مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها
ما مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها؟ تم العمل على تطبيق فكرة الاستدامة منذ سبعينيات القرن الماضي، هذا ما ظهر جراء تلك الممارسات التي تجعل هناك استهلاكًا كبيرًا للموارد لا يضاهيه إنتاج تعويضي، ففي محاولة للحفاظ على تلك الموارد من الإهدار الجارف لها إلى حد الاندثار جاءت الاستدامة، ومن خلال منصة وميض سنعني بتقديم مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها ومتطلباتها وكذلك أهميتها في الدول.
مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها
عندما نعني بتعريف التنمية بمعناها الأشمل فنشير إلى أنها إحداث تطوير محقق في كافة المجالات، التطوير الذي يُبنى على الخطط الموضوعة لا عبثًا، والتنمية لها أنواع آخر صورها هي التنمية المستدامة التي لم تعني بتوفير الاحتياجات الأساسية فقط ولا تطوير العنصر البشري فقط بينما جاءت لهدف أبعد وأسمى وهو السعي إلى الحفاظ على ما للأجيال القادمة من حقوق.
جاءت التنمية لغة من النماء والوفرة، واصطلاحًا تتحدد بناء على ما تعني به من مضمون، فعندما نقول تنمية مستدامة فهذا يعني عملية التغيير الإرادي في المجتمع في كافة المجالات ليتنقل إلى وضع أفضل مما هو عليه، هذا ما يتجلى من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
تنقسم التنمية المستدامة إلى ثلاثة مجالات، ما بين المجتمع والبيئة والاقتصاد، نستطيع توضيح الأمر إيجازًا وبشكل مبسط عند العلم بأنها عملية التطوير التي تعني بالاستفادة من الموارد باستخدام العوامل البيئية، لتحقق الاستفادة الكاملة للمجتمع، فكانت تسمى قديمًا باسم علم البيئة والاقتصاد والإنصاف، فعنصر العدالة بين الأجيال القادمة والحاضرة هو ما يلقى على عاتق التنمية المستدامة.
من خلال أهدافها نجد أن قضاياها تتضمن أمور شتى منها التخلص من الفقر والأمية والبطالة وما إلى ذلك، أي تحقيق التنمية الاجتماعية، كذلك تعني بنشر الوعي وتحسين صحة الفرد والاهتمام بثقافته التنموية لترسيخ فكرة الاستدامة، أي تحقق التنمية البشرية، كذلك تهدف إلى حماية المحميات الطبيعية والمحيطات والمظاهر الطبيعية بكافة أشكالها وتحاول القضاء على ظواهر التغيرات المناخية، هذا ما يُكمل تحقيق مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها.
اقرأ أيضًا: رؤية 2030 في التعليم ومراحل تنفيذها والأهداف الاستراتيجية لها
شروط تحقيق التنمية المستدامة
حتى يتسنى للمجتمع الاستفادة من ثمار تحقيق التنمية المستدامة وفوائدها، يجب أن يتم تحقيقها بناء على عدة شروط أساسية لا تجدي دونها، هي التي تتضح فيما يلي:
- إن التنمية المستدامة طويلة الأمد، هذا لأنها تأخذ وقتًا ليس بالقليل في التطبيق كذلك لا يتم جني آثارها إلا على المدى البعيد، وغنى عن البيان أنها معنية بالأجيال القادمة لذا لا عجب في كونها طويلة الأمد.
- تعمل التنمية المستدامة على التوازن بين الموارد واستثمارها، أي تجعل هناك خطط معنية باستخدام الموارد وتنظيم ذلك والحاجة إلى العمليات الاستثمارية، فلا ينبغي أن ينعدم الترابط فيما بينهما وإلا ما حققت التنمية المستدامة أهدافها.
- لا ينبغي أن تتهاون التنمية المستدامة في الموارد الطبيعية، فهذا يُلقى على عاتق هدفها الأسمى، الأمر الذي لا يتسنى دون خطط موضوعة.
