شعر بدوي حب وغرام
شعر بدوي حب وغرام هو أحد الصور التي كان يعبر بها الشعراء في عصر الجاهلية عن حبهم أو وصف المشاعر العاطفية بالنسبة لهم، متخذين بعض الكلمات المستوحاة من طبيعتهم البدوية وتلك البيداء بطبيعتها الرملية وسمائها الواسعة وحياتهم القبلية، إذ إن تلك الأشياء كان لها انعكاس كبير على كتابتهم للشعر وانتقاء الكلمات للتعبير عن الغرام والحب كما سنوضح اليوم بمنصة وميض.
شعر بدوي حب وغرام
على الرغم من أن هناك العديد من العصور الكثيرة التي تناولت طرق مختلفة من كتابة الشعر، إلا أن العصر الجاهلي له سمات معينة في انتقاء تلك الكلمات في كتابة الشعر، خاصةً عند اختيار بعض المصطلحات التي اتخذت من طبيعتهم البدوية، وهو ما يجعل الكثير من المحبون للشعر إلى يومنا هذا يفضلون الشعر الجاهلي عن باقي الأشعار الأخرى وبالأخص شعر بدوي حب وغرام.
حيث كان للبدو بعض الصفات والطرق الخاصة في وصف حبهم وإعجابهم بالنساء فمنهم من كان يشبههن ببعض أجزاء وصور الطبيعة، والبعض الآخر يصف في أبياته مدى شوقه وحبه لمحبوبته، وكم من مواقف صعبة قد تعرض إليها إلى أن يصل لها.
كما سمى الشعر البدوي بالشعر النبطي الذي اتخذ ظروف خاصة في نشأته جعلته مختلف عن هذا الشعر الذي هو في عالمنا اليوم بعد أن تغير اللسان العربي وتحول من اللغة العربية الفصحى إلى تلك اللغة العامية،
أما عند النظر عن الغزل البدوي فهو أحد الفنون الشعرية التي تشع بها مشاعر عاطفية طاهرة عفيفة استخدم فيها الشاعر وصف خاص ليبين مدى شعور العشق لديه، وقد يطعم بعض الأبيات ويلونها ببعض كلمات الفراق والألم الذي يشعر به بعد فراق محبوبته، حيث كان قيس بن الملوح أشهر شعراء البدو في كتابة شعر الغزل العذري، لا سيما عنتر بن شداد الذي يعتبر أكثر الشعراء المشهورين بالعصر الجاهلي في كتابة الغزل البدوي في محبوبته عبلة، وغيرهم الكثير.
1- عنتر بن شداد (عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ)
من أكثر الشعراء الذين اشتهروا بكتابة أشعار الغزل هو عنتر بن شداد الذي كان مولعًا بحب ابنة عمه عبلة بنت مالك أعظم الحب وأشده، وكان يصف جمالها في تلك الأبيات الشعرية، وهو فارس قام بالعديد من الجولات القتالية، أما حبه الأسطوري فقد كان له الأثر الأكبر في حياته مما جعل ذلك له دور في شعره وخلوده إلى يومنا هذا.
حيث إن قصائده هي خير شعر بدوي حب وغرام يمكن أن يقال لما يحمل فيه من كلمات تصف ذلك الحب العميق الذي كان مكنون بداخله، ومن قصائده (عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ) التي كان يقول فيها:
عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ………وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ
فَجوروا وَاِطلُبوا قَتلي وَظُلمي…. وَتَعذيبي فَإِنّي لا أَمَلُّ
وَلا أَسلو وَلا أَشفي الأَعادي…….فَساداتي لَهُم فَخرٌ وَفَضلُ
أُناسٌ أَنزَلونا في مَكانٍ……مِنَ العَلياءِ فَوقَ النَجمِ يَعلو
إِذا جاروا عَدَلنا في هَواهُم…….وَإِن عَزّوا لِعِزِّتِهِم نَذِلُّ
وَكَيفَ يَكونُ لي عَزمٌ وَجِسمي………تَراهُ قَد بَقي مِنهُ الأَقَلُّ
فَيا طَيرَ الأَراكِ بِحَقِّ رَبٍّ……بَراكَ عَساكَ تَعلَمُ أَينَ حَلّوا
وَتُطلِقُ عاشِقاً مِن أَسرِ قَومٍ……لَهُ في حُبِّهِم أُسُرٌ وَغُلُّ
يُنادوني وَخَيلُ المَوتِ تَجري….. مَحَلُّكَ لا يُعادِلُهُ مَحَلُّ
وَقَد أَمسَوا يَعيبوني بِأُمّي……..وَلَوني كُلَّما عَقَدوا وَحَلّوا
لَقَد هانَت صُروفُ الدَهرِ عِندي……..وَهانَت أَهلُهُ عِندي وَقَلّوا
وَلي في كُلِّ مَعرَكَةٍ حَديثٌ……إِذا سَمِعَت بِهِ الأَبطالُ ذَلّوا
اقرأ أيضًا: شعر عن الحب والعشق والهيام
2- قيس بن الملوح
هذا هو قيس مجنون ليلى كما يطلق عليه الكثير، حيث تعتبر رواية قيس وليلى من أشهر الروايات الرومانسية في الأدب العربي، وقد تأثر كثيرون بها لدرجة أنهم اعتقدوا أن أبطالها ليس لهم وجود في الواقع، وهذا منافي للحقيقة فقد كان بالفعل بطلها قيس بن الملوح الذي كان ملقب بمجنون ليلى.
