هل يقع الطلاق باللفظ دون النية
هل يقع الطلاق باللفظ دون النية؟ وهل يوجد له شروط؟ هذا ما يتردد بكثرة من الأزواج بسبب كثرة المشاكل الاجتماعية الواقعة بين الأسر فزادت نسب الطلاق، أيضًا بسبب العصبية المفرطة أحيانًا لبعض الأزواج، فيقول يمين الطلاق على زوجته أثناء المشاجرة دونما اعتبار لتوابعه، وحتى نعرف هل يقع الطلاق باللفظ دون النية، فنحن نحتاج إلى معرفة آراء الفقهاء في ذلك، ومن خلال منصة وميض سنعرف الإجابة الوافية حول الأمر.
هل يقع الطلاق باللفظ دون النية
الطلاق في الإسلام هو السراح أو الفراق وذلك وفقًا لقول الله تعالى:
(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: 229)
، والمقصود بالطلاق أن يحل الرجل عقد نكاحه مع زوجته، ولا يتحقق الطلاق إلا بشروط، وتتوقف هذه الشروط على الزوج والزوجة والتلفظ بالطلاق.
إذا نطق الزوج لفظ الطلاق دون النية فقد وقع الطلاق على زوجته، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء أن الطلاق يكون باللفظ حتى لو لم يكن بنيته الطلاق، حيث قال الخرقي: (وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه)، وقال بن قدامة شارحًا لقول الخرقي: (صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك).
أما إذا كانت نية الرجل أن يطلق زوجته لكنه لم يلفظ بالطلاق فلا طلاق عليه؛ لأن النية لا يقع بها طلاق ولا يقع بها أحكامًا من ناحية العقود، وذلك وفقًا لما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ تَعالى تجاوزَ عن أمَّتي، كلَّ شيءٍ حدَّثَت بِهِ أنفسَها، ما لم تَكَلَّم بِهِ، أو تعمَلْ) رواه أبو هريرة، مصدره صحيح النسائي.
استثنى الفقهاء، والعلماء طلاق الموسوس فهو لا يقع، فإذا ما كان ببال الرجل مجرد وساوس وتلفظ من قبيل الوسوسة فلا شيء عليه.. حيث قال صاحب التاج والإكليل في ذلك: سمع عيسى من رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك، ويقول للخبيث (يعني الشيطان): صدقت ولا شيء عليه.
شروط وقوع الطلاق شرعًا
يوجد لوقوع الطلاق شروطًا، وتكون إما متعلقة بالزوج أو الزوجة أو صيغة الطلاق، وسوف نعرض لكم في إطار موضوعنا هل يقع الطلاق باللفظ دون النية، شروط وقوع الطلاق بشيء من التفصيل.
1- شروط وقوع الطلاق للزوج
تتنوع شروط الطلاق المتعلقة بالزوج، وسوف نوضحها لكم في النقاط الآتية:
- أن يكون الزوج يرغب بالطلاق وفقًا لإرادته الشخصية وألا يكون هنالك من يجبره ويغصبه على الطلاق، فيجب أن يكون بإرادته هو لا إرادة غيره.
- أن يكون الزوج عاقلًا فيما يقول وينطق لأن الطلاق وفقًا لأقوال الفقاه لا يقع على السكران أو المجنون.
- أن يستعمل الرجل لفظًا يوضح معنى الطلاق وإلا فلا يكون هذا طلاقًا.
- يجب أن يضيف الطلاق إلى الزوجة بوصفها مثلًا كأن يقول فلانة طالق أو يعنيها بذكرها، أو عن طريق الإشارة إليها، مثل أن يقول في وجهها أنت طالق.
- أن ينطق الرجل لفظ الطلاق وهو يعلم معناه جيدًا، حتى إن كان هذا اللفظ باللغة الإنجليزية مثلًا، فإن لم يكن يعلم معنى الكلمة فلا يقع عليه الطلاق.
- يجب ألا يشك الرجل في طلاقه وأن يكون صريحًا في لفظه، والطلاق أيضًا يقع على الألفاظ المصحَفة، مثل كلمة تلاغ، طلاغ طلاك، تلاك، أو باستخدام أحرف الهجاء: ط، ا، ل، ق.
- إذا كان المطلق صبيًا فلا يقع حكم الطلاق.
2- شروط وقوع الطلاق للزوجة
يجب أن يتضمن الطلاق شروطًا تتعلق بالزوجة لكي يكون وقع الطلاق صحيحًا لا شك فيه، وسوف نعرض لكم الشروط فيما يلي:
- يقع الطلاق عندما تكون زوجته بالفعل بعقد قران صحيح وتحل له، فلا يقع طلاقًا في غير فترة الزواج، وكذلك المرأة في فترة عدتها لا يقع عليها طلاقًا.
- يجب أن يقع على المرأة الإشارة لها بالطلاق فيقال لها أنت طالق وإلا فلا يقع عليها الطلاق.
كيف يقع الطلاق شرعًا
يقع الطلاق شرعًا عن طريق اللفظ ولكن يكون بطريقتين إما الطلاق الصريح لفظه أو الطلاق الكنائي، وسوف نوضح لكم آراء الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة في الطلاق الصريح والكنائي، وذلك ضمن موضوعنا هل يقع الطلاق باللفظ دون النية.
