كيف يكون الابتلاء في النفس
كيف يكون الابتلاء في النفس؟ وما هي الحكمة من ابتلاءات النفس؟ فلا يتواجد إنسان إلا وقد مرّ بتجربة الابتلاءات الصعبة في الدنيا، سواء كانت في نفسه أو في أحبابه.
فمن أصعب أنواع الابتلاءات التي قد يمرّ بها العبد المسلم هي الابتلاء في النفس، لذا سوف نتطرق إلى عرض الإجابة عن سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس من خلال منصة وميض.
كيف يكون الابتلاء في النفس
تتمثل أشكال الابتلاء في النفس بجميع الأمور التي قد تطرأ على العبد المُسلم فتصيبه في أمور تخصه، وتحول حياته من حالة إلى حالة أخرى يتعجب لها، فقد قال تعالى في كتابه الكريم:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة، الآية: 155].
فمن أصعب أنواع الابتلاءات التي قد يصاب بها الإنسان في حياته هي ابتلاء النفس، ومن أشكال الابتلاء في النفس هي أن يُبتلى الشخص في صحته فيصيبه وعكة صحية شديدة عليه، أو أن يُبتلى الشخص في ماله ورزقه فيفقد تجارةً ما أو وظيفته.
فالابتلاءات من الأمور التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، لكي يعلم بها من يتبع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن طيب قلب ويختبر مدى حب الناس له وإيمانهم بقضائه وقدره، ومدى تمسكهم بالاستعانة بالله تعالى على الشدائد.
فقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [سورة البقرة، الآية: 214].
اقرأ أيضًا: تجربتي مع الاستغفار والعقم
هل الابتلاء عقاب من الله تعالى؟
إحدى النقاط الهامة الواجب علمها بعد الإلمام بكيف يكون الابتلاء في النفس هي ماهية الابتلاء، فمن شدة ما قد يلقاه العبد في حياته الدنيا من صعوبات أو مشاكل ابتلائية في النفس ووقوع في مصائب، قد يتطرق إليه الشيطان بالوسوسة بأن الله تعالى لا يحبه أو يبتليه لكي يعاقبه على ارتكابه لأمر ما فعله، وحاشاه سبحانه وتعالى أن يعامل العبد كالبشر.
فالبشر هي من تلقى الإساءة بالإساءة، والله تعالى يقبل الإساءة والذنب بالمغفرة والتوبة والعفو عن ذلات عباده، فهو يعلم أن الإنسان ضعيف وأنه يملك الدنيا والعالم ويمكنه القيام بما يريده كيفما يشاء، لكن من صفاته الرحمة التي ينساها الإنسان في وقت الابتلاء.
على هذا فإن الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد لأنه يحبه لا لأنه يعذبه، فكثير من الأحيان تكون الابتلاءات علامة وإشارة للعبد لكي يرجع إلى الله تعالى ويتوب عما يفعله، ولكي يعلم أنه وحده القادر على عزته أو ذله، ويتطهر من ذنوبه أو يغيّر من نمط حياته بالآونة الأخيرة.
حكمة ابتلاء النفس في السيرة النبوية
بعد التعرف على إجابة سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس، نتطرق إلى ذكر الحكمة من ذلك الابتلاء بالسيرة النبوية، فإن نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد علّمنا ذلك، ومن حسن إسلام المسلم التمسك بتعاليم الدين الإسلامي والرسول الكريم.
فعن محمود بن لبيد الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ إنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُم، فمَن رضيَ فلَهُ الرِّضا، ومَن سخطَ فلَهُ السَّخطُ” [حديث جيد ابن مفلح].
فالله تعالى يبتلي العبد الذي يحبه ويعد الابتلاء تذكر من الله تعالى للعبد، كأنه يقول أنا هنا وأعلم بما تمر به، ومن ضمن ما يؤكد على أن الابتلاء هو حب من الله تعالى للعبد، وتكفيرًا عن ذنوبه لترتفع درجته لديه.
هو حديث نبوي شريف يوضح أن أشد الناس ابتلاءً كانوا الأنبياء، وهو ما يؤكد أن ابتلاء النفس ليس بعقاب من الله تعالى بل رحمة وتذكر، فعن محمد جار الله الصعدي ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ” [حديث صحيح النوافح العطرة].