يعد قيس بن الملوح من أشهر شعراء الغزل الذي قد حدثت معه قصة غرامية طويلة من أشهر قصص الغرام في التاريخ وتميز حبه وغزله بالغزل العذري النقي الطاهر، فهو لم يكن مجنونًا ولكن لقب بهذا لهيامه في حب ابنة عمه التي نشأ معها وعشقها ومن أشهر القصائد التي كتبها عنها هي لو كانَ لي قلبان التي قال فيها:
لو كانَ لي قلبان لعشت بواحدٍ……..وأفردتُ قلباً في هواكَ يُعذَّبُ
لكنَّ لي قلباً تّمَلكَهُ الهَوى……لا العَيشُ يحلُو لَهُ ولا الموتُ يَقْرَبُ
كَعُصفُورةٍ في كفِّ طفلٍ يُهِينُها……تُعَانِي عَذابَ المَوتِ والطِفلُ يلعبُ
فلا الطفل ذو عقلٍ يرِقُّ لِحالِها……ولا الطّيرُ مَطلُوقُ الجنَاحَينِ فيذهبُ
اقرأ أيضًا: أبيات شعر عن الحب قصيرة
3- ابن الدمنية ( قفي يا اميم القلب نقض لبانة)
عبد الله بن عبيد الله لقب بابن الدمنية وهو ينتمي إلى قبيلة خثغم اليمانية، وقد تميز بكتابته للشعر الغزلي ومن أكبر شعراء العصر الإسلامي في ذلك، ومن قصائده الشعرية في الغزل قفي يا اميم القلب نقض لبانة التي تحمل تلك الكلمات التالية:
قِفِى يَا اُمَيمَ القَلبِ نَقضِ لُبَانَةً……ونَشكُ الهَوى ثُمَّ افعَلى ما بَدَالكِ
سَلِى البانَةَ الغَنَّاءَ بِالأَبطَحِ الَّذِى…….بِهِ الماءُ هَل حيَّيتُ أَطلالَ دَارِكِ
وَهَل قُمتُ بَعدَ الرائِحينَ عَشِيَّةً…….مَقَامَ أخى البَغضاءِ واختَرتُ ذلكِ
وهَل كَفكَفَت عَيناىَ في الدّارِ عَبرةً…….فُرَادَى كَنَظمِ البُّؤلُؤِ المُتَهَالِكِ
فَيابانَةَ الوادى أَلَيسَت مُصِيبَةً…….مِنَ اللهِ أَن تُحمَى عَلَينَا ظِلالُكِ
ويابانَةَ الوادى أَثِيبى مُتَيَّماً…….أَخا سَقَمٍ لَبَّستِهِ في حِبَالِكِ
وكلَّفتِنى مَن لا أُطِيقُ كَلاَمَهُ……نَهَاراً وَلاَ لَيلاً وَلاَ بينَ ذَلِكِ
هَوِيتُ ولم تَهوَى وكُنتِ ضَعيفَةً……….فهذا بَلاَءٌ قَد بُلِيتُ بِذَلِكِ
وأَذهَبُ غَضبَاناً وأرجِعُ راضياً……..وأُقسِمُ ما أَرضَيتِنى بَينَ ذلكِ
يَقُولونَ ذَرها وَاعتَزِلها وَإِنّما……يُسَاوِى ذَهابَ النَّفسِ عِندى اعتزِالُك
عَدِمتُكِ مِن نَفسِ فَأَنتِ سَقَيتنى…….كُؤُوسَ الرَّى في حُبِّ مَن لَم يُبَالِكِ
وَمَنَّيتِنى لُقيَانَ مَن لَستُ لاقياً……..نضهَار ولا لَيلى بَينَ ذَلِكِ
فما بِكِ من صَبرٍ ولا مِن جَلادَةٍ……..ولا مِن عَزاءٍ فَاهلِكى في الهَوَالِكِ
لِيَهنِك إِمساكى بِكَفِّى عَلَى الحَشا………وإِذرَاء عَينى دَمعَها فِى زِيالِكِ
وَلَو قُلتِ طَأ في النَّارِ أَعلَمُ أَنَّهُ………هُدًى مِنكِ أَو مُدنٍ لَنَا مِن وِصَالِكِ
4- جميل وبثينة (خَليلَيَّ عوجا اليَومَ حَتّى تُسَلّما)
لقب حب خليل لبثينة بالحب العذري، وكان ذلك في العصر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وقد كانت بثينة من فتات الأحب وهم من رهط بني عذرا وكذلك جميل كان من رهط آخر من بني عذرا، وقد كان لتلك الطبيعية التي اتسمت بالبادية دور كبير في كتابته للشعر ووصفه لذلك الحب الذي يحمله بداخله تجاه محبوبته، فقد قال عنها:
