لا يسخر قوم من قوم
لا يسخر قوم من قوم لأن الله عز وجل نهى عن تلك السخرية بين المسلمين وبعضهم، كما حذر الإسلام من عقوبة السخرية بين المسلمين وبعضهم بل والسخرية بآيات الله ورسوله أيضًا، لما في ذلك من عقوبة شديدة قد تخرجهم عن الإسلام لذلك سوف نعرف تفسير آية لا يسخر قوم من قوم وأقوال العلماء في سبب نزول هذه الآية من خلال منصة وميض.
لا يسخر قوم من قوم
تدل الآية رقم 11 في سورة الحجرات على سخرية الرجل إلى الرجل والنساء إلى بعضهن في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم سواء السخرية من الفقر أو السخرية من النسب حيث كانت هذه العادة منتشرة قبل دخول الإسلام فجاءت الشريعة لتنظم هذه العادات السيئة ووضعت عقاب لكل من يفعل ذلك.
جاء الإسلام من أجل التأخي بين المسلمين وبعضهم فكيف يسخر الرجل من أخيه! بل لا يجب أن يسخر الرجل من اليهودي الكافر بدين الله أيضًا حيث يُعد هذا منافي لما جاءت به الشريعة الإسلامية، حيث تعددت تفسيرات هذه الآية الكريمة بين العلماء فكانت التفسيرات كما يلي:
1- تفسير ابن جرير
يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية أن الله تعالى نهى المؤمنين عن السخرية فيما بينهم والكلام هنا للرجال والنساء معًا فلا يجب أن يسخر المؤمن من أخيه المؤمن لأي سبب من الأسباب حتى لو كان بسبب ذنب ارتكبه فليس من شأنه إذا تاب عنه أم لم يتب فهذه الأشياء بينه وبين الله.
اقرأ أيضًا: هل يجوز قول اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
2- تفسير ابن كثير
يتطرق ابن كثير في تفسير هذه الآية فيقول: أن الله تعالى نهى عن سخرية الناس ببعضهم بل واحتقارهم بسبب فقرهم أو كفرهم وما إلى ذلك فلا يدري أن يكون هذا الشخص أقرب منه إلى الله.
سبب نزول آية لا يسخر قوم من قوم
تعددت الأقوال بين العلماء حول سبب نزول هذه الآية الكريمة التي تنهى عن السخرية بين الناس فمنها ما يلي:
1- القول الأول
رواه ابن عباس حيث قال إنها نزلت في رجل يدعى ثابت بن قيس بن شماس الذي كان يجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس العلم بعد صلاة الفجر، فعندما ينتهي الرسول الكريم من الصلاة يتجمع حوله الصحابة حتى ينصتوا لما يقول من تعاليم الإسلام.
كان ثابت بن قيس يحب الجلوس قرب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان الصحابة يفسحوا له في المجلس حتى يكون بقربه، وذات يوم تأخر ثابت بن قيس عن صلاة الفجر فجاء بعدما انتهى منها الرسول ثم صلى وجاء حتى يجلس بقرب النبي قائلًا للصحابة: تفسحوا تفسحوا، وكان الصحابة قد أخذوا مجالسهم.
فعندما وصل إلى قرب رسول الله قال لرجل يجلس أمامه: تفسح، فرد عليه الرجل ولم يتفسح له قائلًا: قد وجدت مجلسًا فأجلس فيه، فجلس ثابت بن قيس ورائه غاضبًا حتى انتهى رسول الله من المجلس.
فتحدث ثابت مع الرجل قائلًا: من أنت؟ فقال له الرجل: فلان، فرد عليه ثابت قائلًا: ابن فلانة؟ وتطرق قائلًا: التي كانت أمة لي أعيرها بين الناس أيام الجاهلية، فقال له الرجل مستحيًا: نعم، حينها أنزل الله تعالى هذه الآية حتى لا يعاير الرجل أخيه الرجل بنسبه.
2- القول الثاني
رواه عكرمة عن ابن عباس حيث قال إن هذه الآية نزلت في النساء المسلمين الذين كانوا يعايرون النساء اليهود بكفرهم خاصةً في موقف صفية بنت حيي بن أخطب حيث كان يقول لها النساء المسلمون: يهودية بنت يهوديين، وكان أيضًا المسلمون يقولون لليهودي الذي يدخل الإسلام يا يهودي يا نصراني.
فنزلت الآية الكريمة لتنظم هذه المسألة وأنه لا يجب أن يسخر الأشخاص من بعضهم البعض بسبب كفرهم ولا يجب أيضًا أن يسب الرجل أخيه بقول يا كلب يا حمار فيُعد هذا من الاستهزاء والسخرية التي يعاقب عليها الله عقابًا شديدًا.
3- القول الثالث
رواه الضحاك حيث قال إن هذه الآية نزلت في وفد بنى تميم الذين كانوا يستهزئون بصحابة النبي الفقراء أمثال بلال بن رباح وعمار بن ياسر والكثير من الصحابة حينها أنزل الله تعالى هذه الآية حتى لا يعاير الرجل أخيه بفقره.
لأن في استكمال الآية الكريمة أنه يمكن أن يكون ذلك الفقير عند الله خيرًا من الرجل الغنى فلا يجب معايرة الأشخاص بفقرهم والسخرية همومًا في أي شيء.
