هل يسمع الميت كلام الحي
هل يسمع الميت كلام الحي وما رأي أهل الدين في ذلك، تساؤلات عديدة تتبادر إلى الأذهان وما إذا كان كلام الأحياء من دعاء أو حديث عن المتوفى يصل إليه أم إنها خرافات لا جدوى منها، فقد اختلف العلماء في تلك المسألة وجاءوا بأدلة من القرآن والسنة توضح مفاهيم كثيرة اعتقد البعض أنها صحيحة، وسنقوم بالرد على هذا التساؤل لإنهاء الجدل القائم حول ما يعتقده الناس فَتابعوا معنا فيما يلي عبر منصة وميض.
اقرأ أيضًا: هل يشعر الميت بمن حوله قبل دفنه
هل يسمع الميت كلام الحي
هناك العديد من الآراء المختلفة حول ما إذا كان الميت يسمع كلام الحي أو غير ذلك، فجميع الأقاويل على الرغم من أنها تحمل التناقض إلا أن وجود الأسانيد والدلائل قد تبرهن على حقيقة الإجابة، والتي من بينها ما يلي:
القول الأول
في قليب بدر والذي أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “وقف النبي صل الله عليه وسلم – على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول، فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صل الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت: إنك لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى إلى آخر الآية الكريمة”.
القول الثاني
يقول رب العرش العظيم في كتابه العزيز: “ذَلِكُمْ الله رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكَ وَالْذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنَّ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعْوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبَّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ” (فاطر: آية 13-14).
ففي هذه الآيات دلالة تنافي القول الأول بأن الصالحين لا يستطيعون أن يسمعوا بعد مماتهم، وكأن هذا الرأي يؤكد على أن الميت لن يسمع كلام الحي مهما تكلَّم.
اقرأ أيضًا: هل روح الميت تزور بيته
القول الثالث
ذهب بعض جمهور الفقهاء مثل ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، والشيخ الألباني والقاضي أبي يعلي من الحنابلة وغيرهم، بأنه لا يوجد ما يثبت أن الميت يسمع كلام الحي مما استدلوا على ذلك بقول الله تعالى:
“إِنْكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الْصُّمَّ الْدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوُا مُدْبِرِينَ” (النمل: 80).
وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة عن ابن جرير رحمه الله تعالى قال: “هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر، (وَلَا تُسْمِعُ الْصُّمَّ الْدُّعَاءَ) أي: لو أن أصم ولَّى مُدبرًا ثم قمت بمناداته لم يسمع، هكذا الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما سمع من كلام عن الحي.
لذا فقد تم التأكيد من هذا القول عن كتب التفسير المعتمدة بأن الميت لا يسمع كلام الحي وهو في قبره، فهو كالأصم إذا ولَّى مُدبرًا، وهذا ما فهمته السيدة عائشة رضي الله عنها- وجاء هذا عنها في كتب السُّنة وغيرها، كما فهمه أيضًا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
القول الرابع
في هذا القول سنجد رأي يختلف عن سابقيه من الآراء السابق ذِكرها، وهو عن الإمام أحمد أن النبي صل الله عليه وسلم قال:
“إن لله ملائكة سيَّاحين في الأرض، يُبلغونني عن أمتي السلام”.
وجاء وجه الاستدلال صراحة في أن النبي صل الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه، حيث لو كان عليه الصلاة والسلام يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلَّغه هذا السلام، كما لو أن الأمر كذلك، فكان من باب أولى أنه صلوات الله عليه وسلم لا يسمع إلّا السلام من الكلام، كما أن الحديث مُطلق يتضمن كل من سلم على نبينا صل الله عليه وسلم عند قبره الشريف.
إلى جانب ذلك فقد جاء في قول الشيخ الألباني رحمه الله:
“لم أرَ من صرَّح بأن الميت يسمع سماعًا مُطلقًا كما كان شأنه في حياته، ولا أظن عالمًا يقول به”.
