حديث شريف عن الشهيد
هُناك العديد من صيغ الأحاديث الشريفة عن الشهيد، كما أن الآيات القُرآنية والسور التي اختصت بالحديث عنه في القُرآن الكريم كثيرة، وعلى الرغم من كون الجهاد في سبيل الله في المعارك والشهادة في سبيل النصر من أعظم صور الشهادة إلا أنها ليست الشهادة الوحيدة، وللتعبير عن تقديرنا لشُهداء الوطن سنستعرض لكم عبر منصة وميض ما جاء من حديث شريف عن الشهيد.
حديث شريف عن الشهيد
يُطلق لفظ الشهيد في ديننا الإسلامي الحنيف على من أفنى روحه وبدنه في سبيل الله للدفاع عن المُسلمين ونُصرتهم، كما أنه لفظُ يختص بمن ماتوا أثناء القيام بعملٍ نبيل أو عبادةٍ من العبادات غير الفروض الرئيسية دون غرضٍ من الدنيا، بالتركيز على ما تم ذكره يتضح لنا أن لفظ الشهيد أوسع وأعم كثيرًا يُخيلُ للبعض.
الجدير بالذكر أن كلمة شهيد في معاجم اللُغة العربية قد تدل أيضًا على العالم الذي يُبين للناس ويوضح لهم ما عُلِمَ من قبل، وورد لفظ شهيد بهذا المعنى في القُرآن الكريم بقول الله تبارك اسمه وتعالى جده:
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ} [سورة البقرة: الآية رقم 143].
فمعنى شهيد في هذه الآية ليس المقصود به والغرض منه من طلب الشهادة في سبيل الله والموت دفاعًا عن فكرة ما ومُعتقد، بل المعنى هُنا هو من طُلبت شهادته في سبيل التأكد من خبرٍ وقطع الشك باليقين فيه، والجدير بالذكر أن للشهيد في سبيل الله أجرًا عظيمًا وثوابًا كبيرًا يصل إلى التكريم الإلهي، بالإضافة إلى الرحمة والمغفرة.
كما أن مرتبة الشهيد عن الله هي المرتبة الثالثة بعد النبيين والصديقين، فلك أن تتخيل مدى سمو هذه المكانة ورفعتها، وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى جميل الكلام، فجاء في حديثٍ شريفٍ عن الشهيد في صحيح البُخاري ومُسلم برواية أبو هريرة خليل رسولنا الكريم رضي الله عنه وأرضاه أن الهادي البشير قال:
“كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ في سَبيلِ اللَّهِ، يَكونُ يَومَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا، إذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، والعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ” [صحيح المسند].
أنواع الشُهداء في الإسلام
تُعتبر الشهادة من أعظم الأمور التي يحظى بها المرء المُسلم والمؤمن بالله جلَّ وعلا في حياته الدُنيا، وعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بكون الشهيد هو من يُضحي بحياته في سبيل الله فحسب، إلا أن هُناك حديث شريف عن الشهيد جاء على لسان سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم وضح فيه الشُهداء في ديننا الإسلامي.
ورد هذا في صحيح الجامع بتحديث الألباني، وهو من رواية خليل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال إن الحبيب المُصطفى قال:
“ما تقولونَ في الشهيدِ فيكم؟ قالوا: القتلُ في سبيلِ اللهِ، قال: إِنَّ شهداءَ أمتي إذَنْ لَقَلِيلٌ، مَنْ قُتِلَ فِي سبيلِ اللهِ فهو شهيدٌ، ومَنْ ماتَ في سبيلِ اللهِ فهوَ شهيدٌ، والمبطونُ شهيدٌ، والمطعونُ شهيدٌ، والغرِقُ شهيدٌ”
كان الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم يجلس رفقة بعض الصحابة، وسألهم ما تعدون الشهيد فيكم؟ أي من هو الشهيد من وجهة نظركم، فأجابوه الصحابة بأن الشُهداء هُم من يُقتلون في أرض المعركة خلال الغزوات والحروب، فرد عليهم صلى الله عليه وسلم بأن الشُهداء في أُمتي إن كانوا المقتولين في سبيل الله فهم إذن قليل.
فسألوه من غير القتلى في سبيل الله شهداء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قُتل في سبيل الله شهيد، ومن مات وهو يُجاهد في سبيل الله حتى وإن لم يُقتل فهو شهيد، كما أن موتة وباء الطاعون شُهداء “وجاء في بعض المصادر أن الطاعون هو طعن الشيطان”.
كما أن من مات نتيجةً لمرضه بأمراض البطن كالاستسقاء، الإسهال وغيرها من الحالات المرضية فهو عند الله من الشُهداء، وفي غيرها من الروايات قيل إن الغارق من الشُهداء، ومن مات بالحريق فهو شهيد أيضًا، ناهيك عن المُصاب في جنبه، والمرأة التي ماتت خلال فترة النفاس والله سُبحانه وتعالى أعلم وأكرم.
اقرأ أيضًا: حديث الرسول عن مدائن صالح
الشهيد في السُنة النبوية الشريفة
بين الدُرر التي تركها الهادي البشير صلى الله عليه وسلم لأُمته من كنوز الحديث عدد ليس بقليل من الحديث الشريف عن الشهيد، منها ما تحدث عن فضله ومنها ما اختص بسعادته في حياتي الآخرة والبرزخ، ومن أبرز الأمثلة على هذه الأحاديث ما يلي:
1- رواية أنس في صحيح البُخاري
ورد في صحيح البُخاري بتحديثه أن الصحابي الجليل أنس بن مالك روى حديثًا شريفًا عن الشهيد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:
“ما مِن عَبْدٍ يَمُوتُ له عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا وأنَّ له الدُّنْيا وما فيها، إلَّا الشَّهِيدَ؛ لِما يَرَى مِن فَضْلِ الشَّهادَةِ؛ فإنَّه يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى” [صحيح المسند].
في الحديث الشريف أعلاه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد الذي يموت وله عند الله خير أي أنه من الصالحين والداخلين إلى الجنة بإذن الله وفضله لا يطلب أن يرجع إلى الدنيا قط، إلا الشهيد، فمن مات في سبيل الله يطلب من الله العودة إلى الدُنيا عشرات المرات ليُقتل مرةً أُخرى بسبب ما وجده من خيرٍ لهذا لفضل الشهادة وثوابها.
2- حديث شفاعة الشهيد لأهل بيته
حدثنا الألباني في صحيح أبي داوود أن الصحابي الجليل نمران بن عتبة الذماري رضي الله عنه وأرضاه قال:
“دخلنا على أمِّ الدَّرداءِ ونحنُ أيتامٌ فقالت أبشِروا فإنِّي سمعتُ أبا الدَّرداءَ يقولُ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يشفَّعُ الشَّهيدُ في سبعينَ من أَهلِ بيتِهِ” [صحيح المسند].
في هذا الحديث قال نمران بن عتبة الذماري أنه دخل وإخوته على أم الدرداء وقد مات أبوهم في الحرب، فقالت لهم أبشروا، فقد سمعت عن زوجها أبي الدرداء أن رسول الله قال إن الشهيد يشفع في سبعين من أهله فيدخلون الجنة معه دون عقاب.
الجدير بالذكر أن المقصود في العدد هُنا الكثرة لا التحديد، وهذا ثواب عظيم للشهادة يُحفز المرء على عدم الخوف من الإقدام على هذا الأمر العظيم، وهو عوضٌ من الله لعباده من ذوي الشُهداء حتى لا يجزعون ولا يحزنون بل يفرحون ويسعدون بما آتاهم الله من فضله ونعيمه عليهم.
اقرأ أيضًا: حديث عن المولد النبوي الشريف
3- بُشرى الهادي البشير لجابر بن عبد الله
جاء في صحيح التُرمذي حديث شريف عن الشهيد يُعتبرًا واحدًا من أجمل وأعظم ما قيل في الشهادة، وهذا الحديث ورد في صحيح الترمذي على لسان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وأرضاهما، وقد قال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جابر حزينًا فقال له:
“يا جابرُ ما لي أراكَ منكسِرًا؟ قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ استُشْهِدَ أبي قُتِلَ يومَ أُحُدٍ، وترَكَ عيالًا ودَينًا، قالَ: (أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ؟) قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ: ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِه وأحيي أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا فقالَ: يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ: يا ربِّ تُحييني فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى: إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لَا يُرجَعونَ قالَ: وأُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا)” [صحيح المسند].
كان جابر ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه حزينًا بسبب مقتل والده في الحرب واستشهاده في سبيل الله، فعندما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن سبب حزنه قال له جابر إنه مهمومٌ ومحزون بسبب وفاة والده في غزوة أُحُد، مما رمى أعباءً كبيرةً على عاتق جابر.
فلجابر أخواتٍ أصبح مسؤولًا عنهن في النفقة، كما أنه كان على والده دين من المال أصبح جابر مُطالبًا بسداده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تُحب أن أُبشرك بما لاقاه والدك من الله سُبحانه وتعالى؟ فأجابه جابر بلا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كلم عبد الله والد جابر رضي الله عنهما من وراء حجابه، ولا يُكلم الله أحدًا إلا من وراء الحجاب، فأحياه وقال له يا عبدي تمن عليَّ أُعطك، أي أطلب مني أُجيبك، فما كان من عبد الله إلا أن طلب من ربه أن يُعيده إلى الحياة الدُنيا، فقال الله تبارك وتعالى إنه قد سبق منه القول إن لا عودة للحياة الدُنيا.
فطلب عبد الله إبلاغ من هُم في الدنيا ممن لم يستشهدوا بالنعيم الذي يعيشه الشُهداء فنزلت الآية الكريم التي تم ذكرها أعلاه.
اقرأ أيضًا: حديث شريف قصير عن النجاح
آيات قُرآنية عن الشهيد وفضل الشهادة
ليس هُناك قولٌ أجمل مما جاء على لسان خالقنا وبارئنا في كتابه الحكيم القُرآن الكريم، فهُناك العديد من السور التي جاءت فيها آيات قُرآنية اختصت بالحديث عن الشُهداء دونًا عن غيرهم، وبعد أن ذكرنا ما جاء من حديثٍ شريف عن الشهيد نستعرض لكم قول الله تبارك عمن سواه إذ قال:
- {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [سورة البقرة: الآية رقم 154].
- {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: الآيات من 169 حتى 171].
- {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [سورة آل عمران: الآيات 157، 158].
- {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [سورة النساء: الآية رقم 74].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف: الآيات من 10 حتى 12].
- {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة: الآية رقم 111].
الجدير بالذكر وكما ذُكر في السنة النبوية عن الشهيد أنه لا يُحاسب، فيغفر الله سُبحانه وتعالى له كُل ما تقدم وما تأخر من ذنبه مع أول قطرة دمٍ له تسقط على الأرض، رزقنا الله وإياكم حسن الختام.