عدم الثقة بين الحبيبين
عدم الثقة بين الحبيبين تعد بمثابة أولى مراحل التعاسة بالحياة العاطفية، فإن لم يكن موضع الأمان وراحة البال هو منبع الثقة فأين لهم بها من مكان آخر؟ نعم، تلك هي الحقيقة، وذلك هو الواقع الذي يرفضه كل حبيبين يصارعان بكافة الوسائل لإبقاء شعلة الحب بينهما، بينما أصل العلاقة وعمودها الفقري لا يشوبها شيء من قلة أو انعدام الثقة، فإن كان ذلك الأمر يشغل بالك فهذا ما نحن بصدد مناقشته اليوم من خلال منصة وميض.
عدم الثقة بين الحبيبين
لا يحتاج الأمر أن تكون مهندس بارع لتكتشف حقيقة أن بناء البرج أو المبنى المرتفع يحتاج لحفر عميق يمتد حتى بضعة أمتار داخل الأرض ليحمل فوقه ذلك المبنى العريق، كذلك وتلك الشجرة الفارعة الأغصان الشاهقة الطول إذا حفرت أسفلها ستجد كم من الجذور المتأصل القادر على تغذيتها حتى أبعد ورقة عنه.
كذلك هي الثقة بين الحبيبن، هي أساس بناء العلاقة ومنبع الأمان بها، وحتى نوضح الأمر بشكل أكثر دقة فها نحن نبدأ من الأصل، حيث يرغب الفرد بشكل غريزي في اتخاذ خليل من الجنس الآخر ليكون رفيق ما هو قادم من حياته، يشاركه فرحه ويؤازره حزنه، ويكون معه الشريك الذي يبني ويؤسس النصف الثاني من الحياة.
الثقة هي شيء غريزي يولد مع ذلك الطفل منذ اليوم الأول، والذي يأبى السكون إلا بداخل أحضان أمه، فهي أولى مفاهيمه عن الثقة والاطمئنان، أما إن أردت شرحها اصطلاحًا فهي شعور داخلي بالاطمئنان تجاه شخص ما ينتج عنه كونك في أقصى مراحل تجردك من أي حالة من حالات الاصطناع أمامه.
لذلك ذكرنا أن الثقة هي أساس العلاقة، والتي بدونها فلا مفر لبقائها من الأساس، فنحن نبحث عنها أولًا لتكوين العلاقة مع الطرف الآخر، فإن لم توجد فلماذا هي العلاقة من الأساس؟
فإن كانت متأصلة بينك وبين شريكك فهنيئًا لك بأسمى معاني الحب وأرقى العلاقات البشرية على الإطلاق، وإن لم تكن موجودة أو يشوبها شيء من الخلل فهذا هو مكانك الصحيح لنساعدك على كيفية بنائها أو إصلاح الخلل بها، وذلك من خلال بضع فقرات نعرض فيها تفصيلًا أساس وجود عدم الثقة ومن ثم كيفية إعادة بنائها من خلال ما يلي.
اقرأ أيضًا: الوسواس القهري عند الفتاة
أسباب انعدام الثقة في الحب
لن أُشكك في كونك بدأت علاقتك بوضع أساس من الثقة لا بأس به وإلا فلما هي من الأساس، ولكن مع مرور الوقت وتتابع مشكلات الحياة ربما صادفتك بعض العثرات أدت لخلق حالة من عدم الثقة بين الحبيبين، فإن كان شأنك شأن جميع الرجال يضرب ولا يبالي ولا حتى يعلم عواقب ما فعله فها أنا ألفت نظرك لبعض الأفعال الي تهدم جدار الثقة بينك وبين زوجتك أو حبيبتك فيما يلي:
1- صفة الكذب
يالها من آفة قادرة على هدم أبنية شاهقة المعمار ليس فقط علاقة بين طرفين، أتعتقد أن تلك الكذبة التي تسميها باستهتار بالكذبة البيضاء لن تؤثر على علاقتك بشريكك؟ تعالى أوضح لك شيئًا، تأتي الثقة من تلك الكلمة التي إذا خرجت من فمك اطمئن لها الشريك وآمن بها، فإن ثبت له بعد ذلك أنها لم تكن صادقة فمن أين له بتصديقك بعد ذلك؟
حاول قدر الإمكان التزام صفة الصدق في علاقتك بشريكك والتي حتى إن نتج عنها كم لا بأس به من الخلافات فأنت أولًا وأخيرًا أمام نفسك وأمام شريكك تنفي عن نفسك صفة الكذب، فإن اقترفت خطئًا عد طفلًا كما كنت واعترف لوالدتك بما فعلت وأنت على ثقة أنها ستغفر لك كونك اعترفت من تلقاء نفسك.
