الحالات التي لا يقع فيها الطلاق

الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هي التي لا ينفذ فيها يمين الطلاق أو الحلفان بالطلاق من الرجل على زوجته، وتكمن أهمية معرفة هذه الحالات في تمييز كلًا من الرجل والمرأة بين الحالات التي لا يقع فيها الطلاق من الحالات التي يقع فيها بالفعل، لذا سنتعرف الآن من خلال منصة وميض إلى الحالات التي لا يقع فيها الطلاق ورأي أئمة الدين بها وحكم الشرع فيها.

الحالات التي لا يقع فيها الطلاق

إن المقصود بجملة الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هي الحلات التي يكون فيه يمين الطلاق باطلًا ولا أساس له من الصحة، وتلك الحالات محددة من قبل الشريعة الإسلامية والسنة النبوية منذ حداثة عهد الدين الإسلامي، أما هذه الحالات التي لا يقع فيها الطلاق ويبطل، فهي تتمثل في:

1- الطلاق في حالة الغضب المغيب للعقل

لقد ذهب الفقهاء وعلماء الدين الإسلامي إلى أن يمين الطلاق إذا وقع من الزوج على زوجته وهو في حالة عارمة من الغضب، فإنه يكون باطلًا، وذلك لأنه يكون في هذ الحالة خارجًا عن حدود الوعي والإدراك ولا يفقه ما يقوله أو يفعله وتسمى تلك الحالة بالإغلاق، وسميت بهذا الاسم لأن الإنسان فيها يكون قد أغلق عقله تمامًا حتى بات كالمجنون الذي لا يعقل ولا يفقه شيئًا.

إن ما يؤكد صحة بطلان الطلاق في هذه الحالة هو ما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “لا طلاق ولا عِتاقَ في غِلاقٍ

روته: السيدة عائشة رضي الله عنها، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود

حكم الحديث، صحيح حسن الإسناد.

كما قد ذهب كل من الإمام بن عابدين الحنفي والإمام بن القيم الجوزية مع فريق آخر من علماء وفقهاء الدين إلى أن الغضب الذي يبطل فيه الطلاق هو الغضب الذي يصل فيه صاحبه إلى حد أنه لا يدرك ولا يعي ما الذي يقوله أو يفعله، وإنما يكتفي فيه بغلبة بالهذيان على الرجل وإصابة أقوله وأفعاله بالاختلال.

هنا يمكن القول بأنه لا قيمة لما يقوله أما في حال كان يعلم امرأته ويريدها، فإن تلك المعرفة والإرادة لم تحدث عن إدراك صحيح.

اقرأ أيضًا: حضانة الأولاد بعد الطلاق إذا تزوجت الأم

2- الطلاق في حالة السكر التام

في الواقع يوجد فرق بيّن فيما بين حك طلاق السكران المعتدي بالسكر وطلاق السكران الغير معتدي، ولقد قسم الفقهاء وعلماء الدين حالة السكران الذي بلغ به السكر إلى حد الهذيان وخلط الكلام الذي لا يذكر منه شيئًا بعد أن يستفيق من سكره إلى قسمين.

القسم الأول وهو السكران الغير المتعدي بالسكر أي الذي يكون له عذرًا مقبولًا عندما يشرب الخمر، مثل الذي شربه وهو لا يعلم أنه مسكر أو من قام بتناول دواء ما وقد تسبب في ذهاب عقله وإسكاره، أو من أجبر على الشرب وهنا لا يقع الطلاق أبدًا إلا بالإجماع.

أما القسم الثاني فهو السكران المتعدي بالسكر أي الذي يقدم على شرب الخمر والسكر باختياره ومحض إرادته وإدراكه التام، وهذا يقع طلاقه ويبطل بإجماع الفقهاء وعلماء الدين في المذاهب الأربعة، وإيقاع الطلاق عليه هنا سوف يكون من باب الزجر عن المعصية والتعنيف والعقاب لكيلا يرتكب خطأه هذا مرة أخرى.

لقد مال إلى عدم وقوع طلاق الرجل في هذه الحالة كلًا من الطحاوي وزفر من الحنفية وأحمد في رواية عنه، والمزني من الشافعية ولقد روي ذلك عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أهم قالوا:

أنه فاقد للقصد والإدراك، والتغليظ والزجر ليس سببًا كافيًا لإيقاع طلاقه، لأنه حاصل بوجوب الحد عليه” ولقد أخذت بهذا الرأي غالبية قوانين الأحوال الشخصية العربية

3- الطلاق في حالة الجنون

لقد ذهب العلماء والمتفقهين في الدين إلى أن طلاق المجنون لا يصح ولا يقع وكذلك المغشى عليه أو النائم ويهذي أثناء نومه، كما لا يقع أيضًا بالنسبة إلى الشخص التي اعترته الدهشة إلى حد لم يستطع فيه السيطرة على انفعاله نتيجة للحزن أو الخوف أو الغضب، فذلك جعله لا يفقه ولا يدرك ما يقوله أو ما يفعله.

لقد روي في ذلك على بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ“، وبالفعل ذات يوم في عهد أوائل الخلفاء الراشدين حدث موقف مشابه وأكد صدق هذا الحديث وصحته وهو:

“أُتِي عمرُ بمجنونةٍ، قد زنت فاستشار فيها أناسًا، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ، فمرَّ بها على عليِّ بنِ أبي طالبٍ فقال: ما شأنُ هذه؟ قالوا: مجنونةُ بني فلانٍ زنت، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ. قال: فقال: ارجِعوا بها، ثمَّ أتاه فقال: يا أميرَ المؤمنين، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ؟ قال: بلَى، قال: فما بالُ هذه تُرجَمُ؟ قال: لا شيءَ، قال فأرسِلْها، قال: فأرسِلْها، قال: فجعل يُكبِّرُ

رواه عبد الله بن عباس، وحدثه الألباني، المصدر: صحيح أبي داوود

حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.

4- الطلاق في حالة الإكراه

يقصد بالطلاق المكره هنا هو أن يتم إجبار الرجل على تطليق زوجته وهذا من خلال أن يتم ترهيبه بشيء لا يتحمله ولا يطيقه، مثل الضرب المبرح أو القطع أو القتل وغيره من وسائل التنكيل الأخرى، وذلك لأن الإكراه يحول دون وقوع الطلاق عند كلًا من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنابلة، ولقد رأوا ذلك لأن الطلاق بالإكراه يكون عن غير قصد وإنما طلق بهدف دحض الأذى عن نفسه.

5- الطلاق في حالة الخطأ

إن الطلاق في حالة الخطأ هو واحد من أبرز الحالات التي لا يقع فيها الطلاق ويقصد بها ما يحدث من خطأ في النطق بالكلام، بمعنى أن يكون الرجل يقصد قول شيء معين ولكن ينفلت لسانه عن غير عمد فيسبق إلى قول الطلاق فمثلًا من الوارد أن يقو الرجل لزوجته أنتِ طالعة فيتعثر لسانه ويقول أنتِ طالقة، وهنا ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن هذا الطلاق لا يقع في حال دلت القرائن على أن ما حدث كان عن طريق الخطأ ليس إلا.

أما بالنسبة إلى فريق الحنفية فقد ذهب إلى أن طلاق المخطئ يقع قضاءً في حال ثبوت خطأه من عدم ثبوته، وذلك لما ينطلي عليه أمر الطلاق من خطورة بالغة ولأنه أيضًا في حال عدم وقوع هذا الطلاق، سوف ينفتح باب الادعاء بهذا من غير حق أي أنه يجب إيقاعه لكي يتم إبطال أي ذرائع لاحقة.

اقرأ أيضًا: هل يقع الطلاق على الحامل

6- الطلاق في حالة الدهشة

طلاق المدهوش واحد من الحالات التي لا يقع فيها الطلاق والمدهوش هو الشخص الذي سيطرت عليه انفعالات الدهشة نتيجة التعرض إلى صدمة قوية أو غضب شديد، ولقد ألحق علماء وفقهاء الدين حكم طلاق المدهوش بحكم طلاق المجنون، وذلك لأن كليهما يكون فاقد القدرة على الإمساك بزمام عقله وإدراكه.

7- الطلاق في حالة الجهل بمفهوم كلمة الطلاق

يذهب جمهور العلماء الشافعيين والمالكيين والحنابلة إلى أن الرجل الذي يطلق زوجته من دون أن يكون مدركًا لما تعنيه لفظة الطلاق لا يؤاخذ في طلاقه، وذلك لأنه لم يتوافر لديه قصد أو إرادة واضحة لمعنى الطلاق المتعارف إليه، فعلى سبيل المثال أن يتم تلقين رجل أجنبي لا يعرف العربية ومعانيها بلفظة الطلاق فيكررها على زوجته، فإن طلاقه هنا لا يقع لكونه لا يفهم معنى الكلمة أو مفهوم اللفظ أصلًا.

8- الطلاق بقصد اليمين

إن المقصود بطلاق اليمين هنا كواحد من الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هو استخدام كلمة التطليق لتأكيد صدق المتحدث، حتى باتت أشبه باليمين أو الحلفان مثل أن يقول الرجل امرأتي طالقة مني إن كنت قد رأيت فلان أو مثل قول عليَّ الطلاق إني لصادق.

لكن ذهب أئمة المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية إلى المؤاخذة بهذا الطلاق حيث إنه لو تحقق المعلق عليه فإن الطلاق يقع بالفعل، ولقد استدلوا في ذلك بعموم النصوص التي لم تقم بالتمييز فيما بين الطلاق المنجز والطلاق المعلق.

كما ذهب فريق آخر من الفقهاء مثل الإمام ابن تيمية ومن بعده تلميذه الإمام بن القيم إلى أن الطلاق المعلق بنية تأكيد الكلام وحث الطرف الآخر على تصديقه هو بمثابة اليمين ولا يقع به الطلاق عند الحنث، وحكمه مثل حكم اليمين العادي من حيث لزوم إخراج كفارة اليمين أي إطعام عشرة مساكين أو إعتاق رقبة أو كسوة عشر مساكين، وإن تعذر كل ذلك فيكفي صيام أيام متتابعة.

9- الطلاق المعلق بقصد المنع أو الحث

يقصد بالطلاق المعلق كواحد ضمن الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هو ترتيب الطلاق على حدوث أمر معين، مثل أن يقول الزوج لزوجته إذا ذهبتِ إلى كذا فأنتِ طالق أو كأن يقول لغيره إذا ذهبت معك فزوجتي طالق، أما عن الطلاق المعين فهو ينقسم إلى نوعين الأول هو الشرطي الذي يقصد فيه الرجل إيقاع الطلاق بالفعل في حال تحقق الشرط، وهذا الطلاق يقع بالفعل وفقًا لما اجتمع عليه الفقهاء.

أما الطلاق القسمي فهو الذي يقصد به الزوج حث زوجته أو حتى تشجيع نفسه أو غيرهما على فعل أمر ما، أو زجرهم ومنعم عن القيام بفعل ما ولا يقصد منه إيقاع الطلاق بالفعل، ولكن قد ذهب أئمة المذاهب الأربعة إلى وقوع هذا الطلاق لعموم النصوص الشرعية.

بينما ذهب فريق آخر منهم مثل ابن تيمية وبن القيم الجوزية وبن حزم الظاهري بأنه لا يقع هذا الطلاق عند الحنث به، ويلزم له كفارة يمين عادية، ولقد تبنت هذا الرأي دور الإفتاء في الحقبة المعاصرة.

10- الطلاق المعلق على مشيئة الله

لقد ذهب أئمة المذاهب الأربع إلى أن الطلاق المعلق على مشيئة الله واحد من الحالات التي لا يقع فيها الطلاق، مثل أن يقول الرجل لامرأته أنتِ طالق إن شاء الله فإن هذا الطلاق لا يقع لأن مشيئة الله لا يضطلع عليها أي إنسان، أما التعليق على مشيئة الله فله حكم التعليق على شرط مستحيل ولقد استند أصحاب هذا الرأي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم “من حلفَ على يمينٍ فقال إن شاء اللهُ لم يحنَثْ

أما الشافعية فقد قيدوا عدم وقوع هذا الطلاق بأن يكون التعليق متعمدًا على الحقيقة وليس على وجه التبرك، مثل الذي تعود أن يقول إن شاء الله للتأدب والتبرك فقط، أما بالنسبة إلى المالكية وأحمد إلى أن تعليق الطلاق على مشيئة الله لا يبطله بل يقع بالفعل.

لقد تبني هذا الرأي ابن تيمية وتلميذه بن القيم الجوزية، ولقد استدلوا على ذلك بآثار مروية في السابق عن عبد الله بن عباس وعن عبد الله بن عمر وعن أبي سعيد الخدري ولكن تلك الآثار لم تثبت صحة أسانيدها عنهم.

11- الطلاق في العدة

ذهب جمهور فقهاء الدين إلى أن المرأة التي طلقت طلاقًا رجعيًا لا تزال في حكم الزوجة، لذلك إذا قام زوجها بتطليقها مرة أخرى وهي لا تزال في شهور العدة فإن هذا الطلاق يقع بالفعل، أما في حال كانت المرأة في عدتها نتيجة طلاق بائن بينونة كبرى أو بينونة صغرى أو معتدة لفسخ أو خلع، فإن عماء الحنابلة والشافعية والمالكية ذهبوا إلى أن هذا الطلاق لا يقع.

أما الحنفية فقد خالفوهم في الرأي وذهبوا إلى أن الطلاق الصريح يقع في العدة من الطلاق البائن بينونة صغرى أو من فسخ أو خلع ولا يقع في حال الطلاق البائن بينونة كبرى.

بالرغم من أن أئمة المذاهب الأربعة مالت إلى صحة وقوع الطلاق أثناء عدة الطلاق الرجعي إلا أن غالبة قوانين الأحوال الشخصية في شتى بلاد الوطن العربي ذهبت إلى عدم وقوع الطلاق في العدة، سواءً كان الطلاق فسخًا أو بائنًا أو رجعيًا وهذا للحد من انتشار حالات الطلاق.

اقرأ أيضًا: ماذا يكتب في ورقة الطلاق

12- طلاق التمثيل أو الحكاية بهدف التعليم أو الإخبار

إن المقصود بطلاق التمثيل كواحد من الحالات التي لا يقع فيها الطلاق هو أن يتفوه الزوج بكلمة الطلاق الصريح وهو يقصد نقل خبر ما أو قراءة نص في واحد من كتب الفقه، أو مثل المعلم الذي يضرب مثلًا ما للطلبة في الدراسة وهو لا يعني الطلاق، ولا يوجد خلاف بين الفقهاء في أن من نقل عن غيره أو حتى عن نفسه طلاقًا سابقًا على سبيل الإخبار أو النقل أو الحكاية.
من خلال معرفة الحالات التي لا يقع فيها الطلاق يجدر بنا الإشارة إلى أنه توجد بعض الحالات الشاذة المخالفة للحالات السابقة يجب عند وقوعها التوجه إلى دار الإفتاء لمعرفة الحكم الصحيح فيها.

شاركنا أفكارك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.