الفرق بين الحسد والغبطة
لا يعرف كثير من الناس بوجود الفرق بين الحسد والغبطة، حيث يختلط المعنى والمفهوم بينهما لدى بعض الأشخاص فيعتقد أن كلاهما أمر واحد ولا اختلاف بينهما، إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ وتلك معلومة مغلوطة كليًا، وسوف نتعرف إلى الفرق بينهما بالتفصيل من الناحية النظرية وحكم الدين من خلال منصة وميض.
الفرق بين الحسد والغبطة
إن الفرق بين الحسد والغبطة ليس بسيطًا، حيث إن كلًا منهما المشاعر المحركة لهما تختلف عن بعضها كل الاختلاف، ولمعرفة الفرق بين الحسد والغبطة يجب التعرف أكثر إلى الشعور والدوافع المحركة لكل منهما، وهذا يتضح لنا أكثر من خلال الآتي:
1- صفة الحسد
إن أول شيء نتعرف إليه فيما يخص الفرق بين الحسد والغبطة هو تعريف الحسد، والحسد هو تمني الشخص أن تزول النعمة من غيره لمجرد أنه لا يتنعم بها، حتى وإن كان ينعم بها فإنه يحقد على من يمتلكها غيره، ويزداد حقده وغيرته لدرجة قد تصل إلى تمني الشر والأذى ولربما الموت للغير.
إن الحسد سلاح فتاك قد يقتل الإنسان إذا ما صوبه أحدهم تجاهه، ولقد ورد ذكر الحسد في أكثر من موضع من القرآن الكريم، ولأن الله يعلم شدة ما يمكن أن يحدثه الحسد في حياة الإنسان أنزل سورة كاملة، يمكنها أن تحمي الإنسان من شر الحسد ومن الحاسدين.
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق]
لشدة وشر نتيجة الحسد قيل عنه أن الحسد أدخل الجمل القدر وأدخل الإنسان القبر، ويجب أن يعرف كل شخص أنه قد يحسد من قبل شخص آخر على شيء لا يتوقعه، مثل تدينه أو علاقته بالله أو لتبسمه حتى وإن كانت بسمته مصطنعة ويكمن ورائها الكثير من الألم.
“عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ” رواه أبو هريرة، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
اقرأ أيضًا: كيفية القراءة على الماء لفك السحر والحسد
2- صفة الغبطة
ثاني شيء نتحدث عنه في الفرق بين الحسد والغبطة هو تعريف الغبطة، التي تعد دربًا من دروب الحسد المحمود الذي لا يؤثر بالسلب ولا يؤذي صاحبه أو حتى الشخص المغبوط، ويقصد بالغبطة هو تمني الشخص للنعمة الذي ينعم بها غيره، ولكن من دون أن يتمنى أن تزول هذه النعمة من يد غيره.
يقول القرافي: والغبطة: “تمني حصول مثل نعمة الغير لنفسك، من غير تعرض لطلب زوالها عن صاحبها بل تشتهي مثلها لنفسك مع بقائها لذويها” وقد تخص باسم المنافسة. وقد يعبر عنها بلفظ الحسد كما في قوله ﷺ: “لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل آتاه الله تعالى مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار” أي: لا غبطة إلا في هاتين، على وجه المبالغة
الغبطة لا تؤذي صاحبها أو حتى الشخص المغبوط أو المحسود بتلك الطريقة الحميدة، فمثلًا يمكن للشخص أن يتمنى أن تكون له سيارة مثل التي يمتلكها صاحبه، وفي نفس الوقت نجده يسأل الله أن يسعد صاحبه بما يمتلكه، وذلك لأنه لا يحمل في قلبه مشاعر كراهية أو بغض أو حسد شيطاني.
يقول بن القيم الجوزية “العائن والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء؛ فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه؛ فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته، والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضًا، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان، أو زرع، أو مال”
أعراض الحسد
في إطار التعرف إلى الفرق بين الحسد والغبطة يجب التنويه بأن للحسد أعراضًا تميزه، وتجعل الإنسان قادرًا على تحديد ما إن كان ما يمر به نتيجة لعين حاسدة أم لسبب آخر، ومن أشهر أعراض التعرض للحسد:
- الإحساس بالفتور واللا مبالاة تجاه الالتزامات الشخصية أو المهنية أو الدراسية.
- الإحساس بألم قوي في الرأس.
- الشعور بالدوخة والضعف بشكل متكرر.
- التعرض إلى الإغماء.
- نقصان الوزن جدًا وبوتيرة متسارعة.
- التوتر وكثرة الخلافات بين المتزوجين.
- الشعور بالكسل والخمول بصفة مستمر.
- التردد والقلق المستمر وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
- عدم الاستقرار.
- عدم الاهتمام بالمظهر العام.
- الانطواء والميل إلى العزلة أغلب الوقت.
- قلة النوم وكثرة الأرق.
- الرغبة الملحة في النوم دومًا.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع شيطان الحسد
حكم الحسد والغبطة في الإسلام
في إطار التعرف إلى الفرق بين الحسد والغبطة يجدر بنا الإشارة إلى أن لكل منهما حكمًا في الشرع والدين الإسلامي، ولقد ميز الإسلام فيما بينهما في القلب والقالب وكذلك في الحكم الشرعي وحد الدين، وحكم الحسد والغبطة يتضح لنا من خلال الآتي:
1- حكم الغبطة
إن حكم الغبطة في الإسلام هو جائز أي غير محرم، فهي دافع لكثير من الناس للتنافس في عمل الخير، لنيل رضا الله والفلاح في الدنيا ولقد وعد الله هؤلاء بنعيم في الدنيا والآخرة
(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [سورة المطففين، الآية رقم 26]
لكن جدير بالذكر أن الغبطة هي أولى درجات الحسد، والتمادي فيها يؤدي إلى تحولها لحسد مطلق، لذا يجب أن يتحكم الإنسان في نفسه ويهذبها لكيلا تتحول إلى عدو له ولمن حوله، والغبطة من صفات المؤمن والحسد من صفات المنافق، ولا يليق بالمؤمن أن يكون منافقًا.
“عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتَمِعانِ في النَّارِ مُسلمٌ قتلَ كافرًا ثمَّ سدَّدَ وقاربَ، ولا يجتَمعانِ في جوفِ مؤمنٍ غبارٌ في سبيلِ اللَّهِ وفيحُ جَهَنَّمَ، ولا يجتمعانِ في قلبِ عبدٍ الإيمانُ والحسدُ” رواه أبو هريرة، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح النسائي، حكم الحديث حسن الإسناد.
اقرأ أيضًا: دعاء يحمي من العين والحسد
2- حكم الحسد
إن حكم الحسد في الإسلام هو محرم تمامًا وغير جائز، فهو شر من الشرور وهذا ما وصفه الله به في كتابه العزيز (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)
[سورة الفلق، الآية رقم 5]، لذلك وصانا الله تعالى أن نستعيذ به من شر كل شخص حاسد، لعلمه أن الحسد من الممكن أن يفتك بالإنسان.
كما وأوصانا النبي صلى الله عليه وسلم ألا نحسد غيرنا وهذا وفقًا لما رواه الإمام أنس بن مالك رضي الله عنه:
“لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ” رواه أنس بن مالك، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
إن معرفة الفرق بين الحسد والغبطة يتوقف عليه تحديد الكثير من الأمور في حياة كل إنسان، وعلى رأسها كيفية التحكم في النفس والسيطرة على المشاعر وطريقة التفكير.