حديث عن حسن الظن بالناس
تتعدد الآيات وصور الحديث عن حسن الظن بالناس، فالإسلام ينهى عن سوء الظن ويأمر العباد بالتيقن قبل رمي أحدٍ بالباطل ووصفه فيما ليس فيه عن جهل بالشخص، وباب النهي عن سوء الظن في الإسلام يعتبر من ضمن العبادات في واقع الأمر، فقد وردت العديد من السور القرآنية والآيات في كتاب الله الحكيم بالإضافة إلى الحديث عن حسن الظن بالناس، ومن خلال منصة وميض سنتعرف وإياكم إلى صيغ هذه الأوامر كافة.
حديث عن حسن الظن بالناس
لم يأت الدين الإسلامي الحنيف إلا ليكمل مكارم الأخلاق ويحث المسلمين والمؤمنين على حسن التعامل مع الغير، ولا يكتمل إيمان المسلم إلا باكتمال خُلقه وطيب عمله وتعامله، فقد جاء على لسان أم المؤمنين السيدة عائشة والصحابي الجليل خليل رسول الله أبو هريرة رضي الله عنهما وأرضاهما النبي العدنان عليه صلوات ربي وخير السلام أنه قال:
“أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم”
فالإسلام لم يحث على شيء كما حث على الأخلاق الحسنة وحُسن التعامل مع الغريب والقريب حتى العدو، فرفع الإسلام من شأن طيب الخلق وأهمية هذا الأمر بالإضافة إلى مكانة من يقوم بفعل هذه الأفعال ويتحلى بما يحبه الله تبارك اسمه وتعالى جده من صفات وخصال.
كما حث الإسلام على طيب التعامل ففي الحديث أعلاه ترغيب في حُسن التعامل وما تشتمل عليه مكارم الأخلاق التي من الضروري أن يتسلح بها المسلم ويتحلى بها لمواجهة ما يمر به خلال أيام حياته والروتين اليومي في العمل، الشارع وحتى منزله.
من أجمل الأخلاق والخصال التي أوصى الدين الإسلام بالتحلي بها والترفع بها عن الوقوع في الشبهات التي نهى عنها الله ورسوله هي حُسن الظن، فحسن الظن هو ترجيح وإعلاء لجانب الحق والخير على الباطل والشر، وقد ورد في حُسن الظن وسوئه العديد من الآيات والأحاديث.
فمن منا لا يعرف ما رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في الحديث عن حسن الظن بالناس الذي رأى فيه ابن عمر الحبيب المصطفى ووصف ما يفعله بقول: “رأيت رسول الله ﷺ يطوف بالكعبة وهو يقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك. والذي نفس محمَّد بيده، لحُرْمَة المؤمن أعظم عند الله حرْمَة منكِ، ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلَّا خيرًا”
ففي هذا الحديث يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب أن نبي الله كان يطوف حول الكعبة ويتكلم كأنه يُحدثها فيقول إنها أطيب ما في الدنيا وليس هناك أطيب من ريحها، والكعبة عظيمة وليس هناك ما هو أعظم من حرمتها، ولكن الحبيب المصطفى أعطى استثناءً فيما يخص هذا الأمر بقوله إن عظيم حرمة المؤمن عند الله أعظم من هذه الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أجمعين حول العالم.
فقال الحبيب المصطفى إن الله يُعلي من حرمة المؤمن في ماله ودمه وظن الخير به دونًا عن باقي الظنون على حرمة قبلة المسلمين والمؤمنين نفسها، فلك أن تتخيل من الحديث عن حسن الظن بالناس أعلاه مدى عظم هذه الخصلة وهذا الطبع.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع حسن الظن بالله
حُسن الظن في السنة النبوية الشريفة
هناك العديد من صور وصيغ شريف القول والحديث عن حسن الظن بالناس التي وردت على لسان سيدنا محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية الشريفة، ومن أمثلة هذه الأحاديث ما يلي:
1- رواية أبو هريرة في الترغيب والترهيب
جاء على لسان الصحابي الجليل خليل رسول الله وتلميذه أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه في الترغيب والترهيب بتحديث المُنذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” حُسنُ الظَّنِّ من حُسنِ العبادةِ” ويعني الرسول الكريم في هذا الحديث أن صور حُسن العبادة عديدة، ومن هذه الصور حُسن النية، فمن حَسُنَ ظنه حَسُنَت عبادته.
