قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى
قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى دارت حول حكمة الكثير من الآراء، فكما قيل قديمًا اختلاف العلماء رحمة للمسلمين، فلم يكن ذلك الاختلاف إلا كونه ناتج عن اجتهاد كل عالم أو فقيه في الوصول إلى المعنى أو الحكم الأصح والأقرب إلى المقصود من مصدر التشريع، سواء إن كان قرآن أو سنة، وهو ما سنستفيض في الحديث عنه بينما نعرض حكم قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى من خلال منصة وميض.
قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى
بسم الله الرحمن الرحيم (فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا) [سورة النساء: 103]
، قد تكون تلك الآية الكريمة من سورة النساء خير ما نستهل به حديثنا عن واحدة من أكثر الأمور أو الأحكام الدينية حساسية على الإطلاق، في حقيقة الأمر لا أعلم من أين أبدأ في حديثي عن أهم عبادة على الإطلاق قد يقيمها العبد.
كما قيل فإن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، فإن قطعها فقد قطع علاقته بالله تعالى، منذ بداية التنزيل المحكم لآيات الله – تعالى- وقد أكد في العديد من المواضع القرآنية على مدى أهمية الصلاة، كذلك فقد كانت الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، خلفًا مباشرًا لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
كذلك ونظرًا لمدى دقة تأدية تلك العبادة فقد حددها الله في أوقاتها الخاصة، واشترط أن تتم بترتيبها كما أنزلت وفي مواقيتها، وإلا فلن ينال المسلم كامل الثواب في تأديتها، حيث أتت الفروض على هذه الشاكلة:
- الوقت المتاح لصلاة الظهر يظل حتى إذا زالت الشمس، أو كما قيل أصبح ظل الرجل كطوله.
- أما عن وقت صلاة العصر يظل ممتدًا حتى تصفر الشمس.
- كذلك فإن صلاة المغرب لا تزال ممتدة حتى يغيب الشفق وهو وقت صلاة العشاء.
- أما عن العشاء فهي ممتدة إلى نصف الليل الأوسط.
- أخيرًا فإن صلاة الفجر تبدأ منذ طلوع أول ضوء للشمس، وهي ممتدة حتى تطلع الشمس وتظهر فهنا يتم الإمساك عنها فهي تطلع بين قرني الشيطان.
هنا وبعد سرد الأوقات المتاحة لتأدية الصلاة يأتي السؤال حول من فاته الموعد المتاح للصلاة، فهل يجوز قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى؟
أتى الإجماع من أهلم العلم على وجود قضاء الصلاة مهما مر أو فات من أوقاتها، فهي مكتوبة على ابن آدم مهما انقضى زمنها، فمن نسي صلاة معينة فعليه أن يشرع بها في لحظة تذكرها فلا كفارة له في ذلك.
اقرأ أيضًا: هل يجوز صلاة العصر بعد المغرب
أحكام الأئمة الأربعة حول قضاء الصلاة الفائتة
استمرارًا لما تم ذكره من الحكم الشرعي لقضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى، فها نحن نتبع بما أبداه الأئمة الأربعة حول ذلك الحكم، فلا خلاف ولا جدل في مدى كون تلك الصلاة مكتوبة على الشخص حتى وإن فات زمانها فعليه تأديتها.
أما عن الاختلاف فقد أتى فقط في توقيت تأدية الصلاة أو ما إذا اشترط الترتيب في القضاء أم لا، ولكي نكون أكثر بساطة في العرض فقد أجمع جمهور أهل العلم من المالكية والحنابلة والحنفية إلى وجود الترتيب، بمعنى أن تقام الصلاة بترتيبها الذي شرعه الله حتى في حالة النسيان ودخول وقت الصلاة التالية.
استدل الأئمة بحديث رسول الله الذي أشار فيه عن موقف يوم غزوة الخندق اضطر فيه الرسول وأصحابه إلى قضاء الصلاة، حيث قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام:
“حُبِسْنَا يومَ الخندقِ حتى ذهب هَوى من الليل حتى كفينَا وذلكَ قولُ اللهَ عز وجلَ: {وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ} فدعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بلالا فأمرهُ فأقام الظهرَ وأحسنَ كما يصلي في وقتها، ثم أقامَ العصرَ فصلاها كذلكَ، ثم أقامَ المغربَ فصلاها كذلكَ، ثم أقامَ العشاءَ فصلاها كذلكَ” [روي ذلك الحديث على لسان أبو السعيد الخدري عن مصدر المجموع بحكم صحيح].
