قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي
قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي تعبر عن وفائه للمكان الذي نشأ فيه أي مصر وحبه الشديد لها، كما أنها تدفع قارئيها القابعين في الغربة إلى معرفة أن هجر الوطن أمرًا ليس بهينًا، فمن خلال منصة وميض سوف نذكر لكم قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي وشرحها بالتفصيل.
قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي
من المشاعر الجياشة والتي تمتلك أي شخص منا عند شعوره بالشوق تجاه أي شيء من حوله أو تجاه الأشخاص المهمين في حياته هو الحنين، والذي يتم التعبير عنه بشتى الطرق.
فبالنسبة لرواد الشعر فإنهم يعبرون عن حنينهم من خلال كتابة الأبيات الشعرية العذبة وانتقاء الكلمات التي تعكس ما في داخلهم، فمن أبرز الشعراء الذين كتبوا عن الحنين هو الشاعر أحمد شوقي، والذي كتب قصيدة الحنين إلى الوطن.
من الجدير بالذكر أن قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي تجلت عقب نفيه إلى إسبانيا عام 1914 نتيجة قيامه بمهاجمة الاحتلال البريطاني، حيث إنه نُفي عن وطنه وتغرب لآخر أيام عمره.
ففي السطور التالية سوف نذكر لكم قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي وشرحها بشكل بسيط للتعرف إلى كيف قام هذا الشاعر بالتعبير عن مشاعر الحنين داخله:
1- ذكريات شوقي وحنينه لوطنه
كان أحمد شوقي كثير التعلق بوطنه، حيث تجلى ذلك الأمر في أول ثلاثة أبيات من قصيدة الحنين إلى الوطن وهم كالآتي:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي … اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ … صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت … سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ
في هذه الأبيات بدأ الشاعر أحمد شوقي بحكمة صادقة وهي أن تعاقب الأيام يساعد الإنسان على نسيان ما مضى من ذكريات جميلة، لهذا أمر صاحبيه الذي تخيلهما أن يعيدا على مسامعه الأيام السعيدة وذكريات الصبا التي كان ينعم بها في مصر.
ثم طلب منهما أمرًا آخر وهو تذكيره بفترة الشباب التي لا زالت في خياله ولم تفارقه نظرًا لكونها ماثلة أمام عينيه، وفي النهاية أشار إلى أن هذه الفترة مرت سريعًا مثل النسيم العابر أو مثل لحظة النوم التي تم اختلاسها من الزمن.
نستشف من الأبيات الثلاثة أن الشاعر أحمد شوقي يستنكر تمامًا نسيانه لوطنه وأيام الصبا والفرحة التي عاش فيها على أراضيه بجوار أهله وأصدقائه وأحبابه.
اقرأ أيضًا: قصيدة حسان بن ثابت في مدح الرسول
2- الشعور بالألم في البعد عن الوطن
بدأ أحمد شوقي في سرد الآلام التي يشعر بها بعد تعبيره عن حنينه لوطنه، حيث إن تلك الآلام انبعثت من عدم قدرته على العودة مجددًا لأرض الوطن، فقال:
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها … أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
كُلَّما مَرَّتِ اللَيالي عَلَيهِ … رَقَّ وَالعَهدُ في اللَيالي تُقَسّي
مُستَطارٌ إِذا البَواخِرُ رَنَّت … أَوَّلَ اللَيلِ أَو عَوَت بَعدَ جَرسِ
راهِبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ فَطنُ … كُلَّما ثُرنَ شاعَهُنَّ بِنَقسِ
في الأبيات السابقة يتضح لنا أن شوقي خاض في خياله، حيث إنه قال لرفيقيه المتخيلين أن يطرحا سؤلًا على مصر وهذا السؤال غرضه النفس وهو هل نسى قلبه المرغم بها لها، وهل من الممكن أن يداوي الزمان جراح فراقه عنه.
ثم قال إن مرور الأيام في الغربة تنشأ القسوة في قلب المغترب وتنسيه أحبابه لكنه لم ينسَ أبدًا مصر بل إنه يزيد لها حنينًا وشوقًا، كما أنه أشار إلى أن سماعه لصوت البواخر وهي تصل الميناء في الليل تجعل قلبه يخفق ويضطرب.
حيث يتخيل وكأنه يرحل مع هذه البواخر إلى أراضي وطنه، وعلى الرغم من رؤيته لقلبه وكأنه راهب داخل مراحبه، فإنه لم يقطع الأمل في أنه يومًا ما سوف يصل إلى وطنه الغالي بتلك السفن.
3- إرسال التحيات للوطن ومناجاة السفينة
استكمالًا لشرح قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي، فسوف نذكر لكم فيما يلي الأبيات التي بدأ فيها الشاعر مناجاة السفينة لأخذه للعودة إلى وطنه:
يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ … ما لَهُ مولَعاً بِمَنعٍ وَحَبسِ
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَوحُ … حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا … في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ
نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ … بِهِما في الدُموعِ سيري وَأَرسي
وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجراكِ … يَدَ الثَغرِ بَينَ رَملٍ وَمَكسِ
قام أحمد شوقي بمخاطبة السفينة، وذلك من خلال لوم البحر على جعله كالحبيس في إسبانيا ومنعه من الرحيل إلى وطنه مصر، ثم يستنكر أمامها قسوة الاحتلال البريطاني الذي حرمه من وطنه وهو كان من أبنائه المخلصين.
