حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج
أين وردت آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج؟ ومن هم يأجوج ومأجوج؟ لقد ورد هذين الاسمين في أكثر من موضع من القرآن الكريم كما ورد ذكرهم في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة ولكن ما الذي يعنياه.
سنعرف من خلال منصة وميض ما هو المقصود من آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج، كما سنتعرف أيضًا إلى ما ورد في الأديان السماوية الثلاثة عن هذه القصة.
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج
إن آية (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج) هي الآية رقم ستة وتسعون من سورة الأنبياء وهي واحدة من علامات الساعة الكبرى، وتفسير الآية يشير إلى انهيار السد الذي بناه ذو القرنين ليحجب يأجوج ومأجوج عن الناس لأنهم كانوا قومًا مفسدين، يعيثون في الأرض فسادًا ولقد عانى منهم الناس وعانوا من أذيتهم لأمد طويل.
عندما تدنو الساعة سوف ينهار ذلك السد حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، يعني أنهم سوف يتناسلون بسرعة خاطفة لكي يسارعوا في نشر الفساد، حيث يبتعد عنهم المسلمون ويلجؤون إلى بيوتهم ومدنهم وحصونهم لكي يسلموا من فتنتهم وفسادهم.
لقد ورد ذكر فساد يأجوج ومأجوج في الآية الرابعة والتعين من سورة الكهف، حيث قال الله تعالى:
(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) [سورة الكهف: الآية رقم 94]
كما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج وذكر أنهم من علامات الساعة العشر، فعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أشرَف علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحنُ نتذاكَرُ فقال: (ماذا كُنْتُم تتذاكَرونَ؟) قُلْنا: كنَّا نتذاكَرُ السَّاعةَ فقال: (إنَّها لا تقومُ حتَّى ترَوْا قبْلَها عَشْرَ آياتٍ: الدَّجَّالَ والدُّخَانَ وعيسى ابنَ مَريمَ ويأجوجَ ومأجوجَ والدَّابَّةَ وطُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها وثلاثَ خُسوفٍ: خَسْفٌ بالمَشرِقِ وخَسْفٌ بالمَغرِبِ وخَسْفٌ بجزيرةِ العرَبِ وآخِرُ ذلك نارٌ تخرُجُ مِن قَعْرِ عدَنَ أو عَدَنَ أو اليمنِ تطرُدُ النَّاسَ إلى المَحشَرِ“
رواه حذيفة بن أسيد، وحدثه ابن حبان، المصدر: صحيح بن حبان، حكم الحديث: صحيح الإخراج.
اقرأ أيضًا: علامات يوم القيامة الكبرى بالترتيب
من هم يأجوج ومأجوج؟
لا يمكننا أن نتحدث عن آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج من دون أن نتطرق إلى الحديث عن قصة يأجوج ومأجوج من الأساس، لكي يتثنى للجميع معرفة كل ما يتعلق بقصة يأجوج ومأجوج، وفي الحقيقة لقد ورد ذكر يأجوج ومأجوج في كتاب التوراة وفي آيات القرآن أيضًا، كأفراد أو أراضٍ أو قبائل.
في سفر حزقيال رقم ثمانية وثلاثين جاء ذكر أن مأجوج هو شخص أما يأجوج فهي أرض وموطن ذلك الشخص، أما في سفر التكوين رقم عشرة جاء ذكر أن مأجوج هو رجل ولكن لم يأتِ أي ذكر ليأجوج، ولكن بمرور قرون أخرى عمدت التقاليد اليهودية إلى تغيير عبارة يأجوج ومأجوج التي سبق وجاءت في سفر حزقيال وسفر الرؤيا، وقالت بأن يأجوج ومأجوج جماعتين وليسوا شخصين.
