كيف يحقق الإنسان تقوى الله
كيف يحقق الإنسان تقوى الله؟ وما هي صفات المتقين؟ تقوى الله تتحقق من خلال الامتثال إلى أوامره -عز وجل- وعدم الانحراف عنها، كذلك اجتناب ما نهى الله عنه من قول وفعل، فإن وصل العبد إلى التقوى التي ترضي الله فإنه لا شك أن يمن الله عليه من كرمه ويجعل له خير مآب، هذا ما سنشير إليه من خلال منصة وميض.
كيف يحقق الإنسان تقوى الله
إن التقوى هي حفظ النفس من الآثام والمعاصي، فهي نابعة من إيمان داخلي في نفس الفرد بضرورة اتباع طريق الصلاح لنيل الفلاح في الدنيا والآخرة، لا تأتي إلزامًا عليه من قوى خارجية بقدر كونها تأتي من قوة الضمير الداخلي المقترن بالإيمان، فالمؤمن التقيّ هو من يراعي حدود الله في القول والفعل.
قال الله تعالى في سورة البقرة: “لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)”.
هذا ما حثنا الرسول الكريم في غير موضع كذلك وجدناه في آيات القرآن الكريم، الأمر الذي يدل على الأثر العظيم للتقوى في حياة المرء، بيد إن التقوى تتطلب الطاعة والالتزام وكبح النفس وترويضها وغيرها الكثير مما يندرج تحت لفظة جهاد النفس.
يمكننا عرض الأمر تفصيلًا لإعطاء إجابة وافية لسؤال كيف يحقق الإنسان تقوى الله عز وجل.. في الفقرات التالية:
1- ترك المحرمات
امتلأت الدنيا في كل مناحيها بالآثام والشبهات، فكثرت المعاصي وكثرت الذنوب، وعظم الأمر كان في إباحتها رغم كونها من الكبائر، لذا فإن الأمر ليس من السهولة على نفس المؤمن أن يترك كل ما لذ من الشهوات في ظل كونها مباحة أمامه يفعلها الأغلبية ويتجنبها قلة قليلة.
من هنا تتحقق تقوى الله، في الابتعاد عن كل ما نهى عنه سبحانه، وهذا ما يتسنى في خلوة الفرد بنفسه أو مكوثه مع الآخرين، فلا يغرنه صديق سوء إلى طريق الهلاك ولا يشجعه أحدهم على الفسوق، بل الأمر برمته يتعلق بإيمانه بضرورة طاعة الله في السر والخفاء.
كذلك ينطوي الأمر على اجتناب الشبهات، فقد قال الله تعالى: “وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (195) سورة البقرة.
فلا يجب أن يضع المرء نفسه في شبهة ما حتى لا ينجرف ورائها إن كان به من ضعف الإيمان، فلا يأمن لذا عليه أن يبتعد قدر الإمكان عن الشبهات التي تجعله من العاصين، فمخالفة حدود الله من الممكن أن تكون بدايتها في الدخول في طائلة الشبهات، فإن استطاع المؤمن ذلك كان عبدًا تقيًا.
قد قال الله تعالى: “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (153) سورة الأنعام.
اقرأ أيضًا: الرد على كلمة جزاك الله خيرا
2- تأدية الفرائض والسنن
في حديثنا عن إجابة كيف يحقق الإنسان تقوى الله نشير إلى أن الفرائض لا شك في تأديتها فهي الأساس على الإطلاق، دونها يظلم قلب المؤمن ولا يصيب، أما عن السنن فإن أدائها يمثل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، من هنا تتحقق التقوى عند اقتران العبد بسيرة نبيه العطرة، التي تعفه عن ارتكاب السوء والفحشاء، علاوة على الثواب العظيم من ورائها.
فعلى المؤمن أن يجتهد في طاعة الله ونيل رضاه، وعليه أن يتفكر في قدرة الله ويكون دائمًا على صلة قوية بربه مستعدًا للقائه حبًا في عظمته سبحانه، عليه أن يراعي ما يفعله حتى ينفعه الأمر يوم الحساب، من هنا تتحقق تقوى الله.