2- تغيير الأولويات
في بادئ العلاقة وأنت متقمص شخصية المهندس المعماري وتبني في أساسات المبنى الخاص بك وضعت حبيبتك ذات أولوية أولى فوق كل شيء، فلماذا تغير ذلك الآن؟
أعرف أن ردك لن يخلو من الأسباب المنطقية القائمة على ظروف الحياة ومسؤوليات الأطفال وعدد لا بأس به من الحجج المنطقية، ولكن لنكن صرحاء مع أنفسنا، إن لم تأتِ آخر الليل لتلقي كافة هموم اليوم على كاهل شريكك –سواء إن كنت رجلًا أم أنثى- فما هي فائدة العلاقة من الأساس.
فلتكن هي نفسك التي تحدثها كل آخر يوم، فلتكن هي نفسك التي تلجأ وتطمئن عليها كل بضع ساعات، فلتكن هي الأولوية وأهم ما تفكر به طيلة يومك، حتى وإن لم تستطع محادثتها فقط برسالة نصية بسيطة تشعرها أنها ذات أولوية عندك عن دونها من الأشياء، فإن تغير ذلك فهنيًا لك بفيض من الهرمونات ينفجر في وجهك معلنًا معه حدوث خلل في مؤشرات الثقة بينكما.
3- مرض الشك
أتذكر حين ذكرنا أن الكذب هو الآفة القادرة على هدم أبنية شاهقة المعمار، فلا أخفي عليك سرًا فإن الشك هو توأم الكذب الأكثر خبثًا وفاعلية في الهدم، فإن كان الكذب قادر على هدم العلاقة لحظيًا في حال اكتشافه، فالشك قادر شأنه شأن السوس ينخر في الخشب، لن تكتشفه إلا بعد أن ينهار الأثاث من الداخل.
إن تغلغل الشك داخل نفس شريكك فاعلم أن انهيار العلاقة قادم لا محالة، أجب عن أسئلتها إن كنت لا تستحق ذلك الشك، لِم تخفي عليها سرًا خاص بحياتك الشخصية؟ لمَ تتجنب الحديث أمامها مع أحد أقربائك أو أصدقائك –ما لم يكن الحديث في شأن ليس لك به صلة-؟ لِم تقلب هاتفك بدون داعِ وتتحاشى أن تنفرد به.
كل تلك الأفعال حتى وإن كانت بدافع بريء للأسف هي بمثابة الشعلة التي توقد نار الشك بداخل الشريك، فإياك ثم إياك ثم إياك أن تسمح لذلك المرض أن ينسل بين ثنايا علاقتكما ليهدمها.
اقرأ أيضًا: كيف احب نفسي واقدرها
4- السلوكيات السلبية
أهلًا ومرحبًا بك في أكثر ما قد يتسبب في عدم الثقة بين الحبيبين، والتي تعد بمثابة القاتل المتسلسل المتخفي الذي يصول ويجول داخل علاقتكما وأنت غافل عنه في غيابة الجُب، لماذا تتحدث عن علاقتكما أمام الغرباء؟ لماذا تهملها إذ هي غضبانة أو يشوبها شيء من الحزن؟ لماذا هي فظاعة لسانك تعد المتحكم الأول بك وقت العصبية؟
كل تلك الأسئلة وأكثر بكثير هي مجموعة من الصفات أو السلوكيات التي من شأنها القضاء على العلاقة أو قلبها رأسًا على عقب، فكيف يثق بك شريكك وهو يعلم أن ما بينكما سيشاع في جلسات النميمة – خاصةً عند الزوجات-، كيف يثق بك شريكك وفظاعة اللسان أو الهجر المفاجئ هو أولى خياراتك في حال ما واجهتكم مشكلات سخيفة كانت أو كبيرة؟ بالطبع لا تمتلك الإجابة.
في حقيقة الأمر تعد تلك النقطة شاملة للعديد من أسباب عدم الثقة بين الحبيبين، لعل أفضل تشبيه لتلك السلوكيات هو كونها تشبه الطفيليات، نعم عزيزي تخيل معي كرة كبيرة الحجم تحاول قذفها بكرة صغيرة للغاية تكاد لا ترى فهل ستتحرك؟ الآن حاول معي قذفها بمائة كرة من نفس الحكم الصغير، نعم الآن ستتحرك وربما تسقط في بئر من المشكلات وعدم الثقة يصعب فيه إعادتها مرة أخرى.