وفي قول آخر حيث ذهب بعض من أهل العلم بأن الميت يسمع في الجملة ولا يسمع في جميع الأحوال، وقول آخر أيضًا يرى أن الميت يسمع في جميع الأحوال ولكنه لا يقدر أن ينتفع بما يسمعه أو أن يكون له حق الرّد.
اقرأ أيضًا: هل الميت يشتاق للأحياء
أقاويل علماء المسلمين حول سماع الميت كلام الحي
فيما سبق الإشارة إليه ببعض الآراء التي وردت بالأدلة حول هل يسمع الميت كلام الحي، والتي جاء بعضها بإثبات أن الميت لا يسمع كلام الأحياء والبعض الآخر الذي أكد على النفي، إلا أن هناك أقاويل أخرى نذكر منها ما يلي:
قول الإمام ابن القيم
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الروح: ص 60) مُستدلًا بالآية الكريمة في قوله تعالى: “وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ” (فاطر: 22)، ففي هذه الآية دلالة على أن الكافر الميت القلب لا يمكن أن يسمع كلامًا من الحي ينتفع به، إلى جانب أن من في القبور لا يمكن أن تُسمِعْهُم حديثًا ينتفعون به.
فيما أخبر النبي صل الله عليه وسلم أن الميت يسمع خفق نعال المُشيعين، وأخبر أن قتلى غزوة بدر سمعوا كلامه وخطابه صلوات الله عليه وسلم وأنه شُرع السلام عليهم بصيغة الخطاب للحاضر الذي يسمع، وأيضًا أخبر صل الله عليه وسلم أن من سلم على أخيه المؤمن ردَّ عليه السلام.
إذن المعنى الحقيقي هو أنك لا تقدر أن تُسمِع من لم يشأ الله أن يُسمعه، (إِنَّ أَنْتَ إلَّا نَذْيِرٌ) أي: إنما جعل الله لك الاستطاعة على الإنذار الذي كلَّفك إياه لا على إسماع من لم يشأ الله إسماعه والله أعلم.
قول ابن أبي العز
يوضح هنا ابن أبي العز شارح الطحاوية (ص: 85) “من قال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده باعتبار سماعه كلام الله، فهذا لم يصح عن أحد من الأئمة المشهورين ولا شك في سماعه، ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح لأن ثواب الاستماع مشروط بالحياة فهو عمل اختياري وقد انقطع بوفاته، بل قد يتضرر ويتألم لكونه لم يمتثل لأوامر الله ونواهيه أو لكونه لم يزدد من فعل الخيرات”.
قول ابن تيمية
جاء فيما يتعلق بالإجابة عن هل يسمع الميت كلام الحي في أحاديث عن ابن تيمية تؤكد أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له بشكل دائم، بل قد يسمع في بعض الأحوال من يخاطبه ولكن لا يمكنه الرد (مجموع الفتاوى: 366/5).
قول الشيخ عمر الأشقر
جاء في كتاب (القيامة الصغرى) بأن هناك أحاديث صحيحة تؤكد على أن الميت يسمع قرع نعال أهله بعد دخوله القبر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال:
“إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم” رواه مسلم.
وقد تم الاستدلال على أن الموتى يسمعون من حديث عن عمر بن الخطاب عندما سأل النبي صل الله عليه وسلم قال:
“يا رسول الله كيف يسمعوا؟ أني يجيبوا وقد جيفوا؟! قال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يُجيبوا، ثم أمر فسُحبوا، فألقوا في قليب بدر” رواه البخاري.
اقرأ أيضًا: هل يعرف الميت من دعا له
وفي نهاية موضوعنا حول هل يسمع الميت كلام الحي نستخلص قاعدة هامة من قول الله تعالى: “وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ” أي أن الميت لا يسمع الكلام الأحياء ولا يشعرون بما يحدث خارج القبور، كما أن الحديث الذي أخرجه الخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي قيل فيه: “ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فَيُسلم عليه، إلّا عرفه ورَّد عليه” حديث ضعيف وقال ابن الجوري: لا يصح، والله تعالى أعلى وأعلم.