3- الموازنة بين الدين والدنيا
لا نعني بالمرء التقي أن يكون زاهدًا فقط لا يعني باحتياجاته، فبني البشر سواء، بحاجة إلى أمور دنيوية ليحققوا الاتزان، هذا دون تعدي أو مخالفة عما نهى الله عنه.
فالله لا يأمر المرء أن ينسى نفسه حاشاه، بل يأمره بالموازنة، فليس عليه الانغماس في الطاعة ونسيان نصيبه من الدنيا، بل عليه الإحسان إلى نفسه والوفاء بحاجاته الدنيوية بشتى أنواعها، فيكون عبدًا طائعًا لله متزنًا بين دنياه وآخرته، هكذا يكون تقيًا.
فالدين الإسلامي هو دين الاعتدال والرحمة دون إفراط أو تقطير، فلا يجب التضحية بحقوق الجسد ولا يجب التعدي على حقوق الخالق، وهنا نشير إلى قول الله تعالى: “إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ” (6) سورة يونس.
4- الإخلاص في العمل
ذلك لأن التفاني في الإخلاص في العمل من تقوى الله، فلا يجب على المرء أن يبتغي السمعة من وراء عمله، وإلا يكون بصدد الرياء والعياذ بالله، بل عليه أن يخلص في كل ما يعمل لوجه الله تعالى، هذا ما يتحقق من خلال الخوف والخشية من الله في السر والعلن، كذلك التفكر في الألفاظ قبل النطق بها.
5- الحرص على الصيام
ارتباطًا بحديثنا عن جواب كيف يحقق الإنسان تقوى الله نشير إلى قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) سورة البقرة.
هذا يعني أن الصيام هو سبيل التقوى، فالصيام يحمل في طياته العفة عن كل ما حرم الله، فهو لا يعد صيامًا عن الطعام والشراب فحسب، بل هو صيام عن كل النواهي والمعاصي التي تعد مخالفة لحدود الله عز وجل، وهذا هو جوهر التقوى.
6- كثرة ذكر الله
إن العبد الذي يداوم لسانه على ذكر الله تتجلى له التقوى في قلبه ومقاصده، هذا يعني بالتزام العبد بقراءة آيات الله والإكثار من الاستغفار والعديد من الأذكار، وعليه أن ينتقي في مصاحبة الأخيار حتى يذكرونه بتقوى الله، فهم خير معين على الأمر.
إن سألت كيف يحقق الإنسان تقوى الله عليك بالاجتهاد في طاعة الله حينئذ ييسر الله لك المزيد منها ويصرف عنك كل سوء ويبعد عن قلبك وجوارحك كل السيئات.
أسأل الله دومًا أن يلهمك الثبات على التقوى والانصراف عن كل ما لا يرضيه، وعليك أن تستلهم الأمر من سير المؤمنين سابقوا العهد بتقوى الله فقد كتب لهم الفلاح في الدنيا والآخرة، فعليك باتخاذ العظة.
اقرأ أيضًا: ومن يتق الله يجعل له مخرجًا سبب نزول الآية وتفسيرها
صفات العبد التقي
بعدما أوضحنا كيف يحقق الإنسان تقوى الله علينا أن نذكر ما هي صفات المرء الذي وصل إلى مرحلة التقوى، فتظهر عليه بعض البشائر التي يشهدها كل من حوله فيتخذونه مثالًا لهم، وتلك الصفات تتجلى فيما يلي:
- العبد التقي طالما يساعد من حوله دون مقابل ويسعى إلى تقديم النفع لهم.
- تجده يسعى إلى نشر الخير والعلم والفضائل والمكارم من الأخلاق.
- هو ذاكر لله مصلحًا بين الناس لا يهاب سوى الله.
- سلامة قلبه من كل حقد أو حسد أو ضغائن.
- اللين والرفق في التعامل والعطف مع الغير.
