خطبة قصيرة عن الصبر
كثيرًا ما نسمع في صلاة الجُمعة خطبة قصيرة عن الصبر وما يعود على المرء نتيجة صبره وإيمانه بالله إيمانًا مبني على اليقين به والتوكل عليه تبارك وتعالى، وفي واقع الأمر لا يكون الصبرُّ إلا تعبيرًا عن طاعة الله وحُسن الظن به، وعبر منصة وميض سنستعرض لكم واحدةً من أجمل صور الخُطب في هذا الصدد.
خطبة قصيرة عن الصبر
الصبر مُفتاح الفرج، عبارةٌ كثيرًا ما نسمعها وقلما عملنا بها والتزمنا بمعانيها، وفي واقع الأمر ينطبق هذا القول على كافة أمور الحياة الدُنيا في الأمور الحياتية والدينية على حد السواء، وفي ديننا الإسلامي على وجه الخصوص هُناك مكانة كبيرة لفعل الصبر وثواب عظيم لمن يقومون به.
فالصبر لا يُعد إلا امتثالًا لأوامر الله تبارك وتعالى في الحياة الدُنيا، وهي من أعظم وأسمى الطاعات والخصال التي تميز بها أشرف خلق الله ورسوله مُحمد صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والرُسل والصديقين من السلف الصالح ومن تلاهُم.
لذا لا يُمكننا أن نقول إن الصبر أمرٌ سهل، فالمرء ضعيف وكثيرًا ما يميل ويهوى ويتقلب بشكلٍ لا حدَّ له، فهذا الفعل يجتمع فيه الإيمان، قوة العزيمة والثقة في الخالق تبارك وتعالى بكونه قادر على كُل شيء ومُدبر كُل ما حولنا.
نتيجةً لذلك يُعد التذكير باستعمال خطبة قصيرة عن الصبر أمرًا ضروريًا في صلاة الجُمعة، التراويح وحتى صلاتي العيد، ومن أبرز وأكثر صور هذه الخُطب جمالًا وتعبيرًا ما يلي:
إن الحمد لله.. نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يُهده الله فهو المُهتدِي، ومن يُضلل فلن تجد له وليًا مُرشدًا؛
أما بعد أيُها الأحباب، نجتمع في هذا اليوم المُبارك ومكاننا الذي نسأل الله أن يكون مُباركًا للحديث عن فضل الصبر وكيفية الالتزام به وفق ما جاء في قول الله العظيم الذي أُنزِلَّ في كتابه الكريم، بالإضافة إلى ما عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُنته الشريفة بإيحاءٍ من ذي الجلال والإكرام له.
الصبر من الصفات التي لا يمنُّ الله بها إلا على من أحبهم من عباده، وقد وعد الله الصابرين بمنزلةٍ عالية من منازل جنات النعيم، وهذا لا يُعبر إلا عن صعوبة وعِظم هذه الخصلة وفضلها.
اقرأ أيضًا: أحاديث الصبر على البلاء
الصبر من منظور الدين الإسلامي الحنيف
يُعد الفعل الأبهى والأجمل الذي يُمكن للمرء القيام به عند الوقوع في عظيم الشدائد والمُعاناة من الكروب في الحياة الدُنيا الصبر، ولكن هُنا علينا أن نُفرق بين مُصطلحين هامين وهُما الصبر والبلادة.
فالصبر الذي يتبعه استسلام وخنوع للأمر الواقع وما فيه من وهنٍ وضعف يُعد من صور الطباع المريضة التي يتسم بها البُلداء وليست من خصالِ الصابرين، فأهل الصبرِ أقوياءٌ ذوي بأسٍ وإصرارٍ شديد على تحمُل وتخطي ما نزل من الله عليهم من ابتلاءٍ وبلاء.
هذا الفعل في الدين الإسلامي لا يُعبر إلا عن التسليم لله والخنوع التام للخالق، ولكن الله في الوقت ذاته أمرنا بالأخذ بالأسباب، فالتخلص مما أصابك به الله من بلاء لن يكون إلا بالعمل والسعي، والصبر مع هذا العمل هو مُفتاح الخلاص والنجاح في الاختبار الإلهي.
عليك أن تعلم في سبيل سعيك أن الله حاشاه أن يُكلف المرء فوق ما يطيق، فقد قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ…} [سورة البقرة: الآية رقم 286].
هذا وعد الله، وهو حقٌ، فحاشا لله أن يخلف بوعده، فمهما عانيت من كُروبٍ ومررت بضيقٍ اعلم أن الرحمن الرحيم أعلم بك من نفسك وأقرب لك من حبل الوريد، وعلى إثر علم الله بك يُنزل عليك من الاختبارات والابتلاءات ما يعلم أنك قادرٌ على تخطيها بقوة الصبر والإيمان.