كيفية بناء الثقة بين حبيبين
فالنكتفي بهذا القدر من مسببات الهدم ولنبدأ سويًا رحلتنا في بناءً تلك الثقة المفقودة بفعل عوامل بعضها ناتج عن ظروف الحياة وبعضها ناتج عن حماقات شخصية، نعم وأنت تعلم أنها حماقات فلا تكابر واعط نفسك مساحة الاعتراف بالخطأ للبدء في البناء مرة أخرى، وإليك فيما يلي بعض الأساليب المجربة والموثوقة لإعادة الثقة بين الحبيبين:
1- نسيان الماضي
الرغبة في الاستمرار تمحي الذنوب، كانت تلك إحدى الجمل الآتية على لسان إحدى خبيرات العلاقات الزوجية، والتي أعلنت معها أن نسيان الماضي والبدء من جديد هو الوسيلة المثلى لإعادة بناء ما تم تدميره من ثقة بين الزوجين.
فقط هي الدافع والهدف، فإن كانت شعلة الرغبة لاستمرار العلاقة بين الطرفين ما زالت قائمة فإن تجاوز الماضي والمضي قدمًا هو حل لا مفر منه، فالنبدأ في بناء ذكريات جديدة، ولنبدأ في إرساء قواعد وقرابين قادرة على بناء سفينة من الثقة للإبحار من جديد.
2- الاستماع والإصغاء من الطرفين
إن كنت لا تعلم فأنا أعلم، السبب الأكبر لهدم جدار الثقة بينكما كان في حالة التكتم والشحن الداخلي لكل طرف على حدا دون حتى الإفصاح ولو عن جزء صغير منه، فكم من المرات وجهت إلى شريك انتقاد جارح وصمتت هي رغبة في المضي قدمًا وتجنب حدوث المشكلات؟
كم من المرات تصرفت شريكتك تصرف أثار حنقتك وغضبك أو غيرتك حتى ولم تبدي لها بالًا أو على الأقل لم تفصح عن كون ذلك الأمر قد أغضبك، فقط قررت أن تحتفظ بما حدث لنفسك لتبدأ في بناء جدار من التراكمات ستتفاجئ في يومًا ما أنك تكاد لا ترى شريكك منه، وبالمثل الطرف الآخر لديه الجدار ذاته وهو لا يراك منه.
ليكن الإصغاء وهو اللفظ الأكثر دقة هو القادر على حل تلك المشكلة ووسيلتكم للتخلص من تلك الجبال من التراكمات، وليكن النقاش الهادئ المبني على الود والرغبة في الاستمرار هو وسيلتكم الثانية بجانب الاستماع، فلا يكن نقاشكم قائمًا على إثبات أي الطرفين على حق وأيهم على باطل، ولكن ليكن نقاش موضوعي قائم على الرغبة في معرفة ما يكنه كل طرف للآخر بغيةً إصلاحه.
اقرأ أيضًا: كيف أقوي ثقتي بنفسي وشخصيتي أمام الناس
3- المشاركة في الحل
قديمًا قيل مثل شعبي فيما معناه أن اليد وحدها لن تمتلك تلك القدرة على التصفيق، نعم هو كذلك فلا تجادلني، فكما كنتما سويًا السبب في خلق حالة من عدم الثقة بين الحبيبين بفعل حماقات منها المقصود ومنها غير المقصود، فيجب عليكما أيضًا سويًا وعلى نفس المنوال البدء في رحلة بناء تلك العلاقة لتكن ملاذ الأمان لكلاكما.
اجعل شريكك يمد إليك يد العون للتخلص من ذلك القدر من الأفكار الكائنة في داخلك والتي كانت السبب فيما حدث، فقط تحدث معه، أعلمه بما تشعر، واطلب منه المساعدة والمشاركة، وعلى جانب آخر حاول أن تصل إلى النقاط الدفينة بداخله والتي كان لها اليد في الوصول لما وصلتم إليه، واسعَ جاهدًا في علاجها وإنباتها من جديد كنبتة مستقبلية متفرعة الجذور والأوراق.
كن على يقين بأن تلك المشاركة في الحل ستخلق بينكم جو من الألفة والثقة وتبني جدار من الحب المدعم بالثقة بينكما بعيدًا عما مضى.