من هنا استدل الأئمة على أن في حالة قضاء الصلاة، فلا بد أن تقضى بترتيبها الذي شرعة الله تعالى.
على الجانب الآخر فقد أقرت الشافعية وبعض الفقهاء بأن الأصل في الترتيب هو أن تؤدى كل صلاة في أوقاتها التي حددت لها، ففي حالة ما فات زمانها لم يعد الترتيب واجبًا ويمكن تأدية الصلاة الواجبة في وقتها ومن ثم قضاء الصلاة الفائتة.
خلاصة القول سيكون سيرًا على خطى من قال قديمًا أن في اختلاف العلماء رحمة للمسلمين، فبالطبع لكل منهم دلائله والتي نتجت عن سهر وبحث للوصول إلى الحكم الصحيح، فمهما كان الرأي الذي ستتبعه سيقودك أخيرًا إلى ضرورة قضاء الصلاة.
اقرأ أيضًا: هل يجوز الجمع والقصر بعد الوصول من السفر
حكم تأخير الصلاة عن عمد
استكمالًا لحديثنا حول قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى فها نحن نستعرض واحدة من أخطر الأحكام على الإطلاق، والتي تتمثل في حكم تأخير الصلاة عن عمد، فبرغم ما تم ذكره سابقًا عن فضل الصلاة وأهميتها في الإسلام إلا أنه يوجد فئة من الناس ممن مرضت أنفسهم – نسأل الله تعالى أن يهديهم – قد يقومون بتأخير الصلاة عن عمد غير عابئين بأحكام ذلك التأخير، وهو ما سنعرضه كما يلي:
- صرح العلماء وفقًا لما أتى من آيات قرآنية وسنة نبوية بأن في حالة ما أخر المسلم الصلاة المفروضة عن وقتها بدون عذر فإنه قد اقترف كبيرة من الكبائر، أما عن الأعذار الشرعية المسموحة فقط لتأخير الصلاة فهي النوم أو ذهاب العقل وهما ما يقتلا الشعور بوقت دخول الصلاة.
كذلك فآخر الأعذار في حال تأخير الصلاة فهي أن يكون المسلم مصاب بمرض ما يمنعه من تذكر مواعيد الصلاة كمرض الزهايمر على سبيل المثال.
- صدرت أحكام عن صلاة العصر بالتحديد دونًا عن بقية الصلوات بمدى أهمية صلاتها في موعدها، مع ذكر جزاء من يؤخرها عن موعدها وهو ما ذكر في الحديث القائل “من فاتته صلاةُ العصرِ فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه” وهو ما ذكر على لسان عبد الله بن عمر في مصدر الإمام.
- في حالة ما تم تفويت وقت الصلاة بدون وجود عذر شرعي ممن ذكروا سابقًا فالأمر هنا يتطلب توبة كبيرة من فعل ذنب أكبر وهو تأخير أو تفويت الصلاة، وهو ما يتم بالندم والاستغفار والعزم على عدم تكرار الذنب.
أوقات منهي الصلاة فيها
ما زلنا بصدد عرض حكم قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى فها نحن نتطرق لعرض أهم الأوقات التي نهانا الله تعالى عن الصلاة فيها، لما فيها من أسباب وحكم سنسردها بينما نذكر تلك الأوقات.
قد يتبادر على ذهنك ذلك السؤال البديهي عن لماذا نهانا الشرع عن أوقات معينة للصلاة فيها مادام لكل صلاة مفروضة أوقاتها الخاصة، نجيبك نحن عزيزي القارئ، إن للصلوات المفروضة أوقاتها المحددة كما بيننا سابقًا.
أما عن السنن والنوافل فهي صلوات الغرض منها التقرب إلى الله، وهي غير مشروطة بموعد معين، وهنا أتت تلك التشريعات لتحديد مواعيد معينة لا يجوز فيها أداء تلك الشرائع، ومن تلك الأوقات ما سيتم ذكرها في النقاط التالية:
- في الفترة الزمنية بعد صلاة الفجر وحتى طلوع الشمس، فقد نهى الرسول الكريم عن الصلاة في تلك الفترة نظرًا لكون تلك الساعة هي ساعة صلاة الكفار، كما أتبع بأن الشمس تطلع بين قرني الشيطان فيجب أن ندع الصلاة حتى ترتفع الشمس ويذهب شعاعها.
