الخوف من الفضيحة بعد التوبة
الخوف من الفضيحة بعد التوبة من المشاعر والهواجس التي تصيب من فعل ذنب ما، على الأخص إن كان من الكبائر، وعلى الرغم من ندمه إلا أنه يلزمه إحساس أن الله لا يحبه ولا يرضى عنه، وسوف نتناول الموضوع بالتفصيل في منصة وميض.
الخوف من الفضيحة بعد التوبة
الإنسان التقي يلزمه الخوف من الله في كل حينـ وعندما يغلبه الشيطان أو نفسه ويرتكب الأخطاء التي لا ترضي الله بالطبع يكون شعور طبيعي أنه يخشى من عقابه، لكن هناك من يعيشون حياتهم يظنون أن الذي انستر في الماضي يمكن أن ينكشف في الحاضر أو المستقبل.
لكن الله العزيز الكريم يقبل توبة عباده النصوحة التي لا كذب فيها، وذلك لأنه يعلم ما في قلب الإنسان وما في نفسه، ومهما أخطأ ثم عاد إلى طريق الهداية لا يمكن أن يفضحه أمام من حوله لأنه هو الستار.
لكن إن حدث هذا كنوع من أنواع الاختبارات التي يمكن أن يتعرض لها في الحياة الدنيا فعليه أن يصبر ولا يرجع إلى طريق الضلال مرة أخرى، فهناك أمور لا يمكن فهماها لأن الله هو عالم الغيب.
كما يُمكن أن يكون انكشاف أمرًا ما خير على العبد ليكتشف من يحبه حقًا، ومن يمكن أن يتركه إذا ارتكب الذنوب دون قصد، فالعبد يجب أن يحسن الظن بالله طيلة حياته فهو الرحيم وأوضح لعباده في كتابه لهم أنه الغفور الذي يغفر خطايا العباد مهما زادت.
ذلك حتى لو وصلت لعنان السماء دون الإشراك بالله، وهذا بالاستناد إلى نص القرآن
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
اقرأ أيضًا: هل يغفر الله الكبائر بعد التوبة
الثبات على التوبة
ما زلنا في موضوعنا الخوف من الفضيحة بعد التوبة، وفي هذه الفقرة نتطرق إلى أمر هام ألا وهو الثبات بعد التوبة، فإن لها تأثير كبير في ستر العبد بعدما فعل الذنب.
فعلى العبد أن يصبر ويبتعد عن كافة المغريات التي يتعرض لها من الشيطان، ومن أصحاب السوء من حوله، ففي فعل هذا جزاء عظيم، كما أن الصبر على شعور الخوف والقلق من عقاب الله والفضيحة والصبر عليه له جزاء عند رب العالمين.
فالله بشر العبد الصابر على ما سبق ذكره في القرآن وقال:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
فعلى المؤمن أن يتمسك بقرب الله ولا يفكر في ذنوبه الماضية بالخوف الذي يجعله يبتعد عن الله لأنه يطمئن قلبه، وقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].
هذه الآية هي نصيحة واضحة من الله لكل عباده المؤمنين به، لكنهم خطائين، فيعودوا ويثبتوا على الهداية والتوبة النصوحة، وهي الثبات على ابتغاء رضا الله لينالوا الجنة، ويوم القيامة يكون نورهم أمامهم حتى يثبتوا على الصراط المستقيم سائلين الله ألا يطفئ نورهم كما يزيل نور المنافقين الذين ضل سعيهم.
كيفية الثبات على التوبة
من خلال حديثنا الخوف من الفضيحة بعد التوبة نوضح لكم كيف يمكن للإنسان أن يثبت على التوبة حتى ينال رضا الله، فجميعنَا نعلم أن الرجوع إلى الذنب من أسهل ما يكون لكن آثاره على العبد تكون سيئة.
أما الثبات على الهداية يحتاج مجهود في مقاومة المغريات، فهو صعب على النفس، لكن في النهاية الجزاء هو الجنة بإذن الله، وحتى يستطيع أن يفعل الشخص هذا فعليه ما يلي:
- التوقف عن فعل الذنوب الصغيرة التي يراها العبد شيئًا عاديًا لأنها تكون الباب الذي يدخل منه الشيطان، ويجعله يفعل المزيد حتى يصل إلى الكبائر مجددًا.
- إذا تم فعل ذنب في لحظة ضعف يجب عدم اليأس من النفس والعودة على الفور إلى الاستغفار.
- المواظبة على الصلاة، لأنها من أساس صفات العبد الصالح، فلا يمكن أن يكون حريصًا على فعل الخير كله ولا يصلي، فهذا فيه إثمٌ كبير، كما أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وتهذب الإنسان.
- الاستماع إلى الدروس الدينية والمواعظ من أهل الدين المختصين، فهذا يجعل العبد يتعرف على الله أكثر.
- تقوية النفس وتذكيرها بآيات الله الكريمة التي بها كل النصائح الحقيقة.