اقرأ أيضًا: هل المبطون يعذب في القبر
2- حديث البخاري على لسان خليل رسول الله
تتعدد صور الحديث عن حسن الظن بالناس التي يرويها أبو هريرة رضي الله عنه، فيقول الصحابي الجليل كما ورد عن البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا”
في الحديث الشريف أعلاه بعضٌ من صور مكارم الأخلاق التي أوصانا بها الحبيب المصطفى، فنهى الرسول الكريم عن الظن بقوله إياكم والظن، ووصف الرسول الكريم الظن بكونه أكذب الحديث، فسوء الظن بالمسلمين بدون تيقن وتأكد يُعد من أبغض ما يُمكن للمرء أن يقوم به في الواقع، فيقول الرسول الكريم إن إثم من يظن السوء بجهالة كإثم الكاذب.
فما كان من أشرف الخلق إلا أن يُكره ويرهب من الظن والمظنونات، فهي من الشبهات التي من الممكن أن تُهلك صاحبها والجدير بالذكر أن المظنونات من الأمور التي يقع فيها المرء في الكذب وذنوبه وما يشتمل عليه من أوزار أكثر بكثير من المجزومات.
كما نهى الرسول الكريم بأمرٍ من الله عن تتبع العورات والسيئات بالإضافة إلى طلب الأمور الغائبة والتي يُفضل المرء أن يُخفيها مثل مرتبه مثلًا بالإضافة إلى البغض والكراهية التي تخلق العداوة.
فالجدير بالذكر أن كل هذه الأمور من دورها أن تزيد من سوء ظنك، فالرسول الكريم لا ينطق عن الهوى فيما يخص أمور الدين، وحاشا لله أن يكون قد أوحى لرسوله الكريم هذا الكلام عبثًا، فالحديث عن حسن الظن بالناس وغيرها من صور الحديث لم تأت إلا بوحي من الله لخير عباده وأشرفهم خاتم المرسلين وسيد الكونين حبيبنا وشفيعنا المصطفى.
3- صحيح مسلم برواية ابن مسعود
جاء على لسان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بحديث مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ”
في الحديث الشريف أعلاه يقول الحبيب المصفى أن من يدخل الجنة قومٌ لا تحمل قلوبهم مثقال ذرة من كبر، والكبر هو البطر بالحق وغمط الناس، والبطر بالحق هو رفضه وإنكاره والبعد عنه ترفعًا وتجبرًا وإنكارًا، أما الغمط فهو ازدراء الناس واحتقارهم وهذا يعد من أكثر صور سوء الظن كراهية.
اقرأ أيضًا: قصص عن سوء الظن بالناس
4- سوء الظن يُشعل الشك في حديث أبو هريرة
حدثنا مُسلم في صحيحه الذي يحمل اسمه أن الصحابي الجليل سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال:
“أنَّ أعْرَابِيًّا أتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّ امْرَأَتي ولَدَتْ غُلَامًا أسْوَدَ، وإنِّي أنْكَرْتُهُ، فَقالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ لكَ مِن إبِلٍ؟، قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَما ألْوَانُهَا؟، قالَ: حُمْرٌ، قالَ: هلْ فِيهَا مِن أوْرَقَ؟، قالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قالَ: فأنَّى تُرَى ذلكَ جَاءَهَا، قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، عِرْقٌ نَزَعَهَا، قالَ: ولَعَلَّ هذا عِرْقٌ نَزَعَهُ، ولَمْ يُرَخِّصْ له في الِانْتِفَاءِ منه”
في هذا الحديث الشريف جاء أعرابي للرسول يُسيء الظن بزوجته لولادتها ولد أسود اللون وهو ما أثار في نفسه الشك والريبة، فقال له الحبيب المصطفى وهل لك جمال أو إبل؟ فأجابه الأعرابي بلا، فقال ما لونها قال إنها حمراء، فقال له الحبيب المصطفى وهل فيها أورق؟ أي أسود فقال بلى، فقال له الرسول الكريم وما سبب ذلك من وجهة نظرك؟ أجابه الأعرابي أنها نزعة عرق أي اضطراب في الجينات الوراثية خاصته، فقال له الرسول أن الأمر سيان.
في الحديث أعلاه أسمى صور حُسن الظن، فما هو أسوأ من الشك الزوجي الذي يُشعل نار الفتنة ومن دوره أن يُزهق الأرواح، فترى في مثل هذه الصور عن أحاديث حُسن الظن بالناس دور الدين الإسلامي في التعامل مع أكثر المواقف حزمًا وصعوبة.
بعد أن أطلعناكم على ما جاء من حديث عن حُسن الظن بالناس لا نجد أجمل من قول الله تبارك وتعالى ليكون مسك الختام، فقد جاء في الآية 36 من سورة الإسراء {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} فلا تدخل فيما ليس لك فيه شأن.