ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم
ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم على موقفه في نشر الدعوة الإسلامية، برغم كل ما قاساه من عذاب من ثومه أو من أهله أو ممن كانوا أصدقائه، وبرغم كل ما قاساه ظل متثبتًا على رأيه ولم يتشتت ولم يهتز صلَّ الله عليه وسلم بل زاده ذلك إصرارًا على الحق، ومن خلال منصة وميض نتعرف على قصص ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم
حاول المشركون إجبار رسول الله على التنازل عن الدعوة بكل الطرق الممكنة التي يستطيعون إليها سبيلًا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قابل جميع تلك المساومات بالرفض التام، فقد حاولوا إغراءه بالمال والسلطة لكنه رفض، وحاولوا التأثير عليه بالحديث لكنه رفض، ثم لجأوا لأقرب الناس إليه حتى يكف عن الدعوة، لكنه لم يسمع لهم.
لأنه لم يستوحي ذلك الدين من نفسه بل كان أمرًا منزلًا من عند الله، وكان مأمورًا بتبليغ الرسالة، ونعرض تلك الأساليب في ضوء ما رواه الرسول الكريم وما روي عنه صلَّ الله عليه وسلم في الآتي:
1- أسلوب الترغيب في المال والسلطة والمكانة
أول الأساليب التي اتبعها الكفار مع رسول الله كان أسلوب الترغيب في المال والسلطة والمكانة فعن جابر رضي الله عنه قال:
(أَرْسَلَتْ قريشٌ ، عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ – وهو رجلٌ رَزِينٌ هادىءٌ – فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : يا ابنَ أَخِي ، إنك منا حيثُ قد علمتَ من المكانِ في النسبِ ، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتَهم ، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورًا لعلك تقبلُ بعضَها . إن كنتَ إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعْنا لك من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالًا . وإن كنتَ تريدُ شَرَفًا سَوَّدْناكَ علينا فلا نَقْطَعُ أمرًا دونَك . وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا . وإن كان هذا الذي يأتِيكَ رِئْيًا تَرَاه لا تستطيعُ رَدَّه عن نفسِك ، طَلَبْنا لك الطِّبَّ ، وبَذَلْنا فيه أموالَنا حتى تَبْرَأَ . فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ صَدْرَ سُورَةِ فُصِّلَتْ : حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا ؛ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ . قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ .حتى أكمل الرسول إلى قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).
ثم طلب عتبه من النبي أن يكف عن القراءة إلى أن خرج من عنده، فشعرت قريش أن عتبه يميل إلى رسول الله، فجمعوا الجمع وذهبوا ليتحدثوا مع عتبة في بيته ليقوموا بلومه على صمته أمام محمد، وليعرضوا عليه مالًا أكثر حتى يقوم بمحاولة أخرى مع محمد صلَّ الله عليه وسلم.
لكن بعد ذهابهم إلى عتبة بن ربيعة وسؤاله قال لهم أنتم تعلمون أني لا أحتاج لذلك المال، وتعلمون أني أكثر قريش مالًا، لكن ما منعني من الخروج إليكم والتحدث معكم أن محمد تلا عليَّ الآيات، وقرأ من بداية سورة فصلت حتى وصل لقوله تعالى:
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ).
كما أخبرهم عن الخوف الذي انتابه بعد سماع تلك الآيات، لأنه يعلم وقريش كلها تعلم أن محمد صادق فيما يقول، فأمسك بفم النبي وناشده حتى يكف عن القراءة، خوفًا من أن يتنزل عليهم العذاب الأليم.
اقرأ أيضًا: لماذا نهى الرسول عن النوم بين الظل والشمس
2- استخدام المفاوضات والمساومة مع النبي
فبعد أن رأت قريش ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد محاولة الإغراء التي قاموا بها، حاولوا استخدام طريقة أخرى أشد وهي المساومة، حتى يتوقف عن نشر دعوة الإسلام.
تنص هذه المساومة على التسوية بين الإسلام والكفر وتكون عن طريق تنازل محمد صلَّ الله عليه وسلم عن بعض مبادئ الإسلام مقابل تنازلهم عن بعض مبادئ الكفر، حيث هم يعبدون إله محمد سنة ومحمد يعبد إلهاهم مدة سنة فانتظر الرسول الوحي من عند الله فيقول الله تعالى:
(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) سورة الكافرون.
