معايير اختيار الصديق
معايير اختيار الصديق من الأمور الهامة التي يجب أن يتنبه إليها الشخص في حالة رغبته في تكوين الصدقات الجديدة، حتى لا تكون عاقبة الأمر خسرانًا مبينًا، فعندما يخطئ الشخص في اختيار أحد الأصدقاء لا يكون ذلك من الأشياء التي تمر مرور الكرام دون أن تلحق به الضرر، لذا ومن خلال منصة وميض، سوف نتعرف على كافة معايير اختيار الصديق، وذلك عبر السطور التالية.
معايير اختيار الصديق
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية أبي هريرة: “المرءُ على دينِ خليلِهِ، فَلينظُرْ أَحدكُمْ مَنْ يُخالِلُ” صحيح، حيث إن الشخص يكتسب من صفات من يلازمه، الصديق في الكثير من الأحيان يكون أقرب إلينا من سواه، بل أقرب من الأهل أيضًا، فهو الشخص الذي اخترناه بمحض إرادتنا، ولا ندري أذلك خير لنا أم أن داخله يكمن الشر، فنحن لا نعلم ما تكنه الصدور.
إلا أن الله -عز وجل- قد أوضح لنا الكثير من الأمور من خلال كتاب الله عز وجل، وكذلك لم يتركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون لنا منهاجَا نسير عليه يخطط لنا حياتنا بأكملها، ليس فقط من الناحية الدينية فحسب، بل أيضًا من الناحية الدنيوية والمجتمعية.
لذا عند اختيار الصديق علينا أن نعمل على تطبيق الضوابط التي من المفترض أن يتم اختياره على أساسها، حتى نكون على أتم اليقين من أن تلك العلاقة سوف تكون ناجحة ولن نندم يومًا على تأسيسها، لذا ومن خلال ما يلي سوف نتعرف على معايير اختيار الصديق.
1- صلاح النفس
يقول الله -عز وجل- في محكم التنزيل في سورة يونس الآية رقم 117“وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” فصلاح النفس من أهم الصفات التي من الممكن أن يتم اختيار الصديق على أساسها، كونها تضمن أن يكون شخصًا سويًا.
فالصديق الصالح لا يمكن أن يكون حاسد أو حاقد أو به أي من الأمور التي من الممكن أن تلحق الضرر بصاحبه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً” صحيح.
فالشخص الصالح هو الذي يأخذ بيد صاحبه إلى الطاعات، وهو الذي يسعد لسعادة صديقه ويعينه على كربات الدنيا، لذا عند اختيار الصديق، ينبغي على الشخص أن يتحرى أن يكون من الصالحين.
لا يوجد بيننا من هو كامل الأوصاف، إلا أننا دائمًا ينبغي أن نسعى في الإصلاح من ذاتنا، ولا يمكن لذلك أن يتحقق ونحن بمعية أصدقاء السوء الذين لا نجني من ورائهم سوى الأمور غير الجيدة على الإطلاق.
اقرأ أيضًا: كلمات جميلة عن الصداقة والحب
2- الشخص الصادق
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “عليكم بالصِّدْقِ؛ فإنَّهُ مع البِرِّ، وهُما في الجنةِ، وإيَّاكمْ والكذِبَ، فإنَّهُ مع الفُجورِ، وهُما في النارِ، وسَلُوا اللهَ اليقينَ والمُعافاةَ؛ فإنَّهُ لمْ يُؤْتَ أحدٌ بعدَ اليقينِ خيْرًا من المُعافاةِ، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَقاطَعُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا، كَمَا أمرَكُمُ اللهُ” صحيح رواه أبو بكر الصديق.
فالصديق كلمة مشتقة من الصدق، لذا فإنه من أهم معايير اختيار الصديق ألا يكون كذابًا، فالكذب من الصفات غير المحمودة على الإطلاق، كونها تؤدي إلى الكثير من المشكلات، وتجعل الصداقة غير جيدة على الإطلاق.