4- إعادة رسم الحدود
الآن وبعد أن قررنا أن نبدأ من جديد هل من المنطق أن نسير على نفس المنوال؟ هل نحن بتلك الحماقة أن نكرر أفعال الماضي وننتظر نتيجة مخالفة تلك المرة؟ هل من الأصل سيتعاطف معنا الكون وهو يرانا نقترف الخطأ ذاته منتظرين نتيجة مغايرة؟ بالطبع لا، سيكون الرد المناسب في تلك الحالة هو تلقينك ضربًا مبرحًا في كافة جسدك تلك المرة ليكون الدرس المستفاد لعدم تكرار الخطأ.
رسم الحدود حتى لو كانت بين الزوجين وهي أسمى العلاقات الإنسانية هو أفضل وسائل إنجاح العلاقة، نعم نحن شخص واحد وروحٍ واحدة ولكن لماذا لا يكون لكل منا حدوده الخاصة التي تضمن له بعض المجال بعيدًا عن الطرف الآخر.
كن على ثقة عزيزي القارئ أن أغلب العلاقات العاطفية تتدمر حرفيًا لخلوها من منطق رسم الحدود، فهو متدخل في كافة تفاصيل حياتها بطريقة تكاد تقتلها خنقًا، وهي متغلغلة في تفاصيل يومه للدرجة التي تجعله يرغب في الفرار والقيام بالأشياء المختلفة ولكن يخشى إبلاغها.
هي معها باسوورد هاتفه وتتفحصه بشكل دوري وكأنها وكيل نيابة يستجوبه، وهو يتدخل حتى في أدق تفاصيل علاقاتها بأصدقائها أو فيما تأكد وفيما تشرب، ونسوا أن خلق المساحة الشخصية هي ما تجعلهم في اشتياق دائم للقرب وتطلع الأخبار ومعرفة الجديد، بل بالعكس العلاقة الناجحة هي ما يشعر طرفيها بالغربة في حال الغياب ولو ساعات لا أن يشعروا بأنهم تحت كاميرات المراقبة حتى في ساعات النوم.
لذلك وللبدء من جديد والتخلص من مشكلة عدم الثقة بين الحبيبين فعليكم إرساء بعض الحدود التي تنظم طبيعة العلاقة بينكما دون الحاجة لإبداء مبررات طوال الوقت لإثبات حسن النية، فكلاكما بالفعل يثق في الآخر دون إدخاله في أدق التفاصيل أو السماح له بانتهاك خصوصيته دون الرغبة.
اقرأ أيضًا: مرض الشك عند الرجال
5- لا بأس من استشارة الخبير
شخص ما في جانب آخر من الكوكب قرر قضاء بضعة سنوات في حياته في دراسة السلوك البشري، ومن ثم أضاع بضعة سنوات أخرى في تطبيق ما تعلمه، وبعد ذلك بدأ في رحلة معاناة لإثبات أن ما درسه وما لديه من علم هو الوسيلة المثلى لتجاوز العديد من المشكلات بين الطرفين. نعم، هو الطبيب النفسي، أو أخصائي العلاقات.
كن على ثقة عزيزي أن ذلك الرجل أو تلك السيدة لم يضيعوا حياتهم هباءً حتى تمتعض عند إتيان سيرتهم أو إعطاء أحدهم النصيحة لزيارة أخصائي علاقات، فأنت لا تعلم ماذا يعرف هذا الشخص عن النفس البشرية وطبيعة العلاقات بين الطرفين حتى يستطيع إعادة بناء ذلك الجدار معكما من جديد بعدما أسقطته حماقات ناتجة عن قلة الخبرة- المتوفرة لديه بكثرة-.
إن وصلتم لتلك النقطة التي ترغبان فيها العودة وبناء العلاقة من جديد ولكنكم تجهلان كيفية فعل ذلك فإن أخصائي العلاقات هو الشخص الأمثل للتفكير فيه حينها، فإن لهذا الرجل تلك القدرة السحرية على كشف السبب الحقيقي للمشكلة ومن ثم البدء في علاجها، فهو يعلم من أين تؤكل الكتف.
عدم الثقة بين الحبيبين يمكن أن يذوب بكل سهولة إذا كانت الرغبة حاضرة من كلا الطرفين، فلا تحاول التجديف منفردًا في مركب لا يرغب شريكك في الإبحار بها معك، وكن على ثقة أن إبحارك وحيدًا خيرًا من إبحارك مع شريك هو السبب الأساسي لغرقها مستقبلًا.