أي أن الله تعالى جعل ابتلاءات ومصائب الدنيا من الكفّارات عن الذنوب، التي تمحو سيئات العبد وتجعله أقوى دينًا وإيمانًا بالله تعالى، فالأمثل هنا في الحديث الشريف تعني “العبد الصالح”، أي أن من يصبه ابتلاء في نفسه بتلك الدنيا فهو عبد صالح بالنسبة لله تعالى ويحبه لهذا ابتلاه.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع العرعر للسحر
فضل ابتلاءات النفس
استرسالًا في الإجابة عن سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس، فقد يتعجب البعض حينما يسمع أن للابتلاءات في النفس بالدنيا فضل كبير على العبد المُسلم في حياته ومماته.
حيث إن الله تعالى جعلها لسبب وحكمة ولا تصيب سوى العبد الذي يحبه الله تعالى كما سبق الذكر، لذا سوف نتطرق هنا إلى عرض فضل ابتلاءات النفس، لكي يحمد العبد الله تعالى فيها:
- الابتلاء يجعل العبد البعيد عن ربه أو العبد ذو الإيمان الضعيف، أكثر إيمانًا وقربًا من الله تعالى، فالابتلاء هو الأمر الذي يذكر العبد بربه ويجعله يدعوه ويتضرع له لكي يسانده أمام تلك المحنة.
- الابتلاء هو المُكفّر لذنوب العبد المؤمن، لكي يخفف عنه ميزان سيئاته يوم القيامة، فإن العبد بعد الابتلاء تجده يمشي على الأرض وهو خالٍ من الخطايا التي ارتكبها في أيامه السابقة.
- يمكن للابتلاء أن يكشف للعبد أنه يسير في الطريق الخاطئ، ويجعله ينتبه للتوقف عند ذلك الحد.
- الابتلاء في النفس يجعل العبد قادر على تحديد من يحب له الخير ويبتعد عمن يريد به شرًا، ويجعله لا يغضب الله تعالى من أجل عبد مثله أبدًا مرة أخرى.
- تُصغّر الابتلاءات في النفس حجم الدنيا بعين المؤمن، فيعلم أنها فانية ويتذكر ألا يجعلها تؤثر على نفسه بالسلب.
- الابتلاءات في النفس تجعل العبد ينظر إلى علاقته بربه، وبالأشخاص من حوله، فيتوقف المُقصر عن تقصيره، ويزيد المُحب من التعبير عن حبه.
الحكمة من الابتلاءات المتتالية “المصائب لا تأتي فرادًا”
في بعض الأحيان قد يمر الإنسان بفترة عصيبة للغاية، يتتابع فيها الابتلاءات في حياته منها ما يصيب نفسه ومنها ما قد يكون في رزقه أو ماله أو أية أنواع من الابتلاءات أخرى، وهو ما يجعل العبد غير قادر على فهم الحكمة من ذلك، فالله تعالى قادر على وقف تلك الابتلاءات.
إلا أنه سبحانه وتعالى يكون له حكمة من ابتلاءات النفس المتتالية أو الابتلاءات المتتابعة، ففي بعض الأحيان قد يمر الإنسان بابتلاء يراه عظيم وكبير من وجهة نظره، كأن يرسب في امتحان هام بالنسبة له، ومن ثم لا تمر أيام أو ساعات ويتعرض الشخص لابتلاء جديد.
لكنه يكون أكبر أو أشدّ وقعًا على نفسه، فقد يتعرض لوعكة صحية شديدة، تجعله غير قادر على الحركة، أو يمر بحادث سير ما وينقذه الله تعالى منه، فيجعل الابتلاء الجديد الشخص ينسى الابتلاء السابق الذي كان أكبر بالنسبة له، ويحمد الله تعالى على نجاته، ويفكر فيما بعد بطريقة إيجابية في حياته.
فبدلًا من الشعور باليأس وعدم المحاولة مرة أخرى من أجل الدخول في الامتحان، يخرج الإنسان من الابتلاء مستعد لمواجهة تلك المشكلة البسيطة في حياته بنفس راضيةٍ وقادرة على المرور بسلام من تلك الأزمة، وذلك لأن الله تعالى فضّله فأصابه بابتلاءات متتابعة.
ابتلاء النفس يطهر الإنسان في السنة النبوية
وضع نبينا الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ العديد من الأمور التي توفر للإنسان الإجابة عن مختلف تساؤلاته الدينية، من ضمنها سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس.
فقد أوضح النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في سيرته النبوية الحكمة من الابتلاءات التي يصيب بها الله تعالى النفس، وعلّمنا أن أعظمها هي أنها تتطهر ذنب الإنسان، حتى يمشي على الأرض كمن لا ذنب له، وهو ما يجعل الابتلاء خير من الله تعالى.
فعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ سُئِلَ رسولُ اللهِ أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً قال الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ يُبتَلى الناسُ على قدرِ دِينِهم فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئةٌ” [حديث صحيح الترغيب].