إن أصل تسمية يأجوج ومأجوج يرجع إلى عدة آراء وأغلبها في التوراة يرى أن يأجوج هو شخص ومأجوج هي أرضه، وفي سفر حزقيال لم يتم تأكيد اسم يأجوج ومن الواضع أن مؤلف هذا السفر من أسفار التوراة لم يلقِ لهذا الأمر بالًا، ولقد بذلت الكثير من الجهود لمعرفة هوية اسم يأجوج ومأجوج دون جدوى.
في سفر التكوين رقم عشرة جاء أن مأجوج هو رجل وهو بن يافث بن نوح عليه السلام إلا أن ذكر يأجوج لم يأتِ، واسم مأجوج يحوي الكثير من الغموض ولكنه ربما يشتق من كلمة mat-Gugu الآشورية وهي أرض الجيج أي ليديا، كما قيل إنه تم اشتقاق يأجوج من مأجوج بدلًا من العكس وربما يكون اسم مأجوج هو رمز لمدينة بابل.
يأجوج ومأجوج في المسيحية
لقد جاء ذكر اسم يأجوج ومأجوج في الإنجيل المقدس في سفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي، وبالتحديد في الإصحاح العشرين بالآية رقم ثمانية
“وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ“
كلمة جوج وماجوج في هذه الآية تشير إلى الشيطان وأعوانه، أما في الأساس فهما ملكين للممالك الشمالية التي قامت بمحاربة إسرائيل منذ قديم الأزل ولقد تنبأ بهم سفر حزقيال، وتحدث عن هلاك هلاكهم والخراب الذي سوف يتعرضون إليه ولقد أتت هذه الآية حالة اسم دينونة الشيطان في الكتاب المقدس الذي تمت طباعته حديثًا.
يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم
تناولت سورة الكهف الحديث عن أربعة قصص مختلفة وهي قصة أصحاب الكهف وقصة أصحاب الجنتين، وقصة موسى والخضر وقصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج، ولقد قال الله تعالى:
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)
[سورة الكهف: الآيات 93:99]
تؤكد لنا هذه الآيات الكريمة حقيقة أن يأجوج ومأجوج كانوا قوم سوءٍ عاشوا في الأرض منذ دهر بعيد، وكانوا أهل شر وفساد وطغيان لا يستطيع أي شيء صدهم عن ظلمهم للناس لجبروتهم وقوتهم، وكان ذلك حتى أتى الملك ذو القرنين وكان رجلًا صالحًا، فشكى أهل البلاد له من ظلم وفساد يأجوج ومأجوج.
طلب أهل البلد من الملك ذو القرنين أن يقوم ببناء سد حصين بينهم وبين هؤلاء الطغاة ليحتموا ورائه منهم ولقد لبى مطلبهم بالفعل، فأقام ردمًا حصينًا منيعًا من قطع الحديد بين جبلين عظيمين ثم أذاب النحاس على ذلك الردم، وبذلك يكون قد حبسهم تحت الأرض ودحض شرهم على الناس وعن بلادهم، وأكدت الآيات الكريمة على أن يأجوج ومأجوج لا يزالان محصوران أسفل السد ولكن حتى أمد معين.
أما عن شكل يأجوج ويأجوج فلقد ورد عن خالد بن عبد الله بن حرملة عن خالتها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه من لدغة عقرب فقال: ” إنكم تقولون لا عدو وإنكم لن تزالوا تقاتلون حتى يأتي يأجوج ومأجوج: عراض الوجوه، صغار العيون، صهب الشغاف، ومن كل حدب ينسلون. كأن وجوههم المجان المطرقة“
ومعنى كلمة صهب الشغاف هي لون الشعر الأسود المشوب ببعض الحمرة، أما معنى جملة وجوههم المجان المطرقة فهي مجزئة، بمعنى أن المجن هو الترس ولقد شبه وجوههم بالتروس لأنها منبسطة، ووصف تدوريها بالمطرقة بسبب غلظتها وكثرة لحمها، أما معنى من كل حدب ينسلون فهي تعني أي أنهم من كل مكان عالٍ يخرجون بسرعة كبيرة لكي ينتشروا في الأرض ويعثوا فيها مفسدين.