- في الفترة البادئة منذ قائم الظهيرة وهي الفترة التي لا يكون للمرء ظل على الأرض، أي تكون الشمس بزاوية 90 درجة عمودية على الرأس وحتى عودة الظل، وهو ما يقدر فلكيًا بربع ساعة على الأكثر.
- كذلك ومن الأوقات المنهي فيها عن إقامة الصلاة هي الفترة ما بعد صلاة العصر وامتدادًا حتى غروب الشمس.
- أما عن آخر الأوقات المنهي فيها عن الصلاة هي عند اصفرار الشمس وحتى تغرب، وأتى ذلك التشريع من خلال الحديث الشريف الذي أتى على لسان سيد الخلق حين قال “ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا” وهو ما روي على لسان عبد الله بن عمر بصحيح مسلم بسند صحيح.
جدير بالذكر أن كل تلك الأحكام لم تنقل شفهيًا أو عبثًا، إنما أتت مسندة بحديث شريف على لسان سيد الخلق أجمعين حين روى عنه عقبة بن عامر بصحيح مسلم بسند صحيح حين قال “ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ”.
اقرأ أيضًا: هل صلاة الفجر هي صلاة الصبح
فتاوى حول أحكام تأخير وقضاء الصلاة
بينما نستعرض أهم احكام قضاء الصلاة الفائتة إذا دخل وقت الأخرى فقد ورد إلى الفقهاء والأئمة وأصحاب الفتوى بعض الأسئلة المتعلقة بذات الشأن والتي وجب علينا ذكر أهمها لعلها تكون نافعة لكل من يقرأ، ولعل القارئ قد تبادر إلى ذهنه تلك الأسئلة من الأساس، وهو ما أوجب علينا ذكر أهمها كما يلي:
- ما حكم من أخر الصلاة بسبب كونه في حالة إغماء؟
أتت الإجابة عن ذلك التساؤل حاملة في طياتها رحمة من الله على عباده، فإن الصلاة فرض على كل مسلم ومسلمة بشرط الاستطاعة، بمعنى أنه وكما أوجزنا مسبقًا في حالة غياب الشخص عن الوعي، فهو لم يدرك بالفعل أن ذلك الوقت هو وقت وجوب الصلاة.
فلا شيء عليه في ذلك إنما عليه قضائها بعد الإفاقة لأنه قد أخرها بعذر شرعي وهو فقدان الوعي.
- ماذا يفعل المأموم إذا نوى المغرب وكان الإمام يصلي العشاء؟
هنا أتى الرد على ذلك التساؤل بأن يشرع المأموم بالدخول في الصلاة وأن يجلس بعد الركعة الثالثة، ومن ثم يبدأ حينها في قراءة التشهد والدعاء ثم التسلم.
بعدها يبدأ المأموم في صلاة العشاء، وفي ذلك تحصيلًا لثواب الجماعة أداء الترتيب الواجب، وفي حالة ما كانت الجماعة سابقة بركعة فليؤدي معهم الثلاثة الباقين بنية المغرب.
- ما حكم من شك في صلاته ولم يؤدها؟
في حالة ما تسلل الشك إلى نفس المؤمن بأنه قد صلى إحدى الصلوات من عدمها فقد قسم العلماء الإجابة إلى عدة أجزاء، أولها في حالة ما كانت واحدة من طباع ذلك الشخص هو التساهل أو إضاعة وقت الصلاة، فحينها فلا بد أن يبادر بقضاء الصلاة أولًا ومن ثم الشروع في الصلاة الواجبة، أما في حالة ما كان مداوم عليها في الطبيعي فلا عليه أن يلتفت إلى هذا الشك وأن يصلى الصلاة الواجبة ليس إلا.
أما في حالة ما كان تارة ينسى وتارة ينتظم، فيجب عليه أن يتحقق قدر الإمكان من كونه قام بإدائها أو لا وفي حالة عدم التأكد فليقضها ومن ثم يصلي الصلاة الواجبة.
كتب الله الصلاة على الإنسان كتابًا موقوتًا، فإن أردت الفوز برضا رب العباد فما عليك سوى الالتزام بتلك المواقيت في الصلاة، والحرص على الالتزام بكافة الفرائض الأخرى لتكن من الفائزين.