وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا تفسير
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا تفسير الآية الذي جاء كافي وشرح كل مقاصدها، حيث إن تفسير القرآن الكريم عمل عليه الكثير من الفقهاء، وذلك لتوضيحه بشكل سليم، ولكي يستفاد منه الناس ويلتزموا بأوامر وأحكام الله من خلاله، في هذا الموضوع سنتعرف من خلال منصة وميض على تفسير الآية الكريمة وأسباب نزولها.
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا تفسير
قال الله –تعالى- في سورة الحجرات: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، مما دل ذلك على أهمية التعارف بين الشعوب، لذلك تعتبر هذه الآية من أبرز آيات القرآن الكريم، وجاء تفسيرها على لسان الكثير من الفقهاء، وفيما يلي تفسير الطبري للآية:
القول في تأويل قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا قد خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا)، حيث يتكلم الله ويقول إنه قد خلق البشر من ذكرٍ وأنثى، وفسر ثنا عثمان بن الأسود عن مجاهد في قول الله تعالى (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ما خلق الله الجنين إلا من نطفة من الرجل ونطفة من المرأة.
اقرأ أيضًا: متى نزلت سورة الفتح
تفسير ابن كثير للآية
جاء تفسير وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا بمعني أي جعلناكم متناسبين لبعضكم البعض، وذلك لكي يتساوى كافة العباد في المقام، ولا يختلفون عن بعضهم في الدرجة إلا من خلال أعمالهم الصالحة فقط، قيل عن عبيد: سمعت الضحاك في قول الله تعالى (وجعلناكم شعوبًا) أي فيما معناه النسب العيد وفسر البعض الآخر أن الشعوب تعني القبائل أو الأفخاذ أو البطون.
كما يوجد بعض الآراء أن الشعوب هي الأنساب مثلما ما جاء عن ابن عباس، وقول لتعارفوا جاء ليدل على تعارف الناس لبعضهم في النسب، وليعرف الله الناس أن في القرابة بين الشعوب هو مجرد فضل الله عليهم، وفيه تقرب إليه، وأن أقرب الناس إلى الله أتقاه.
الإمام فخر الدين الرازي في تفسير الآية
تطلبت آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا تفسير وافي وكافي لذلك فسرها الكثير من الفقهاء، وشمل تفسير الإمام فخر الدين الرازي لهذه الآية بعض الأوجه، وهي كالتالي:
- أول وجه للتفسير: وجعلناكم شعوبا كقبيلة الأعاجم الذي لا يعرف من يجمعهم، وجعلناكم أيضًا شعوبًا وقبائل لها أصل معلوم تشير إلى الجمع، مثل قبائل العرب وبني إسرائيل.
- ثاني وجه للتفسير: جعل الشعوب شيئًا منبثقًا عن القبائل، حيث قامت القبيلة بفتح الكثير من الأفرع التي تمتد منها، حيث تتشعب القبيلة إلى شعوب والشعوب إلى بطون والبطون إلى أفخاذ متعددة ومن الأفخاذ يخرج منها الأهل والأقارب.
جاء ذكر الأعم في السورة الكريمة حتى لا يُفهم منها الافتخار بالنسب، فإن القصد الأعم مشتمل على الفقير والغني، والقوي والضعيف، حيث إن المقصود من الآية التعارف وليس التفاخر، ويدل ذلك على إن التعارف يتطلب التناصر والاتحاد بين الشعوب والقبائل ولا يوجد مجال للتفاخر.
تحمل الآية الكثير من المعاني الرائعة التي تدل على عدم جواز افتخار الفرد بنسبه وموضع أصله، فيما يدل على أهمية التآلف، كما أن الافتخار لا يوجد فيه كسب للإنسان ولكن لا يؤدي إلى القسمة والتفرقة بين القبائل والأنساب المختلفة.
مفهوم التعارف في الآية
جاء في آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا تفسير لمعنى التعارف والتآلف في الآية حيث إنه يقوم على التناصح بالحق والتناصر، بالإضافة إلى أهمية عمارة الأرض من قبل التعاون بين الشعوب المختلفة، وأداء الحقوق بين الأقارب والتوارث، إلى جانب ثبوت النسب.
يتحقق ذلك الهدف عن طريق جعل الناس أعراق وشعوب مختلفة، وخلق الفرص للتعارف فيما بينهم، بالإضافة إلى أن هذا التعارف لا يساوي بين الناس وبعضها، ولكن ميدان التنافس والسبق مفتوحًا من خلال طريق التقوى والعمل الصالح، حيث إن أكثر الناس تقوى هم من أحق بكرامة الله.