اقرأ أيضًا: لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة
عدد يأجوج ومأجوج
في ظل الحديث حول آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، يجدر بنا الإشارة إلى أن تلك الآية تشير إلى كثرة عدد قوم يأجوج ومأجوج وسرعة تناسلهم، وذلك لكي يسهل عليهم نشر الفساد بسرعة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف – أراه قال – تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد “. فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة “. فكبرنا، ثم قال: ” ثلث أهل الجنة “. فكبرنا، ثم قال: ” شطر أهل الجنة فكبرنا“
رواه أبو سعيد الخدري، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.
كيف سيخرج يأجوج ومأجوج وما هو مصيرهم؟
عرفنا الكثير عن آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، ويجب أن نعرف أيضًا كيف سوف يخرج يأجوج ومأجوج من السيد الذي ساواه ذو القرنين وما هو مصيرهم المحتوم، وفي ذلك ورد عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إنَّ يأجوجَ ومأجوجَ يحفُرونَ كلَّ يومٍ حتَّى إذا كادوا يَرونَ شُعاعَ الشَّمسِ قالَ الَّذي عليهم ارجِعوا فسنَحفرُهُ غدًا فيعيدُهُ اللَّهُ أشدَّ ما كانَ حتَّى إذا بلَغت مُدَّتُهم وأرادَ اللَّهُ أن يبعثَهُم علَى النَّاسِ حفروا حتَّى إذا كادوا يَرونَ شعاعَ الشَّمسِ قالَ الَّذي عليهِم ارجِعوا فستحفُرونَهُ غدًا إن شاءَ اللَّهُ تعالى واستَثنَوا فيعودونَ إليهِ وَهوَ كَهَيئتِهِ حينَ ترَكوهُ فيحفُرونَهُ ويخرجونَ علَى النَّاسِ فيُنشِفونَ الماءَ ويتحصَّنُ النَّاسُ منهم في حصونِهِم فيرمونَ بسِهامِهِم إلى السَّماءِ فترجِعُ عليها الدَّمُ الَّذي اجفَظَّ فيقولونَ قَهَرنا أهْلَ الأرضِ وعلَونا أهْلَ السَّماءِ فيبعثُ اللَّهُ نَغَفًا في أقفائِهِم فيقتلُهُم بِها قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ والَّذي نفسي بيدِهِ إنَّ دوابَّ الأرضِ لتَسمنُ وتَشكَرُ شَكَرًا من لحومِهِم“
رواه أبو هريرة، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه، حكم الحديث: صحيح.
اقرأ أيضًا: فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وأهم السنن المستحبة
مكان يأجوج ومأجوج
اتضح لنا من خلال الاضطلاع على آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، أنهم لا يزالان في محبس أسفل السد المنيع الذي شيده ذو القرنين ولكن ما هو موقع هذا السد، وفي الواقع ليس معروفًا بالضبط أين يوجد فهناك من قال إنه يوجد خلف بلاد الصين، وهناك من قال إنه يوجد في جورجيا بجبال القوقاز على مقربة من أرمينية وأذربيجان.
كما قيل أيضًا أنه يوجد في نهاية شمال الكرة الأرضية لكن محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني قال: أنه قد حال بيننا وبين موضع يأجوج ومأجوج مياه عظيمة، إلا أن بعض المهتمين بمراجعة المصادر الغير إسلامية قد ذهبوا إلى أن السدين المائيين الذي ساوى بينهما ذو القرنين هما البحر الأسود وبحر قزوين.
هي بالتحديد الحدود التي تفصل فيما بين أوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا وأوسيتيا الشمالية التابعة لروسيا، ويوجد بينهما مضيقًا جبليًا يعرف باسم مضيق داريال.
من خلال التعرف إلى كل ما يخص آية حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، يمكننا التأكد من أن الله لم يبعث من يقوم بحجب شر هؤلاء إلا رحمة بالعالمين.