حكم سوء الظن بالناس
ما هو حكم سوء الظن بالناس؟ وهل هو إثم يعاقب عليه الله؟ لا يليق بمسلم ألا يكون ملمًا بحكم ونتاج سوء ظنه في الناس، فهو يجب أن يكون عارفًا بأن لسوء الظن في خلق الله له عاقبة وحكم في الشرع وفي الدين الإسلامي.
سنعرف من خلال منصة وميض ما هو حكم سوء الظن بالناس وما هي عقوبته التي نص عليها القرآن الكريم في الدنيا والآخرة.
حكم سوء الظن بالناس
إن حكم سوء الظن بالناس أتى واضحًا في الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [سورة الحجرات، الآية رقم 12]
إلا أنه يحتاج إلى بعض التفصيل حيث إن هذه الآية الكريمة تشير إلى بعض الظن وليس كله لأن الله لم يقل كل الظن، وذلك يدل وبوضوح على جواز الظن السيء في حال ظهرت بعض أماراته أو بانت دلائله، فعلى سبيل المثال المرأة التي تختلي برجل وتتجاذب معه أطراف الحديث عن الزنا، فإنه من حقه هنا أن يظن بها ظن السوء.
أما عن إساءة الظن اللا مبررة فهي غير جائزة فلا يجوز أبدًا للمسلم أن يسيء الظن بأخيه أو بأخته من دون وجود مسبب، وهنا يتضح معنى قوله تعالى اجتنبوا كثيراً من الظن وهذا هو الظن الذي لا علة ولا موجب له وهذا هو الحرام الذي لا يجوز، ومن الدلائل على ذلك هو ما روى أبو هريرة رضي الله عنه وقال:
“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا“
رواه أبو هريرة، وحدثه الإمام مسلم، المصدر: صحيح مسلم، حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.
أي أنه لا مبر لاختلاق العداوة مع شخص ما نتيجة الاستناد على بعض الظنون أو الأفكار الواهية، التي ما هي إلا وساوس للشيطان ولا أساس لها من الصحة وفي ذلك قال الله تعالى:
(وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [سورة النجم، الآية رقم 28]
كما سبق وأكد الله تعالى أن الظن سواء سيء أو حسن فإنه لا ينفع ولا يجدي بشيء على الإطلاق، وهو ليس حقيقة مطلقة ولا يحل أبدًا محل الحق مهما حدث ولقد أشار الله أيضًا إلى هذا في قوله:
(ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [سورة آل عمران، الآية رقم 154]
اقرأ أيضًا: آيات عن سوء الظن بالناس
أقسام سوء الظن
في إطار الحديث عن حكم سوء الظن بالناس في الإسلام يجب أن نتحدث عن أقسام سوء الظن بوجه عام، وذلك لأن سوء الظن بالناس يتسبب في تطور هذا الإثم حتى يشمل سوء الظن بكل شيء وأي شيء، أما عن أقسام سوء الظن عند علماء وفقهاء الدين الإسلامي والشريعة والسنة النبوية فهي تتضح كالآتي:
1- سوء الظن المحرم
إن سوء الظن المحرم يشمل سوء الظن بالمؤمنين وسوء الظن بالله تعالى وسوء الظن بالله واحدًا من أعظم الذنوب، وفي ذلك قال بن القيم الجوزية رحمه الله:
“أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به” ومن ناحية أخرى قال الماوردي رحمه الله: “سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكًّا يؤول إلى ضلال“
أما عن سوء الظن بالمؤمنين فهو يشمل كذلك سوء الظن بالأنبياء وفيه شرك بالله تعالى أيضًا، ولقد أكد النووي رحمه الله عليه ذلك في قوله: “ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع“
2- سوء الظن الجائز
يقصد بسوء الظن الجائز هنا هو من اشتهر بين الناس بمخالطته لمواضع الشبهات والجهر بالسوء والمعصية، وفي ذلك قال بن عثيمين “ يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك، وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهل لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها؛ لأنَّه قد يكون متجسسًا بهذا العمل“
اقرأ أيضًا: حديث عن حسن الظن بالناس
3- سوء الظن المستحب
المقصود بسوء الظن المستحب هنا هو ما كان بين الشخص وعدوه ولقد تطرق في الحديث عن ذلك أبو حاتم البستي، حيث قال: “كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه، مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره؛ لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه“
4- سوء الظن الواجب
يعني سوء الظن المستحب هو ما احتيج إليه من أجل تحقيق مصلحة شرعية مثل جرح الشهود أو رواة الحديث وغيرهم.
اقرأ أيضًا: قصص عن سوء الظن بالناس
حكم سوء الظن بالناس وبالله
بالاستناد إلى ما سلف يمكننا التأكيد على حقيقة هامة ألا وهي أن من يسيء الظن بالله سبحانه وتعالى الذي غمره بكرمه وعطفه ونعمه وستره، تطاوعه نفسه بأن يسيء الظن بالناس وبأي شيء وكل شيء مما يلحق الأذى والضرر بالناس ويؤذي نفوسهم وسمعتهم ويمس كرامتهم، مما يخلق جوًا من الشحناء والبغضاء والنفور بين الناس.
“عن بن عباس رضي الله عنهما قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، فقال: ما أعظم حُرْمَتك وفي رواية أبي حازم: لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قال: مرحبًا بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك، ولَلْمؤمن أعظم حُرْمَة عند الله منكِ، إنَّ الله حرَّم منكِ واحدة، وحرَّم من المؤمن ثلاثًا: دمه، وماله، وأن يُظنَّ به ظنَّ السَّوء“
لا شيء في هذه الدنيا يستدعي أن يخسر المرء دنيته وأخرته نتيجة لسوء ظنه بربه وبالله تعالى، فإنه بذلك يضمن لنفسه مكانًا لكي يكون من أهل النار فإن الله وإن غفر في حقه، لن يغفر ولن يتنازل عن حق من أُسيءَ الظن به وتسبب في إلحاق الأذى النفسي به، ومن حرص الله على عباده لكيلا يقعوا في هذا الإثم قال في كتابه الحكيم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [سورة الحجرات، الآية رقم 12]
لذا يجب على المسلم أن يدرك حقيقة أن هذا إثم عظيم لن يجني منه سوى غضب الله عليه وحزن عباد الله الذين أساء الظن بهم وأوكله أمرهم فيه إلى الله، وعليه أن يدرك أن حكم سوء الظن بالناس جزء لا يتجزأ عن سوء الظن بالله وهذا ما تؤكده الآية الكريمة:
(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [سورة الفتح، الآية رقم 6]
من خلال الاطلاع على حكم سوء الظن بالناس ومعرفته بات يتوجب على كل مسلم أن يتجنب الوقوع في هذا الإثم، الذي سوف يكلفه عناءً في الدنيا وفي الآخرة إذا لم يرجع عنه.