هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد
هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد؟ وما هي قصة السحر في القرآن؟ جميعنا يعرف أن السحر من المحرمات وهذا أمر واضح ولا جدال فيه، إلا أننا نجد البعض ينكرون تلك الحقيقة، ويتمادون كثيرًا في إلحاقهم الأذى بالغير عن طريق السحر أيًا كانت المسافة الفاصلة بينهم، وسنتأكد من خلال منصة وميض هل بعد المسافة بين الساحر والمسحور تضعف السحر وتمنعه أم لا.
هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد
إن الإجابة عن سؤال هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد هي نعم مع الأسف، فإنه يمكن لبعض السحرة والدجالين الذين كفروا بالله أن يؤذوا أحد الأشخاص بتكليف من أشخاص آخرين ضعفاء الإيمان والنفوس، لهدف الانتقام أو الحصول على محبتهم وودهم بالإكراه أو لغرض آخر.
إن السحر هو وسيلة دنيئة يتقنها البعض للكسب الغير مشروع، وشرط إتقان تلك الوسيلة هو الشرك بالله سبحانه وتعالى، لأنه يعتمد في المقام الأول على الاعتماد على الجن لكي يقضوا حوائج الإنسان ويقربوا منه ما أبعده الله عنه ولكنه لم يرضى بقضائه هذا.
إن الله يجب عبده إلى أقصى حد يمكن تخيله، فلا يحب أن يدعو معه إلهًا آخر أو يلجأ لغيره لكي يقضي له حاجته، وسؤال أي مخلوق آخر غير الله يعد كفرًا وشركًا بالله، والله يغفر كل شيء إلا أن يكفر به الإنسان، ومصير من يعرض عن ذكر الله واللجوء إليه هو النار وبئس المصير.
مصير من يلجأ إلى الجن واستخدامهم وتسخيرهم للقيام بالسحر لأي سبب من الأسباب هو الهلاك والعذاب الأليم، والدليل على ذلك هو قوله تعالى:
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [سورة الجن، الآيات 5، 6]
يعتمد السحرة والدجالين على السحر لأي شخص قريب أو بعيد من خلال استحضار الجن بطريقة الاستدعاء، عن طريق ترديد استدعاءات بنبرات صوتية محددة وطلاسم معينة لكي يحضروا، ويطلبون منهم ما يريدون وقد يطلب الجن من الإنسان شروطًا مقابل خدماته وتلبية أوامره شروطًا تتمثل في فعل المنكرات والفواحش والشرك بالله.
هناك أكثر من نوع من السحر منه المأكول والمشروب وسحر الخطوة الذي يبدأ مفعوله بمرور الشخص المسحر من فوقه، ويوجد السحر المشروب والمستنشق عن طريق بخور أو عطر.
أما الأغراض فمعروفة إلى حد كبير كالانتقام من شخص ما أو الأذى من دون سبب، أو جلب شخص معين للزواج أو التفريق بين الأهل أو التفريق بين المتزوجين والمخطوبين، وكلها في النهاية محرمات ومنكرات وكلها كفر وشرك بالله.
“عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنِبوا السبعَ الموبقاتِ: الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النَّفسِ التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتولِّي يومَ الزَّحفِ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافِلاتِ”
رواه أبو هريرة، وحدثه السيوطي، المصدر: الجامع الصحيح، حكم الحديث: صحيح الإسناد.
اقرأ أيضًا: متى يبدأ مفعول سحر التفريق
السحر في القرآن
في إطار الإجابة عن سؤال هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا، يدر بنا الإشارة إلى أن السحر قد ورد ذكره في القرآن الكريم بأكثر من موضع، كما خص الله السحرة والدجالين بالذكر وتوعد لهم ولمن يتبعهم أو يلجأ إليهم بالعذاب الأليم في الدنيا والأخرة أيضًا.
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [سورة البقرة، الآية رقم 102]
يتهم البعض نبي الله سليمان عليه السلام بأنه إما ساحرًا دجالًا كان يسخر الجن بقوته، وهناك من يعلل ممارسته السحر بأن سيدنا سليمان كان نبيًا ولكنه كان يسخر الجن أي أن السحر وتسخير الجن أمر حلال مباح بغض النظر عن الهدف منه.
تلك الآيات الكريمة السابقة تبرهن مدى خطأ تلك الادعاءات وهي ضرب من ضروب الكفر والشرك بالله، ويتهمون سيدنا سليمان عليه السلام بأنه كان ساحرًا وهو لم يكن كذلك، إنما أتاه الله القدرة على تسخير الجن ليقضي به الحوائج التي يفرضها الله عليه ويأمره به، ولكي يؤدب المتمردين من بني الجن.