لذا يُمكننا القول إن خُلاصة ما نسرده لكُم من خطبة قصيرة عن الصبر كون هذا الفعل هو سبيل النجاح والنجاة، وبالالتزام به الخلاص من كُل كرب والخروج من كُل ضيق، فتخصلوا به واصقلوا إيمانكم باتباعه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
اقرأ أيضًا: كيفية الصبر على البلاء
خصلة الأنبياء وصفة الصديقين
بالاطلاع على ما جاء في نصوص ديننا الحبيب والحنيف نجد أن الصبر وما اقترن به من إيمانٍ بالله تبارك وتعالى كان السبيل الأول والأخير الذي اتبعه الأنبياء وغيرهم من المُرسلين للدفاع عما في قلوبهم وأذهانهم من اعتقادٍ توحيديٍ أساسه التسليم والتصديق بكون الله هو الخالق الواحد الأحد والفرد الصمد.
في كتاب الله الحكيم وقوله العظيم نجد العديد من الأمثلة التي يجب أن نحتذي بها فيما يخص الصبر والإيمان بالله، ورأينا أنه من الضروري تعريفُكم بها في مجلسنا هذا وما نقوله من خطبة قصيرة عن الصبر، فقد قال ذو الجلال والإكرام:
{فاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [سورة الأحقاف: الآية رقم 35]،
في هذه الآية الكريمة نرى بشكلٍ واضح وصف الله تبارك وتعالى للصبر بكونه من الخصال التي تخصل بها الرُسل.
كما قد وصف الله هؤلاء الرُسل من الصابرين بكونهم أولو عزم، ما يعني أن الصبر وفقًا لقول الله تبارك وتعالى يعتمد في المقام الأول على قوة العقيدة وسلامة الفكر، وهي من السمات التي لا يُمكن للمرء الاتسام بها إلا في حال ما آمن بالله حُسن الإيمان، وقد جاء في ذلك قول الرحمن:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: الآية رقم 153]،
لاحظ في قول الله الكريم كون الله وجه كلامه إلى المؤمنين قائلًا لهُم إن الاستعانة للتخلص من صعاب الحياة الدُنيا لا يكون إلا بالصبر والصلاة، وكون الله مع الصابرين ينم عن عظيم فضل هذه العبادة التي اقترنت بالعبادة الأسمى والتي تُعتبر أول ما يُسأل العبد عنها وهي الصلاة.
فضل الصبر وأثرُه في سُنة النبي العدنان
حمد الله في السراء والضراء وحين البلاء من صور الصبر، والصبر بحد ذاته خصلةٌ أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسُك بها وعرفنا في سُنته الشريفة على فضل هذه العبادة العظيمة، فقد جاء بتحديث الألباني على لسان الصحابي الجليل أنس بن مالك في تخريج مشكاة المصابيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ – عز وجل – إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ” [صحيح المسند]،
وفي هذا الحديث تعبير واختصار بليغ عما ذكرناه في خطبة قصيرة عن الصبر، فالصبر وفقًا لهذه الحالة على البلاء يُقابله من الجزاء ما يُعادل بأس البلاء وشِدته.
كما أن الصبر على ما ابتلى الله به عباده يعود على الصابرين منهُم بالخير واليُمن، ويُعتبر من أبرز وسائل الحط من الخطايا وغفران الذنوب والعفو عن المعاصي وفقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد على لسان السيدة عائشة أُم المؤمنين في صحيح مُسلم وبتحديثه الذي جاء فيه:
“ما مِن مُصِيبَةٍ يُصابُ بها المُسْلِمُ، إلَّا كُفِّرَ بها عنْه حتَّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها” [مُتفقٌ عليه]،
ففي كُل ما يلقاه المرء المُسلم والمؤمن من صعابٍ ومساوئ في الحياة الدُنيا يُكافأ على إثره ويحظى بعظيم الإحسان، والصبر على هذه الصعاب يُعزز إيمان المرء بالله ويُجازى عنه خير الجزاء والثواب.
الصبر أيضًا من صُور التقوى، وعلى إثر التقوى والإيمان يرضى المرء بكُل ما قسمه الله له من خيرٍ ومن شرٍ وبلاء، وقد جاء في صحيح البُخاري بتحديثه أن الصحابي الجليل أنس بن مالك قال:
“مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وهي تَبْكِي، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي”
[صحيح المسند]، فاتبعوا سُنة الهادي البشر واتقوا الله وعبروا عن إيمانكم به بالصبر حتى تُلاقوا الفرج وتنالوا حُسن المآب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكُم.
اقرأ أيضًا: اجمل ما قيل عن الصبر
من الجدير بالذكر كون الصابرين عند الله تبارك وتعالى في مراتبهم ينالون مقام الصدِّيقين والمقرَّبين من الأنبياء والمُرسلين، ويُبشرهم الله بالجنة والسعادة الخالدة مهما طال شقاؤهم في الحياة الدُنيا ستفنى لا محالة، ولكن أجر وثواب صبرهم عليها خالدٌ وباقٍ إلى أن يشاء الله، ومن لُطف الله بنا تعريفنا بجزاء الصبر قبل وقوع البلايا.