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر”
الحياء يُعد الخصلة التي تُبنى عليها كُل الخصال الحميدة ومكارم الأخلاق فيما بعد، فالحياء من الله يكُف المرء عن ارتكاب الذنوب والقيام بالمعاصي والفواحش، والحياء من النفس يجعلها عزيزة لنفسها عند النقص، ما يُمكن المرء من الوصول إلى مرحلةٍ من القناعة بأقل المُعطيات والتي تصل في الكثير من الأحيان إلى حد الدون.
من الجدير بالذكر أن العلامة ابن قيم الجوزية تتلمذ على يد إمام الإسلام وشيخه ابن تيمية، وقد تحصل على إثر ذلك على كمٍ كبيرٍ من العلم جعله يصل إلى ما وصل إليه من مكانة لدى أهل السُنة والجماعة بشكلٍ عام وأتباع المذهب الحنبلي على وجه الخصوص.