هل تقبل توبة الزانية المتزوجة
هل تقبل توبة الزانية المتزوجة؟ وكيف تتوب المرأة الزانية؟ من المعروف أن الزنا واحد من أكبر الكبائر عند الله ومن الفواحش التي نهى الله الإنسان عنها سواءً كان رجلًا أم امرأة لما من الممكن أن يتسبب فيه الزنا من خسارة لمرتكبه في دنياه وآخرته.
سنعرف من خلال منصة وميض هل تقبل توبة الزانية المتزوجة عند الله أم لا تقبل، وكذلك الشروط التي يجب استيفائها لتكون التوبة مقبولة.
هل تقبل توبة الزانية المتزوجة؟
من يعرف الله حق معرفته لا يحتاج إلى أن يسأل هل تقبل توبة الزانية المتزوجة أم لا تقبل منها توبة أبدًا، فإن الله قد كتب على نفسه الرحمة فهو الرحيم الغفور الذي يقبل توبة عباده من كل وأي إثم عدا أن يشرك به فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك.
الأمر المهم هنا هو أن المرأة زانية أم غير زانية لا يهم فكلنا عصاة في النهاية، ولم يأتِ بنا الله إلى هذه الدنيا إلا لكي نخطئ ثم نتوب إليه ثم نعصاه ثم نرجع ونتوب إليه وهذه هي العادة، فقبل أن ننظر إلى العاصي على أنه عاصيًا لم لا ننظر له على أنه تائبًا، وبإجماع الأئمة والسلف وفقهاء وعلماء الدين كافةً لا يجوز لوم التائب مهما حدث.
“عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً”
رواه أنس بن مالك، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، حكم الحديث: صحيح حسن الإسناد.
بالرغم من إن الزنا واحد من السبع الموبقات والسبع الموبقات هي أكبر الكبائر عند الله تعالى، وفي ذلك روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ”
رواه أبو هريرة، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.
إلا أنها قابلة للتوبة والمحو من صحيفة العبد عند الله في الدنيا والأخرة لكي يلقى الله يوم العرض بوجه ناضر وقلب سليم، فكلنا في النهاية نرتكب نفس الإثم ولكن بطرق مختلفة، فإن العين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع واللسان يزني وزناه الكلام.
اقرأ أيضًا: علامات قبول التوبة من الزنا
حكم قبول توبة الزانية المتزوجة من عدمها
في إطار الإجابة عن سؤال هل تقبل توبة الزانية المتزوجة أم لا تقبل يجب علينا أن نتطرق بعض الشيء إلى الحديث عن الله تعالى في هذا الأمر، إن الله غفور رحيم والله أرحم بكثير مما قد يتوقع خيالنا أو يصل إليه مهما حاولنا ذلك، فلقد وسعت رحمته كل شيء مهما ظن العبد بأن جريمته التي اقترفها أعظم من أن تغفر فإن رحمة الله أعظم من أي ذنب.
(وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة الأنعام، الآية رقم 54]
إن المرأة المتزوجة التي تقع في فاحشة الزنا وتبحث عن وسيلة للتوبة النصوحة الصحيحة، هذا دليل قائم بحد ذاته على سلامة قلب هذه المرأة فيوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) [سورة الرعد، الآية رقم 6]
تشير هذه الآية إلى حقيقة هامة يجب وضعها في عين الاعتبار وهي أن الطمع في كرم الله ورحمته لا يجب أن يبلغ حد الوقاحة، فبينما نتذكر دومًا أن الله غفور رحيم يجب أن نتذكر أن الله شديد العقاب فلا نتمادى في الذنب لأن إدراكنا لعظم الذنب والاستمرار فيه أعظم وأكبر بكثير من ارتكابه عن جهل.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [سورة الزمر، الآيات رقم 53، 54]
المرأة التي تقترف جريمة الزنا تعرف كل المعرفة بأنها من أكبر الكبائر عند الله تعالى، ولذا تواجه بعض المشكلات أو العوائق التي تحول بينها وبين التقرب إلى الله والتضرع إليه ليغفر لها من فرط الخجل والحياء منه سبحانه وتعالى، ولكن هذا غير صحيح ويجب أن تعلم أن الخجل والندم والحياء من الله هو أول دقات تقرع على باب التوبة الذي لا يغلقه الله في وجه عباده قط.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [سورة ق، الآية رقم 16]
عندما يرتكب العبد إثمًا عظيمًا ولا سيما الزنا ويصل إلى حالة من الندم والحسرة العظيمة، يبدأ أحيانًا في التفكير بالانتحار لكي يتخلص من هذا الشعور القاتل الذي يسلبه أنفاسه وراحة قلبه وعقله.
فقبل أن يفكر في أن يقتل نفسه وينهي حياته بنفسه عليه أن يتذكر أن الله أقرب إليه من وريده الذي يوجد في يده والذي يعتزم قطعه لكي ينهي حياته، فبدلًا من ذلك عليه أن يتقرب إلى الله لأنه هو الأقرب إليه دومًا.
شروط التوبة من الزنا
في إطار الإجابة عن سؤال هل تقبل توبة الزانية المتزوجة يجب أن نوضح بعض الشروط، التي يتوجب على المرأة المخطئة استيفائها لكي تقبل توبتها إلى الله تعالى، وتلك الشروط تتلخص في:
1- الإقلاع عن الذنب
يعني هذا أن تقلع المرأة تمامًا عن الإتيان بهذه الفاحشة والابتعاد كذلك عن أي من مثيراتها، وتجنب كل ما يعين على ارتكابها أو الوقوع فيها مثل التحدث إلى الرجل الأجنبي الذي زنت معه وهكذا، بالإضافة إلى عدم الانشغال أو التفكير بالملذات الواهية التي أحاطت بوقت الزنا لتجنب اشتهائها مرة أخرى والميل إليها من جديد.
اقرأ أيضًا: هل الزاني تقبل صلاته
2- الندم على الذنب
المقصود بالندم هنا هو أن يكون العبد في قرارة نفسه نادمًا متألمًا من الحسرة والندم على صدر منه، وأن يكون حزينًا كل الحزن وآسفًا على ما اقترفته يداه فينبغي أن يبدي لله أسفه وأساه وانكساره منائيًا للفخر والجهر بما ارتكبه غير مبال به، وفي ذلك روى أبو هريرة رضي الله عنه وقال: أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه“
رواه أبو هريرة، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.
3- العزم على عدم الرجوع للذنب
يشترط على التائب من فاحشة الزنا ألا يرجع إلى الذنب مرة أخرى وأن يبقى مستمرًا في توبته عازمًا على ألا يرجع لما كان عليه في السابق مهما حدث، وهذا يعني أن تكون التوبة نصوحة لا شية فيها وإذا عاد للذنب مرة أخرى لزمت عليه التوبة من جديد شرط ألا يكون مصرًا عليه في كل مرة، وفي ذلك قال الله سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة التحريم، الآية رقم 8]
اقرأ أيضًا: هل تقبل توبة الزاني دون إقامة الحد
عرفنا هل تقبل توبة الزانية المتزوجة أم لا تقبل وبالرغم من معرفتنا لهذا الأمر وإدراك أن الله يغفر الذنوب مهما تعاظمت، إلا أن ذلك لا يعطي الحق للعبد بأن يتعمد تكرار الخطيئة.