إن هذا الملك بالذات لم ينبغِ في يوم من الأيام لأحد قبل سيدنا سليمان ولم ينبغي لأحد من بعد موته، وفي النهاية كان سيدنا سليمان نبيًا من البشر مكلف برسالة من عند الله، أداها ثم استرد الله وديعته ولم يخلق يومًا نبيًا لكي يكون كافرًا به وعاصيًا له.
اقرأ أيضًا: علاج سحر وقف الحال النحس في الرزق والمال
سيدنا موسى والسحر
استكمالًا للحديث عن إجابة سؤال هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا، يجب توضيح أن هناك ادعاء وافتراء آخر على أنبياء الله بأنهم كانوا يمارسون السحر ويقومون به على الملأ، والادعاء هذه المرة يختص به سيدنا موسى عليه السلام وقصته مع الفرعون.
(فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ)
[سورة طه، الآيات 60: 64]
سيدنا موسى عليه السلام كان يعرف هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا يمكن ولكنه لم يكن يومًا ساحرًا وكان يخاف السحر والسحرة، وعندما أتاه الله معجزات العصا التي تتحول إلى أفعى ويده التي تتحول إلى نور شديد، أتاه تلك المعجزات لكي تكون بينة وحجة قوية يرد بها على فرعون ومن جمعهم حوله من السحرة الذين كذبوا بنبوته.
(قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ)
[سورة طه، الآيات 65: 70]
كانت الغلبة لسيدنا موسى في النهاية، ليست لأنه نبي وعلى علم هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا يمكن، بل لأنه كان مؤمنًا بالله مدركًا لكل ما هو حرام وفيه شرك بالله وكان يحرص دومًا على تجنبه.
اقرأ أيضًا: متى يبطل سحر التفريق
كيفية التحصن من السحر
بما أننا قد عرفنا هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا يمكن ذلك، أصبح من الضروري جدًا نحذر مما قد وصلت إليه نفوس بعض البشر من الشر الذي يتمثل في الشرك بالله والكفر به، ويمكن لأي منا أن يتعرض إلى السحر من شخص ليس قريبًا منه، فلا يشك به ولا يخمن حتى أنه قد ارتكب في حقه جريمة كهذه.
إن ما يعطي لهؤلاء السحرة والدجالين الكفرة فرصتهم لكي يمارسوا شرورهم تلك ويبثوا الفساد والأذى بين الناس في الأرض، هو جهل وضعف نفوس الناس وعدم إيمانهم بالله والرضا بقضائه، ونحن جميعًا معرضون إلى هذه النوعية من البشر.
لأننا لا نعلم ما في النفوس والعقول ولا يجب أن نسيء الظن، فيمكننا أن نحصن أنفسنا بأنفسنا وأن نعتصم بالله، وإذا أردنا الوقاية من شر السحر من قريب أو بعيد ينصح بالحفاظ على الآتي:
- الاستماع إلى الرقية الشرعية وتشغيلها في البيت كل يوم، مع الحرص على التركيز في كل حرف منها لكي يتخلل النفس ويحصنها.
- نهي النفس عن المنكر والآثام.
- الالتزام بأذكار الصباح والمساء كل يوم وعدم إهمالها.
- الالتزام بإخراج الزكاة في مواعيدها المخصصة لها كل عام.
- الحرص على الاستغفار إلى الله دومًا، فهو يمحو الذنوب ويطهر النفس ويجعلها قوية محصنة ضد ذلك النوع من الأذى وهو سيد الدعاء.
- الالتزام بصلاة الفروض الخمسة في مواقيتها، وينصح بعدم إهمال السنن والرواتب.
- الاهتمام بتخصيص ورد خاص من القرآن الكريم يوميًا.
- عدم إبداء تفاصيل الحياة اليومية أمام الآخرين، لأنه من الوارد أن يحقد أحد الموجودين على الشخص الراوي فيدبر له مكيدة السحر.
- التصدق باستمرار، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالصدقة، فهي دواء لكل مريض، وشفاء لكل آفة.
عرفنا هل يمكن عمل سحر لشخص بعيد أم لا، ولا يجب أن يتعجب الإنسان مما وصلت إليه بعض نفوس البشر، فلتك هي سنة الحياة التي قضت بأن يضل الكثير من البشر إلى حد الكفر بالله.