أولًا: الطلاق الصريح
الطلاق الصريح من أنواع الطلاق الواقعة شرعًا، وقد ذهب فيه الفقهاء إلى ما يلي:
1- الشافعية والظاهرية
يرى الشافعية والظاهرية أن الطلاق الصريح يقع بثلاثة ألفاظ فقط، وهي الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم، وهي الطلاق، والسراح، والفراق، فهذه الألفاظ الثلاثة تحمل معنى الطلاق.
قال الله تعالى في سورة البقرة في الآية رقم 229:
(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
، وقال الله تعالى في سورة الطلاق في الآية الثانية:
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
2- المذهب الحنفي
وفقًا للمذهب الحنفي يرى أن لفظ الطلاق يكون به وبمشتقاته؛ لأنها ألفاظ متعارف عليها في الطلاق ويدركها الناس، مثل عليَ الطلاق، أو طلقتك، أو أنت عليَ حرام، أو أنت عليَ محرمة، أو أنا حرمتك عليَ.
2- المذهب الحنبلي
ذكر فيه مثل المذهب الحنفي حيث يقع الطلاق في لفظ الطلاق وفي لفظ مشتقاته فقط.
3- المذهب المالكي
يحدث الطلاق الصّريح عند المالكية بلفظ كلمة الطلاق، وأيضًا عن طريق ألفاظ الكناية المتعارف إليها.
ثانيًا: حكم الطلاق باللفظ الكنائي
اللفظ الكنائي للطلاق يمكن أن يحتمل منه الطلاق أو غير ذلك، وهذه الألفاظ مثل وبرية، أنت خلية، وحبلك على غاربك، وبائن، والحقي بأهلك، وهذه الألفاظ لا توضح الطلاق إلا حينما يقصده الزوج الذي قال اللفظ ومن الألفاظ الكنائية أيضًا سرّحتُك، فارقتك، أنت مسرَّحة، أنت مفارقة، اعتدِّى، الحقي بأهلك، استبرئي رحمك، أنت خليَّة، أنت مُطْلَقة.
سوف نعرض لكم فيما يلي رأي أصحاب المذاهب الأربعة في لفظ الطلاق الكنائي، وذلك استكمالًا لموضوعنا عن إجابة هل يقع الطلاق باللفظ دون النية.
1- الحنفية والحنابلة
قالوا إن هذه الألفاظ المكناة من الطلاق لا تقع إلا بنية المطلق، أو بالحال الواقع لذلك مثلًا إن كان في وقت غضب فيقع حينها.
2- المالكية والشافعية
عند المالكية والشافعية يقع الطلاق بحضور النية، وأما بالحال الواقع فلا يقع عندهم، فإذا قال الرجل كناية عن لفظ الطلاق في وقت غضب بعد ذلك أقسم أنه لم ينو الطلاق، فليس عليه شيء، وإن لم يقسم بذلك فيقع عليه الطلاق.
ثالثًا: حكم الطلاق بالإشارة
لا يقع الطلاق بالإشارة للشخص القادر على الكلام أما عند المالكية فيرون أنه يقع بشرط أن تكون الإشارة واضحة منه، وإن لم تكن واضحة فلا يقع عليه الطلاق.
أما جمهور الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة قد قالوا بجواز الطلاق بالإشارة للشخص الأخرس، استشهدوا في ذلك بقول الله تعالى:
(لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
رابعًا: حكم لفظ الطلاق للمزاح
يرى جمهور العلماء أن الطلاق إن كان مزاحًا فهو يقع؛ لأنه تلفظ بلفظ الطلاق دون حضور نيته، ولكن الطلاق يقع على اللفظ وليس على النية، لأنه حين لفظها كان عالمًا بما يقول، وعالمًا بمعنى لفظ الطلاق.
أنواع الطلاق في الإسلام
يوجد نوعين من أنواع الطلاق اتفق عليها جمهور العلماء وهذه الأنواع هي، طلاق البينونة الصغرى، وطلاق البينونة الكبرى، وسوف نعرض لكم بالتفصيل عنهم في الأسطر القادمة، في إطار موضوع هل يقع الطلاق باللفظ دون النية.
1- طلاق البينونة الصغرى
يكون عن طريق لفظ الزوج بالطلاق لزوجته مرة واحدة، سواء كانت باللفظ الصريح أو بألفاظ الكناية، فهذه تعد طلقة واحدة، ويمكن للزوج أن يردها إذا لم يمر على الطلقة ثلاث حيضات.
2- طلاق البينونة الكبرى
طلاق البينونة الكبرى هو أن يطلق الزوج زوجته ثلاث مرات ولكن في أوقات متباينة، وبعد أن يلفظ الطلاق في المرة الثالثة فلا يحل له أن يعود لها حتى تنكح زوجًا غيره.
الحكمة من مشروعيّة الطلاق
شرع الله -جل وعلا- لأمته الطلاق لحكمة منه، فالطلاق في بعض الأحيان يكون سببًا في حل المشكلات بين الزوجين، والحكمة من الطلاق هو المحافظة على المرأة وذهابها إلى بيت زوج آخر يلائمها ويقضي احتياجاتها.
إذا كان الزوجين في مرحلة وصلت إلى عدم إقامتهما لحدود الله، فالطلاق يكون حلًا لتلك المشكلة، حتى لا يغضبا الله جل وعلا، ولا يلحقا ضررًا بنفسيهما.
الطلاق اللفظي دون النية يقع على الزوج، لذلك على الأزواج أن ينتبهوا من تلفظهم بلفظة الطلاق، ويحافظوا على بيوتهم، وأن يتمالكون أنفسهم عند الغضب، حتى لا يندموا بعد أن يقع الطلاق.