كذلك على الشخص أن يعلم أنه حينما يدخل الكذب في أمر ما، لابد وأن يفسده، فكيف سيكون الكذب هو الذي يترأس علاقة صداقة نود أن تكون ناجحة، لذا لا يجب علينا في مرحلة اختيار الصديق أن نكون مطمئنين له بالشكل الكافي في البداية.
بل علينا أن نحاول قدر المستطاع القيام بعدة اختبارات من شأنها أن توضح لنا صدق الذي أمامنا، حتى نتجنب الوقوع في العديد من الأمور غير الجيدة بعد ذلك.
3- التحلي بالأمانة
عندما نقبل على اختيار الصديق، فإننا نسعى لذلك من أجل أن نجعله جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، فنفيض له بالأسرار، نحفظ لديه أموالنا، يأتي إلى المنزل لزيارتنا، فيجب أن يكون ذلك الشخص أمينًا، حتى يحظى بفرصة أن يكون صديقًا لنا.
فالأمانة أمر لا يستهان به على الإطلاق، وقد قال الله عنها في محكم التنزيل في سورة الأنفال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ“.
كذلك الشخص غير الأمين يكوب سببًا في إحداث الكثير من المشكلات، فحتى وإن لم يكن صديقًا لنا، فإن مجرد تواجده في الحياة، من شأنه أن يكون أمر بالغ الضرر لنا، فهو يعمل على إثارة الفتن في الكثير من الأحيان، بخلاف الصفات الذميمة الأخرى التي تصحب ذلك الشخص.
4- لين القلب
من أهم الأمور التي تدل على صلاحه، فهو مميز بأفضل معايير اختيار الصديق، فهذا الشخص من الممكن أن تلجأ له في أصعب الأوقات لتجده قد فتح ذراعيه واستقبلك مهما كان الأمر، وعمل على تهدئة روعك بالكلمات الحانية.
فمن منّا لم ترهقه الحياة بعد وتضعه في الكثير من الأمور التي لا يتحملها في بعض الأوقات، مما تكون دافعًا لبحثه عن الكتف الذي يركن إليه، وإن لم يكن ذلك الكتف هو الصديق الذي اختاره، فمن سيكون.
الجدير بالذكر أن لين القلب بين الفردين يجعل من العلاقة حانية ورائعة بشكل لا توصف، ولابد في تلك الحالة أن تملل بالنجاح، فقد روى عبد الله بن سرجس:
“قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إني أحبُّ أبا ذرٍّ فقال أعلمتَه بذلك قلت لا قال فأعلِمْه فلقيت أبا ذرٍّ فقلت إني أحبُّك في اللهِ قال أحبَّك الذي أحببتَني له فرجعت إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرته فقال أما إن ذلك لِمَن ذكره أجرٌ” صحيح.
5- الحث على الطاعات
الصديق الحق هو من يشد صديقه نحو الطاعات ويجره إليها جرًا، فذلك هو الأولى أن نقول إنه صديقنا، ذلك الذي يخاف علينا من الوقوع في الذنوب، فهناك الكثير من الأصدقاء الذين نراهم في يومنا هذا يدفعون بنا إلى التهلكة.
فنرى الصديق هو من يعلم صديقه شرب السجائر، وآخر يحثه على التعرف على الفتيات من أجل غوايتهن، وفي تلك الحالة لا تكون هنالك صحبة صالحة، فالصديق الحق هو المعين على الطاعات الذي يجر صاحبه إلى المسجد جرًا من أجل التقرب إلى الله تعالى، ويعد ذلك من أهم معايير اختيار الصديق.
فالصاحب الذي يكون له كفل من ذلك، هو من يأخذ بيد صاحبه إلى الجنة، ويظلهم الله يوم القيامة، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” صحيح رواه أبو هريرة.