اقرأ أيضًا: آيات قرآنية عن الأخلاق
أسباب نزول الآية
توجد الكثير من آراء مفسري القرآن التي وضحت سبب نزول آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في سورة الحجرات، فيما يلي أبرز هذه الآراء:
- الرأي الأول للفقهاء
أن النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا بني بياضة: يا نبي الله نزوج بناتنا موالينا؟ فجاء الله بآية (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) أي أن قوم بني بياضة قد استنكروا أمر الرسول-عليه الصلاة والسلام- بأنهم يزوجوا بناتهم من العبيد والموالي، فجاءت هذه الآية لكي تنبذ التعصب والعنصرية والتفرقة.
- الرأي الثاني للفقهاء
جاء السبب وراء نزول هذه الآية أن بلال بن رباح في يوم فتح مكة قام بالصعود على ظهر الكعبة لكي يؤذن في الناس، ولكن سخر منه الناس في هذ اليوم وذلك بسبب لون بشرته السمراء، فجاءت هذه الآية لكي تنكر هذا الفعل وتحرمه.
على الرغم من اختلاف الأقاويل والآراء حول سبب نزول الآية إلا أن الغرض منها واحد ويجب الالتزام بما جاء فيها، وعدم الاعتقاد في أن بعض الفئات المجتمعية لهم الأفضلية على الآخرين، جاء تفسير وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لكي يدل على أن مقياس الأفضلية بين الناس وبعضها هو التقوى فقط.
موقف الإسلام من التفرقة
يحذر الدين الإسلامي بلهجة صارمة من الأفكار التي تحاول بث العنصرية والتفرقة بين الناس، لذلك كان موقف الإسلام من العنصرية والتفرقة حازم ويحرم العنصرية تحريمًا كاملًا، وذلك من خلال بعض الأمو وهي كالآتي:
نبذ التعصب والكراهية
عاب الدين الإسلامي على النفسيات المريضة وأصحاب النفوس البغيضة، حيث قال الرسول-صلى الله عليه وسلم-
(ليسَ منَّا منْ دعا إلى عصبيةٍ، وليسَ منَّا منْ قاتلَ على عصبيةٍ، وليسَ منَّا منْ ماتَ على عصبيةٍ)، مما يدل ذلك على أهمية نبذ التعصب بين الناس بالإضافة إلى نشر السلام بين المسلمين جميعًا.
كما أن الرسول-صلى الله عليه وسلم- حط من قدر من يتفاخرون بعزهم ورفعتهم وأقوامهم فقال:
(أنتم بنو آدمَ، وآدمُ مِن ترابٍ، لَيدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ، إنّما هم فَحْمٌ مِن فَحْمِ جهنمَ، أو لَيَكُونَنَّ أهونَ على اللهِ مِن الجُعْلانِ التي تَدْفَعُ بأنفِها النَتْنَ).
مقاومة العرقية
حارب الإسلام العنصرية بشكل كبير وذلك من خلال جعل عتق الرقاب ذو مكانة كبيرة في الإسلام بالإضافة إلى أن الإسلام أقر بأن التفاضل بين البشر معتمد فقط على تقوى الإنسان، حيث قال الله عز وجل:
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
كما أقر الإسلام بتواجد الفروقات الفردية بين البشر وبعضها في الطبيعة والشكل، ولكن هذه الاختلافات ما هي إلا آية من آيات الرب في خلق الكون، حيث قال سبحانه وتعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ).
اقرأ أيضًا: التوبة من سوء الظن بالناس
إزالة الفوارق بين البشر
في طريق الإسلام لمحو الفوارق بين البشر والمساواة بينهم عمل الإسلام على تحرير البشر من العبودية من خلال عتق الرقاب ومنع عبودية العباد للعباد ووحد العبودية لله فقط، حيث أمر الإسلام بمنع أسواق العبيد التي كانت منتشرة في الجاهلية بالأخص في جزيرة العرب، وجاء ذلك في تفسير وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا التي جاءت في سورة الحجرات.
جاءت ثمار ما فعله الإسلام بتطبيق عملي شهده المسلمون وعملوا على تطبيقه في يثرب عندما انتقلوا إليها حيث تعايشوا مع كافة الأعراق والديانات المختلفة، مثلما تعايشوا مع اليهود والتصالح مع نصارى نجران، مما ساعد على انتشار السلام بين الأنواع المتخلفة من البشر.
كما أن الإسلام ضم في طياته الكثير من كبار الصحابة في سبيل الولاء للدين والعقيدة، ومحى كافة الفوارق التي من شأنها أن تميز الفرد عن الآخر مثل اللون والعرق أو القبيلة، فجمعت راية الإسلام: سلمان الفارسي، بالإضافة إلى بلال الحبشي، وعلاوة على ذلك صهيب الرومي وبعض العرب الذين كانوا من صحابة النبي-صلى الله عليه وسلم-.
مثلما جاء في تفسير الآية الكريمة فإن مقصدها هو نبذ التعصب بين البشر، والمساواة بينهم وتجنب التفرقة على أساس اللون أو العرق، ولكن القيمة الحقيقية للإنسان فقط من خلال تقربه إلى الله وتقواه.