يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
لقد وردت آية يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق في القرآن الكريم لكي تنهانا عن فعل معين، من شأنه أن يحمل المسلم وزرًا عظيمًا فوق أوزاره فيصبح نادمًا عليه وغير قادر على إصلاحه، كما تشتمل آية يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق على الكثير من التفاصيل وسنتعرف إليها عن قرب من خلال منصة وميض.
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
إن آية (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) هي الآية رقم 6 من سورة الحجرات
، وتلك الآية الكريمة تحث المؤمنين على عدم التسرع في إصدار الحكم على الأشخاص، لمجرد أننا قد أتانا شخص آخر وأخبرنا عنه بأمر معين فنتعجل ونتسرع لأن ذلك قد ينتج عنه نتائج لا تحمد عقباها.
تدعونا الآية الكريمة إلى التريث والصبر ومحاولة فهم المواقف إلى نهايتها بتفكير عميق وليس سطحي، لأن تلك الآية تتحدث عن موقف صارم كاد أن يتسبب في اندلاع حرب ضروس، ستسفر عن مقتل مئات أو ربما آلاف من الأرواح ليس فقط في الحقبة الزمنية التي نزلت بها، ولكن الأمر ينطبق على الوقت الحالي الذي نشهده اليوم.
اقرأ أيضًا: ما اسم الموز في القرآن الكريم
سبب نزول آية يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
إن سبب نزول هذه الآية من سورة الحجرات هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل رسولًا من قبله لبني المصطلق لكي يقوم بجمع الزكاة منهم، وما إن وصل إليهم ظنوا أن النبي قد أرسله إليهم لغضبه عليهم لأنهم تأخروا في دفع الزكاة وظنوا فيه ظن السوء، فطردوه شر طردة وعاد مدبرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه ما حصل فذهب لهم النبي بنفسه.
أما عن تفاصيل تلك الوقعة فلقد رواها الحارث بن ضرار الخزاعي سبد بني المصطلق، وقال في ذلك:
“قدمت على رسول الله فدعاني إلى الإسلام فأقررت به ودخلت فيه ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فترسل إلى رسولا لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان، احتبس رسول الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله…”
“…فدعا سروات قومه فقال لهم: إن رسول الله قد وقت وقتا يرسل إلى رسوله لقبض ما عندي من الزكاة، وليس من رسول الله الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا فنأتي رسول الله، وفي الوقت الذي خرج فيه الحارث للحضور عند رسول الله بعث رسول الله الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما عنده من الزكاة، فلما سار الوليد وقطع بعض الطرق خاف ورجع والتقى برسول الله وقال: له إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فبعث رسول الله جماعة إلى الحارث فالتقت به وبأصحابه، فقال الحارث لهذه الجماعة إلى من بعثتم؟”
“…قالت إليك، قال: ولم؟ فقالت له إن رسول الله بعث إليك الوليد بن عقبة، فمنعته الزكاة وأردت قتله، فقال الحارث: والذي بعث محمدا ما رأيت الوليد وما رآني، ثم دخل الحارث على رسول الله فقال له الرسول: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ فقال للرسول: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول نبي الله خشيت أن تكون سخطة من الله ورسوله، فنزلت الآية السادسة من سورة الحجرات”
اقرأ أيضًا: علاج الخوف من الموت بالقرآن الكريم
سورة الحجرات
إن سورة الحجرات قد نزلت بعد نزول سورة المجادلة وقبل نزول سورة التحريم، ولقد نزلت في العام التاسع للهجرة أما عن ترتيبها من حيث نزول سور القرآن فهو مائة وثمانية، أما ترتيبها في فهرس سور القرآن الكريم فهو التاسع والأربعون، وهي تمثل ثلاثة أرباع الحزب رقم أربعة وخمسون من الجزء السادس والعشرين للقرآن الكريم، كما أنها نزلت في المدينة المنورة وعدد آياتها هو ثمانية عشر آية.
لقد ورد ذكر الحجرات التي كانت تسكنها أمهات المسلمين رضي الله عنهن جميعًا من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، كما أكد على وصفها بسورة الحجرات وسبب نزولها الثاني هي قصة نداء أفراد من بني تميم للرسول صلى الله عليه وسلم من خلف حجرته.
في ذلك روى عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه قائلًا: “أنّه قدم ركب من بني تميم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلّا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت فيهم هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ“
أما عما يخص حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو أنه كان هناك قوم جاهلون من العرب، يتعمدون مناداة النبي من خلف حجرات نسائه لكي يخرج إليهم وكان ذلك يؤذي النبي في أهل بيته وفي نفسه، فنزلت لكي تكون درسًا لهم ولغيرهم والدرس هو أن لكل بيت من بيوت الناس وليس بيت النبي فقط حرمته التي يجب مراعاتها.
كما اشتملت سورة الحجرات أيضًا على ذكر بعض الآداب العامة والعظات التي تعين المسلمين على أمور دينهم ودنياهم، لكي يتعلموا آداب العامة ومراعاة خصوصية الغير والتحلي بمكارم الأخلاق، بالإضافة إلى آداب الحديث والمناقشة مع النبي صلى الله عليه وسلم وآداب الحديث بشكل عام، بألا يرتفع صوتنا أثناء الكلام وألا نقاطع بعضنا البعض أثناء الكلام.
اقرأ أيضًا: علاج سلس البول بالقرآن الكريم
الدروس المستفادة من سورة الحجرات
لقد اشتملت آية (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق…)، وكذلك سورة الحجرات بأكملها على دروس وعبر، يجب على المؤمن أن ينظر إليها بعين الاعتبار وأن يدرك مدى القيم الأخلاقية التي يجب على المسلم أن يتحلى بها في حياته، ومن أبرز الدروس المستفادة من سورة الحجرات ما يلي:
- الالتزام بالآداب العامة والتحلي بمكارم الأخلاق وحسن التأدب والتهذب.
- الانتهاء عن أساليب السخرية والاستهزاء بالغير.
- حب التخفيف من الشحناء والبغضاء بين الناس والحرص على تحقيق الألفة بين القلوب، وذلك من خلال إحسان الظن بالغير وبث المحبة والألفة بين الناس.
- تجنب الهمز واللمز والتنابز بالألقاب.
- الامتناع عن تتبع عورات الناس وكشف خصوصياتهم المستورة.
- ضرورة وضع منهج شامل يتضمن أصول تربية الفرد وتهذيب الجماعات.
- الحرص على تأدية ما يأمر به الله والانتهاء عن نواهيه.
- تعلم كيفية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- التأكد من أن الناس جميعهم ينتمون إلى أصل واحد ولقد تفرعت منهم الشعوب والقبائل والأجناس واختلفت لكي يتعارفوا إلى بعضهم البعض ويعمروا الأرض.
- عدم تصديق ما تنطق به أفواه السفهاء الجاهلين المغرضين الذين يتلفظون بأخبار وأنباء وأحاديث باطلة عن الناس ويخوضون في أعراضهم.
من خلال التعرف إلى آية يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق عن كثب، يمكننا ملاحظة أن القرآن الكريم لم يترك صغيرة وكبيرة إلا وتحدث عنها واهتم بها.