اقرأ أيضًا: معنى حسبي الله ونعم الوكيل على فلان
ما هو حكم السخرية والاستهزاء في الإسلام؟
وضع الله تعالى حدًا للمستهزئين الساخرين في الإسلام وأعد لهم عقابًا شديدًا سواء الذين يسخرون بالله ورسوله أو المسلمين الذين يسخرون من بعضهم البعض في كلتا الأحوال تكون العواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
أولًا حكم السخرية والاستهزاء بين المؤمنين وبعضهم
تطرق علماء الإسلام إلى أن السخرية والاستهزاء بين المؤمنين تنقسم إلى جزئيين وهم:
1- الاستهزاء والسخرية من فعل الطاعات
أن يستهزئ المسلم بأخيه المسلم بسبب تمسكه الشديد بتعاليم الإسلام حيث إن في هذه الحالة إما أن يكون المستهزئ لا يقصد فعل أخيه المسلم للطاعات أو أن يكون جاهلًا لا يعلم شيئًا عن تعاليم الإسلام الصحيحة.
ما هو الحكم في هذه الحالة؟
قال العلماء أن الشخص الجاهل أو الذي لا يقصد أن يستهزئ بالطاعات التي يفعلها أخيه المسلم لا يكون عليه ذنب ولا حكم أما إذا كان قاصدًا لما يقول أو ليس جاهلًا فيكون حكمه الكفر والخروج عن الإسلام لأنه يكون استهزاء بالشريعة التي وضعها الله ورسوله.
2- الاستهزاء والسخرية من الأخلاق أو الخلقة
أجمع علماء الإسلام على تحريم السخرية بين المسلمين وبعضهم سواء على أخلاقهم أو أشكالهم فلا يجب أن يسخر المسلم من أخيه المسلم بسبب عيب في خلقته أو عيب في أخلاقه لأن الشكل هو الذي يخلقه الله وبالتالي فإن السخرية من شكل الإنسان محرمة بإجماع العلماء.
ثانيًا حكم السخرية والاستهزاء بآيات الله ورسوله
أجمع علماء الدين على تحريم الاستهزاء والسخرية بآيات الله ورسوله الكريم حيث إن الحكم في هذه الحالة يكون كفر وخروج عن الإسلام لأن الدين الإسلام جاء ليعظم الله وشعائره وآياته فبالتالي السخرية من هذه الآيات هي سخرية من الله وقدرته وعظمته والعياذ بالله.
الدليل على ذلك ما جاء في سورة التوبة في الآية من 64 إلى 66: “يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ”
أقوال السلف الصالح في السخرية والاستهزاء
بعدما نزلت الآية الكريمة لا يسخر قوم من قوم التي نهت عن السخرية والاستهزاء بين المسلمين وبعضهم بدأ المسلمون بالخوف الشديد من الاستهزاء بالآخرين أو حتى السخرية من الحيوانات والجماد.
متبعين بذلك أوامر الله ونواهيه التي يأمر بها المسلمون لذلك جاءت أقوال العلماء والسلف الصالح دالة على صلاح حالهم وخوفهم من عقاب الله في هذه المسألة، فمن هذه الأقوال ما يلي:
- قال عبد الله بن مسعود: “لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلبًا، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغًا؛ ليس في عمل آخرة ولا دنيا“.
- قال ابن حجر الهيتمي: “لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيرًا منك، وأفضل وأقرب”
- قال يحي بن معاذ: “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”
- قال الأسود: “كنا عند عائشة فسقط فسطاط على إنسان فضحكوا، فقالت عائشة: لا سخر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة”
- قال القرطبي: “من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق“
اقرأ أيضًا: سورة الشرح للزواج بمن تحب
ما هي الآثار الناتجة عن السخرية؟
بعد معرفة تفسير آية لا يسخر قوم من قوم سوف نعرف الآن الآثار السلبية على المسلم الذي يسخر من أخيه المسلم عمدًا وهي كالتالي:
- الشخص المستهزئ سوف يأتي يوم ويستهزئ به شخص آخر وفقًا لشرح حديث رسول الله في مسألة كما تدين تدان.
- يتم الأخذ من حسناته يوم القيامة ووضع السيئات في ميزانه حتى يندم ندمًا شديدًا وفقًا لما جاء في قوله تعالى في سورة الزمر الآية 56: “أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ“
- يخشاه الناس ولا يحبون القرب منه.
- تؤدي على الهلاك في الدنيا مثلما أدت إلى هلاك قوم سيدنا نوح عندما سخروا منه فكان عقابهم الغرق.
- يكون هذا الشخص عدواني لا يحب الخير لأحد ولا يحب أن يري أحدًا أحسن منه.
- تجعل المستهزئ دائم الانتقام ممن هم حوله حتى المقربين منه.
- لا يسمع أحد نصيحته ولا يؤخذ برأيه.
- كذلك لا يعفو عنه الله يوم القيامة حتى يعفو عنه من استهزئ به.
نهى الله عن السخرية في الإسلام والسخرية بآياته وكتبه ورسله ووضع عقوبة لمن يفعل ذلك سواء في الدنيا أو الآخرة، ويجب أن نتبع أوامر الله لكي نفلح في الدنيا ونفوز بالجنة.