- بار بوالديه طائعًا إياهم.
- يصل الأرحام ويصبر على الأذى من الأقربين.
- كثير العفو حتى إن كان قادرًا على أذية الغير.
- طيب الكلام عذب الحديث.
- هو شخص عادل يحب العدل ولا يقول سوى الحق.
- يغض البصر ويخشى الله في كل جوارحه.
- عفيف النفس لا يسأل غير الله في حاجة من حوائج الدنيا.
- يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، فهم على هدى ورحمة من ربهم وهم من يُكتب لهم الفلاح.
اقرأ أيضًا: بحث عن سبعة يظلهم الله في ظله
فضل تقوى الله
إن المتقين هم الذين يحذرون من عقوبة الخالق في ترك طريق الهدى، ويرجون رحمته دومًا، فقد سمى المتقون بهذا الاسم لأنهم يتقون ما لا يُتقى، فيتركون المحرمات ويؤدون الفرائض، فحق التقوى هي طاعة الله دون عصيان، والشكر دون الكفر، وأن أصل التقوى هي أن يعرف المرء ما يجب أن يبتعد عنه ليتقيه.
علمنا كيف يحقق الإنسان تقوى الله علينا الإشارة إلى الفضل من وراء التقوى، وهو الجزاء الذي وعد الله به المتقين، فكان كما يلي:
- قال الله عن المتقين أنهم تحت ولايته في رعايته سبحانه وتعالى، وما أجلّ ذلك من فضل عظيم.
- إن الله سبحانه وتعالى قد ذكر في غير موضع أن المتقين هم أحب الناس إليه، فالله يحب المتقين المخلصين له سبحانه وتعالى.
- وعد الله المتقين بالفوز بدار النعيم ودخول الجنة وخير مآل، فلهم عظيم الفضل والثواب عند الله لشدة تقواهم وخشيتهم الله عز وجل.
- يجلس المتقون في الجنة بالقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم كاملي الإيمان من يستحقون تلك المكانة.
- كذلك نجد أن المتقين ينالون حب الناس في الدنيا، ولا عجب في ذلك فمن يحبه الله يجعله ينعم بحب الناس.
- على أن المتقين يشعرون ببركة في الصحة والعمر، فالله يرزقهم البركة في كل شيء، فلا يشعرون أن الوقت يمر هباءً.
- كذلك يرزقهم الله البركة في الرزق والمال في الدنيا، وحسن مآب في الآخرة، فالله قد وعد من يتقيه بأن يجعل له من كل كرب فرج ويرزقه من حيث لا يحتسب.
- في غير موضع في القرآن الكريم قال الله تعالى: “واتقوا الله لعلكم ترحمون” فاقترنت تقوى العبد برحمة الخالق عليه، وما يرغب العباد سوى رحمة رب العالمين التي وسعت كل شيء.
- نيل توفيق الله في كل شيء، فالله دائمًا عونًا للمتقين، يجعل لهم من كل ضيق مخرجًا.
- إن التقوى تجعل العبد محصنًا من كل مكروه، فهو في معيّة الخالق من كل ما يخاف ويحذر، كذلك نجد أن في التقوى درء وحماية من كل المهالك الدنيوية وفي الآخرة أيضًا، فلا يمس العبد التقي أي سوء.
- إن النصر هو الحليف للأتقياء، فالله ينصرهم دومًا على أعدائهم.
- التقوى هي أفضل طريق للتقرب إلى الله تعالى، فقد قال الله تعالى أن خير الزاد في هذه الدنيا هو التقوى.
- على أن قبول العمل الصالح يقترن ببعض الأمور أهمها تقوى الله، فقد قال الله عز وجل أنه يتقبل الأعمال من المتقين المخلصين.
أمر الله العباد بتقواه حق تقاته، وأورد الكثير عن الفضل الذي يناله المتقون، بيد أن مرتبة التقوى ليست يسيرة بل تحتاج من الاجتهاد والصبر على الشدائد ما يجعل المؤمن في مصاف المتقين المخلصين لله.