ذلك من خلال قوله إن وطنه متاح أمام الغرباء من جميع الجنسيات لكي يستمتعوا بخيراته مثل الشجر فهو متاح لكل أنواع الطيور، لكنه يحرم على بلابله العيش فيه.
حيث إنه قصد بتلك الحكمة أن أهل الدار هم من أحق بها، فلا يجوز أن يكون المستعمرون الفاسدون من يحتلونها وينفوا من يعارضهم من أهلها، ويسترد شوقي حديثه من خلال استعطاف السفينة وطلب منها مجددًا أن تحمله لمصر.
فلقد تعهد لها أن يفعل ما ترغب به طوال الرحلة، فإن أنفاسه التي تشتعل من الشوق سوف يجعلها بمثابة وقودها، أما عن قلبه الخافق سوف يصبح شراعها، ودموعه ستكون كالبحر الذي تسير فيه، ولكن عليها أن تنقله لوطنه.
كما أنه أمرها بأن تسير نحو الإسكندرية وترسي فيما بين منطقة الرمل والمكس؛ لأنه كان يعيش هناك في وطنه سعيدًا، ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقي حرص على ذكر الأماكن التي ترتبط بذكرياته السعيدة كالفنار والرمل والمكس والثغر.
اقرأ أيضًا: كلمات قصيدة لا تشكو لِلنَّاسِ جرحًا أنت صاحبه كاملة
4- عدم نسيان الوطن مطلقًا
وضحت قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي أنه كان وفيًا للحد الذي جعله يقول إنه لا يوجد شيء في الحياة سوف يتمكن من شغل باله عن وطنه، ويتجلى ذلك الأمر في الأبيات التالية:
وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ … نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي
وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ … ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ
شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني … شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي
يقول أحمد شوقي في تلك الأبيات أن حبه لوطنه مصر الغالية كبير للغاية لا يشغله عنه شاغل حتى وإن كان جليلًا مثل الخلود في الجنة، فلقبه المشتاق لوطنه لن يروى ظمأه سوى الرحيل إليه.
لرؤية ضواحيه الجميلة وأهلها، وكذلك أصدقاء منطقة عين شمس التي ظل فيها فترة من الزمن، كما أنه يردد مجددًا كما ردد في مطلع القصيدة أن صورة وطنه لم تغب مطلقًا عن عيونه.
فعلى الرغم من بعده عن الوطن فما زال أمام عينه وداخل قلبه، ولقد تمكن أحمد شوقي بتأكيد شدة شوقه وحنينه إلى مصر بما كتب.
الصور الشعرية في القصيدة
بعد أن تعرفنا إلى شرح قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي بالتفصيل، فإننا في السطور التالية سوف نذكر لكم مجموعة من الصور الشعرية التي أضفت الجمال على القصيدة:
- النهار – الليل، وينسى- اذكرا: كلمات تحمل التضاد الذي يساهم في تقوية المعنى وتوضحيه.
- ينسى – أنسى: تصريع يعمل على إعطاء جرسًا موسيقيًا رائعًا في مطلع القصيدة.
- عصفت كالصبا: جملة فيها تشبيه، حيث قام أحمد شوقي بتشبيه فترة الشباب وكأنها فترة مرت سريعًا مرور الرياح، ومن الجدير بالذكر أن كلمة الصبا من ألفاظ التراث التي يتم استعمالها في مدرسة الإحياء.
- سنة حلوة: استعارة مكنية، فلقد صور الشاعر اللذة وكأنها كنز يتم اختلاسه، وهي كناية عن المرور السريع لفترة الشباب دون الشعور بها.
- سلا مصر: هو أسلوب إنشائي الغرض منه الالتماس والتمني.
- سلا – سلا: محسن بديعي وهو جناس تام يعطي جرسًا موسيقيًا ويعمل على تحريك الذهن.
- إذا جرحه الزمان المؤسي: استعارة مكنية، حيث إنه تم تصوير الزمان وكأنه طبيبًا يساهم في مداوة الجراح، وسر جمالها في الإيحاء بأن أثر الزمن يحمي الذكريات.
- مستطار: استعارة مكنية وفيها تصوير للقلب وكأنه طائرًا شعر بالذكر بسبب صوت السفينة، وسر جمالها الإيحاء بشدة الاضطراب.
- نقس: استعارة تصريحية، وفيها تشبيه لصوت نبضات القلب بصوت الجرس.
- يا ابنة اليم: أسلوب نداء غرضه الاستعطاف، وهو استعارة مكنية أيضًا حيث شبه السفينة بإنسان وينادي عليه.
- شغلت عنه ونازعتني إليه نفسي: تضاد يبرز المعنى ويقويه.
- هفا بالفؤاد ظمأ: استعارة مكنية وفيها تصوير للقلب بشخص يتحرك ويذهب.
اقرأ أيضًا: أجمل بيت شعر عن زوجتي
الخصائص الفنية لأحمد شوقي
تتجلى الخصائص الفنية في قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي، حيث إنها تشمل الآتي:
- الفصاحة في اختيار الألفاظ وبعدها تمامًا عن الغرابة والتنافر.
- إحكام صياغة العبارات باحترافية.
- روعة التصوير والقيام باختيار العديد من الصور التي تخدم المعاني.
- استعانة بالعديد من المحسنات البديعية.
- القيام بوضع مجموعة مختلفة من الأفكار والمزج بينها جيدًا مع تعميقها.
استخدم أحمد شوقي المعاني والمرادفات الجميلة، وكذلك الجماليات لكي يصف مدى شوقه وحنينه لوطنه بعد نفيه عنه، فكتب قصيدة الحنين إلى الوطن بفن وبراعة.