اقرأ أيضًا: كلمات جميلة عن الصداقة
6- أن يكون وفيًا
وفاء الصديق من أهم الأسس التي يجب مراعاتها عند اختياره، فنحن لا نضمن سير الأمور دائمًا على ما يرام، فمن الممكن أن يحدث بين الصديق وصديقه الكثير من المشاحنات مهما كان السبب، فالصديق الوفي حينها لا يمكن أن يقوم بإطلاع أي من الأشخاص على سر صديقه.
كذلك يتجلى الوفاء في العهد الذي يكون بين الشخص وصاحبه، والذي لا ينبغي بالضرورة أن يكون منطوقًا، فطالما أن الشخص قد أفضى إلى صديقه بالكثير من الأمور التي أزالت الحواجز بينهما، فعليه أن يكون أهلًا لذلك، امتثالًا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“اضمَنوا لي سِتًّا من أنفسِكم أضمَنْ لكم الجنَّةَ اصدُقوا إذا حدَّثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدُّوا الأمانةَ إذا ائتُمِنتم واحفَظوا فروجَكم وغُضُّوا أبصارَكم وكُفُّوا أيديَكم” رواه عبادة بن صامت.
7- أن يكون ناصحًا
من أهم أسس ومعايير اختيار الصديق أيضًا أن يكون ذلك الشخص ناصحًا لا يتوانى في أن يقول لصديقه ما يراه فيه، حتى وإن كان ذلك سببًا في أن يحزنه.
فهو في تلك الحالة لا يهمه من الأمر سوى أن يكون صديقه بخير، حتى وإن كان سوف يقول له بعض الكلمات القاسية إن رآه يقوم بأي من الأمور الخاطئة، فقد حثته الصداقة والدين الإسلامي على أن يغير ما يراه من أمور غير محمودة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ” صحيح رواه أبي سعيد الخدري.
كذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رواية عبد الله بن عمر: “إنَّ أحبَّ المؤمنينَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ من نصب في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ونصح لعبادِه، وكمُلَ عقلُه، ونصح نفسَه فأبصرَ، وعمل به أيامَ حياتِه فأفلحَ وأنجحَ“.
اقرأ أيضًا: شعر عن الصديق الغالي
8- التكافؤ الثقافي والفكري
على الرغم من أنه لم يكن في السابق من الضروري أن يكون هناك تكافؤ ثقافي أو اجتماعي حتى نرى أنه هناك صديقين حميمين، إلا أن جراء ذلك ظهرت الأحقاد والمشكلات الطبقية المتعددة، حيث يتكبر الشخص على صديقه في بعض الأحيان حتى وإن كان مازحًا، مما يترك الأثر النفسي السلبي داخله.
هنا كان يجب على الشخص أن يقف أمام تلك الظاهرة كبحًا لذلك الأمر، مما استوجب عليه بعد ذلك أن يراعي أن يكون الصديق الذي اختاره هو الصديق الذي لا يختلف عنه في المستوى الفكري، فيما يعني تقارب الأفكار والاهتمامات والانتماءات.
كذلك المستوى الثقافي من الأمور التي يجب أن نأخذها في عين الاعتبار عن اختيار الصديق، حتى لا يجد الشخص أنه برفقة من يتعمد التقليل من شأنه كونه لا يفقه الكثير من الأمور الدنيوية، مما يترك في نفسه الآثار السلبية التي تأخذ الوقت الطويل في المعالجة، فعلى الرغم من أن الأمر لا علاقة له بالدين، إلا أنه يجب مراعاته إن أراد أن تكون صداقته ناجحة.
قديمًا قالوا الرفيق قبل الطريق، ولعل أبو بكر ورسول الله كانا خير نموذج للصداقة الحقيقية، لذا ينبغي على المسلم أن يضع نصب عينيه معايير اختيار الصديق، حتى يكون له نصيبًا من الصداقة الناجحة.