قال تعالى في سورة الزمر من الآية 64 حتى الآية 66 (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
3- مفاوضات عن طريق عم النبي صلَّ الله عليه وسلم
فمن محاولات التأثير على ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، إرسال أعز من لديه وهو عمه أبو طالب الذي قام على تربيته بعد وفاة جده وأمه، حتى يحثه ويؤثر فيه ويتراجع عما هو مقبل عليه.
حيث أنهم ذهبوا لأبي طالب عدة مرات حتى يثني ابن أخيه عن دعوته لكن محمد رفض، كانوا يريدون إما أن يكف محمد عن دعوته وإما أن يعطي يسلم أبو طالب ابن أخيه لقريش لكنه رفض، فذهبوا إليه وحاولوا مره أخرى وطلبوا منه أن يعطيهم محمد عليه الصلاة والسلام مقابل فتى فتيّ قوي يكون له لكنه رفض.
فبعث أبي طالب لمحمد يقول له يابن أخي إن القوم جاؤوا إلى وحملوني، فأخاف عليك وعلى نفسي فظن النبي أن عمه قد خذله وقال له والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، ثم أصابته العبرة وبكى وقام ليذهب عن عمه، لكنه ناداه وقال له أذهب يابن أخي فقل ما تحب فوالله لا أسلمك لأحد أبدا، ومضى النبي في دعوته.
اقرأ أيضًا: ماذا قال الرسول عن قبيلة حرب
4- طلب علامات ومعجزات على نبوة الرسول
فقد طلبوا ذلك ليس على سبيل التصديق بل كان على سبيل التعجيز، وهو طلب حدوث أمور خارقة للعادة؛ حتى يعترفوا بنبوته صلَّ الله عليه وسلم، وكانت تلك أيضًا من محاولاتهم البائسة؛ حتى يؤثروا على ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم بالسلب، وإن لم يأتي بمعجزات فلم يؤمنوا به.
فمن الآيات الكريمة التي تدل على تعنتهم قوله تعالى(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولً) سورة الإسراء:90-93.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال(انْشَقَّ القَمَرُ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِلْقَتَيْنِ، فَسَتَرَ الجَبَلُ فِلْقَةً، وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الجَبَلِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ).
فقد انشق القمر في عهد رسول الله لدرجة أن الحرا بين الفلقتين ظهر واضحًا لكل إنسان، لكن ما فعلته قريش بعد تلك الحادثة برغم أنهم هم الذين طلبوا الآيات تلك، إلا أنهم قالوا قد سحرنا محمد، فنزلت الآيات الكريمة من بداية سورة القمر تثبيتًا لتلك الحادثة فيقول الله تعالى:
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
فالعناد أوصل بهم إلى جحود الحقيقة الواضحة أمام أعين الناس جميعًا فلم يكن غرضهم من البداية الإيمان بل كان غرضهم فقط السخرية والتعجيز، وكيف نظن الإيمان والتصديق بمن قالوا (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، ففضلوا طلب العذاب الأليم عن طلب الهداية من الله سبحانه وتعالى.
اقرأ أيضًا: هل أبو جهل عم الرسول
5- التضييق على النبي وحبسه في شعب بني طالب
فلم يكن التضييق على النبي وحده بل كان على أصحابه وأهله وجميع من آمن به، فقد منعوا من المسلمين تجارتهم وأموالهم لمدة ثلاث سنوات، حيث إنهم أجمعوا على مقاطعة تجارتهم ومقاطعتهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وكتبوا بذلك معاهدة قام بالاتفاق عليها كل القرشيين فقاموا بمقاطعة كل بني هاشم وجميع بني عبد المطلب.
حتى سلط الله على تلك الصحيفة التي تم عليها الاتفاق حشرة صغيرة أكلتها كلها إلا ما كان فيها من ذكر الله فأسرع عبد المطلب إليهم، وساومهم على انتشار هذا الخبر أمام أن يفكوا الحصار أو ينتشر في جميع أنحاء مكة هذا الخبر، وتم فك الحصار عن المسلمين في السنة العاشرة من البعثة.
مارس الكفار كل الأساليب حتى يؤثروا على ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هيهات لما فعلوا فلم يستطيعوا التأثير على النبي الكريم بل زاده عنادهم وكفرهم به إصرارًا على إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام.