حديث شريف عن بر الوالدين
يوجد أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين يؤكد على أعظم حقوق العباد التي أمر الله بها، فما يؤكد على ذلك أكثر من أن الله –سبحانه وتعالى- جعل بر الوالدين تاليًا للتوحيد في الفضل والجزاء، هذا للتدليل على الفضل العظيم لمن يحسن لوالديه ولا ينهرهما، ومن خلال منصة وميض سندلل على ما ذكرنا من خلال الأحاديث التي وردت عن بر الوالدين في السنة النبوية الشريفة.
حديث شريف عن بر الوالدين
يريد الله –سبحانه وتعالى- أن يهدي عباده إلى طريق الرشد والصراط المستقيم، فيعيدهم إلى جنته خالدين فيها أبدًا، لذا عرّفهم بما عليهم من حقوق، وكان هناك من الأوامر والنواهي ما تجعل العبد يدرك ما يقترف، فحدود الله بيّنة مُيسرة.
فالأبوين لهما سابق الفضل على المرء، إذ ربياه في الصغر وسهرا على راحته من الليالي والسنين، فكان لزامًا عليه حينما يكبر ويكبران معه أن يرد لهما من هذا الفضل فضلًا ومن الإحسان إحسانًا، فكان بر الوالدين واجبًا عليه، الأمر الذي يشمل طاعتهما والتواضع لهما والرفق في الحديث معهما وتكريمها، علاوةً على الدعاء لهما بظهر الغيب.
إن من يبر والديه يجزيه الله عظيم الجزاء ويدخله دار النعيم، ومن قصّر في حقوق والديه وفاته جزاء برهما فقد فاته الخير الكثير، فكما يعمل المرء على بر والديه وطاعتهما يجد ذلك في أبنائه، فيعاملونه معاملة حسنة ويكونون له طائعين جزاء ما فعل مع والديه.
قد ذكر الرسول الكريم أن من له من العباد فضل صحبته هو من يبر والديه، خاصة الأم، والتي حملت من الأعباء ما حملت، وصبرت واستكانت حتى يمن الله عليه بصالح الأبناء وأخيرهم، فتعبت في تربيتهم تربية صالحة، أكثيرٌ عليها أن يكون جزائها هو البر والطاعة طيلة حياتها؟
فالوالدين هما أحق الناس بالبر والإحسان، ومن ليس له خير في أهله لا يجد الخير أبدًا، هكذا ويوجد أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين يشير إلى فضل الإحسان إليهما، وتقديم الطاعة وألوان البر في حياتهما لا سيما عند الكبر، ومن تلك الأحاديث:
- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. وفي حَديثِ قُتَيْبَةَ: مَن أَحَقُّ بحُسْنِ صَحَابَتي وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاسَ” (صحيح مسلم).
- روي عبد الله بن عمرو –رضي الله عنه- حديث شريف عن بر الوالدين حينما قال: “جاءَ أعْرابِيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما الكَبائِرُ؟ قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ. قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الوالِدَيْنِ. قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ. قُلتُ: وما اليَمِينُ الغَمُوسُ؟ قالَ: الذي يَقْتَطِعُ مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هو فيها كاذِبٌ” (صحيح البخاري).
- عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك –رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ برُّ الوالِدَيْنِ، قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني بهِنَّ، ولَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزادَنِي” (صحيح البخاري).
- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ“ (صحيح الترمذي).
- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ. قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ” (صحيح البخاري).
- عن أبو بكره نفيع بن الحارث –رضي الله عنه- عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قال: “أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ. [وفي رواية]: وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: ألَا وقَوْلُ الزُّورِ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ” (صحيح البخاري).
- هناك حديث شريف عن بر الوالدين عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: “أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها“ (صحيح النسائي).
- أيضًا يوجد حديث شريف عن بر الوالدين يروي: “أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي مالاً وولداً وأبي يريد أن يجتاح مالي فقال: أنت ومالك لأبيك” (صحيح).
من خير الأعمال الصالحة التي تنفك بها الكرب وتزال بها الظلمات وتنفرج بها الهموم، فبر الوالدين لا يقارن بأي عمل آخر، فهو المقرون بطاعة الرحمن، لذا على المسلم والمسلمة اغتنام تلك الفرصة التي منحهم الله إياها، لنيل ثواب البر.
اقرأ أيضًا: موضوع تعبير عن بر الوالدين
بر الوالدين في مشكاة النبوة
تتعدد الأحاديث الواردة عن أشرف الخلق في بيان فضل بر الوالدين، وما هذا إلا تأكيدًا على ذلك الفضل العظيم الذي لا يضاهيه شيء، فمن يسهر على راحة والديه يجازيه الله خير الجزاء، ومن يكن صالحًا بارًا بهما وعده الله بأعلى الجنان، ونستكمل معًا ذكر أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين في النقاط التالية:
- ذكر في حديث شريف عن بر الوالدين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ” (صحيح مسلم).
- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ فاستأذَنَهُ في الجهادِ فقالَ: أحيٌّ والداكَ؟ قال: نعَم قال: ففيهِما فجاهِدْ وقال: أقبلَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ فقالَ: أبايِعُكَ على الهجرَةِ والجهادِ أبتَغي الأجرَ منَ اللهِ قال: فَهلْ مِن والدَيكَ أحدٌ حيٌّ؟ قالَ: نعَم بل كِلاهُما حىٌّ قال: أفتَبتَغي الأجرَ منَ اللهِ؟ قالَ: نعَم قال: فارجِعْ إلى والدَيكَ فأحسِنْ صُحبَتَهُما” (صحيح البخاري).
- حديث آخر يشير إلى فضل بر الوالدين: “أنَّ رجلًا أمرَه أبوهُ أو أمُّهُ شَكَّ شعبةُ أن يطلِّقَ امرأتَه فجعلَ عليهِ مائةَ محرَّرٍ فأتى أبا الدَّرداءِ فإذا هوَ يصلِّي الضُّحى ويطيلُها وصلَّى ما بينَ الظُّهرِ والعصرِ فسألَه فقالَ أبو الدَّرداءِ أوفِ بنذرِك وبِرَّ والديكَ وقالَ أبو الدَّرداءِ سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ الوالدُ أوسَطُ أبوابِ الجنَّةِ فحافِظ علَى والديكَ أوِ اترُكْ“ (صحيح).
- روي عبد الله بن عمرو –رضي الله عنه- حديث شريف عن بر الوالدين حينما قال: “جاء رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: جِئْتُ أُبايعُكَ على الهجرةِ، وترَكْتُ أَبَوَيَّ يبكيانِ، فقال: ارجِعْ إليهما؛ فأَضْحِكْهما كما أبكَيْتَهما” (صحيح).
- عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- قال: “سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا” (صحيح البخاري).
تبين سلفًا ومن خلال أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين أنه يضاهي الجهاد في سبيل الله، فكان خيرًا للمرء أن يمكث بجوار والديه لطاعتهما والإحسان إليهما، فكان كما قال جمهور العلماء يُحرم على الأبناء الجهاد في حالة منع الوالدين ذلك.
ما كان ذلك التحريم سوى لحكمة بالغة، وهي أن البر بمثابة الفرض العيّن على المرء، يحاسب عليه، أما عن الجهاد فهو فرض الكفاية، الذي يسقط على المرء بمجرد حدوثه.
اقرأ أيضًا: خطبة عن بر الوالدين
آيات قرآنية عن بر الوالدين
غنى عن البيان أن الجنة قد وضعها الله تحت أرجل الأمهات، ولا غرابة في التعبير إن كنّا بصدد بيانه، وهو الإحسان إليها والحرص على راحتها متى كانت بحاجة إلى ذلك، فهي التي لا تكل ولا تمل حتى تسعد أبنائها، فكان لزامًا عليهم الحرص أيضًا على إسعادها بشتى الطرق.
كما تناولنا أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين، يسعنا أن نذكر بعض الآيات القرآنية التي من شأنها أن توضح لنا فضل البر والإحسان إليهما، ففي محكم التنزيل ذكر الله –سبحانه وتعالى- في غير موضع عبادته مقرونة بطاعة الوالدين، وهذا ما تجلى في الآيات القرآنية القادمة:
- في سورة النساء قول الله تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)“، فكانت عبادته سبحانه وتعالى مقرونة بالإحسان إليهما.
- جاءت الآيات الكريمة من سورة لقمان لتدلل على فضل الأم والأب على الأبناء، كما يلي في قول الله –سبحانه وتعالى-: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)“.
- في سورة الإسراء قال الله تعالى تعبيرًا عن فضل الإحسان إلى الوالدين وضرورة الدعاء لهما: “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)“.
- كذلك قول الله تعالى في سورة الأحقاف: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)“.
- في سورة العنكبوت جاء قول الله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)“.
- مع اقتران عدم الشرك بالله وهو من أعظم الكبائر بأمر الإحسان إلى الوالدين، والذي جاء في سورة الأنعام في قول الله تعالى: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)“.
- هكذا تجلى الأمر الإلهي ببر الوالدين في قول الله تعالى: “وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)“ سورة مريم.
إنه من أسباب غفران الذنوب والتكفير عما اقترف المرء من سيئات هو البر بالوالدين، فحتى لو كانا كافرين أمر الله بطاعتهما وبرهما، إلا الطاعة في الكفر والعياذ بالله، حيث إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما عن البر فهو أمر آخر، وهو ما يتجلى في معاملتهما بأحسن معاملة، وعدم نهرهما في القول أو الفعل، هذا ما بينته لنا الآيات الكريمة عن بر الوالدين.
اقرأ أيضًا: حديث شريف يحث على بر الوالدين
فضل بر الوالدين
لعلّ الإحسان إلى الوالدين يكون بحسن العشرة، والطاعة قدر المستطاع فيما ليس به معصية للرحمن، فبر الوالدين كله فضائل وبركات، ومن يعينه الله تعالى على أن يبر بوالديه فقد يسر إليه من الخير أعظمه.
كان السلف الصالح طالما يحرصون على تقديم البر للوالدين، لينالوا خير الجزاء، فهو طريق النجاة، وما أخير من الاقتداء بالسلف الصالح؟ إن وجود الوالدين من النعم العظيمة التي يمن الله بها على عباده، لذا فلا خير فيمن لا يشكر الله على تلك النعمة، فيمن لا يزيدهم من الإحسان إحسانًا، وكما ذكرنا أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين نذكر من فضائل البر بالوالدين:
- إن البر هو السبب في مغفرة ذنوب العباد، وتكفير ما اقترفوه من معاصي، وإن دلّ هذا فما يدل سوى على الفضل العظيم من وراء بر الوالدين.
- هو بمثابة الطريق إلى الهداية والصلاح، فنعلم أن الأعمال الصالحة كثيرة، إلا أن بر الوالدين أفضلها.
- أقصر طريق لنيل الجنة والفوز بها، وهذا ما ورد في أكثر من حديث شريف عن بر الوالدين.
- بر الوالدين سبب لزيادة العمر والبركة فيه، علاوةً على زيادة الرزق.
- من أسباب رضا الله –عز وجل- عن العباد هو نيل رضا الوالدين، لذا فمن يرد أن يرضى عنه الله فليذهب إلى والديه ويُحسن إليها خير الإحسان.
- على جانب آخر نجد أن كل الذنوب من الممكن أن يؤخر الله منها إلى الحساب يوم القيامة، إلا العقوق، فهي من الكبائر التي يحاسب الله مقترفها في دنياه، فينل الجزاء مرتين، حيث يشهد أبنائه وهو عاقين له جزاءً على ما اقترف في حق والديه.
- من الدعوات المستجابة دعوة الأم والأب، فمن كان يحرص على الرضا من دعاء أبويه عليه ببرهما.
- إن من ينفق على والديه ويكون سخيًا كريمًا معهما، ينشر الله تعالى عليه من رحمته ويهديه إلى طريق الهدى، ويدخله الجنة.
اقرأ أيضًا: دعاء زيارة قبر الوالدين
طرق بر الوالدين
علمنا من خلال الآيات القرآنية وأكثر من حديث شريف عن بر الوالدين أنها من أفضل الأعمال عند الله، لذا كان على المسلم أن يعلم كيف له أن يبر والديه، فيسير على ذلك منهاجًا في حياته، رغبة في نيل الثواب، ومن تلك الطرق ما يلي:
- مناداة الوالدين بألفاظ الاحترام، وعند مخاطبتهم.
- السخاء والكرم في التعامل مع الوالدين، وعدم البخل عليهما في الأموال أو المشاعر.
- عدم نهرهما في القول أو الفعل أو مجرد النظر، خاصة في أوقات الغضب.
- الحديث معها بأفضل الكلام ولين القول، والرفق في المعاملة.
- الحرص على تقبيلهما وإظهار المودة والرحمة في التعامل معهما.
- التعبير عن التودد وإظهاره في كل الأوقات بكافة الطرق.
- طاعتهما والحرص على عدم عصيانهما، طالما في غير معصية الله.
- عدم رفع الصوت أثناء الحديث معهما.
- الإسراع بتلبية حاجاتهما، برضى نفس لا عن ضيق وسخط، وعدم التذمر من طلباتهما.
- تقديم الخدمات لهما بكل ما تستطيع أن تفعله.
- في حالة المرض، كن بجوارهما واعمل على تقديم ما تستطع فعله لرعايتهما والاطمئنان عليهما، فطالما حرصا على راحتك أثناء المرض.
- ترحم عليهما عند الموت، ولا تترك الدعاء لهما في صلاتك، وتأكد أن التصدق عليهما هو خير ما يُمكن فعله.
- إن منّ الله عليك بالعلم ما ينفعهما، فلتحرص على تزويدهما بما تعلم من علوم نافعة.
- دعوتهما للخير وفعل صالح الأعمال بأسلوب حسن، والإكثار من الدعاء لهما بظهر الغيب.
- الحرص على أخذ مشورتهما في الأمور الهامة ومشاركتهما في الرأي وعدم تجاهل ما يقولانه.
- إذا رأيت منهما المنكر، فلا يجعلك حب تغييره تترك ما وصاك به الخالق في لين النصح إليهما.
- إدخال السرور على قلب والديك من أعظم الطاعات عند الله، ومن أفضل صور البر والإحسان.
إن بر الوالدين مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، فمن أعظم ما يقوم المرء به من طاعات أن يبر بأبيه وأمه، في حياتهما وبعد الممات.