- ليس على التنمية المستدامة في إطار توفير حقوق الأجيال القادمة أن تهمل الاحتياجات الأساسية لكل فرد، والتي لا غنى عنها لعيش حياة كريمة.
- لا ترتكز التنمية المستدامة على القيمة من وراء النمو الاقتصادي بقدر ما ترتكز على نوعية العائد المحقق من النمو وكيفية توزيعه على النحو العادل، الأمر الذي يستتبع تحسين الظروف المعيشية.
- إن الاستدامة في النظم الإنتاجية يعد بذاته أساس الوقاية من الانهيار في الدول النامية.
- العائد من التنمية المستدامة لابد وأن يشمل كل ما يعود بالنفع على المجتمع في كافة الجوانب وليس فقط ما يرتبط بالتكلفة والعائد المادي، ذلك لأن هناك مردود واضح للآثار البيئية غير المباشرة والتكلفة الاجتماعية التي تصاحبها.
- تتطلب الاستدامة تعزيز استخدام وسائل تقنية أكثر توافقًا مع البيئة، حتى تحد من الخلل البيئي.
أهمية التنمية المستدامة
في حديثنا عن مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها نذكر أن التنمية المستدامة هي حزمة معقدة من الحيثيات، مرتكزها الأساسي هو العنصر البشري الذي من شأنه أن يدفع عجلة التنمية إلى الأمام محققة أهدافها المنوطة بها، فتتجلى أهمية التنمية المستدامة فيما يلي:
- حماية التنوع البيولوجي: بيد أن التنمية المستدامة هادفة إلى تعزيز الاستثمارات في الموارد المتجددة، تلك التي لا تنم عن تلوث للبيئة بأي من أشكاله، وبناء عليه تعمل على الحد من التلوث علاوة على المحافظة على التنوع البيئي بمختلف أنواعه.
- استخدام طرق الزراعة المستدامة: الأمر الذي يعني تنفيذ المتطلبات التكنولوجية التي تحتاجها الزراعة مثل تقنية زرع البذور الجديدة وغيرها مما يؤدي إلى تقليل تلف التربة، كذلك زيادة الإنتاج على المدى البعيد.
- إدارة تقلب المناخ: تهدف التنمية المستدامة إلى الحد من استخدام موارد الطاقة غير المتجددة التي ينبعث منها ما يلوث البيئة ويجعلها معرضة للمخاطر على المدى البعيد، الأمر الذي يتسبب في زيادة الاحتباس الحراري، تلك المشكلة الجسيمة التي لا يحمد عقباها.
- الثبات المالي: نعني بالثبات هو حالة الاستقرار التي تنتج جراء ممارسات التنمية المستدامة وآلية تنفيذها، ولا عجب في ذلك عندما نجد أن هناك فرص عمل جديدة قد خلقت جراء تطوير التقنيات الذي عنيت به الاستدامة.
- توفير الاحتياجات الأساسية: غنى عن البيان أن التنمية المستدامة تلقي على عاتقها الإلمام بكافة الاحتياجات الرئيسية التي يتطلبها الفرد وتحتاجها استمرارية المجتمع على وتيرة سليمة، هذا ما يتضح في المأوى والطعام والماء وما إلى ذلك.
أهداف التنمية المستدامة
علمنا من خلال توضيح مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها أنها تهدف إلى تحسين معيشة الأفراد دونما الإخلال والإفراط في استخدام الموارد الطبيعية، لذا تتجلى أهدافها في الأمور التي تؤثر بشكل مباشر على الظروف المعيشية، لتكون أهدافها كما يلي:
- ضمان قدر كاف من المياه وإرشاد استخدامها الأمثل، هذا في إطار التنمية الزراعية والحضرية، كذلك تأمين حصول كافة المناطق على النسبة التي تحتاجها من المياه والموارد العذبة وما إلى ذلك.
- زيادة الإنتاجية الاقتصادية من خلال الرعاية بالصحة، وترشيد الوعي لدى الأفراد وتعزيز اتباع الأمور الوقائية، زيادة في الأمان الصحي.
- كذلك توفير معايير مناسبة للهواء غير الملوث والحماية من الضوضاء، للاهتمام بصحة الأفراد.
- حماية الموارد البيولوجية يعد من أهم أهداف التنمية المستدامة.
- ضمان وجود إمداد كافي للمرافق العامة والمواصلات.
- الاستخدام المثالي للغابات والأراضي الزراعية وكذا الموارد المعدنية.
- الحصول على السكن المناسب بكافة معاييره، بما يتضمن الصرف الصحي الجيد وتوفير لوازم المعيشة الآدمية.
- تعزيز الإنتاج الزراعي لاستهداف الأمن الغذائي، حتى يتسنى للمجتمع تحقيق الأمن الاقتصادي، الأمر الذي يرتبط كل الارتباط بالأمن القومي.
- ضمان الاستخدام المستدام لكافة متطلبات العيش، لعدم الإجحاف بحقوق الأجيال القادمة.
- الاستخدام الأمثل لرأس المال، من خلال تقديم السلع والخدمات بأفضل الأسعار التي تلبي الاحتياجات الفردية والمجتمعية.
- زيادة الكفاءة الاقتصادية من خلال زيادة فرص العمل، وأيضًا دعم المشاريع الصغيرة لضمان حصول الشباب على الوظائف التي تدر عليهم أرباحًا مناسبة.
- تعزيز نهج مستدام في أمور البناء والتعمير.
- تعزيز أنشطة البحث والتطوير في إطار الاعتماد على تكنولوجيا المواد الجديدة والمعلومات والاتصالات.
- اعتماد الآليات التكنولوجية القابلة للاستدامة.
- ابتكار استراتيجيات جديدة للتكنولوجيا.
- تحقيق ما تنطوي عليه التنمية المستدامة في الاقتصاد المبني على المعرفة والعلم.
- تحسين أداء المؤسسات من خلال إدخال بعض المدخلات التي تقوم على التكنولوجيا الحديثة.
اقرأ أيضًا: موضوع تعبير عن الزيادة السكانية من حيث الأسباب ومقترحات الحل
المؤشرات الأساسية للتنمية المستدامة
من الضروري في حديثنا عن مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها أن نشير إلى تلك المتطلبات التي تدل على وجود الاستدامة في طريقها الصحيح والتي تستند عليها التنمية المستدامة، تتمثل فيما يلي:
- التنمية عملية مجتمعية يساهم فيها كل قطاعات المجتمع وموارده.
- هي عملية مستمرة وليست حالة وقتية، على أنها متصاعدة أيضًا لكونها تعبر عن تجدد الاحتياجات الفردية والمجتمعية وتزايدها يومًا بعد يوم.
- عملية موجهة لا تسير عبثًا وإنما هي إرادية نابعة من رغبة في التغيير، تلك الإرادة التنموية التي تستتبع تحقيق الغايات وتلتزم بها ولها القدرة على ذلك.
- التنمية المستدامة عملية واعية مخطط لها لا عشوائية، بل لها غايات محددة تهدف إلى تحقيقها، كذلك لها استراتيجيات تسير وفقًا لها وهي طويلة المدى ليست محددة بزمن معين.
- كذلك نجد أن التنمية المستدامة تستند إلى كونها عملية شاملة لا تقتصر على تحول وتطور معين، بل تشهد تحولات كاملة على الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
- تعمل على تحقيق تطور منتظم عبر فترة زمنية طويلة حتى يتسنى للتنمية أن تكون مستمرة لا تقتصر على فترة زمنية بعينها.
- إن الاستدامة تسعى إلى إيجاد طاقة إنتاج ذاتية الأمر الذي يُبنى على قاعدة إنتاجية فردية ومجتمعية، مرتكزاتها محلية متكاملة.
- ترتكز التنمية المستدامة على تزايد القدرات المجتمعية بكافة الجوانب، وزيادة متوسط إنتاجية الفرد.
تحديات التنمية المستدامة
في إطار العلم بمفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها لا ينبغي إغفال تلك التحديات التي من شأنها أن تقف عائقًا أمام تحقيق الأهداف التنموية الخاصة بالاستدامة، والتي تتضح من خلال ما يلي:
- قد تواجه بعض الدول صعوبة في تطبيق مبادئ الاستدامة على نحوها الصحيح، حيث لم يتسنى لتلك الدول أن تحمي حقوق أجيالها القادمة في وسائل النمو في كافة المجالات، وبناء عليه لا تزال تلك الدول في إطار تنمية الأجيال الحالية على حساب أبناء المستقبل.
- أمر استهلاك الموارد بإفراط لم يتم السيطرة عليه بعد، فالكثير لا يعلم كيف يمكن ترشيد استخدام الموارد حتى يتسنى له الحفاظ عليها، لذلك يحتاج المواطنون إلى وعي دائم حول الأمر.
- ربما لا تتمكن بعض الدول في إطار تحقيق بنود الاستدامة من التخلص من التلوث بكافة أشكاله، الأمر الذي يستتبع استنزاف الموارد بشكل مبالغ، واستنزاف الموارد لا يقترن مع تحقيق التنمية المستدامة.
- لعل الفساد في بعض الدول هو أكبر تحدي أمام تحقيق التنمية المستدامة على النحو الأمثل، بيد أن معالجة هذا الفساد من ضمن الأهداف التنموية للاستدامة.
- الزيادة المطردة في عدد السكان، تعزز من تعقيدات التنمية المستدامة.
- انتشار الفقر في البلدان النامية بالحد الذي لا يمكن السيطرة على توابعه.
- عدم الاستقرار السياسي الذي ينتج عن غياب الأمن والأمان.
- محدودية الموارد وسوء استغلالها بشكل يجعلها تتعرض إلى النقص الحاد.
اقرأ أيضًا: رؤية 2030 في التعليم ومراحل تنفيذها والأهداف الاستراتيجية لها
علاقة التنمية المستدامة بحقوق الإنسان
ينبغي في حديثنا عن مفهوم التنمية المستدامة وشروط تحقيقها أن نشير إلى أن شروط تحقيق التنمية المستدامة تتعلق بأمر حقوق الإنسان للتمكن من تلك الحقوق على النحو الأمثل، حيث إنه من أهم ما يمكن فعله لتفعيل مبادئ التنمية المستدامة يتشابه مع تلك المبادئ التي تقوم على أساسها حقوق الإنسان، وعلى كلٍ نجدها أتت على النحو التالي:
- تكافؤ الفرص، الأمر الذي يستدعي عدم التمييز والمساواة، سواء كان هذا التمييز يتم ممارسته ضد المرأة أو الأقليات وما إلى ذلك.
- عدم تهميش الفرد أو إغفال حقوقه الأساسية.
- حق المشاركة في التنمية بالدولة.
- حق المشورة في اتخاذ القرارات.
- العدالة الاجتماعية في توفير احتياجات المعيشة، فلا مجال للفوارق الطبقية.
- تنظيم الموارد وتوزيعها توزيعًا عادلًا بين مستحقيها.
- المساواة بين أبناء الجيل الواحد، علاوة على المساواة بين الأجيال الحاضرة والقادمة، الأمر الذي ينطوي على مفهوم الاستدامة.
- هذا ما يستتبع عدم توفير راحة الأجيال الحاضرة بناء على تلك الديون التي ستعجز الأجيال القادمة بالفعل على التصدي لها في كافة النواحي.
- تحقيق الأهداف التنموية وانتفاع كل فرد بها هو جوهر حقوق الإنسان.
- الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم إهدارها عبثًا.
- المحافظة على طاقة الإنتاج.
إن التنمية المستدامة من شأنها أن تخلق توازنًا محققًا بين البيئة ومكوناتها، هذا التوازن الذي يشهده الإنسان ويستفيد منه، فهي تخلق إطارًا من العدالة بين الجيل الحاضر وما يعقبه من أجيال، فلكلٍ الحق في الاستفادة من موارد البيئة بالحد الذي يخول له المُضي إلى الأمام.