اقرأ أيضًا: تجربتي مع سورة العاديات
الفرق بين الابتلاء والعقاب
بالحديث عن إجابة سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس، نتطرق إلى عرض نقطة هامة من الواجب أن يعلم العبد المسلم بها، والتي تتمثل في أن يعلم الفارق بين الابتلاء والعقاب، فعقاب الله تعالى شديد ولا يمكن أن يتشابه مع ابتلاء النفس.
حيث إن ابتلاء النفس فيه فضل من الله تعالى على الإنسان بتكفير الذنوب، والتقرب إلى الله تعالى، بينما يكون عقاب الله تعالى بأن يبتعد الإنسان لا قدر الله عن الطرق الصحيح، فيقوم بارتكاب الذنوب والمعاصي دون مراعاة لذكر الله.
أي أنه من أشد أنواع العقاب من الله تعالى على الإنسان في حياته، هي أن يظل مستمر في ارتكاب الأخطاء والذنوب، أو يكمل السير في الطريق الخاطئ دون أن يجد ما ينبهه ويحذره من ذلك، فيظل يغترف من السيئات والعياذ بالله.
بهذا يتضح أن ابتلاءات الله تعالى من فضله علينا وأنه سبحانه وتعالى لا يبتلي سوى العبد الذي يحبه، ويرغب في أن يعلو شأنه لديه ويعود بأدراجه إلى طريق الله تعالى فهو الأصحّ له، حتى وإن شعر بالحزن في البداية.
آداب التعامل مع ابتلاءات النفس
بعد التعرف على إجابة سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس، نتطرق إلى عرض شق هام في هذا الصدد، ألا وهو آداب التعامل مع ابتلاءات الله تعالى، والتي تكون في البداية بمعرفة أن الله تعالى لا يأتي سوى بالخير فهو رب الخير كله، وأن يتم إحسان الظن بأن الله تعالى قادر على انتشالك من ذلك الابتلاء.
ففي النهاية لن يصيبك سوى ما هو مكتوب لك في تلك الدنيا، فلا تُلقي بسبب الابتلاء على الحسد أو ارتكاب الذنوب أو أية أمور أخرى سوى القضاء والقدر، فمن حسن إسلام العبد هو إيمانه بقضاء الله تعالى وقدره، والصبر على ما يمر به من مصائب واحتساب أجره عند الله.
فعن صهيب بن سنان الرومي ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.” [حديث صحيح مسلم].
حيث يؤكد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في ذلك الحديث على أن كل ما يأتي من الله تعالى في الدنيا هو خير للمسلم، حتى وإن لم يفهم الحكمة من ذلك، فعليه الصبر في حالة أصابته ضراء في الدنيا، والشكر لله تعالى في حين رأى قدره الحسن في الدنيا.
فلنا أسوة حسنة في ابتلاءات الأنبياء عليهم السلام عندما أصابتهم المصائب والابتلاءات في النفس والأبناء، ولنا مثال يُحتذى به عن الصبر وأجره عند الله تعالى في نبينا أيوب ـ عليه السلام ـ.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع سورة الضحى
هل الحزن عند الابتلاء جزعًا؟
من الأمور الهامة الواجب توضيحها إكمالًا للإجابة عن سؤال كيف يكون الابتلاء في النفس، هي الفرق بين الرض والجزع، فقد أوضح فقهاء الدين أنه لا علاقة بين الحزن عند الابتلاء في النفس والجزع وعدم الصبر، فهما شتان لا يتشابهان.
حيث إن الجزع هو السخط على أقدار الله تعالى، والتلفظ بالأقوال الغير حسنة في حق الله سبحانه وتعالى، وأن يتساءل العبد لماذا هو وهكذا، أما الحزن والبكاء أو تمني زوال الابتلاء فهو من حسن إسلام المرء.
فالتضرع إلى الله تعالى من أفضل أنواع العبادات ومن أحد أفضال الابتلاءات، وعلى هذا فلا يكون العبد آثم في حالة شكواه لله تعالى، بل يُجازيه الله تعالى عن تحليه بالأدب والصبر الخير، وسرعة رفع البلاء عنه، فحاشاه أن يُحاسب العبد على مشاعر هو من وضعها في قلبه.
ابتلاءات النفس من نعمة الله تعالى على عباده، فهي التي تقرب العبد من طريق الله ـ عز وجل ـ مرة أخرى، وتجعله يرى الدنيا على حقيقتها، فيخرج من الابتلاء أقوى إيمانًا وفكرًا.