خَليلَيَّ عوجا اليَومَ حَتّى تُسَلّما…….عَلى عَذبَةِ الأَنيابِ طَيِّبَةِ النَشرِ
فَإِنَّكُما إِن عُجتُما لِيَ ساعَةً…….شَكَرتُكُما حَتّى أُغَيَّبَ في قَبري
أَلِمّا بِها ثُمَّ اِشفِعا لي وَسَلِّما…….عَلَيها سَقاها اللَهُ مِن سائِغِ القَطرِ
وَبوحا بِذِكري عِندَ بُثنَةَ وَاِنظُرا………أَتَرتاحُ يَوماً أَم تَهَشَّ إِلى ذِكري
فَإِن لَم تَكُن تَقطَع قُوى الوُدّ بَينَنا……..وَلَم تَنسَ ما أَسلَفتُ في سالِفِ الدَهرِ
فَسَوفَ يُرى مِنها اِشتِياقٌ وَلَوعَةٌ……….بِبَينٍ وَغَربٌ مِن مَدامِعِها يَجري
وَإِن تَكُ قَد حالَت عَنِ العَهدِ بَعدَنا……..وَأَصغَت إِلى قَولِ المُؤَنِّبِ وَالمُزري
فَسَوفَ يُرى مِنها صُدودٌ وَلَم تَكُن……..بِنَفسِيَ مِن أَهلِ الخِيانَةِ وَالغَدرِ
أَعوذُ بِكَ اللَهُمَّ أَن تَشحَطَ النَوى………بِبَثنَةَ في أَدنى حَياتي وَلا حَشري
وَجاوِر إِذا ما متُّ بَيني وَبَينَها………فَيا حَبَّذا مَوتي إِذا جاوَرَت قَبري
عَدِمتُكَ مِن حُبٍّ أَما مِنكَ راحَةٌ………وَما بِكَ عَنّي مِن تَوانٍ وَلا فَترِ
أَلا أَيُّها الحُبُّ المُبَرِّحُ هَل تَرى……….أَخا كَلَفٍ يُغرى بِحُبٍّ كَما أُغري
أَجِدَّكَ لا تَبلي وَقَد بَلِيَ الهَوى……….وَلا يَنتَهي حُبّي بُثَينَةَ لِلزَجرِ
هِيَ البَدرُ حُسناً وَالنِساءُ كَواكِبٌ…………وَشَتّانَ ما بَينَ الكَواكِبِ وَالبَدرِ
لَقَد فضّلَت حُسناً عَلى الناسِ مِثلَما…….عَلى أَلفِ شَهرٍ فُضِّلَت لَيلَةُ القَدرِ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ مِن ذي صَبابَةٍ……….وَصَبٍّ مُعَنّىً بِالوَساوِسِ وَالفِكرِ
اقرأ أيضًا: أجمل ما قيل عن اللغة العربية شعرًا
خصائص شعر الغزل البدوي
اتصف شعر الغزل البدوي بمجموعة من السمات التي جعلته متميز عن غيره، فقد ترجع بداياته من العصر الجاهلي الذي كان في نهايته إلى بدايات العصر الإسلامي الذي بدأ يتقهقر فيه لكنه قد بلغ ذروته في العصر الأموي، وتميز بما يلي من خصائص:
- العفة خاصةً بعد دخول الإسلام البلاد وجعله يختار الكلمات العفيفة الخالية من الألفاظ الفاحشة.
- لا تعتري كلمات أبيات شعر الغزل البدوي أي قسوة بل إنه يتصف بالديمومة.
- ستلاحظ فيه أن الشعراء قد كرسوا إخلاصهم طيلة حياتهم إلى فتاة واحدة وفي الغالب من أحد أقاربهم.
- يرى شعراء العصور البدوية أن العذاب الشديد سمة من سمات الحب الكبير والهيام والجنون على درجة الموت.
سيظل الشعر البدوي متميز عن غيره من الأشعار الأخرى لما اكتسبه من كلمات في صياغة الحديث باللغة العربية الفصحى التي كانت جوهره إلى يومنا هذا.