- إلهاء النفس بالمشاغل الصالحة حتى لا يتم التفكير في الذنب مجددًا، فمن الممكن أن يمارس الإنسان نشاط ما مثل القراءة أو الرياضة.
- البحث عن الصحبة الصالحة، والتي تأخذ بيد الإنسان إلى الهداية والطريق الصحيح والثبات، وذلك بالتزامن مع تجنب صحبة السوء التي لا تريد إلا غضب الله، ولا تشجع من معها إلا على الذنوب.
- الصدق في التوبة ومُجاهدة النفس، وأن تكون الرغبة في الثبات نابعة من القلب.
- المشاركة في فعل الخير ومساعدة الفقراء ابتغاء رضا الله.
- الكثرة من الدعاء وطلب الثبات على التوبة والانتصار على شهوات النفس.
- الصدقات، فهي تُطهر المرء من ذنوبه.
اقرأ أيضًا: دعاء التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي
متى يكون هتك الستر
بعد تطرقنا إلى الحديث عن الخوف من الفضيحة بعد التوبة نجيب على سؤال هام يكون في أذهان الكثير من العباد، ألا وهو متى يفضح الله العبد المخطئ الذي فعل فاحشة، وهتك الستر يكون في الحالات الآتية:
1- هتك ستر الغير
كيف يأمل العبد الذي يفضح ذنوب غيره في أن يستر الله ذنوبه؟ فقد أوصى الرسول عليه الصلاة المؤمنين بعدم فضح الغير لأن هذا فيه ستر من الله على العبد.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله:
“من نفَّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبة من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه” [صحيح المسند].
2- أن يهتك العبد ستر نفسه
لا يمكن أن يستر الله العبد إذا كان هو من يتباهى بفعل المعصية دون أن يشعر بالخجل من الله العزيز، وهذا استنادًا إل الحديث الشريف فعن أبي هريرة قال:
سمعت رسول الله قال: “كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ وقد ستره اللهُ تعالى فيقولُ: عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه” [صحيح المسند].
3- انتهاء رصيد الستر
لكل إنسان رصيد للستر، فمن المهم بعد معرفة أن الله غفور أنه يمكن أن يشتد غضبه على العبد إذا كان يستمر في فعل الذنوب دون تذكر العقاب، فالستر من الممكن أن ينكشف عن الشخص في حالة أنه لا يتقي اليوم الذي يرجع فيه إلى الله ويتمادى في الخطايا.
اقرأ أيضًا: دعاء التوبة من الذنب المتكرر
دعاء الخوف من الفضيحة
في إطار موضوعنا الخوف من الفضيحة بعد التوبة ننوه إلى أن الدعاء شيء هام في حياة كل إنسان، ومن الضروري أن يتمسك به في السراء والضراء، وهذا مع طلب رضا الله ومغفرته بعد الوقوع في الفواحش، ومن أكثر الادعية التي يمكنها أن تلمس قلب العبد وتجعله في خشوع للمولى هي الآتية:
- ربي أنا العبد المذنب الذي يخطئ دون قصد أتيت على بابك راجيًا أن تغفر لي وتعفو عني، اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ألا تفضح ذنبي.
- اللهم إني أسألك بعزتك وكرمك أن تسترني فوق الأرض وتحت الأرض ويوم القيامة.
- اللهم لا تجعل ذنوبي وأخطائي سبب في منع استجابة دعائي وسبب في فضح أمري في الدنيا.
- اللهم أنت العليم بما في النفوس وتعلم ما في نفسي وما في قلبي فاغفر لي بفضلك وعفوك.
- اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ.
- اللهم إني أسألك بفضلك أن تستر ذنوبي عن أعين خلقك وأن تستجيب لدعائي وأن تثبتني على الصراط المستقيم.
- اللهم لا تقطع رجائي فيك ولا تجعل الذنوب تتملك قلبي، اللهم إني أسألك النور بصري وفي طريقي وأسألك أن تنجيني من وسوسة الشيطان ومن وسوسة نفسي.
- اللهم َاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك.
- اللهم إني أعوذ بك من الفضيحة ومن الذل ومن كسرة القلب، اللهم لا تغلق في وجهي أبواب رحمتك الواسعة.
- اللهم إني أسألك باسم الأعظم الذي إذا دعين به أجبت ألا تفضحني بين الخلق وألا تكشف ستري وأن تعفو عني ولا تعذبني بقي الدنيا والآخرة.
- اللهم لا تجعل ذنوبي سبب في انقطاع رزقي ولا حرماني من الجنة، اللهم إني وكلتك أمري فارزقني صلاح الحال والثبات على التوبة النصوحة.
- اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ.
الخوف من الفضيحة بعد التوبة من صفات العباد الاتقياء، فهُم من يخشون الله حقًا، فإذا شعر الإنسان بالخوف من العقاب في الدنيا والآخرة فيجب أن يعلم أنه على طريق الهدايا، ومهما فعل لا يمل، بل يداوم على المجاهدة، لأن الله يحب التوابين والأوابين.